تحولت ولاية سطيف إلى نموذج للعمل الخيري المدروس بعد أن أصبح أثرياؤها يتجاوبون بفعالية مع متطلبات المواطن، ويشاركون في إنجاز مرافق جوارية و ذات منفعة عامة كالمدارس والمطاعم المدرسية، مع التكفل بحفر آبار ارتوازية، في سلوك حضاري ظهرت فعاليته   خلال الجائحة، بالمشاركة وبقوة في توفير الأجهزة والأدوية وخزانات أوكسجين. ما تعيشه سطيف يؤكد أن هذا النوع من المبادرات ليس مناسباتيا بدليل الهبة التي شهدتها بعض البلديات للمشاركة في تحسين وضعية مناطق ظل، والتنافس الكبير بين أصحاب المال لبناء مؤسسات تربوية وتجهيزها بعضها سلم والبعض الآخر قيد الإنجاز والبرمجة.
روبورتاج  / أحمد خليل
الولاية تعرف عمليات تطوع واسعة  لإنجاز الكثير من المشاريع الهامة، خاصة في قطاعات الصحة والتعليم والري، آخرها ما قامت به المؤسسة الإقتصادية الخاصة «ايريس»، والتي تولت مهمة تجهيز أول مدرسة وطنية  لأطفال التوحد، بعد أن خصصت    هبة مالية جد معتبرة، استغلتها السلطات المحلية في إعادة الاعتبار لمدرسة الفنون الجميلة سابقا، و  تحويلها لمركز بيداغوجي لتوفير العناية اللازمة لصالح أطفال التوحد، وكانت قد سبقتها في ذلك المؤسسة العمومية «إسمنت عين الكبيرة»، والتي رصدت بدورها غلافا ماليا معتبرا،  لأجل دهن وطلاء وتزيين ثلاثين  ابتدائية تنتشر عبر العديد من المناطق النائية والمعزولة ببعض بلديات الولاية.
تجهيز ثلاث مستشفيات بخزانات أوكسجين
ومباشرة بعد تسجيل العشرات من الإصابات بفيروس كوفيد 19 في عدد من بلديات الولاية، سارع المحسنون إلى تقديم كامل الدعم المالي لصالح المؤسسات الاستشفائية، من أجل اقتناء الخزانات العملاقة لمساعدة المرضى على التعافي من هذا الفيروس، والبداية كانت بمستشفى «صروب الخثير» بمدينة العلمة، عندما تبرع محسن بإعانة مالية تفوق مليار سنتيم، من أجل تركيب خزان أوكسجين بعد تسبب الفيروس في فقدان المدينة للعشرات من أبنائها خاصة من فئتي الكهول والشيوخ.
وبعد دخول  محطة الأوكسجين حيز الخدمة رسميا، ساهم ذلك بشكل كبير في انخفاض عدد الوفيات المسجلة، وبات الطاقم الطبي يعمل بأريحية أكثر من أجل إنقاذ أرواح المرضى.
ولم يختلف الأمر كثيرا في مستشفى «شلغوب عبد الله» ببلدية عين الكبيرة، حيث نجح متبرعون وفي ظرف وجيز،  في جمع قيمة مالية قدرها مليار سنتيم، سمحت لهم بإقتناء خزان أوكسجين جديد، بسعة عشرة آلاف لتر، وجاءت تلك المبادرة التطوعية بعد  نداءات الاستغاثة  التي رفعتها إدارة المؤسسة الاستشفائية العمومية، حول النقص الحاد في تلك المادة الضرورية مع ارتفاع أعداد المصابين حينها بالفيروس.
ونظمت تنسيقية الجمعيات الناشطة عبر تراب بلدية بني ورتيلان الشمالية، عملية «تيليطون» لجمع المبلغ المطلوب لاقتناء خزان الأوكسجين لصالح مستشفى البلدية، بعد ارتفاع عدد المصابين بالفيروس في الجهة الشمالية ككل،   و تمكنت التنسيقية من جمع قيمة مالية إجمالية قدرها 800 مليون سنتيم، تمثل الهبات التي قدمها  عدد من أبناء المنطقة، وقيمة ثانية بالعملة الصعبة قدرها 94 ألف أورو، تبرع بها  مغتربون بأوروبا ينحدرون من البلديات الشمالية  للولاية .
