يتحوّل الكاتبُ المتمرّد إلى حملٍ وديعٍ حين يفردُ له السياسيُّ "مكانةً" وهميّة للحظات، ويخرجه الامتنانُ عن طبعٍ مألوفٍ، فيبدي، مثلا، تأثره لأن رئيسًا استقبله في منطقةٍ من النادر أن يستقبل فيها رئيسٌ كاتبًا!
وقد يذهب أبعد ويغرف من قاموسِ الإشادةِ الذي بنى "مجدَه" على هجائه، في تقمّصٍ مريعٍ للشّخوص المتكرّرة في نشرات أخبار التلفزيونات العربيّة.
يتحوّل الكاتبُ الثائرُ إلى "نقيضه" حين يُستدرج إلى منصّات خطابةٍ في ممالك تناصبُ الحريّة العداء، وقد يمتدح الرّعاة وما قدّمت أيديهم للثقافة وللمستقبل وهو الذي كان يرى في وجود أنظمةٍ من هذا النوع اعتداء على هذا "المستقبل" الذي يتغيّر موقعه في الجُمل بتغيّر مواقعه في الحياة القليلة والسريعة.
لماذا يبحثُ الكاتب عن الاستقبال والاعتراف و التكريم والجوائز؟
باستطاعته ممارسة مهنةٍ مربحةٍ، ما دامت الكتابة غير مُربحةٍ في أغلبِ الحالات، بإمكانه ممارسة السياسة على قواعدها المعروفة، أما أن يحوّل الكتابة ذاتها إلى وسيلة لطلب ما يحتاجه من العالم، فتلك مشكلة تنطوي على الكثير من التعاسة وتُحيي الأدبيات القديمة عن الشعراء الشحّاذين في دواوين السلاطين.
الكتابة فنٌّ صامتٌ لا يحتمل الصّخب الذي يثيره الكتّاب الذين أصابتهم "الشّهرة" أو أصابوها  أو الذين يعتقدون ذلك، فتحوّلوا إلى "الإفتاء" في كلّ ما يدور حولهم حتى وإن افتقدوا المعارف والمعلومات التي يتطلّب الإحاطة بها في بعض الحالات، فثمة حروب دبلوماسية ومعارك جيوستراتيجية قد يُستخدم فيها "كاتب معروف" دون أن يدري، فتجده مثلاً ينتقد نظام بلاده وشعبه وحتى نفسه أحيانًا، في موقع الإشادة بقوّة استعماريّة أو بنظام أكثـر فسادًا واستبدادًا.
فكتابة "روايات جميلة" مثلا، لا تشفع لك بإصدار أحكامٍ قاطعةٍ في الاقتصاد والعلاقات الدولية، أو مطالبة الآخرين بحبّك وتمجيدك والإقرار بضرورتك، ولا تجيز لك مطالبة الرؤساء باستقبالك (بالمناسبة، ما الذي تودّ قوله للرؤساء؟) و لا تجيز لك المطالبة بالتكريمات والاعتراف، مثلما لا تجيز لك الكتابة استغلال "صغيرات" في سنّ ابنتك أو حفيدتك (بإمكانك استخدام أسلحةٍ أخرى كغيرك من سكّان غابتنا) ولا تجبرك على نشر صوّرك في وضعيّات ستجعلك موضع دراسات لو يشتغل محلّلو النّفوس كما يجب أن يشتغلوا.
أيها "الكاتب" لماذا تستخدم الكتابة استخداما لا يتلاءم مع طبيعتها، لماذا تمارس كلّ هذا "الابتزاز"؟

    • صعلكة

        أصبح "خطاب الحق" عنوان ضعفٍ في عالم اليوم الذي باتت تتحكّم في مفاصله قوى ولوبيات لا تبالي بالقوانين ولا بالمبادئ التي راكمتها الإنسانيّة في خروجها الفاشل من الصّراعات الدموية. بل إن "التصعلك" تحوّل إلى ما يشبه العرف في العلاقات الدولية،...

