إنهاء الربط بسد بني هارون في سبتمبر والبناء الريفي يحيي أمل الاستقرار

تراهن مصالح بلدية الشيقارة بولاية ميلة، على مشروع الربط بسد بني هارون، لإنهاء أزمة العطش التي عمرت لأشهر وقوضت أحلام السكان في الاستقرار بالمنطقة وخدمة الأرض، حيث يُنتظر الانتهاء من العملية شهر سبتمبر وتجاوز مرحلة عانت فيها الساكنة من مشاق البحث عن الماء، في وقت جفت فيه تنقيبات وتراجع منسوب أخرى، ما شكل تحديا صعبا لمسؤولي البلدية، التي اضطرت لتموين المواطنين بمياه الصهاريج.

روبورتاج: مكي بوغابة

وتعتبر الشيقارة الواقعة شمال شرقي ولاية ميلة، من البلديات الريفية التي يمتهن أهلها الفلاحة والزراعة وبالأخص زراعة الزيتون وتربية المواشي، وتمتاز بأجود أنواع زيت الزيتون بالمنطقة، فيما يصارع أهلها يوميا مشاق البحث عن مياه صالحة للشرب وسقي محاصيلهم، بسبب جفاف التنقيبات وتعطل مشروع ربطهم بمياه سد بني هارون، الذي أخذ مساحات شاسعة من إقليمها.  
النصر زارت بلدية الشيقارة التي تبعد عن عاصمة الولاية بحوالي 30 كيلومترا وقضت فيها يوما جابت خلاله أحياءها ومشاتيها، وتحدثت إلى سكانها الذين تطرقوا لعدة انشغالات، أهمها غياب مياه الحنفيات عن منازلهم لأزيد من 5 أشهر وعدم تعبيد المسالك نحو بعض المشاتي، كما تحدثوا عن مشكلة افتقار سكناتهم لشبكات الصرف الصحي والغاز في بعضها الآخر.
إنتاج وفير للفواكه البرية وزيت الزيتون
تقع بلدية الشيقارة في الجزء الشمالي الشرقي لولاية ميلة، وتحدها من الشمال بلدية أولا رابح بولاية جيجل ومن الجنوب بلدية سيدي مروان على مستوى الوادي الكبير وسد بني هارون، أما من الغرب، فهي مجاورة لبلدية ترعي باينان. وتُعرف الشيقارة باسم زواغة.
قصدنا بلدية الشيقارة انطلاقا من عاصمة الولاية ميلة، لمعرفة واقع التنمية وعادات وتقاليد المنطقة الفلاحية التي تمتاز بأشهر أنواع زيت الزيتون والإنتاج الوفير للفواكه البرية، على غرار التين الشوكي«الهندي» والتوت البري. عبر الطريق الوطني رقم 27 المؤدي إلى ولاية جيجل وبعد تجاوزنا لسد بني هارون ببضع كيلومترات وعلى يمين هذا الطريق، تصادفك إشارة مرورية كتب عليها اسم «الشيقارة»، اتبعنا الإشارة نحو اليسار وبدأنا في صعود مرتفع جبلي، عبر طريقه الضيقة والوعرة، حيث تعبره المركبات ذهابا وإيابا، وكلما تقدمنا أكثر ازدادت المنعرجات وحدة الارتفاع ومع ذلك فإن جمال الطبيعة كان أخّاذا، في مزيج بين خضرة الأرض وأشجار الزيتون، بالإضافة إلى الهدوء الذي يطبع المكان وهو ما أنسانا عناء الصعود في تلك المرتفعات الملتوية.
وبعد أن قطعنا عدة كيلومترات صعودا، بدأت تظهر لنا بعض البنايات المتفرقة عن بعضها البعض تابعة لإقليم بلدية الشيقارة، ومع ذلك لا توجد إشارة تدل على أننا وصلنا إلى وجهتنا. أكملنا سيرنا، لكن من لا يعرف المنطقة، يعتقد أنه يتوجه نحو قرية صغيرة في جبل، فلا مدخل يوحي بأن الأمر يتعلق ببلدية، غير أنه كلما اقتربنا من وجهتنا أيقنا بأننا كنا على خطأ، حيث تزداد البنايات وتزداد حركة المواطنين، إلى أن وصلنا إلى مركز البلدية التي يتجاوز علوها 1000 متر، حيث التجمع الأكبر للسكان والمؤسسات التعليمية وكذا المؤسسات الجوارية الصحية.
ساكنة دون ماء لأزيد من 5 أشهر

