حذّر أمس، أساتذة في القانون والشريعة وعلم الاجتماع في يوم دراسي احتضنته جامعة الإخوة منتوري بقسنطينة، من التبعات السلبية الناتجة عن حرمان المرأة من حقها في الميراث، حيث أفادوا بأن هناك مجتمعات ما تزال تعاني من هذه الظاهرة التي تضر بالنسيج الاجتماعي، مع ما تسببه من تفرقة بين العائلات ناهيك عن الضرر المادي والمعنوي للمرأة، ما يفتح الباب أمام منظمات حقوقية تستغل الوضع لشحن النساء بأفكار خاطئة وسلبية ضد مجتمعاتهن.

الندوة نظمت من قبل جمعية حورية للمرأة الجزائرية، بالتنسيق مع كلية الحقوق بجامعة قسنطينة 1، بمناسبة الاحتفال باليوم العالمي للمرأة وقد عُنونت بـ»حقوق المرأة في الميراث بين عدالة الشريعة وظلم العُرف الفاسد»، حيث أثارت نقاطا عديدة منها الممارسات المجتمعية الخاطئة داخل الأسرة، وتعامل الحضارات القديمة مع حقوق المرأة في الميراث.
وقالت رئيسة المكتب الولائي لجمعية حورية للمرأة الجزائرية، سلاف دهان، بأن الجمعية اختارت هذه السنة الحديث عن حقوق المرأة في الميراث، وذلك لتصحيح بعض المفاهيم الخاطئة التي أصبحت متفشية في المجتمع الجزائري بسبب نقص الوعي في هذا الجانب، وأرجعت دهان حرمان المرأة من الميراث إلى تطبيق ما وصفته بالعرف الفاسد، ومن هذا المنطلق حُدد إطار دراسة هذه الظاهرة من جانبيها الاجتماعي والنفسي وانعكاساتها على المحيط القريب للمرأة، وأضافت دهان بأنه اختير أيضا توضيح الرؤية الشرعية التي جاءت مفصلة، حتى لا تدع لأي جهة الاجتهاد خارج النص فيما يتعلق بالميراث إلا في استثناءات معينة، مضيفة بأن غياب شروحات كافية حول قضية الميراث أدى إلى تصاعد بعض الأصوات المصرة على إحداث شرخ في العلاقة بين المرأة والرجل.
من جهة أخرى، أشارت المتحدثة، إلى بعض التبعات السلبية التي تنجر عن عدم إعطاء المرأة حقوقها المالية كاملة لاسيما إشكالية التفكك الأسري وقطع صلة الرحم التي تسري إلى باقي الأجيال، كما اعتبرت دهان أن الاعتداء على حق المرأة في الميراث يعد جريمة يعاقب عليها القانون، لأنها تتمتع بحرية الذمة المالية.
من جانبه، تناول أستاذ الشريعة والقانون بجامعة تبسة، محمد باوني، في المداخلة التي قدمها، مسألة الأنصبة بين الرجل والمرأة أثناء تقسيم الميراث موضحا حقيقة هذه الاختلافات التي يدركها البعض ثم يستغلونها في إثارة البلبلة والجدال الذي وصفه بأنه هادم للمجتمع، وقال باوني بأن مسألة تقسيم الميراث تتوقف على درجة القرابة الزوجية، البنوة والأمومة والأصول والفروع والحواشي فضلا عن ذوي الأرحام، وأوضح بأن الشرع كلّف الرجل بالإنفاق لذلك تقرر أن يكون نصيبه ضعف نصيب المرأة، دون أن يحرمها من كينونتها ويتعدى على ذمتها المالية.
 ووفقا لما شرحه أستاذ الشريعة والقانون، فإن المشرع يتعامل مع المرأة على أنها شخصية مستقلة لها كيانها وأهليتها التي تتضمن الحقوق والواجبات، لذلك فهي مسؤولة في جميع الحالات وتستطيع إبرام العقود والتصرفات المختلفة ومن ثم تحصل على حقوقها المالية مكتملة.
أما الأستاذ في علم الاجتماع، عبد الحفيظ بولزرق، فقد أرجع حرمان المرأة من الميراث إلى طبيعة العشيرة والقبيلة السائدة سابقا والتي وصفها بأنها كانت مبنية على منطق العنف والقوة، و ربطت الأحقية في الميراث بتصورات عديدة، أبرزها القيمة العملية وما تنتجه المرأة في المجتمع.
ولفت بولزرق، إلى أن واقع بعض المجتمعات والبيئات يؤكد على أن المرأة ما تزال تُحرم من حقوقها، خصوصا حقها في الميراث، وقال إن هذه الممارسات المؤذية أصبحت علامة في المجتمع ينبغي دراستها من عديد المقاربات السوسيوتاريخية والمعرفية.
كما تطرق أستاذ علم الاجتماع، إلى بعض الممارسات الخاطئة التي تحرم المرأة من الحق في الميراث، من بينها مبدأ المفاضلة بين الذكر والأنثى، أو تعامل الأب مع الهبة على أنها تركة يحفظ بها حق بناته، ونبه الأستاذ على أنها ممارسات قد تكون نيتها طيبة لكنها تتضمن تعديا على الحقوق وتعطيلا للشرع.
ومن جملة الأسباب التي تحرم المرأة من ميراثها، أشار بولزرق، إلى تدني مستوى الاخلاق والتفرقة في معاملة الأب لإحدى زوجاته أو بين أبنائه ناهيك عن السلطة الأبوية في النظام الأسري التقليدي، والهيمنة الذكورية التي عرّفها المتحدث بأنها نتاج ثقافي ونسق من الأفكار والممارسات التي تعيد إنتاج بعض القيم وبعثها في كل الأجيال وتهيمن على المخيال الاجتماعي، كما لفت، إلى بعض السلبيات التي يسببها حرمان المرأة من الميراث لاسيما الفقر والحاجة، ما ينعكس سلبا على الأسرة والمجتمع بشكل عام.
إيناس كبير

الرجوع إلى الأعلى