وتمكنت بعدها التنسيقية بالتعاون مع إدارة المستشفى من  اقتناء محطة الأوكسجين، وتم تثبيتها على مستوى فناء المستشفى، قبل دخولها مؤخرا حيز الخدمة رسميا.
العشرات من أجهزة التنفس لمجابهة الفيروس

ونجح المحسنون بولاية سطيف في عز أيام انتشار وباء كورونا، في تخصيص إعانات مالية هامة سمحت باقتناء العشرات إن لم نقل المئات من أجهزة التنفس الاصطناعي، ثم توزيعها عبر جميع المؤسسات الاستشفائية العمومية المنتشرة على تراب الولاية، بهدف مجابهة الموجة الأولى من الفيروس اللعين،  فساهمت تلك الأجهزة بشهادة الأطقم الطبية  في  خفض عدد الوفيات المسجلة، والأكثر من ذلك فقد نجحت الكثير من الجمعيات الناشطة على تراب الولاية، في اقتناء مئات الآلاف من الكمامات الطبية، وتوزيعها على الأطباء والممرضين والمستخدمين في القطاع الصحي، مع تنظيم مبادرات شبه يومية لإقناع المواطنين بضرورة ارتداء الكمامات للحد من انتشار الفيروس.
وتمكن في تلك الأيام السوداء التي مرت بها ولاية سطيف، أحد التجار بمدينة العلمة من «صنع الاستثناء»، بعد استغلال علاقاته المهنية في دولة الصين، لاقتناء العشرات من أجهزة اختبارات فيروس كورونا، وتم الحصول على تلك الكمية من الأجهزة عن طريق الشحن الجوي السريع من الصين إلى الجزائر، قبل تقديمها كهبة لصالح مستشفى «صروب الخثير».
واستطاع أيضا التجار بهذه المدينة تجهيز المدرسة البيداغوجية للأطفال المعاقين، وتحويلها في ظرف وجيز إلى مستشفى ميداني مؤقت، تم تخصيصه من قبل مديرية الصحة، لاستقبال الحالات المشتبه فيها بإصابتها بالفيروس.
استمرار الحملات التطوعية حتى بعد بدء التلقيح
وأثناء تطبيق الحكومة للإجراءات الصارمة بالحجر الصحي، خاصة المتعلقة بغلق الأسواق والمحلات التجارية، سارع المحسنون على مستوى ولاية سطيف بالتنسيق مع المجالس البلدية، إلى تخصيص إعانات مالية لاقتناء المواد الغذائية وتوزيعها على العائلات محدودة الدخل، خاصة ممن تأثرت أوضاعها الإقتصادية سلبا جراء الإجراءات الوقائية المتبعة للحد من انتشار فيروس كورونا.
وبلغ عدد  الإعانات المسخرة في البلديات الستين أرقاما معتبرة جدا، ووصل الحد إلى تخصيص عدد من الجمعيات الناشطة بمدينة العلمة العشرات من الشاحنات، وتعبئتها بمختلف المواد الغذائية الإستهلاكية، قبل إرسالها إلى ولاية البليدة التي كانت آنذاك بؤرة انتشار الفيروس.
ولم تتوقف مساعدات المحسنين بولاية سطيف، بالرغم من تحسن الحالة الوبائية في البلاد، بل وجدت السلطات المحلية كامل الدعم من «رجال الخير»، عند نجاح السلطات العليا للبلاد في اقتناء الدفعات الأولى من اللقاحات، حيث أعلنت مديرية الصحة عن تبرع محسن من مدينة سطيف بغرفتي تبريد، تتربع مساحتهما الإجمالية على ثمانية آلاف متر مربع بالمنطقة الصناعية، من أجل استغلالهما في عملية تخزين اللقاحات في درجة حرارة مناسبة، في حين تبرع محسن آخر من مدينة العلمة بإحدى عشرة شاحنة تبريد، من أجل نقل تلك اللقاحات إلى جميع البلديات في ظروف حسنة.