    • ضرورة التفكير في المجتمع

        سليم بوفنداسة انتفض المجتمع المدني في ولاية خنشلة ضدّ "الراقي الزائر"، الذي أثار الجدل على مواقع التواصل، ودعا السلطات لفتح تحقيق حول قيّامه بنشاط غير مرخص، في مبادرة حضاريّة تكشف عن وعي الجمعيّات وتحمّلها مسؤوليّة التصدي لآفات ظلّت لفترة...

    • المخفيّ

      حين مات محمد ديب لم تجد وسائل الإعلام الوطنيّة، مادة سمعية بصريّة عن الكاتب تقدّمها للجمهور، كان ذلك سنة 2003، أي قبل ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، وكان محمد ديب أكبر كاتبٍ جزائري، عاش عمرًا مديدًا يكفي لاستدراجه إلى توثيق يخدم...

    • اختراق

      شهدت الفترة التي تلت اندلاع الحرب المدمرة على غزة، تسخير ذباب إلكتروني لتسفيه الخطابات المؤيدة للفلسطينيين، ويمكن أن نقرأ ما يندى له الجبين في تعليقات عربيّة على الجهود الدبلوماسيّة لوقف المذبحة، أو على التضامن مع الضحايا، حيث...

    • خِفّـــة

      يبحثُ المتحدّثُ عن العبارة التي ستبقى  في أثير الله الأزرق بعد أن يفنى الكلام، عبارةٌ واحدةٌ تكفي كي يبقى، لذلك صارت استراتيجيات التّواصل تُبنى على عبارات يوصى بإلقائها وسط موجة الكلام، في حملات الانتخابات وفي الخُطبِ والتدخلات في وسائل...

    • وصفُ السّعادة!

      تجري الحياة في فضاءات أخرى وليس على المُستطيل الأخضر، رغم المُتعة التي توفرها كرة القدم، باعتبارها مسرح فرجةٍ في عصرنا، يلتقي فيه الشغف الكونيّ. صحيحٌ أنّ هذه اللّعبة، تجاوزت حدود الرياضة بعد ظهور "المستثمرين" والتجّار من باعة...

    • القيمة والشّعار

      يخترقُ المنتوج الثقافيّ الحدود واللّغات، بجودته أولًا وأخيرًا، وقد يفوق تأثيره التوقّعات، لذلك استغلّت بعض الأمم المُتصارعة على المسرح الكونيّ الفنون لتمرير رسائل تستهدف وجدان البشر و تستدعيه في لعبة استدراج و تماهٍ، عبر صوغ...

    • كبارُ "الباعة"!

      سخر كمال داود من الصّفة التي يطلقها العرب والمسلمون على ضحايا العدوان الهمجي على غزّة، ووجد الوقت والمتعة للتّنكيل اللّغوي بمنكّل بهم في الواقع، لكنّ اللّغة ستخونه، قطعًا، في وصف القتلة، لأنّ حريّته تتوقّف عند جثث الضحايا،...

    • مقبرةُ جماعيّة للإنسانيّة

      في هذه الأرض المزدحمة، حيث يتعايش الأحياءُ والموتى، تُحفر القبور على عجلٍ في الأسواق السّابقة والأرصفة السابقة، لا أزهار هنا في وداع النّازلين إلى ترابهم من حياة، هي مجرّد استراحة بين ميتات مُختلفة. قد يُسرف القتلى في النوم حيث...

    • في وصف الشّر

      تدفعُ المقتلةُ الجاريّة هذه الأيّام ومحاولات تأويلها وتغطيّتها نحو التفكير في "الشّر"، ليس كمصطلح خاضت فيه الفلسفات، ولكن كعنوانٍ بديعٍ لعصرنا الذي صدّقنا أنّه يشهد ذروة تطوّر الإنسانيّة، في العلوم والمعارف وفي النظم السيّاسيّة...

    << < 1 2 3 4 5 > >> (5)
الرجوع إلى الأعلى