بعد غياب دام سنوات طويلة عادت تقاليد الذبائح الجماعية بقوة إلى مختلف مناطق ولاية قالمة عشية حلول شهر رمضان الذي يكتسي طابعا خاصا لدى العائلات القالمية، و خاصة سكان الأقاليم الريفية المتمسكة بالعادات القديمة الضاربة في أعماق التاريخ، تتقدمها شعائر العبادة و روح التضامن بين السكان.
روبورتاج: فريد.غ
و قد انتشر الكثير من الناس بالأودية و الشعاب و على جوانب الطرقات و حول المنابع المائية لذبح رؤوس الأغنام و الماعز استعدادا لأول يوم من الشهر الفضيل، و يعتقد هؤلاء الناس بأن الذبائح الجماعية أو “ النفقة “ كما تسمى هنا بقالمة، فيها بركة و خير كثير مقارنة باللحم الذي يشترى من الجزارين.
و حسب هواة الذبائح الجماعية في رمضان فإن هذا التقليد يعبر عن روح التضامن بين العائلات و الجيران، و يعزز العلاقات الاجتماعية و يقضي على الخلافات و يبعث على الأمل و الارتياح لدى أفراد الأسر المشاركة في الذبيحة. و عشية رمضان تلتقي مجموعة الرجال من عائلة واحدة و حتى من الأصدقاء و الجيران للاتفاق على نوع الذبيحة و ثمنها و موعد الذبح، ثم يتوجهون إلى سوق المواشي لشراء رأس الماشية، و في غالب الأحيان تكون الوجهة إلى مواقع تربية الأغنام و الماعز بالمناطق الجبلية، لان الأسعار هناك تكون أقل من تلك المتداولة في الأسواق المحلية، حيث يشارك صاحب القطيع في العمل التضامني بتخفيض السعر و المساعدة في عملية الذبح حتى ينال الأجر و يقوي أواصر التضامن و الأخوة بين سكان الريف و سكان المدن و القرى.
و بعد الاتفاق على السعر تنقل الشاة إلى موقع الذبح و هناك يشارك الجميع في عملية السلخ تنظيف اللحم ثم تقسيمه إلى حصص متساوية قبل إجراء القرعة التي لا تظلم أحدا، و في غالب الأحيان تكون عملية الذبح عند صاحب القطيع إذا كان الماء متوفرا و كافيا للتنظيف.
و تتميز الذبائح الجماعية بسعر منخفض و نوعية جيدة يتم اختيارها بعناية من قبل المجموعة المشاركة في العملية، و يتم اختيار الشاة من القطيع الذي يتغذى من الطبيعة، لان لحمه يكون بمذاق جيد و مفيد للصحة، خلافا لرؤوس المواشي التي تعتمد في غذائها على الأعلاف المعدلة جينيا، حيث أصبح الناس غير راضين على لحوم المواشي الخاضعة للتسمين بالأعلاف و الأدوية بعد كارثة أضاحي العيد قبل عامين تقريبا.
و يمكن لكل لعائلة أن تعتمد على حصتها من الذبيحة طيلة الأيام الأولى من شهر رمضان دون الحاجة إلى اللحوم التي تباع في محلات الجزارة بأسعار مرتفعة، و بنوعية لا يمكن للزبون أن يتحكم فيها، و لذا فإن عودة الناس إلى مواشي المناطق الجبلية بدأت تتوسع أكثر و خاصة خلال شهر رمضان و مواسم الأفراح و المناسبات العائلية.
