فرض الحديث عن تحديات العمل عن بعد أو العمل من المنزل نفسه بشكل كبير في الجزائر، منذ أصدر رئيس الجمهورية مؤخرا، قرارا بتسريح 50  بالمائة من موظفي و عمال العديد من القطاعات بالإضافة إلى النساء الحوامل و المربيات و المرضى المزمنين، في إطار  إجراءات الوقاية من انتشار عدوى كوفيد19، و إعلان ضرورة التزام المواطنين بالحجر الصحي، و من ثم إقرار حظر التجوال في بعض المدن، وأمام هذه الظروف ذات الانعكاسات الاقتصادية المباشرة، وجدت شركات و مؤسسات ذات طابعين اقتصادي و تجاري و حتى إدارات حساسة و جامعات، نفسها أمام تحدي تحويل العمل المكتبي إلى المنازل لضمان الاستمرار في الإنتاج، وهو ما قامت به مؤسسات معينة، لكن مشكل ضعف تدفق الانترنت في بلادنا و افتقارنا لثقافة العمل عن بعد، صعب المهمة رغم توفر برمجيات و قواعد بيانات رقمية مجانية عبر الانترنت لتسهيل ذلك.
 يطرح أيضا مشكل عدم تحكم الكثير من الجزائريين في التكنولوجيا كعائق أمام إنجاح هذا النمط المهني الذي برزت أهميته في المرحلة الحالية، ما يشدد مستقبلا على ضرورة وضع آليات فعلية لضمان استقرار القطاعات الاقتصادية خلال الأوضاع الاستثنائية كالتي فرضها فيروس كورونا المستجد، خصوصا بعدما أثبتت هذه الطريقة نجاعتها بالنسبة لبعض القطاعات التي كانت سباقة لرقمنة قواعدها المعلوماتية على غرار قطاع التعليم العالي.
تطبيقات و برامج مجانية من غوغل لتسهيل العمل عن بعد
أعلنت شركة غوغل عن توفيرها لحزمة جي (G Suite) لمساعدة الفئات المختلفة على العمل عن بعد، كمبادرة منها للمساعدة في الحد من انتشار فيروس كورونا، ويتزايد حاليا عدد الموظفين والمعلمين والطلاب الذين يعملون عن بُعد كإجراء احترازي بسبب انتشار العدوى، و تقول «غوغل» أنها تريد مساعدتهم على البقاء على اتصال والاستمرار في الإنتاج، وتقدم حزمة جي للتعليم مجموعة من التطبيقات المحسنة للإنتاجية التي تساعد الشركات والمعلمين على التعاون بغض النظر عن مكان وجودهم، ويبدو أن خيار العمل من  المنزل قد تحول إلى حل بديل للملايين عبر العالم، كما أن الخوف من الإفلاس بسبب الحجر أجبر شركات كبرى مثل بويينغ للطيران، على السماح لموظفيها بالعمل من منازلهم، و هو نفس التوجه الذي تبنته ثلث شركات الخليج، بالإضافة إلى آلاف المؤسسات في الصين و الولايات المتحدة الأمريكية و أوروبا كذلك.
