تحوّلت، ورشة (ميار للخياطة و التفصيل) بولاية برج بوعريريج، إلى قبلة للمتطوعين منذ ظهور جائحة كورونا، بعدما انتقلت من مجرد فكرة لطفلة حاولت انقاذ زملائها وصديقاتها بالحي من خطر الوباء، من خلال الاستنجاد بوالدتها صاحبة ورشة الخياطة، لتفصيل قطع من القماش وخياطتها للكمامات لتوزيعها عليهم، إلى مشروع خيري استقطب اهتمام العشرات من النسوة والشبان، وعينة نموذجية عن العمل التطوّعي والتآزر وقت المحن و الأزمات، بعدما تجاوز صداها حدود الولاية، و بلغ مسامع وزيرة التضامن التي تنقلت في شهر رمضان لتكريم صاحبة الورشة ومن خلالها جميع النساء المتطوّعات والشبان والمحسنين .

روبورتاج : عثمان بوعبد الله
 تحت سقف محلات الرئيس، بحي 1044 في مدينة برج بوعريريج، استغلت سيدة و زوجها ورشة الخياطة التي أنشأتها بعد تعب وجهد السنين، وما يشبه المعركة كما قالت للحصول على المحلات و إطلاق مشروعها التطوّعي الذي بدأ بفكرة بسيطة لابنتها و تحول إلى مشروع خيري تواصل منذ البدايات الأولى للوباء شهر مارس الفارط و سيتواصل بحسبها إلى غاية القضاء على الوباء نهائيا.
 شبان ونسوة في نشاط متواصل داخل الورشة لتغطية الاحتياجات للاقتراب أكثر من مهندسي هذه الفكرة وجنود الخفاء الذين ساهموا على مدار أشهر في جهود الوقاية من الوباء، تنقلنا إلى الورشة، أين اطلعنا على سير العمل والتحضيرات لتوزيع حصص جديدة من الكمامات والألبسة الواقية لمختلف الأسلاك والمواطنين بالتنسيق مع الجمعيات والمحسنين، أين وجدنا عشرات العمال موزعين داخل الورشة كل مكلف بمهمة بداية من توفير القماش والمواد الأولية إلى التفصيل والخياطة وصولا إلى عمليات التعقيم و وضع المنتوج النهائي من الكمامات والألبسة الواقية في علب وأكياس تحضيرا لنقلها و توزيعها عبر الأحياء السكنية والمدن . داخل المحل المخصص للخياطة تصطف النسوة وهن متطوعات منذ الأيام الأولى، بينهن ربات بيوت من مختلف الفئات والأعمار أصغرهن الطفلة ميار ابنة صاحبة الورشة، وأكبرهن الحاجة الزهرة البالغة من العمر 63 سنة، قالت إحداهن « جمعنا الوباء و نداء الوطن للمساهمة بطريقتنا في التصدي لهذا الضيف غير المرغوب فيه، تركنا منازلنا و وضعنا مصلحتنا الشخصية جانبا، أغلب النسوة المتواجدات هنا خياطات في منازلهن ولهن طلبيات كثيرة لكنهن فضلن العمل التطوعي على المصلحة المادية، فمسؤولية مكافحة الوباء تقع على الجميع و نحن على قدر المسؤولية و سنضحي لتجاوز الأزمة كما ضحى أباؤنا و أجدادنا بالأمس في معارك رفع راية الوطن»، بدا من حديثها أن المسؤولية بحسبها لم تكن مجرد تطوّع لمكافحة الوباء بل واجب وطني للخروج منتصرين من هذه الأزمة، وأضافت متطوعة أخرى وجدناها منهمكة منذ الصباح على غرار زميلاتها في خياطة الكمامات أنهن لن يعدن إلى منازلهن إلى غاية القضاء نهائيا على الوباء و الإعلان عن الخروج من الحجر.
   بالجناح المخصص للتفصيل، أشار المكلف بالمهمة أنهم توجهوا مؤخرا إلى تصميم و خياطة كمامات خاصة بالأطفال الصغار و توزيعها مجانا عبر بلديات الولاية، ومواصلة خياطة الكمامات الخاصة بالكبار بالتنسيق مع جمعية حماية المستهلك التي تكفلت بجلب القماش و المواد الأولية بمساهمة من المحسنين و توزيعها بالمجان بمناطق الظل و المدن.
صاحبة الورشة: هدفنا إنساني ولن نستسلم في معركتنا  


