دقّ مشاركون في يوم دراسي نظم، نهاية الأسبوع الماضي، من قبل مديرية البيئة لولاية ميلة، حول مخاطر النفايات الحديدية و غير الحديدية و كذا مخاطر معدن الرصاص على صحة الأبناء، ناقوس الخطر محذرين من المواد السامة القاتلة التي يفرزها هذا النشاط المدمر بالطريقة التي يتم بها، على صحة الإنسان و على البيئة، مطالبين السلطات العمومية بضرورة التحرك السريع و اتخاذ الإجراءات الوقائية المستعجلة، بوضع حد لهذه الفوضى و دفع الممارسين إلى الانخراط في نشاط منظم و مسؤول يحقق التنمية الاقتصادية و الاجتماعية الدائمة و يحمي الإنسان و البيئة.

إبراهيم شليغم

المشاركون في الملتقى الذي احتضنه المعهد الوطني للتكوين المتخصص للأسلاك الخاصة بإدارة الشؤون الدينية و الأوقاف التلاغمة، أكدوا أن هذا الخطر الداهم لا يقتصر تأثيره  و ضحاياه على أبناء منطقة أولاد اسمايل أو بلدية التلاغمة وحدهم، بل يتعداهم ليمس كل العائلات و أفراد المجتمع الجزائري، بحكم تواجد مؤسسات هامة مدنية  و عسكرية على مستوى البلدية، تضم جزائريين قادمين من مختلف ربوع الوطن، كما أن سحابة الدخان الملوثة للبيئة المشبعة بدقائق العناصر المعدنية السامة من زرنيخ، رصاص، نحاس، كاديميوم و ألمنيوم و الجسيمات المجهرية للبلاستيك، ما فتئت تنتشر و تتوسع في سماء المنطقة، بفعل النشاط غير الشرعي الذي تمارسه عديد الحظائر في تدوير و رسكلة النفايات و صهر للرصاص (بطاريات السيارات) و البلاستيك ليلا داخل أفران عشوائية و بتقنيات تقليدية غير مطابقة لمعايير السلامة البيئية و قد تواجدت أولا بأولاد اسمايل، قبل أن تمتد جنوبا نحو منطقة بئر بقشيش، فمشته الصدادقة و المنطقة الحدودية الفاصلة بين ولايتي ميلة و أم البواقي و بالضبط مشته أولاد عزيز في بلدية أولاد حملة، هناك يلعب الواحد منهم على حبل الانتماء لهذه الولاية أو تلك، بمجرد رؤيته لأعوان إدارة البيئة القادمين للمراقبة و المعاينة.