ونجحت عملية التلقيح على مستوى عاصمة الهضاب العليا، بفضل الإمكانات اللوجيستية الهامة التي وفرها عدد من المحسنين، ووسط رضا تام من قبل السلطات المحلية، والتي أكدت على الدور الهام والرئيسي للعمل التطوعي، في تجاوز أزمة كورونا عكس ما حدث في الكثير من البلدان المجاورة.
تعتبر بلدية بازر سكرة من أهم النماذج على المستوى الوطني في العمل التطوعي، نظرا للمبالغ المالية الهامة التي سخرها المحسنون من أبناء المنطقة في إنجاز العديد من المشاريع المهمة، لاسيما في قطاعي التربية والري.
وكشف رئيس المجلس الشعبي البلدي، الدكتور بوزيد مومني، في حديث للنصر، عن تقدم أحد المحسنين إلى البلدية من أجل التعبير عن رغبته في بناء مدرسة ابتدائية، مضيفا أن السلطات المحلية سارعت إلى اختيار القطعة  الأرضية المناسبة بمشتة «الشوادرة» قبل الشروع حاليا بصورة رسمية في الأشغال، على أمل تسليم الابتدائية في منتصف الموسم الدراسي المقبل. وبخصوص البطاقة التقنية لهذا المشروع، فقد قال محدثنا أن المدرسة الجديدة تتوفر على ستة أقسام ومطعم مدرسي و منزل وظيفي، مضيفا أن القيمة الإجمالية لهذا المشروع تتجاوز رقم عشرة ملايير سنتيم، سيتولى المحسن تسديدها عن آخر سنتيم. وبعد إعلان رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، عن مشروع توفير الوجبات الساخنة لصالح جميع تلاميذ الوطن، وجدت بلدية بازر سكرة صعوبات جمة،
تتعلق بالدرجة الأولى  بضيق الوقت لبناء مطاعم جديدة، بالنسبة لتسع مدارس تفتقد لهذا الهيكل، لكنها وجدت الحل أخيرا لدى المحسنين من أبناء المنطقة، والذين توصلوا إلى فكرة ذكية، تتمثل في اقتناء تسع حاويات جديدة، بقيمة مالية إجمالية تفوق 700 مليون (80 مليون سنتيم للحاوية الواحدة)، وتم تجهيزها بتسعين طاولة أكل و 540 كرسيا وملاعق و صحون، وتم استغلالها كمطاعم جاهزة لتوفير المئات من الوجبات الساخنة يوميا، وذلك ريثما تنتهي الأشغال الجارية حاليا على مستوى المطاعم الجديدة.
وتكفل مؤخرا أحد المحسنين  بهذه  البلدية بإنجاز أربعة أقسام جديدة على مستوى ابتدائية «عمر بن الخطاب» بمشتة «براو»، وذلك لوضع حد  لمعاناة التلاميذ مع الاكتظاظ، خاصة بعد تطبيق وزارة التربية لإجراءات التباعد بين التلاميذ وتقسيم التلاميذ إلى أفواج صغيرة العدد، وهو نفس ما فعله محسن آخر، بعد تبرعه من ماله الخاص لإنجاز مشروع توسعة ابتدائية «سعدي النوي» بقرية «السقاطلة»، والمتمثل في إنجاز أربعة أقسام جديدة.
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد فقط، بل تعدى ذلك أيضا إلى تكفل ثلاثة محسنين بإنجاز مشروع دورات المياه في ثلاث ابتدائيات كاملة، مع تقديم وعود بتعميم المشروع مستقبلا على مستوى جميع المؤسسات التعليمية.
ويتولى حاليا عدد من  أصحاب المال مهمة تموين المدارس الابتدائية بصورة دورية بالمواد الغذائية، لأنهم على دراية بمحدودية الميزانية   لخزينة هذه البلدية الفلاحية، وذلك مقارنة بالبلديات المجاورة مثل العلمة.