 قالت، صاحبة ورشة الخياطة والتفصيل (ميار) إنها لم تكن تتوقع كل هذه الحملة والهبة التضامنية من النساء المتطوّعات والشباب الذين قصدوا ورشتها منذ سماعهم بالشروع في خياطة الكمامات و الألبسة الواقية، خاصة و أن الفكرة جاءت من خوف و قلق ابنتها على صديقاتها بالحي و تحولت إلى أكبر مشروع تطوّعي للوقاية من الوباء. أشارت إلى أنها بدأت في العمل التطوّعي مع زوجها، مستلهمين الفكرة من ابنتها منذ 11 مارس، و تطورت الفكرة بعدها بانضمام صديقاتها لتغطية الاحتياج، خاصة بعد ظهور عجز كبير في توفير الكمامات خلال الأيام الأولى من ظهور الوباء، أين كانت تسجل أزمة حادة لندرتها بالصيدليات والتهافت الكبير عليها من قبل المواطنين، و هو ما زاد من الإحساس بالمسؤولية، ومباشرة العمل بالتنسيق مع شبان تطوعوا بالقماش و الخيط، أين قامت المتطوعات بخياطة كمية معتبرة من الكمامات في البداية وتوزيعها عبر الأحياء السكنية وعلى الأسلاك الأمنية والمصحات، لتنضم بعدها إلى المبادرة التي أطلقتها الجمعية الوطنية للحرفيين، لتوزيع الكمامات و الأقنعة والألبسة الواقية على المستشفيات والمراكز الصحية، و حاليا مع جمعية حماية المستهلك التي دعمت الورشة بالمادة الأولية الخيط والقماش و السلك المطاطي ،  وقد تواصل العمل لساعات الفجر خلال شهر رمضان و أضافت، أن المتطوعات عملن خلال الشهر الفضيل ليل نهار، و كن لا يغادرن ورشة الخياطة إلى غاية وقت السحور، بالنظر إلى الطلب المتزايد على الألبسة الواقية، وهو ما مكنهن إلى جانب المتطوعين من تغطية جزء من الاحتياجات، مشيرة إلى استقبالها لمتطوعات كان عددهن يزداد كل يوم، و أولهن «خالتي الزهرة» التي أبت إلا أن تشاركهن يوميا في العمل التطوّعي و نساء أخريات وفتيات من مختلف الأعمار و الفئات، بينهن متربصات بمعاهد و مراكز التكوين المهني و أرامل و ضحايا الإرهاب ومن فئة ذوي الاحتياجات الخاصة.
وعن الأجواء التي عاشتها خلال هذه التجربة الانسانية، فقالت إنها من أسعد أيام حياتها، بعدما تحول الفريق العامل بالورشة إلى عائلة واحدة، مضيفة «كنا نعمل ونحن فرحين رغم المخاوف من العدوى ومن تضاعف عدد الاصابات والعوز المادي لأغلب المتطوعات، وأضافت «هدفنا إنساني ... اتحدنا وتطوّعنا إلى يومنا هذا ورغم الصعوبات نكافح و سنستمر إلى أن يرفع الله هذا الوباء».  
الحاجة الزهرة..  متطوّعة فضلت الصحة العمومية على نفسها


 تصر، الحاجة الزهرة البالغة من العمر 63 سنة، على مواصلة عملها التطوّعي بالورشة رغم تقدمها في السن ومسؤولياتها العائلية، حيث تتنقل إليها في تحد يومي للمساهمة في جهود الوقاية و مكافحة الوباء المستجد.  تقول في حديثها لنا، إنها لن تغادر ورشة الخياطة إلى غاية القضاء نهائيا على الفيروس و خروج آخر مريض من المستشفى، مضيفة «هذه مهنتي خياطة ... كنت اشتغل لوحدي و منذ أن اطلعنا على النقص المسجل في توفير الكمامات، تطوعت إلى غاية هذه اللحظة ... في رمضان كنا نشتغل إلى غاية الثانية صباحا ونعود بعدها لمنازلنا لتحضير وجبة السحور» و تضيف «الحمد لله الوضع يتجه نحو السيطرة ففي ولاية البرج، لم نسجل طيلة الأيام الأخيرة أية حالة إصابة جديدة، و هذا الأمر يسعدنا»، الحاجة الزهرة قالت إنها كانت من المتطوعات الحريصات على الحضور الدائم، و رغم الحاجة فضلت التطوّع على تلبية طلبيات زبوناتها، حيث قالت «حقيقة تضررنا ماديا و مداخيلنا تراجعت وحتى مصروف العائلة أخذ في الانكماش ليس علي فقط بل على جميع المتطوّعات، لكنهن وضعن مصلحتهن المادية والشخصية جانبا و تطوّعن لمجابهة هذا الوباء في معركة استمرت لأشهر، وما تزال متواصلة»
  ميار.. طفلة في قلب معركة مكافحة الوباء  
 تروي الطفلة ميار التي أصبح يطلق عليها وصف المجاهدة الصغيرة، في معركة مكافحة الوباء المستجد، كيف راودتها فكرة خياطة الكمامات التي تحولت إلى مشروع تطوّعي بورشة والدتها، حيث قالت إنها لمحت صديقاتها بالحي والأطفال من أبناء الجيران و هم يضعون أيديهم على أفواههم لتغطيتها، خوفا من انتقال العدوى، فلجأت إلى فكرة خياطة الكمامات وتوزيعها عليهم في أول الأمر لتعمم فكرتها وتتحول إلى نشاط يومي لعائلتها و عشرات المتطوعين .لم يقتصر دور ميار التلميذة بقسم الثانية ابتدائي، على الفكرة فقط بل عادة ما تشارك في العمل التطوعي، بعدما علمتها والدتها الخياطة، و هو العمل الذي شرعت فيه منذ بداية ظهور الوباء حيث قالت «خلال الأيام الأولى شاهدت صديقاتي يضعن أيديهن على أفواههن تجنبا لانتقال العدوى، قصدت والدتي بالمنزل لتفصيل قطع من القماش على شكل كمامات و قمت بخياطتها وتوزيعها عليهم» وأضافت أنها انتبهت مؤخرا إلى فكرة أخرى، تمثلت في وضع أشكال و رسومات على الكمامة لجلب انتباه الأطفال و تحبيبها إليهم، بعدما سجل نفور من استعمالها لدى البعض رغم خروجهم من المنازل للعب والتنزه.
   ع/ ب 

الرجوع إلى الأعلى