 مديرة البيئة لولاية ميلة نجاة بوجدير
يجب وقف تزويد الأفران العشوائية بالمادة الأولية
ترى مديرة البيئة لولاية ميلة، نجاة بوجدير، أن بلدية التلاغمة أصبحت فرنا عشوائيا مفتوحا على الهواء، بالنظر لما تعرفه من حرق و تذويب للنفايات المعدنية و غير المعدنية، خاصة منها الرصاص و ما تسببه من انبعاث للغازات و الأبخرة السامة مضرة بصحة الإنسان و ملوثة للجو و للماء، إضافة للانتشار الواسع لظاهرة جمع و استرجاع المعادن القابلة للرسكلة، باستغلال طرق تقليدية غير مطابقة تماما للمعايير البيئية و الصحية و تشكل خطرا على المستعملين أنفسهم، الذين يجهلون شروط ممارسة النشاط و على سكان التجمعات المبنية بالمنطقة و رغم قيام مديرية البيئة طبقا لما تضمنه القانون 03 - 10 الصادر بتاريخ 19 جويلية 2003، المتعلق بحماية البيئة في إطار التنمية المستدامة، بغلق 21 ورشة فوضوية في إقليم بلدية التلاغمة وحدها، إضافة إلى قرارات غلق أخرى وقعها والي الولاية، لم تصل أصحابها بعد، إلا أن صعوبة متابعة و مراقبة هذا النشاط، تبقى قائمة، كون أفرانه المفضوحة من قبل بوابة “غوغل» تشتعل ليلا و هي موجودة داخل أحواش و سكنات، أو محاطة بجدران عالية تحكمها أبواب مغلقة.
فيما تؤكد مصالح مديرية البيئة، أن مسؤوليتها الأولى ليست ضد ممارسة هذا النشاط المدر للثروة و الموفر لمناصب الشغل، في إطاره القانوني و داخل وحدات تحويلية تلتزم بالشروط الصحية و البيئية و إنما ترفض الطريقة التي تنشط بها حاليا هذه الورشات، في غياب أدنى الشروط الصحية و البيئية، مشيرة إلى أن إدارتها تلقت ملفات من بعض الممارسين على مستوى منطقة أولاد سمايل، غير أن أصحابها لم يلتزموا بتكملتها، كونها تفتقر لمختلف شهادات المطابقة لمعايير النشاط المعمول بها و المطلوب توفرها في تجهيزاتهم المستقدمة و بالتالي من المستحيل منحهم رخصة الاستغلال، مؤكدة مرة أخرى على وجود وحدة تحويل واحدة ببلدية وادي سقان، تنشط في إطار قانوني و طبقا لمعايير السلامة الصحية والبيئة.
 في ظل عدم التزام هؤلاء بالقانون و تحايلهم من خلال فتحهم في كل مرة لأبواب أخرى للورشة غير تلك التي تغلقها نهائيا مديرية البيئة عقب المراقبة و التفتيش، فإن الحل في إخماد نار هذه الأفران الفوضوية كما تراه مديرة البيئة،  يكمن في العمل على وقف عملية تموين هذه الوحدات بالمادة الأولية، من خلال قيام الأجهزة الأمنية بحجز كل شاحنة يعثر عليها في المنطقة محملة بالنفايات المعدنية و غير المعدنية، علما بأن حمل هذه المواد و نقلها يكون بمسار معلوم محدد من قبل و يخضع لاعتماد مسبق من طرف وزارة البيئة.

المختصة في طب الأطفال الدكتورة ريمة مسعودان
تأثيـــر الرصاص على الأطـــفال يمثّــــــل 5 مرات تأثيـــره على الكـــبار
حذّرت الدكتورة، ريمة مسعودان، المختصة في طب الأطفال، العاملة بمؤسسة الصحة الجوارية في شلغوم العيد، من مخاطر انتشار الرصاص في بيئة تواجد الناس، خاصة النساء الحوامل و الأطفال الذين يكونون عرضة لهذا الخطر بنسبة تقدر بخمسة أضعاف من مخاطر إصابة الكبار و أن الأمراض الناتجة عن استنشاق دقائق الرصاص أو بلعها، يؤثر على صحتهم و سلوكهم، نتيجة لانتشار مادة الرصاص و تواجدها في الهواء و الماء و على المأكولات، مضيفة بأن الرصاص اعتبر مشكلة للصحة العمومية عند الأطفال سنة 1980 و هي السنة التي قررت الولايات المتحدة الأمريكية التخلص من مخاطر مادة الرصاص في البنزين نتيجة لاحتراقه، بجعل نسبته في الهواء مساوية لنسبته في دم الإنسان، فيما لم توقف الجزائر العمل بالبنزين الذي يحتوي على مادة الرصاص، إلا خلال السنة الماضية 2021، داعية الأولياء من خلال النصائح المقدمة، إلى تنظيف محيطهم من كل هذه السموم.