مواشي الأقاليم الجبلية.. الوجهة المفضلة
يقول محمد و هو رب عائلة متوسطة الحال تعود على المشاركة مع جيرانه في العملية ذات البعد الاجتماعي، بان شهر رمضان الكريم و المولد النبوي الشريف و عاشوراء، تعد من أهم المناسبات التي تكثر فيها الذبائح الجماعية بولاية قالمة، و بالرغم من ارتفاع أسعار المواشي و دخول اللحوم البيضاء على خط المنافسة القوية، فإن هذا التقليد العريق مازال ساريا بعدة أقاليم ريفية، كما يقول محمد، و خاصة بعد استتباب الأمن و عودة السكان إلى المناطق المهجورة لتربية سلالات المواشي المحلية، التي تعتمد على المراعي الطبيعية و تتميز لحومها بمذاق جيد و فوائد صحية، و أسعار في متناول العائلات الفقيرة، التي تخوض صراعا مريرا لتجاوز شهر الصيام بأقل التكاليف، في ظل الارتفاع غير المسبوق لأسعار المواد ذات الاستهلاك الواسع، عشية حلول شهر الصيام، الذي تحول إلى فرصة للربح و حتى المضاربة لدى الكثير من تجار المناسبات.
و قد تحولت المراعي الجبلية و الطرقات و المنابع المائية القريبة منها إلى ما يشبه المذابح المفتوحة في الهواء الطلق، مجموعات من الرجال و الأطفال و حتى النساء حول الشاة يسارعون الزمن لإنهاء عملية السلخ في أقصر وقت ممكن لترك الذبيحة تجف تحت ظل شجرة و هواء طبيعي منعش يحفظ اللحم و يبقيه على حاله ساعات طويلة.
و قد ظلت تقاليد الذبائح الجماعية بقالمة سائدة منذ عقود طويلة بالمناطق الريفية، إلا انها تراجعت بشكل كبير بعد تدهور الأوضاع الأمنية منتصف التسعينات و حدوث هجرة جماعية لمربي المواشي، و صارت أقاليم واسعة مواطن أشباح، و تلاشت عادات كثيرة ظلت تميز الريف القالمي بينها الذبائح الجماعية في المناسبات الدينية، و بعد تحسن الوضع و عودة السكان إلى المناطق المهجورة، بدأت بعض التقاليد تعود من جديد بعد قطيعة استمرت زمنا طويلا.
سياحة و تضامن و خير كثير
ليست الأسعار المنخفضة فقط من يدفع الناس إلى المشاركة في الذبائح الجماعية بقالمة، فهناك أسباب أخرى اعادت الظاهرة الاجتماعية بقوة بينها السياحة الطبيعية التي ازدهرت بقالمة منذ نحو سنتين، بالإضافة إلى روح التضامن بين العائلات، و الخير الكثير، حيث يعتقد الصائمون بأن لحم الذبيحة الجماعية في رمضان فيه بركة كثيرة و لا يمكن مقارنته باللحم الذي يباع في محلات الجزارة.
و يفضل الناس هنا بقالمة ذبح الشاة وسط الطبيعة و تنظيف لحمها هناك حتى يبقى محافظا على مذاقه و لا يتأثر بأي مواد ملوثة، حتى المياه التي تستعمل في الغسل طبيعية يتم جلبها من المنابع المجاورة لموقع الذبح.
و على خلاف بعض الولايات المجاورة التي يعتمد سكانها على لحوم الأبقار، فإن سكان ولاية قالمة مازالوا يفضلون لحم الغنم و الماعز، و نادرا ما تجد ذبيحة جماعية من البقر، حتى بعض الناس هنا يرفضون تناول لحم البقر بحكم التقاليد الضاربة في أعماق التاريخ.
و لم تتوقف أسعار اللحوم الحمراء عن الارتفاع بأسواق ولاية قالمة، و أصبحت هذه المادة الغذائية الهامة تشكل عبئا ثقيلا على العائلات الفقيرة، التي وجدت في الذبيحة الجماعية وسيلة لمواجهة جشع الجزارين الذين لا يترددون في إحراق جيوب الفقراء و تعميق معاناتهم خلال شهر الصيام، و أصبح التضامن الحل المجدي لمواجهة الظروف المعيشية الصعبة و مساعدة العائلات غير القادرة على تحمل تكاليف المناسبات الدينية، فهي تكتفي بما توفر لديها من إمكانات و تنتظر عمليات التضامن و التآزر بين الجيران و خاصة في شهر رمضان الذي تكثر فيه أعمال الخير و المساندة و المشاركة الجماعية حتى في ذبيحة صغيرة لكن أثرها كبير في نفوس الأفراد والجماعات.
