كشفت مريم بلقاسمي، العضو المؤسس في مبادرة المسار الجديد، أن هذا التكتل الفتي استطاع أن يستقطب كافة التيارات والأطياف السياسية والعديد من الأشخاص غير المتحزبين ومعظمهم شباب، وترجع ذلك إلى الانفتاح على الجميع مع اشتراط عدم المساس بـ «مبادئ المواطنة» وترك الإيديولوجيات جانبا، لتردّ في حوار للنصر على الانتقادات التي تعرض لها التكتل وتقدِّم توقعاتها بخصوص التشريعيات المقبلة، كما تقدم القيادية الشابة، قراءة في المشهد السياسي وتكشف عن كواليس اللقاء الأخير لأعضاء المبادرة مع رئيس الجمهورية.
حاورتها: ياسمين بوالجدري
* أثار تكتل المسار الجديد جدلا مع أول يوم من تأسيسه وقيل إنه حزب بعباءة المجتمع المدني لأنه استقطب أشخاصا قدموا من أحزاب شكلت المشهد السياسي بالجزائر لأعوام. لماذا هذه المبادرة وكيف بدأت؟
الهدف الأول من المبادرة هو خلق فضاء لتبادل الأفكار والنقاش حول القضايا التي تهم بلادنا. فكرة التأسيس جاءت لأن مرجعية حراك 22 فيفري خلقت نوعا من الاهتمام بالسياسة، خاصة أن الحراك كان سياسيا بامتياز. فكرنا أنه وعوض ترك الشباب في الشارع من أجل مطالب شرعية، في استحداث التكتل لتتجسد هذه المطالب وتكون منظمة ومهيكلة.
ننادي بفتح المنابر للشباب
المسار الجديد مفتوح لجميع الأشخاص سواء كانوا متحزبين أو غير متحزبين، لكننا وضعنا شرطين للراغبين في الالتحاق به، الأول أن لا يكون هناك إلغاء للآخر وألا يكون الراغب في الانضمام مشاركا في الفساد الذي شهدته الجزائر في المرحلة السابقة، أما الشرط الثاني فهو حمل الأفكار وتقديم البدائل، لكي لا يكون الانخراط من أجل الانخراط فقط.
نريد في المسار الجديد، طرح أنفسنا كبديل سياسي لتحقيق المصلحة العامة وطرح تصور أحسن وخطاب مبني على النقد البناء وليس العبثي، النقد المنطقي وليس المعارضة من أجل المعارضة فقط ولا الموافقة من أجل الموافقة. نريد الطرح الموضوعي فالساحة السياسية متعفنة في غياب مرجعيات، حتى النخبة كان يفترض أن تنور الرأي العام وتبتعد عن الشعبوية. ليست لدينا مشكلة مع أي شخص، فمبادرتنا تجمع كافة التيارات والأطياف السياسية.
* لكنكم تعرضتم للكثير من الانتقاد والهجوم لأن التكتل ضم وجوها قيل إنها محسوبة على النظام السابق، كيف تردون على هذه الانتقادات؟
نتقبل النقد البناء بصدر رحب لتحسين عملنا، لكننا لا نعطي أهمية للنقد العبثي والعدمي و رفض الآخر والتخوين. للأسف تم انتقادنا من جهات لم تعط الوقت الكافي لمبادرتنا ولم تعرف الخطوط العريضة والأهداف. جزء كبير انتقدنا لأن التكتل ضم أشخاصا كانوا في النظام السابق، لكننا شرحنا أنه لا يهمنا مع من كان هؤلاء طالما أنهم لم يُتابعوا في قضايا فساد أو أعمال تخريب أو قتل، كما أن الأخطاء واردة في الممارسة السياسية.
الرئيس كان مطلعا على كل ما طرحناه عليه
اليوم نحن متفائلون لأن نسبة كبيرة من المنتقِدين والذين كانوا يتهكمون علينا على موقع فيسبوك، أصبحوا معنا ويحضرون نشاطاتنا الميدانية.
* تقولين إن المسار الجديد يضم أشخاصا من مشارب سياسية وإيديولوجية متباينة، ألا تخشون حدوث نوع من الصراع الداخلي الذي قد يؤثر على المبادرة؟
كما قلت في البداية، أول شرط وضعناه للانضمام للتكتل، هو تقبل الآخر، فالحياة السياسية تتوسع بتقبل الآخر، وعلى كل منخرط أن يترك عندما يأتي إلينا، إيديولوجيته في المنزل ومع الأشخاص الذين لهم نفس انتمائهء، ففي فضائنا نرحب بطرح الأفكار والمبادرات شرط ألا تمس بمبادئ المواطَنة. يوجد معنا إسلاميون وعلمانيون و يساريون وليبراليون، لكن المواضيع المتعلقة بتوجهاتهم الإيديولوجية لا تُناقَش، حيث يُطرح فقط ما يخدم فعليا حياة المواطن ويحسّنها.