وتحصل المجلس البلدي لبازر سكرة التي تعتبر من أكبر بلديات ولاية سطيف مساحة، على هبات مالية تفوق في المجمل ثلاثة ملايير سنتيم، من أجل إنجاز أربعة آبار ارتوازية في أربعة مشاتي، وذلك لوضع حد  لمعاناة آلاف  المواطنين مع أزمة العطش، والأكثر من ذلك فإن مصالح البلدية، أنجزت منذ السنة الماضية عددا من المشاريع المتعلقة بربط بعض الأحياء السكنية بشبكة المياه الصالحة للشرب، وكان ذلك بعد استفادتها من هبات من قبل المحسنين لاقتناء الأنابيب الضخمة بأرقام مالية معتبرة.
وفي ذروة الجائحة  أمن الخيرون  خمسة آلاف قفة غذائية  تم توزيعها على العائلات محدودة الدخل، ممن تأثرت سلبا بتطبيق إجراءات الحجر الصحي.
العمل الخيري يسبق الطفرة المالية بالعلمة
 وبمدينة العلمة توسع العمل التطوعي خلال، السنوات الأخيرة، من المساهمة في بناء المساجد و المدارس القرآنية، إلى إنجاز المدارس و المطاعم المدرسية و حتى غرف التبريد التي وجهت لتخزين لقاحات فيروس كورونا، في عمليات خيرية رسخت هذا السلوك    الذي عرفت به المنطقة  منذ عهد الاستعمار. حيث ومن بين العديد من الأعمال الخيرية التي تحفظها ذاكرة المنطقة ، ما فعله رجل المخابرات الجزائرية مسعود زوغار «رشيد كازا»، سنوات الثمانينيات، و الذي أشرف على بناء مسجد من الطراز المعماري الرفيع في قلب المدينة و جلب آنذاك العشرات من الحرفيين الماهرين من دولة مصر، الذين نجحوا في تقديم تحفة دينية مميزة.
و نفس الشيء فعله رجل الديبلوماسية الجزائرية «اليامين دباغين»، الذي تبرع لتحويل بيته إلى مصلى لصالح أبناء الحي القريب من الملعب البلدي عمار حارش و قبل وفاته -رحمه الله- سنة 2003، قدم الطبيب المجاهد، وصية لعائلته بضرورة استغلال الأجزاء المتبقية من بيته لتوسعة المصلى، و هو ما تم بالفعل في أرض الواقع، حيث نجح المحسنون في إعادة تهيئة المصلى و تحويله إلى مسجد يتسع للمئات من المصلين.
مدينة العلمة التجارية، تتوفر على العشرات من المساجد المنتشرة في جميع الأحياء تقريبا، بفضل تبرعات المحسنين من رجال الأعمال و التجار، حيث توجد أكثر من عشرة مساجد ممن بناها محسنون بأموالهم الخاصة، ثم تم تسليمها لمديرية الشؤون الدينية، مثل: مسجد فاطمة الزهراء، مسجد الرحمة، مسجد النور، مسجد الخير، مسجد عثمان بن عفان ومسجد الهدى 2.
و استمرت فكرة التبرع و التطوع في بناء بيوت الله، إلى غاية إعلان المجاهد المعروف «السعيد قوطالي» في بداية الألفية الجديدة، عن إنجاز دار الرحمة لتوفير الرعاية لصالح المسنين و المشردين، حيث أنجز هذا الهيكل بأمواله الخاصة فوق قطعة أرضية من أملاكه و مباشرة بعد إتمام المشروع، قام بتوقيع بروتوكول تسليمه لصالح وزارة التضامن الاجتماعي.