ف.غ
ذبائح جماعية لمواجهة جشع الجزارين
- التفاصيل
-
حل مثالي لتخفيف أزمة السكن في ولاية قسنطينة: التوسعـــة الجنوبيـــــة .. مشـــروع مدينــــة جديـــدة بالمقاطعــــة الإداريـــــة علـــــي منجلـــــي
تتجه التوسعة الجنوبية للمقاطعة الإدارية علي منجلي في قسنطينة، لأن تكون مدينة جديدة، بعد برمجة جملة من المشاريع المختلفة التي...
أنجزها متخرجون وطلبة جامعيون بقسنطينة: ابتكـارات موجهـة للفلاحيـن والمرضى والمستثمريـن
ابتكر متخرجون وطلبة جامعيون بقسنطينة، مجموعة من الأجهزة الذكية الموجهة للفلاحين والمرضى والمستثمرين وأصحاب الفنادق والمصانع،...
قبضة حديدية لتنظيم البناء وحماية الطبيعة و المواطن: شرطة العمران بقسنطينة... ذراع أمنية متعددة الاختصاصات
تتصدى فرقة شرطة العمران وحماية البيئة بقسنطينة، لكل الأيادي التي تطال العمران وتمتد للمحيط البيئي وتخل بنظامه، وتعمل عناصرها على الحد من...
أنجز بمواصفات عصرية وتحول إلى قِبلة لآلاف التجار: سوق الجملة للخضر بوادي العثمانية يساهم في الوفرة واستقرار الأسعار
• 3 آلاف طن من المنتجات الفلاحية تدخل يوميا يستقطب السوق الجهوي للجملة للخضر والفواكه، ببلدية وادي العثمانية في ولاية ميلة،...
النصر ترافق فرقة رقابية في يوم رمضاني بخنشلة
مداهمــــات تكشــــف مشاهــد صادمــــــة بالمحلات وتسجيل تجاوزات خطيرةوقفت فرقة رقابية مشتركة، خلال مداهمات فجائية للمحلات التجارية ببلدية خنشلة، منها المختصة في صناعة الحلويات التقليدية و مخابز و قصابات...
النصر تقضي يوما مع سكان الشيقارة بأعالي ميلة
إنهاء الربط بسد بني هارون في سبتمبر والبناء الريفي يحيي أمل الاستقرار تراهن مصالح بلدية الشيقارة بولاية ميلة، على مشروع الربط بسد بني هارون، لإنهاء أزمة العطش التي عمرت لأشهر وقوضت أحلام...
تـأهـيل و ترميم حــي "الأقــواس"
مشروع ضخم لإعادة الاعتبار للوجه التاريخي لمدينة سكيكدة شُرع، قبل أشهر قليلة، في مشروع لإعادة تأهيل وترميم حي ديدوش مراد، المعروف بالأقواس، في مدينة سكيكدة، كواحد من أهم وأضخم المشاريع بالولاية، إذ يصنف...
توقُعُ احتضان آلاف السكنات ومشاريع تنموية في الأفق
معالم مدينة جديدة تتشكل في عين عبيد بقسنطينة تتجه بلدية عين عبيد بقسنطينة نحو تطور عمراني غير مسبوق، يرافقه تطور في البنية التحتية وتوسع كبير في الكتلة الحضرية والسكانية التي يتوقع أن تصل إلى 20 ألف...
تستقطب السياح من داخل وخارج الوطن
- تيديس - الأثرية.. عراقة التاريخ وسحر الطبيعة تحافظ مدينة «تيديس» الأثرية منذ عقود طويلة، على شموخ أعمدتها وحجارتها التي تحكي قصصا عن حضارة غابرة، لا تزال حقول بني حميدان الغناء تحتفظ برجع صدى تاريخها...
زاوية الهامل ببوسعادة: قلعة صانت الهوية و أشاعت العلوم و المعارف
تعتبر زاوية الهامل القاسمية المتواجدة في الولاية المنتدبة بوسعادة، من أهم الصروح الدينية والثقافية العريقة في الجزائر، التي ساهمت على...