المختص في الأمراض الصدرية و الحساسية عقون يوسف
استبدال نصف رئة يكلّف 3 ملايير لفترة نشاط لا تتجاوز 6 أشهر
 أكد الدكتور، عقون يوسف، المختص في الأمراض الصدرية و الحساسية، أن تكلفة إجراء عملية جراحية بالخارج لاستبدال و تعويض نصف الجهاز التنفسي لمريض يعاني من أزمة صحية، تقدر بثلاثة ملايير سنتيم، مؤكدا أن نشاط هذه الرئة المستبدلة لن يتجاوز في أحسن الأحوال ستة أشهر، ليفارق بعدها المريض الحياة، ضاربا المثال بفرنسا التي تصرف سنويا مبلغ 2 مليار أورو على المرضى الذين يعانون من متاعب صحية تتعلق بالجهاز الصدري و الحساسية، نتيجة لتلوث البيئة التي يعيشون فيها و احتوائها على سموم مضرة بصحة الإنسان، متحفظا مثل غيره من الأطباء المتدخلين في اليوم الدراسي، على الكشف و تقديم الأرقام الموجودة بين أيديهم، عن مرضى المنطقة الذين يعانون من المتاعب الصحية نتيجة لتلوث البيئة هناك، هذه الأرقام حسبهم لا تحاط بها علما سوى الجهات الوصية المختصة.

المختص في التشريح المرضي الدكتور بحري عبد العزيز
سمــــوم النفايـــات عوّضـــت مخاطـــر الحـــروب و الجراثيـــــم
ذكر المختص في التشريح المرضي، الدكتور «بحري عبد العزيز»،  أن المخاطر التي يعيشها الإنسان قديما، كانت مقتصرة على مخاطر الحروب التي يخوضها و مخاطر بعض الحيوانات التي تعيش في محيطه، أو الجراثيم التي إن لم تتم محاصرتها، يتسبب انتشارها في القضاء على مجموعة كبيرة من الناس، أما اليوم، فإن المخاطر المحدقة بالإنسان نتيجة للتمدن الذي وفر الكثير من المستلزمات التي بسطت الحياة، غير أنها في المقابل رفعت من درجة الخطر على صحة الإنسان، نتيجة للنفايات التي تصدرها و منها النفايات المعدنية مثل دقائق الرصاص و غيرها من المعادن مثل البلاستيك و التي أنتجت الكثير السموم و الأمراض ذات طبيعة سرطانية قاتلة، تستقر بمختلف أجهزة و أعضاء جسم الإنسان و تقضي عليها بالتكاثر العشوائي غير المنظم. 

عيبش سفيان صاحب وحدة لرسكلة و تذويب البطاريات بوادي سقان
 المطلـــــوب مرافقـــــة الناشطين و ليـــــــــــس وقـــف مصــــدر رزقهــــم
في تدخل لصاحب وحدة لرسكلة و تذويب البطاريات بوادي سقان، «عيبش سفيان”، قال إنه و قبل حصوله على رخصة استغلال لوحدة رسكلة و تذويب البطاريات بوادي سقان، كان يملك حظيرة لجمع النفايات بشكل عشوائي و ذلك بسبب غياب الموجه الذي يعرفنا بالجمع و ضوابطه و ما كانت تقوله مديرة البيئة من مخاطر الأمراض و الروائح الكريهة صحيح، لكن على الجهات المسؤولة مرافقة الناشطين في المجال و توجيههم و تقديم النصائح القبلية و تمكينهم من التسهيلات و المرافقة و مدهم بالحلول الميدانية الواقعية القابلة للتطبيق، قبل أن يصرفوا الكثير من أموالهم و كل ما يملكون و ليس وقف مصدر رزقهم و مواجهتهم بقرار غلق وحداتهم أو مطالبتهم بتوقيف النشاط لعدم حيازتهم على رخصة الاستغلال و هذا السبب الذي يدفعهم للتحايل لمواصلة النشاط، علما بأن هذا النشاط لا يقتصر على بلدية التلاغمة وحدها، بل هو موجود بعديد ولايات الوطن .