 يوتيوب و نتفليكس يضعفان سرعة تدفق الانترنت و يصعبان مهمة المتعاملين الاقتصاديين


يقول حمزة خنفوف،  مسؤول مؤسسة « واناسيس»  الناشطة في مجال المعلوماتية و البرمجيات الحديثة ، بأن العمل عن بعد في مجال التكنلوجيا أمر طبيعي ، وليس تجربة جديدة، لكن المشكل في الجزائر، يكمن  صعوبة توفير الآليات اللازمة  لتسهيل التواصل الرقمي مع العملاء عن طريق الفيديو، لمتابعة المشاريع و عمل الموظفين و قواعد البيانية التي تمكن من إرسال الوصولات و الفواتير ، فالمؤسسة التي يسريها كما أوضح،  تتوفر على قاعدة دعم معلوماتية يمكن لكل الموظفين الولوج إليها لإتمام مهامهم سواء تعلق الأمر بمتابعة تقدم المشاريع أو بعض المشاكل المستجدة، يقول محدثنا :  « نتعامل بوصولات رقمية تستلزم الشفافية التامة بينا و بين الزبون، وعليه فإن الاشكال لا يتعلق بنا مباشرة كمؤسسة، بل بزبائننا الذين تشكل شركات الأدوية حوالي 90 بالمائة منهم، فهؤلاء مجبرون على العمل و توزيع الأدوية للصيدليات، و «هنا تحديدا يطرح الاشكال لأننا أصبحنا مجبرين على تكريس قاعدة بياتننا بشكل كلي كي يتمكنوا من التواصل مع موظفيهم و مع زبائنهم عن بعد، ما اضطرنا لتحيين  معطيات الشبكة بما في ذلك الشبكة الافتراضية الخاصة أو ما يعرف بـ» في بي أن» لنساعدهم على ذلك»، وهنا يضيف المتحدث «اصطدمنا بعائق حقيقي يتمثل في ضعف تدفق الإنترنت ما يعرقل بشكل مباشر مهمة تحميل البيانات، وهو مشكل تضاعف بشكل كبير في فترة الحجر  بسبب زيادة استخدام  المواطنين للأنترنت في المنازل لتمضية الوقت، فالجميع متصلون بهواتفهم النقالة أو بحواسيبهم لمشاهدة الأفلام و المسلسلات على منصتي يوتيوب و نتفليكس، ناهيك عن قضاء الغالبية لساعات طويلة في مواقع التواصل الاجتماعي، ما يجعل تدفع الأنترنت ضعيفا جدا، ما يصعب مهمة العمل عن بعد على من يستخدمونها بشكل أساسي للعمل، وهو مشكل بات مطروحا حتى في فرنسا، أين يناقشون حاليا قضية أولوية استخدام الانترنت و إمكانية تقليص حجم التدفق لصالح فئة دون غيرها».
 ويذكر بهذا الشأن، بأن شبكة نتفليكس، كانت قد وافقت منذ أسبوع على طلب المفوض الأوروبي لشؤون السوق الداخلية تيري بروتن، بخصوص تقليص سرعة بث تدفقها لتسهيل العمل و التعليم في الدولة المعنية بالحجر.
ثقافة جديدة يصعب على البعض تقبلها
من جهة ثنية، تطرق محدثنا إلى مشكل غياب تقنيي الإعلام الآلي في بعض المؤسسات وافتقار أخرى للكفاءات البشرية القادرة على التعامل مع قواعد البيانات وتنظيم شبكة التواصل بين الموظفين في مختلف المصالح.
نفس المشكل طرحه كذلك الأستاذ «شريف .ب» من  كلية الإعلام الإعلام الآلي بجامعة الجزائر 1، مشيرا، إلى أن ضعف تدفق الإنترنت في بلادنا صعب من مهمة العمل  عن بعد، خصوصا ما تعلق حسبه، بإمكانية تقديم المحاضرات عن طريق الفيديو ، لأن هذا الشق يتطلب الاتصال المصور المباشر، وهو أمر يستحيل تحقيقه بالنظر إلى ضعف الشبكة، من جهة ثانية، فإن فكرة الدراسة عن طريق الإنترنت تعتبر جديدة في بلادنا كما عبر، و نحن لا نزال نفتقر لهذه الثقافة، بدليل أن نسبة كبيرة من الطلبة حسبه، غير مقتنعين بأسلوب التعليم خارج الجامعة، خصوصا إذا ما تعلق الأمر بالتخصصات التقنية و الدروس التطبيقية، دون أن نغفل كما أضاف، جانب الظروف الاجتماعية لبعض الطلبة الذين قد لا يملكون إمكانية الاتصال الرقمي مع الأستاذة أو قد لا يسمح لهم بذلك في منازلهم.
 سألنا بعض الطلبة عن الموضوع، فتضاربت الآراء، إذ اعتبر البعض بأن توفر الدروس على الأنترنت ساعدهم بشكل كبير و خفف كثيرا من الأعباء الخاصة بالتنقل و النسخ و التعامل مع حزم ورقية كبيرة، كما أنه اختصار للوقت، بالمقابل قالت خديجة بن عبيدة، طالبة بيولوجيا سنة ثالثة، بأنها واجهت صعوبة في ذلك لأنها ببساطة لا تملك الإمكانيات اللازمة لمتابعة الدراسة عبر الانترنت، بما في ذلك عدم توفر الشبكة العنكبوتية في منزلها، ناهيك عن أن متابعة الدروس عبر الانترنت و تحميلها، يتطلب تحكم في طريقة عمل بعض التطبيقات و البرمجيات، وهو أمر لا تبرع فيه أبدا.