و لم تتوقف تبرعات هذا الرجل –رحمه الله- عند إنجاز دار العجزة، بل أعلن عن تحويل بيته العائلي الواقع بقلب مدينة العلمة، إلى مدرسة قرآنية و تم استغلالها بأفضل صورة من قبل القائمين عليها، بعد تخصيص معظم الدروس لصالح العجائز لمحو الأمية، حيث تمكنت هذه المدرسة من مرافقة مجموعة من الأمهات  والجدات  من خلال تعليمهن الحروف الأبجدية  ثم  حفظ و ختم الأجزاء الثلاثين من القرآن الكريم. و من تبرعات المجاهد السعيد قوطالي، أيضا بناء مسجدين اثنين، هما: مسجد علي بن أبي طالب و مسجد الهدى 1 و قبل وفاته بأشهر قليلة، أعلن عن تبرعه بقطعة أرضية في حي «الصبايحية» من أجل إنجاز مسجد ثالث هو «الحسن والحسين».
بناء المجمعات المدرسية ينطلق من هنا..

و قبل خمس سنوات من الآن، أعلنت إحدى العائلات بمدينة العلمة، عن رغبتها في التطوع لإنجاز مجمع دراسي بحي صخري و ذلك خصيصا لصالح أطفال السكنات الاجتماعية، و هو ما وافقت عليه السلطات المحلية، التي سارعت لتخصيص القطعة الأرضية و انطلقت الأشغال بسرعة كبيرة من طرف الشركة المقاولة، قبل الانتهاء و تسليم المدرسة التي دشنت من قبل وزيرة التربية السابقة نورية بن غبريط.
بعد تدشين هذه المدرسة، استهوت رجال أعمال العلمة فكرة المدارس التعليمية، خاصة مع العدد الكبير من المساجد في هذه المدينة و التي كانت تسمى قديما حسب العديد من المصادر التاريخية باسم «جوامع العلمة»، حيث تتوفر حاليا على 81 مسجدا في المجموع و 17 مسجدا جديدا يتواجد حاليا في طور الإنجاز. و حسب تأكيدات السلطات المحلية لبلدية العلمة، فإنها تلقت مؤخرا، العديد من الطلبات من رجال الأعمال و التجار و الصناعيين، من أجل التطوع لإنجاز مدارس تعليمية، خاصة على مستوى الأحياء السكنية الجديدة، في ظل التوسع العمراني الكبير لهذه المدينة التجارية و ما واكبه في نفس الوقت من نمو ديموغرافي رهيب في السنوات الأخيرة. في حين أعلن محسن عن تبرعه بإنجاز و تجهيز مجمع دراسي يتكون في المجموع من ست حجرات و ذلك على مستوى حي بوخبلة، حيث تم اختيار القطعة الأرضية المناسبة، في انتظار انطلاق الأشغال قريبا.
كما كان محسن آخر، قد تبرع أيضا بإنجاز مجمع دراسي في حي التساهمي الجديد و انطلقت الأشغال في وقت سابق، قبل أن تتوقف بصورة مفاجئة لأسباب مالية تخص المحسن، ما جعل البلدية تدعو كل المحسنين إلى التبرع لمواصلة الأشغال بهذا المجمع.
  يربط البعض  توسع  العمل الخيري التطوعي في مدينة العلمة،     بالتحول  الناجم عن التفتح الاقتصاي وامتهان أبناء المدينة للتجارة و  سيما الاستيراد  ، بل الحقيقة وفق ما صرح به أعيان من المدينة و شيوخ، هي أن العمل التضامني «مغروس» عند الكثير من العائلات،  و الدليل على ذلك هو تضامن السكان فيما بينهم من أجل إنجاز مدرسة «إحياء العلوم الإسلامية» بجوار مسجد «العتيق» التاريخي و كان ذلك في سنة 1918 تحت إشراف الشيخ «الصالح بن موفق» القادم آنذاك من مدينة قالمة، حيث نجح هذا الأخير في قيادة «ثورة ثقافية» بأتم معنى الكلمة، مساهما في تشكيل فرقة مسرحية كانت تنشط سرا عن أعين جنود المستعمر الفرنسي و ذلك في أحد الدكاكين بما يسمى حاليا حارة «لقواطلة أو لباسحة».
