يرى البطل السابق علي سعيدي سياف، أن عدم الإسراع في تغيير الإستراتيجية التي يسير بها قطاع ألعاب القوى في بلادنا، قد تكون عواقبه أكثر من سيئة، مؤكدا في حوار للنصر، أن الكثير من النوادي، فقدت خاصية تكوين رياضيين بإمكانهم رفع راية الجزائر عاليا والمنافسة على الألقاب الإفريقية قبل التوجه للعالمية، كما وصف ابن مدينة قسنطينة، توفيق مخلوفي بالشجرة التي تغطي غابة إخفاقات المسؤولين، رغم إقراره أن توفير الإمكانيات كفيل ب»صنع» أبطال مثله في كل ولاية.
حاوره: مروان. ب
*بداية، أين يتواجد سعيدي سياف ؟
لم أبتعد عن ألعاب القوى، ولم أنقطع عن ميدان الرياضة إطلاقا، فأنا لعلمكم إطار بوزارة الشبيبة والرياضة، وأعمل في الوقت الحالي كمدرب للفئات السنية، لإحدى الجمعيات الرياضية الخاصة بألعاب القوى بالعاصمة، كما سبق لي تدريب المنتخب الوطني أواسط وأكابر موسم 2017/2018، إلى جانب كوني عضوا في اللجنة الأولمبية الجزائرية، وفي كل مرة تنظم الأخيرة تظاهرات أو أسابيع أولمبية، ألبي الدعوة بصدر رحب.
«الناجحون» في أوروبا يتولون القيادة وفي الجزائر مهمشون 
*في رأيك ما سبب تراجع مستوى ألعاب القوى الجزائرية ؟
هناك عدة أسباب وراء تراجع نتائج ألعاب القوى الجزائرية، وفي مقدمتها السياسة المتبعة من قبل المسؤولين، والتي قد تقودنا إلى الأسوأ، لو تظل الأمور على حالها، فهل يعقل أن ننجح في صناعة أبطال بإمكانهم رفع راية الجزائر عاليا في غياب مراكز التكوين، وانعدام الرعاية والاهتمام، إلى جانب افتقاد الإمكانيات والوسائل، فالمضامير لوحدها لا تكفي لإعداد رياضيين متميزين، وحتى أندية الضواحي (قسنطينة وسوق أهراس وباتنة وخنشلة) فقدت خاصيتها السابقة، والمتمثلة في اكتشاف المواهب وإعدادها، وهنا أعود بكم إلى سنوات 2004 و2005، أين كان نادي مولودية الجزائر يتوفر على كل شيء، وبالتالي كان قبلة الجميع لما يمنحه من امتيازات غير موجودة حتى على مستوى المنتخب الوطني، فهذا الفريق كان يوفر لنا رواتب مقبولة، ويقيم لنا تربصات دائمة خارج الوطن، وكلها معطيات ساهمت في تطويري إمكاناتي رفقة بقية الأبطال، على غرار بولحفان وبوكنزة ومخلوفي ومرسلي، للأسف هذا الفريق ذهب أدراج الرياح، وهو ما انعكس بالسلب على ألعاب القوى الجزائرية، التي فقدت الكثير من بريقها، باستثناء النتائج المحققة من طرف البطل مخلوفي.
*كيف تفسر تألق رياضيي كينيا وإثيوبيا رغم أنهم يفتقدون لأدنى الإمكانيات ؟
عندما نتحدث عن هذين البلدين، فالعقلية مختلفة مقارنة بما هو في الجزائر، ويكفي أن تعلموا بأن رياضة ألعاب القوى لدى الكينيين والإثيوبيين ثقافة في حد ذاتها، وهي سبيلهم الوحيد للبروز والنجاة من الأوضاع المعيشية الصعبة، ولذلك تجدهم يتوجهون بأعداد كبيرة لممارستها، دون أن ننسى بأن البنية المرفولوجية الخاصة بهم تساعدهم كثيرا في العدو، خاصة في اختصاصات 1500 و5000 متر، وكذا المسافات الطويلة “الماراطون» الذي يسيطرون عليه، ولو أن موقعهم الجغرافي وتواجدهم بمرتفعات تفوق الألفين كيلومتر عن سطح البحر، ساهم بقسط كبير في إنجازاتهم خلال البطولات والتظاهرات الكبرى.