حظر التجوال يخلط الأوراق
خلال استطلاعنا تواصلنا مع أحد موزعي الأدوية بمنطقة واد حميميم بقسنطينة، لنستفسر منه، عن إمكانية  نجاح العمل عن بعد و تحديات مواصلة النشاط الاقتصادي في بلادنا، في ظل إجراءات الحجر و حظر التجوال بداية من الساعة السابعة مساء في قسنطينة، فأوضح بأن نشاط مؤسسته تأثرت كثيرا في الفترة الحالية، فعملية التسويق و تحرير  الفواتير و التعامل عن بعد مع الزبائن ممكنة عبر الهاتف و الإنترنت، لكن عمليات توضيب الطلبيات في المخازن و توزيعها على الزبائن، باتت جد صعبة و تتطلب تنقل الموظفين بشكل دائم قبل ساعات معينة لإنهاء العمل في الفترة المحددة، ومع أن الشركة توفر النقل لعمالها كما قال، إلا أن تحديد ساعات الحركة خلط الأوراق.
قطاع التعليم العالي يصنع الاستثناء
ومع أن مشكل الأنترنت يعتبر نقطة مشتركة بالنسبة للجميع، إلا أن قطاع التعليم العالي، يعد استثناء في حالة العمل عن بعد في بلادنا، وذلك على اعتبار أن الكثير من الكليات و المعاهد كانت قد باشرت قبل أشهر في عملية رقمنة شاملة لنشاطها الإداري و البيداغوجي، كما أوضح  الأستاذ أحمد عبد اللي عميد كلية الشريعة و أصول الدين بقسنطينة، مشيرا إلى أن كليته بدأت قبل حوالي ستة أشهر في اعتماد هذا النمط من خلال الاستعانة  بالقواعد البيانية المتوفرة على محرك البحث غوغل، بما في ذلك « درايف و دوكس و غيرها»، و التي تسهل العمل التشاركي، إذ استفاد موظفون إداريون و أساتذة ورؤساء أقسام بالكلية من دورات تدريبية في هذا المجال ما ساعد حسبه، على رقمنة جزء مهم من أرشيف و بيانات الكلية، وعليه فإن تطبيق القرار الرئاسي الأخير الذي فرض إلزامية تسريح نسبة  من الموظفين بسبب الفيروس كان يسيرا، بفضل توفر عامل الخبرة في مجال العمل عن بعد، فرغم وجود عدد كبير من مسؤولي الكلية و أساتذتها في ولايات مختلفة كما قال، إلا أن التواصل بقي سلسا و سمح بإنجاز المهام الإدارية و البيداغوجية و العلمية بشكل عادي لتوفر قواعد البيانات  و سرعة العمل التشاركي، حتى أن الكلية أتمت إلى الآن مهمة تجميع 96 بالمائة من  برنامج الدروس، وهي حوالي 126 درسا تم توفيرها للطلبة  على الإنترنت.
من جهة ثانية، يتم العمل حاليا كما أضاف، على تجهيز عروض الدكتوراه عن بعد، لوضع قاعدة عمل يسمح للأساتذة و المسؤولين بالولوج إليها، ليتمكن كل واحد منهم من الإسهام بالجزء الخاص به، مع استمرار عملية الإشراف على طلبة الماستر عبر الأنترنت من قبل الأساتذة الذين يتواصلون بشكل مباشر مع طلبتهم، و ذلك في إطار العمل من أجل إنجاح مشروع صفر ورقة، الذي انطلق قبل سنتين وبدأ بمرحلة رقمنة الأرشيف.
 وحسب المتحدث، فإننا رغم ما ذكر، نبقى متأخرين في الجزائر في ما يتعلق بثقافة العمل عن بعد، مؤكدا بأن التقدم في هذا المسعى يتطلب الذهنية والتكوين إضافة إلى توفير بيئة مناسبة للعمل.
   هدى طابي

الرجوع إلى الأعلى