انتعاش تجارة الصوف ودكاكين قديمة تعود للنشاط بقسنطينة
الموضــــة تُحيــي حـرفــــة الحيّــاكـــــــةأحيت الموضة حرفة الحياكة من جديد، و زادت الطلب على منتجاتها من مفروشات و قطع ديكور وملابس على وجه الخصوص، وهو ما أنعش تجارة الصوف وأعاد للدكاكين الصغيرة بوسط مدينة...
تخلّى عن الوظيفة ليحقّق حلمه
شـاب ينشـئ مؤسسـة تكويـن بجيجل أنشأ ابن جيجل، الشاب عبد المؤمن زيوط، مؤسسة خاصة للتكوين بمدينة الطاهير، قصد الاستثمار في طاقات شباب المنطقة، ومساعدتهم على تخطي عتبة البطالة في مرحلة لاحقة، بفضل ما يكتسبونه...
في دورة تعتبر الأولى من نوعها بقطاع التكوين
التحكم في تقنيات الإعلام الآلي.. حلم يحققه مكفوفون بجيجل احتضن، مركز التكوين المهني والتمهين الشهيد زيغة محمد بجيجل، دورة تكوينية حول قارئ الشاشة لفائدة فئة المكفوفين، في مبادرة تعتبر الأولى من نوعها...
مختصون يحذرون من تبعات جمع عشوائي لمواد قابلة للرسكلة
نبش حاويات القمامة مشكلة تهدد الصحة العمومية بقسنطينةأصبحت نقاط جمع القمامة على مستوى الأحياء السكنية تشكل هاجسا لدى السكان، بسبب نبش أشخاص الأكياس المرمية داخل الحاويات، لجمع المواد المعاد تدويرها، ما يؤدي...
يحافظ على طبيعته في زمن المراكز التجارية والمساحات الكبرى
السوق الأسبوعي بالخروب يقاوم رياح التغيير لا يزال السوق الأسبوعي ببلدية الخروب بقسنطينة يحافظ على مكانته كواحد من الأسواق التي تشهد إقبالا لا بأس به من قبل المواطنين والتجار على حدّ سواء،...
ليلة بخط السكة المنجمي المزدوج بلاد الحدبة عنابة: ســـواعد جزائريــة ترفع التحدي وتشرف على منشــآت عملاقـــة
يداهم الظلام سريعا قاعدة الحياة التي أقامتها شركة كوسيدار العملاقة بمنطقة جبلية شرقي قالمة، و يلتحق مهندس الجيولوجيا (ب. يعقوب) بمركز...
تنافس سلع تركيا والصين
معاطـف محليــة تلقـــــى رواجــــا في الســــوقحقّق المنتوج المحلي للمعاطف الشتوية النسائية المعروفة باسم «ترانش كوت»، رواجا واسعا، لدرجة بات يصعب التفريق بينها وبين المستوردة، حسب ما...
لتوحيد محتويات التعليم الأساسية وطنيا
ديوان المطبوعات الجامعية يخوض تجربة إصدار الكتب المرجعية يخوض ديوان المطبوعات الجامعية، في الفترة الأخيرة، تجربة إصدار الكتب المرجعية باعتبارها أداة أساسية في المسار التعليمي والتكويني للطالب، و وسيلة...
أجيـال من الجيـجلـيات توافـدن على ورشته
- خميسي -.. ثلاثون سنة في مرافقة العرائس يختص بن حجي بوخميس، المعروف محليا باسم خميسي، في تفصيل و خياطة اللباس التقليدي الرفيع و تحديدا لباس العروس أو « التصديرة»، ويعد الخياط الأشهر...
استثمارات ضخمة في غرس بساتين الفواكه بالطارف وعنابة
مردود وفيـــر في رمـــان منطقة سيدي جميل المصنــــف الأول وطنيـــــا تحولت سهول سيدي جميل بدائرة البسباس في الطارف، إلى قطب لإنتاج الرمان وتسويق الشتلات إلى مختلف الولايات وحتى لخارج الوطن،...
<< < 1 > >> (1)