بعد الوصول إلى وجهتنا، انتظرنا مرشدنا وهو ابن المنطقة ويدعى «جمال»، لبضع دقائق بوسط المدينة وبالضبط بنقطة لتوقف الحافلات، وفي تلك اللحظات، سجلنا تجمعا لسكان المشاتي والقرى بمركز البلدية صباحا، لقضاء حاجياتهم والتسوق، ناهيك عن ما يعرض من مختلف المنتجات الفلاحية التي تجود بها البساتين، قبل أن يصل دليلنا في هذه الجولة، فتوجهنا معه إلى بعض مشاتي المنطقة، على غرار الزاوبي، المصال، الزوابي العليا، بالإضافة إلى مركز البلدية «زواغة».
وفي حديث مع مرافقنا حول واقع التنمية بالمنطقة، أوضح أن المشكل الأكبر الذي يعاني منه ساكنة المنطقة ككل، يتعلق بغياب المياه الصالحة للشرب عن حنفياتهم لمدة تجاوزت 5 أشهر، وهو ما أكده العديد من المواطنين الذين التقينا بهم، بسبب جفاف التنقيبات الموجودة في المنطقة، ناهيك عن تعطل مشروع ربطهم بشبكة مياه سد بني هارون وهو ما صعب حياتهم في البحث عن هذه المادة الحيوية وأصحاب الصهاريج، سواء للاستعمال العائلي أو الفلاحي.
«عين بن لزرق».. عطاء يفوق القرن وملجأ وقت الأزمات

قصدنا إحدى المشاتي وبالتحديد الزوابي العليا وفي طريقنا إليها، وجدنا طابورا كبيرا من المواطنين ينتظرون دورهم لملء قارورات المياه من المنبع الموجود بمنطقة الزوابي السفلى، فاغتنمنا الفرصة وتقدمنا من أحد الشيوخ يدعى «عبديش صالح»، 75 سنة، الذي كان ينتظر دوره لملء قاروراته، فأخبرنا بأن هذا النبع المسمى «عين بن لزرق»، يعود لأزيد من قرن من الزمن في تزويد ساكنة الشيقارة بالمياه الصالحة للشرب، ناهيك عن كونه ملجأ للمواطنين وقت الأزمات.
وأضاف محدثنا قائلا بأن أهل المنطقة يشتكون من غياب عدة مرافق تنموية، على غرار تهيئة الطرقات، الربط بالغاز الطبيعي وقنوات الصرف الصحي في بعض المشاتي، ناهيك عن المرافق الشبانية مثل قاعات الرياضة والملاعب الجوارية، بالإضافة إلى المشكل الكبير الذي يعاني منه كل ساكنة الشيقارة منذ أزيد من 5 أشهر وهو غياب المياه عن حنفياتهم، معلقا «بلدية تطل على أكبر سد في الجزائر، لكنها لا تشرب منه»، مؤكدا على ضرورة ربطهم بمياه السد لإنهاء معاناتهم.
مطالب باستكمال الربط بالغاز
تركنا المواطنين ينتظرون دورهم بالمنبع المائي وتوجهنا رفقة دليلنا نحو مشتة الزوابي العليا، وخلال سيرنا لبضع دقائق مشيا على الأقدام، وجدنا أحد باعة قارورات غاز البوتان «عومارة محمد»، أمام شاحنته، اقتربنا للحديث معه، فأخبرنا بأنه يزاول هذا النشاط لأزيد من 14 سنة، في جلب قارورات غاز من مختلف مناطق الوطن، على غرار قسنطينة، شلغوم العيد وفرجيوة وبيعها لساكنة المنطقة الجبلية الباردة بأسعار في المتناول ما بين 240 دج و 250 دج للقارورة الواحدة.
وأضاف محدثنا، أن ساكنة «الشيقارة»، كانوا قبل سنوات يعانون من غياب الربط بشبكة الغاز الطبيعي، ما صعب حياتهم لاسيما في فصل الشتاء حينما تنخفض درجات الحرارة، حيث يزداد الطلب على هذه المادة الحيوية، لكن مؤخرا، حسبه، بدأت الوضع ينفرج ببعض المشاتي التي تم ربط سكناتها بالغاز، مطالبا بمواصلة تزويد المنطقة ككل، على غرار مشاتي مولة حباسة، مخاط والمصال، بالإضافة إلى الزوابي العليا.
واصلنا سيرنا بعدها نحو أعلى مشتة بالشيقارة «الزوابي العليا» وما لفت انتباهنا في هذه النقطة، هو المناظر الطبيعية الساحرة، فأينما وليت وجهك قابلتك مشاهد تأسر الأنظار، تمتزج فيها خضرة الجبال والسهول، على ضفاف سد بني هارون الذي تغطي مياهه مساحات شاسعة من هذه المنطقة، ناهيك عن سكنات البناء الريفي التي أضفت رونقا على المكان وأعادت الحياة لهاته الجهة ولسكانها في مزاولة الفلاحة وتربية المواشي، حيث أكد مرافقنا جمال، أنه استفاد خلال السنوات الماضية، من دعم فلاحي يتمثل في 100 شجرة زيتون قام بزرعها ببستانه في منطقة الزوابي العليا وهي تدر عليه اليوم إنتاجا وفيرا من الزيتون وزيت الزيتون، قائلا بأن هاته البرامج التي خصصتها الدولة لساكنة الريف، جعلته يواصل مهنته ومهنة أجداده في غراسة أشجار الزيتون والحفاظ على رمزية المنطقة.
* رئيس بلدية الشيقارة «عبد الحكيم قويدر»
جفاف التنقيبات خلفأزمة عطش