قوتي وأنا شاب جعلت حتى القروج يهابني
*بماذا تفسر وجود بطل بحجم مخلوفي صاحب الإنجازات الكبيرة؟
نحن محظوظون بامتلاكنا بطلا في شاكلة توفيق مخلوفي، الذي رفع راية الوطن عاليا في آخر السنوات، كما حقق إنجازات باهرة ستظل فخرا له ولرياضة ألعاب القوى الجزائرية،... هو موهبة فذة صنعت لها اسما كبيرا على المستوى العالمي، بفضل الإرادة الفولاذية التي تحلى بها طيلة مشواره، والتضحيات الجسام التي قام بها في سبيل تطوير إمكاناته، مخلوفي امتداد لمرسلي وبولمرقة وكذا الجيل الذي أتى بعده، على العموم، لقد كان للموهبة دور بارز في بروز الجميع، ولو كنا نولي أهمية كبيرة لما تزخر به الجزائر من مواهب لما اكتفينا بمخلوفي فقط، فهناك الكثير من مشاريع الأبطال موزعين عبر كافة ربوع الوطن، غير أننا عاجزون عن اكتشافهم والعمل بعدها على تطوير مؤهلاتهم، لكي يقودوا الجزائر نحو المجد.
إستراتيجية القائمين على القطاع قد تقودنا إلى الأسوأ 
*ألا تعتقد بأن مخلوفي أضاع على نفسه ألقابا كثيرة ؟
أجل، كان بإمكان مخلوفي التتويج بألقاب أكبر وحصد ميداليات أكثر، غير أن ابتعاده في كل مرة عن أجواء المنافسة حال دون بقائه في القمة، هو بطل بما تحمله الكلمة من معنى، ولو لم يتوقف بعد كل مسابقة كبيرة، على غرار ما حدث بعد أولمبياد لندن 2012، أين لم يمارس هوايته المفصلة لسنتين، وكذا توقفه لثلاث سنوات كاملة، بعد أولمبياد ريو دي جانيرو لكان قد أبهر كافة المتتبعين والمختصين، صدقوني مخلوفي الشجرة التي غطت على غابة مشاكل ألعاب القوى الجزائرية التي لم تعد كسابق عهدها.
*لنتحدث الآن عنك وعن مشوارك في ألعاب القوى، كيف بدأت ممارسة هذه الرياضة؟
بدايتي مع الرياضة كانت ببلدية حامة بوزيان بولاية قسنطينة، وكنت أمارس آنذاك كرة القدم، وأنشط كحارس مرمى، غير أن مشاركتي في إحدى الألعاب المدرسية، جعلتني أكتشف موهبتي في العدو، خاصة وأنني أنهيت إحدى السباقات في المرتبة الأولى، لأركز بعدها على هذا المجال، خاصة وأن نتائجي كانت باهرة، وجعلت الجميع ينصحني باحتراف ألعاب القوى.
الكينيون والإثيوبيون يرون في ألعاب القوى طوق نجاة 
*هل تتذكر أولى مشاركة لك في منافسة خارجية
بطبيعة الحال، أتذكر أولى خطواتي خارج الجزائر، خاصة وأنها كانت من أبرز أسباب بروزي فيما بعد، فمشاركتي في أول منافسة خارجية كبرى كانت ببطولة العالم للأواسط، والتي أقيمت بسيدني بأستراليا سنة 1996، أين أنهيت سباق 1500 متر في المركز السابع، كما شاركت في بطولة العالم بأثينا سنة 1997، وأنا مازلت في صنف الأواسط، غير أن مغامرتي انتهت عند الدور الأول لسباق 1500 متر الذي شارك فيه أبطال كبار مثل نور الدين مرسلي، على العموم لقد استفدت كثيرا من تلك التجارب التي أكسبتني الخبرة، وجعلتني أحضر لأكون بعدها فوق منصات التتويج.
*هناك من اتهمك بالهروب من البعثة في بطولة العالم بأثينا والالتحاق بإيطاليا، ما تعليقك ؟
صدقوني مللت من الحديث عن هذا الموضوع في كل حوار أو لقاء صحفي، وأفضل عدم العودة إليه من جديد، رغم احترامي الكبير لجريدتكم، وهنا أؤكد لكم بأنني كنت لا أحتاج للهروب إلى إيطاليا أو أي بلد أوروبي آخر، لأني كنت أمتلك عروضا مغرية، ولم يكن لدي أي فائدة لترك بعثة المنتخب الوطني، فشركات مثل “نايك» و»أديداس» و»بيما» عرضوا علي عقودا بامتيازات كبيرة، ولم يكن هناك داع لأفر، ولو أن الوقت أنصفني بعدها، على اعتبار أنني عدت إلى الجزائر بعد شهر من تلك البطولة، لكي أحضر للمواعيد والاستحقاقات الهامة التي كانت تنتظرنا.  