الإمام المعتمد بدائرة التلاغمة الشيخ علي بن جبار
كل ما يتهـــدّد حياة الإنــــسان بالضــرر و الزوال يُحــــــرّم فعــــــله
 قال الإمام المعتمد بدائرة التلاغمة، الشيخ، “علي بن جبار”، إن الحكم على نشاط معين يشترط على صاحبه أن يكون له تصور كامل عليه و في قضية الأخطار التي تتهدد البيئة نتيجة للنفايات المعدنية و غيرها، فإنها تؤخذ من أهل الاختصاص من أطباء و علماء البيئة و حتى يصدر عالم الدين فتواه في القضية، فإنه يستند على ما يقول به أهل الاختصاص، امتثالا لقوله تعالى فاسألوا أهل الذكر إن كنتم تعلمون و انطلاقا من قول الله في كتابه العزيز “  يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَ الْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَ مَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَ إِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا» و عليه، فإن الآية قابلة للتطبيق على كل ممارسة لأي نشاط تجاري أو غيره، فكلما كان الضرر و الإثم أكبر من المنافع، أصبح النشاط فيها محرما و كذلك قوله تعالى “ وَ لَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا « و قوله “ وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها « و مادام المختصون في اللقاء بينوا هذه المخاطر المحدقة بأفراد المجتمع التي تسببها هذه النفايات نتيجة للنشاط الذي لا تحترم فيه المعايير الكاملة للسلامة العامة و التي تمثل في هذه الحالة حربا غير معلنة على صحة الإنسان، فالحكم الشرعي لها هي الحرمة بما كان، ذلك أن كل ما يتهدد حياة الانسان بالضرر المؤقت أو الدائم أو بالزوال، يحرم فعله و تنجم عليه عقوبة دنيوية و أخروية و على الإنسان أن يلتمس في طلب رزقه الحلال و ليعلم أن الحقيقة المرة أفضل ألف مرة من الوهم المريح.

الإطار بمديرية البيئة لولاية ميلة لعلى هشام
إفراغ السوائل الحمضية للبطاريات في شبكات الصرف يخربها
أكد إطار بمديرية البيئة لولاية ميلة «لعلى هشام»، أن الناشطين في تذويب البطاريات، يلجؤون قبل ذلك لإفراغ السوائل الحمضية الموجودة بداخلها في شبكات الصرف الصحي، مع ما يخلفه ذلك من أثار سلبية على الشبكات، أما معدن الرصاص شديد السمية مع النفايات المعدنية الأخرى بتذويبها و صهرها، فتعتبر الملوثات الأكثر انتشارا بحظائر أولاد أسمايل علما بأن انبعاث الرصاص في الهواء يصبح عرضة للانتقال في الغلاف الجوي لمسافات طويلة محليا و قاريا بمساهمة عوامل عدة، كما أن وجود حلقات مترابطة مع بعضها بداية من جامعي النفايات المتجولين، وصولا إلى المذوبين، مرورا بالقائمين على فرز النفايات، يعطي الديمومة لحظائر التذويب الفوضوية، لذلك من واجب الجميع التحلي بروح المسؤولية و الإدراك التام لمجمل الأضرار المحيطة التي من الوجوب تجنبها و الوصول لتدوير آمن للنفايات و تصنيع مسؤول، مع الحفاظ على الصحة العامة و نظافة البيئة و المحيط، مختتما بأن الذين يقومون بتذويب الرصاص بطريقة فوضوية، خطرهم يفوق خطر المتاجر بالكوكايين، كون الأخير يستهدف فئة محدودة مستهلكة، فيما يستهدفون هم المجتمع بكل أطيافه و مكوناته .

صاحبة مكتب دراسات بوطي هداية
المشاريــــــع الاستثماريـــة يجب أن تكون صديقــــة للبيــــئة
من جهتها صاحبة مكتب دراسات «بوطي هداية»، قالت إن كل مشروع استثماري من الواجب أن يكون صديقا للبيئة و في ما يخص رسكلة و تحويل النفايات الحديدية و غير الحديدية، فهي تخضع لتنظيم قانوني محكم و لممارسة هذا النشاط يتوجب الحصول على اعتماد مسبق من وزارة البيئة و كذا الموافقة على الدراسة البيئية الصادرة عن مكتب مختص، يركز على المخاطر البيئية و الحلول المخففة من حدتها، من هذه المخاطر تشويه المنظر العام و انتشار الروائح و انبعاث الغازات التي تلعب دورا في الاحتباس الحراري و تؤثر على النظام الحيوي للمنطقة.

الرجوع إلى الأعلى