* معلوم أن القوانين لا تسمح للمجتمع المدني بممارسة الفعل السياسي بشكله الصريح، ألا تفكرون في تشكيل حزب؟
لقد قلنا خلال اللقاء التأسيسي في 19 سبتمبر 2020 إن المبادرة تجمع الجمعيات والمنظمات ولا تنحصر في المجتمع المدني، فقد ضمت حراكيين متحزبين.
رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون ومنذ توليه الحكم، أعطى فضاء أكبر للمجتمع المدني لأن الأحزاب السياسية فشلت في أداء دورها وأدت لحالة الانسداد.
استطعنا ملء القاعات لأننا منفتحون على الجميع
هذا لا يعني أن المجتمع المدني سيؤدي دور الأحزاب إذ يستحيل أن يحل محلها، فدوره هو الاقتراب من المواطن ونقل انشغالاته ليكون وسيطا بين المواطن والسلطة، وكذلك وضع المرجعيات وتحسين نوعية تنوير الرأي العام وأيضا تقويم السلطة، إذ أن له الحق في الانتقاد.
المجتمع المدني كان مهمشا لسنوات طويلة ولم يقم بمهامه، رغم أنه دعامة المجتمع ويمثل قوة اقتراح ورقابة.
* لدينا معلومات بأن مجموعة من مناضلي المسار الجديد شكلوا قوائم حرة للمشاركة في التشريعيات، لماذا القوائم الحرة؟
تركنا لمنخرطي المسار الجديد الحرية المطلقة في خوض الانتخابات التشريعية سواء عبر القوائم الحرة أو عبر أحزابهم، لكن نسبة كبيرة منهم اختارت القوائم الحرة، ذلك لأن 90 بالمئة من الوجوه التي دخلت مبادرتنا، جديدة ولم تمارس السياسة من قبل وقد شجعناها لأنها تحمل أفكارا مفيدة وكانت القوائم الحرة الحل الأنسب بالنسبة لها، حيث إن حوالي 10 بالمئة فقط من منخرطينا متمرسون في السياسة ومتحزبون.
* ما هي توقعاتكم بخصوص التشريعيات؟  
أقولها بصراحة، الوقت لم يكن كافيا لتقديم الفرصة لأشخاص آخرين يعطون قاعدة شعبية بجلب أصوات في التشريعيات. أعتقد أن الانتخابات التشريعية ستنتج نفس التشكيلة السياسية و بأن أحزاب معروفة ستأخذ حصة الأسد.
ربما سيكون هناك ترشح للكثير من القوائم الحرة وهي، في الحقيقة، لن تخدم البرلمان القادم وستشكّل فسيفساء، لأن القانون العضوي المتعلق بنظام الانتخابات ينص على أن القوائم التي لا تحصل على 5 بالمئة من نسبة المصوتين تُلغى أوتوماتيكيا، وهذا يعني أنه كلما كان عدد القوائم كبيرا كلما تفرقت الأصوات وبالتالي سنعود لنفس التشكيلة السياسية.
لا ننتظر الكثير من البرلمان القادم، فظروف الحراك والوباء لم تعط الفرصة للأشخاص لكي ينشطوا كثيرا في الميدان.
أطراف انتقدتنا قبل أن تطلع على مشروعنا
* يلاحَظ أنكم استقطبتم فئة كبيرة من الشباب. برأيك، هل يعول عليهم في دخول معترك السياسة قبل المرور على قنوات تصقلهم وتكونهم سياسيا؟
الشباب هم الحلقة التي تراهن عليها الدولة ضمن التوجه الجديد لتحسين الإجماع والتوافق حول القضايا المصيرية للبلاد، والدليل هو تفعيل هيئة دستورية تقحمهم في الحياة السياسية وهي المجلس الأعلى للشباب. أعتقد أن الاستفاقة الجماعية للشباب التي رأيناها في حراك 22 فيفري و وقوفهم في الواجهة والدخول في نقاشات وطرح أفكار مصيرية للبلاد، تكفي وتعطي قابلية لإقحامهم في الحياة السياسية.
لاحظنا في خرجاتنا عبر 28 ولاية، أن 90 بالمئة من الحاضرين في اللقاءات، من الشباب وقد لمسنا اهتماما كبيرا منهم للمشاركة في بناء الجزائر الجديدة، عبر طرح مقترحات وأفكار، حيث يرون أن الطبقة السياسية القديمة لم تقدم ما كان يجب تقديمه، سواء كانت موالاة أو معارضة.