تطرق رئيس المجلس الشعبي البلدي لبلدية الشيقارة، عبد الحكيم قويدر، إلى المشاكل التي تعاني منها ساكنة المنطقة وبالأخص غياب المياه عن حنفياتها لمدة تجاوزت 5 أشهر وهي فترة لم تشهدها البلدية منذ سنوات، وهذا راجع، حسبه، لجفاف تنقيبين بمنطقة الرمايل، بالإضافة إلى ضعف المنسوب بآخر، حيث يتم تصدير المياه لمدة شهرين لتوزيعها نحو مشتة من المشاتي، مؤكدا أن هذه التنقيبات الثلاثة تقوم بتزويد حوالي 10 آلاف نسمة، على غرار مشاتي الزوابي، مركز البلدية، ورزيز، قيقبة، الهواري، مولة حباسة، لمصال والعيايش والجفاف أدى إلى خلق أزمة كبيرة في تزويد الساكنة.
وأضاف المتحدث، أن مصالحه تقوم بكل ما أوتيت من قوة، بالعمل لسد حاجيات المواطنين من هذه المادة الحيوية، من خلال تزويدهم بصهاريج البلدية، بالإضافة إلى صهاريج مؤسسة الجزائرية للمياه، لكن، حسب قوله، تبقى العملية غير كافية لتغطية كل المنطقة، مؤكدا أن الانتهاء من أزمة المياه الصالحة للشرب بالشيقارة، يتم في حالة التعجيل بربطها من سد بني هارون وهو المشروع الجاري إنجازه، حيث ينتظر حسب ما أكده القائم على المشروع لوالي الولاية، مؤخرا، ربط المنطقة شهر سبتمبر من السنة الجارية.  
وحسب ذات المصدر، فقد تم، مؤخرا، الانطلاق في مشروع إنجاز تنقيب مائي بمنطقة مقلات، يدخل في إطار برنامج صندوق الضمان والتضامن للجماعات المحلية لسنة 2023، الذي استفادت منه البلدية لتخفيف حدة الأزمة نوعا ما، بالإضافة إلى إنجاز التنقيبين القطاعيين اللذين لم تنطلق الأشغال بهما لحد الآن، رغم أوامر والي الولاية للقائمين على قطاع الموارد المائية، لجعل الشيقارة كأولوية لإنجاز التنقيبات المائية التي استفادت منها بغية تخفيف حدة الأزمة التي تعاني منها الساكنة منذ أشهر.
توزيع 175 سكنا ريفيا
كما أفاد المسؤول، بأنه وبالنظر لطبيعة المنطقة الريفية، حيث يزداد الطلب على رخص البناء الريفي، قامت مصالحه، مؤخرا، بتوزيع كل الحصص التي استفادت منها البلدية عبر ثلاث مراحل، بـ 70 سكنا، 40 سكنا و 65 سكنا، قائلا بأنه وخلال ترؤسه للمجلس، وجد العديد من الملفات المتراكمة في مكتبه فيما يتعلق بالبناء الريفي، حيث تم حلها وتوزيع الحصص لمستحقيها، كما أكد محدثنا، أن مصالحه تحصي حاليا أزيد من 1700 طلب على هذه الصيغة ويأمل في أن يتم رفع الحصص المخصصة لبلديته نظرا لكثرة الطلبات.
وبالرغم من تجسيد عدة مشاريع لتحسين الإطار المعيشي للمواطن، استفادت منها البلدية، مؤخرا، إلا أن المنطقة، حسب المسؤول، ما زالت في حاجة لتجسيد بعض الطرقات لفك العزلة عن المواطنين، إضافة إلى تعبيد المسالك غير المهيأة داخل التجمعات السكنية وإنجاز قنوات الصرف الصحي، ناهيك عن ربط الساكنة بالمياه الصالحة للشرب انطلاقا من سد بني هارون.
وأوضح «المير»، أن المنطقة استفادت خلال السنوات الماضية، من مشروع ربطها بالغاز الطبيعي، حيث تم تقسيمه إلى 7 حصص بكل من قيقبة، الهواري، الصفيفصة، ورزيز، ولجة بوخليف، الزوابي ولمصال، و وصلت نسبة الأشغال بها إلى حوالي 85 بالمئة، في انتظار تزويد المشاتي المتبقية وهي لمزلمط وبوعشرة، مؤكدا أنه تم ربط 1200 سكن بالغاز الطبيعي على مستوى البلدية، مشيرا إلى أن نسبة التوصيلات الفردية ضعيفة مقارنة بعدد السكان وهذا راجع، حسبه، للوضعية الاجتماعية لعائلات المنطقة التي لا تستطيع تسديد تكاليف التوصيلات.                       م/ب

الرجوع إلى الأعلى