كما تطوعت أيضا عائلة «بن ياسين»، لتحويل منزلها الواقع بشارع محمد خميستي، إلى مدرسة لتعليم اللغة العربية و القرآن الكريم و كانت تلك العائلة تهتم بتعليم كل الأطفال خاصة فئة الإناث.
و فتحت هذه المدارس على أصحابها أبواب جهنم مع المستعمر الفرنسي، الذي كان يضيق الخناق عليها و على نشاطاتها القائمة على نشر الوعي و إحياء روح الإسلام و روح اللغة العربية و الانتماء للهوية الجزائرية، فقد كانت هاته المدارس منبعا لمعظم شهداء و مجاهدي المدينة.
و للعلم، فإن تلك  المدارس لم يكن دورها تعليميا محضا و إنما مهنيا أيضا، فكانت تعلم البنات العديد من الحرف مثل الخياطة و الطرز.
و مع فجر الاستقلال، استمرت الأعمال التطوعية بهذه المدينة و ظهر اسم الناشط «سيرة سليمان»، الذي يعتبر بمثابة «الأب الروحي» لمنظمة الهلال الأحمر الجزائري، حيث اهتم برعاية الأطفال اليتامى من أبناء الشهداء و كان يقضي طوال يومه في رعايتهم و الإشراف على تربيتهم و تعليمهم لغاية تزويجهم و تكوين الأسر.
كما يذكر تاريخ هذه المدينة اسمي امرأتين قدمتا صورا رائعة عن التضامن و التطوع، الأولى اسمها -شاوشة عيدة-، و التي تبرعت بأموال سفرها لأداء فريضة الحج، من أجل اقتناء الألبسة و توزيعها على النساء الفقيرات، أما الثانية، فهي «عطوش لويزة» المعروفة باسم «لويزة الفرملية»، مولودة بالعاصمة الفرنسية من أب جزائري و أم فرنسية، رفعت راية الجهاد مع جبهة التحرير الوطني سنوات الثورة و عند الاستقلال، كانت تقود دراجتها الهوائية من بيت إلى بيت و من حي إلى حي و من قرية إلى قرية، من أجل تقديم العلاج لكل من يطلب المساعدة.
تنافس على المبادرات يمتد لمختلف البلديات
واستفادت مؤخرا الكثير من البلديات على مستوى ولاية سطيف، من مشاريع هامة تولى إنجازها المحسنون، مثلما حصل مؤخرا ببلدية عين أزال الجنوبية، عندما أشرف والي سطيف كمال عبلة على تدشين ابتدائية «داود الشلالي» بمنطقة الظل المسماة «طازيلا»، وهي المؤسسة التعليمية التي تولى إنجازها أحد الصناعيين من أبناء المنطقة، واختار تلك المنطقة بالذات لإقامة هذا المشروع الخيري، من أجل وضع حد  لمعاناة العشرات من أبناء تلك المنطقة الفقيرة في التنقل يوميا على مسافة عشر كيلومترات ذهابا وإيابا نحو المدرسة القريبة منهم بقرية تمنالوت.
وأعلنت مؤخرا دائرة عين ولمان عن تقدم محسن لإنجاز مجمع دراسي، يتكون من ست حجرات، وذلك على مستوى قرية «لقطاطشة» ببلدية قصر الأبطال، حيث قامت رئيسة الدائرة قبل شهرين من الآن برفقة لجنة التهيئة والتعمير، باختيار القطعة الأرضية التي سيقام فيها هذا المشروع التطوعي، قبل الانطلاق بعدها في  الأشغال، على أمل تسليم المدرسة مع منتصف الموسم الدراسي القادم.
وفي بلدية حمام السخنة  ، يتولى حاليا أحد  أبناء  مدينة العلمة   بناء مجمع دراسي بالمنطقة المسماة «لكوانة»، وقد تقدمت الأشغال بشكل كبير، في انتظار تسليم المشروع قريبا للسلطات المحلية.
أ/خ

الرجوع إلى الأعلى