صحيح أن تهميش الشباب لوقت طويل، منع من تكوينهم سياسيا، لكن ينبغي ألا ننسى أنهم غير منقطعين عن العالم، فهم يطلعون على ما يحدث فيه عبر الإنترنت و وسائل التواصل الاجتماعي على جميع الأصعدة، لذلك فهم يدركون ما هي المعايير المطلوبة وما لا يتماشى مع العصر الجديد. يكفي إعطاء الشباب منبرا وفضاء لتبادل الأفكار و وجهات النظر, وفتح المجال لهم بشكل أكبر للبروز في وسائل الإعلام.
* نلاحِظ أنكم حاضرون في العديد الولايات، كيف استطعتم تحقيق هذا الانتشار ومبادرتكم لم تر النور إلا شهر سبتمبر الماضي؟
تكتلنا يضم جمعيات ومنظمات لها وعاء في كل الولايات، ما سهل علينا مهمة الانتشار، حتى أن التراخيص التي نحصل عليها للقيام بالملتقيات، تأتي عن طريق هذه الجمعيات. في اليوم الأول فقط من التأسيس حضرت 70 جمعية ومنظمة، وقد وصلنا اليوم إلى ضعف هذا الرقم. لقد ركزنا على الحراكيين حيث أن وجوه بارزة من الحراك لها امتداد في كافة الولايات، حضرت يوم التأسيس. سر نجاحنا في امتلاء القاعات خلال تجمعاتنا، هو أننا لسنا منحصرين في فئة واحدة.
أشخاص كانوا يسخرون منا على فيسبوك انضموا إلينا
* يضم التكتل وجوها نسائية فاعلة. هل اعتمدتم في ذلك على نظام الكوطا أم على معايير أخرى؟
عندما تأسس المسار الجديد كنت أنا ومنذر بودن، والفكرة التي بنينا عليها المبادرة تمثلت في تجديد الطبقة السياسية بوجوه فاعلة وشباب ونساء سيكونون بقوة في هذا المشروع. وضعنا منذ البداية إستراتيجية لاستقطاب وجوه نسائية لديها حضور وأفكار ونحرص على تواجد النساء في كل تجمعاتنا. المرأة هي نصف المجتمع، كما أنها تربي وتعمل على تنشئة النصف الآخر.
* كنتم من أوائل فعاليات المجتمع المدني التي استقبلها رئيس الجمهورية، ما الذي طرحتم عليه وكيف كان اللقاء عموما؟
اللقاء كان جد إيجابي ومتميز. أقول كان متميزا، لأنه دام 3 ساعات وهذا وقت قياسي، كما حضره المنسق و5 أعضاء وهذا رقم قياسي أيضا.
كل واحد منا تناول شقا معينا بعد أن وضعنا ملخصا عن الانشغالات التي وجدناها في خرجاتنا. بالنسبة لي طرحت الشق الاجتماعي بالحديث عن مشروع مجتمع في ظل تهميش الجانب الاجتماعي لأننا لم نعمل على الفرد.
لاحظنا أن الرئيس مطلع على ما نقوله وملّم بكل ما طرحناه. لقد قلت له إن هناك قرارات مفرِحة يُصدرِها، لكن هذه القرارات لا تمر عبر الإدارة المثالية ولا تجد الإرادة السياسية، وهنا تكمن المشكلة، إذ توجد عرقلة كبيرة في تطبيق القرارات. تحدثنا عن مشكلة اتصالية كبيرة لم تعالَج بعد، وأدت لترويج الشائعات وتغليط للرأي العام، رغم أن الرئيس يقوم بلقاءات صحفية دورية.
الرئيس أخبرنا أن هناك ثورة مضادة يقوم بها أشخاص من النظام السابق والإدارة، وبأن المال الفاسد ما يزال يتحرك. لقد أدركنا أن الرئيس على دراية بكل شيء وبأن أبسط التفاصيل تصله.
المجتمع المدني كان مهمشا لسنوات طويلة
* في الأخير، هلا أطلعتنا على الرهانات الكبرى لتكتل المسار الجديد؟
لدينا 7 توجهات كبرى في الشق الاجتماعي، الاقتصادي، الثقافي وحتى البيئي، وكذلك في الحريات الجماعية والفردية، وحرية الصحافة ومحاربة الفساد، لكن ما نحتاجه هو وجود مؤسسات تقوم بالإحصاء وسبر الآراء، فالجميع لا يعلمون الأرقام ويعملون في فوضى عارمة، لذلك فإن أي مشروع ينبغي أن يستند للغة الأرقام. لقد مللنا من الشعبوية فهذه اللغة القديمة أدخلت البلاد في دوامة كبيرة.
ي.ب

الرجوع إلى الأعلى