*خطفت الأضواء خلال أولمبياد سيدني 2000، هل صحيح أنك لم تكن راضيا بالميدالية الفضية ؟
في أولمبياد سيدني، كنت من بين المرشحين للفوز بالميدالية الذهبية، لأنني كنت أمتلك في ذلك العام أفضل رقم في 5000 متر، ومن بين أحسن العدائين في 1500 متر أيضا، إلى درجة أن هناك من رشحني للتفوق بسهولة على البطل المغربي هشام القروج، الذي كان الرقم «1» في اختصاصه، غير أنني اخترت بعدها التركيز على سباق 5000 متر، لقد كانت تنقصني الخبرة والثقة في النفس، وارتكبت خطأ تقنيا، حال دون إنهائي السباق في المرتبة الأولى، وبالتالي أهديت الميدالية الذهبية لمنافسي، الذي لم يهزمني في كافة التجمعات التي سبقت الأولمبياد، وليس هذا فحسب بل كنت أتعداه بمسافات معتبرة تصل إلى 100 متر،ولذلك كنت حزينا بعض الشيء للاكتفاء بالفضية، رغم أنها تعد إنجازا كبيرا هي الأخرى.
ضيعت الذهب بسذاجة في سيدني وقضية المنشطات لن أعود إليها
*يقال بأن البطل العالمي هشام القروج كان يهابك...
كنت في أوج عطائي عند سن 23 ربيعا، وكنت أمتاز بسرعة كبيرة جدا في آخر الأمتار، وكلها أمور جعلت البطل المغربي القروج يهابني كثيرا.
*بعدها سقطت في فخ تناول المنشطات، وما أثارته القضية من ضجة كبيرة، ساهمت في تحطيم مسيرتك الرياضية، ماذا تقول في هذا الشأن؟
القضية مرّ عنها 20 سنة كاملة، ولا داعي للعودة إليها مجددا، لأنني تحدثت عنها لأكثر من وسيلة إعلامية، لست مذنبا كما سبق أن صرحت، وكلما تذكرتها شعرت بالحسرة والألم، ولو أنني تخطيت كل ذلك، بفضل إيماني القوي ووقوف الجميع إلى جانبي، سواء مسؤولين أو حتى رجال الإعلام، هي نقطة سوداء في مسيرتي طويتها بشكل نهائي، وستكون المرة الأخيرة التي أتحدث عنها، بدليل أنني رفضت إجراء عدة مقابلات في الآونة الأخيرة، حتى لا أعيد التكلم عن تلك التفاصيل التي مل منها الجميع.
*لماذا لا نراك تعمل مع اتحادية ألعاب القوى، رفقة باقي الأبطال السابقين؟
في المغرب ودول العالم المتقدم، الأبطال السابقون متواجدون على رأس اتحاديات ألعاب القوى، وهم من يشرفون شخصيا على مراكز التكوين، بهدف الاستفادة من تجاربهم، غير أن الأمور مختلفة في الجزائر، فلا تكاد ترى الأبطال السابقين، رغم ما قدموه لبلدهم خلال مسيرتهم الرياضية، وأفضل عدائينا ينشطون بالفرق العسكرية، وهناك لا يحتاجون لخدماتنا، في وجود مدربين، صدقوني هناك عدة علامات استفهام تطرح في هذا الصدد، فالوعود موجودة باستمرار، ولكن الملموس غائب تماما، على أمل أن تتغير الأمور مستقبلا، لأننا نود توظيف الخبرة التي اكتسبناها لصناعة نجوم قادرة على رفع الراية الوطنية في الأولمبياد وبطولات العالم، لقد عشت قرابة 20 سنة خارج الجزائر، وعدت إلى حضن بلدي، لا لشيء سوى لرد جميله.
مخلوفي شجرة تغطي إخفاقات المسؤولين  
*بماذا تريد أن تختم الحوار ؟
نطلب من المسؤولين والقائمين على شؤون الرياضة الاهتمام بالمواهب، فصناعة الأبطال لا تحتاج إلى الأموال فقط، بل العناية وتوفير أبسط الأشياء، قد تجعلنا ننجح في الحصول على مخلوفي في كافة الولايات، افتحوا الأبواب للدوليين السابقين، لكي يخدموا رياضة ألعاب القوى، التي لطالما رفعت الراية الوطنية عاليا، كما علينا الاهتمام بأندية الضواحي من جديد، فحامة بوزيان مثلا أنجبت عدة أبطال في كافة المجالات.
م. ب

الرجوع إلى الأعلى