زرت بيت ألبير كامو بحثا عما يقربني من موقفه الحقيقي بخصوص القضية الجزائرية
ميزانيتي صفر و أعمل بمفردي
يعكف المخرج الجزائري المقيم بفرنسا محمد الزاوي على تجسيد عمل وثائقي جديد حول الفنان التارقي الراحل عثمان بالي، قال بأنه سينتجه و يخرجه، بالتعاون  مع  الإعلامي عبد الكريم سكار.مخرج «آخر كلام» الحائز على عديد الجوائز الدولية، منها جائزة النخلة الذهبية بمهرجان الإسكندرية، و الذي تناول فيه آخر أيام الأديب الراحل طاهر وطار، قال في حوار خص به النصر، بأنه حاول أيضا تقفي أثر الأديب المثير للجدل «ألبير كامو»، لمعرفة المزيد من التفاصيل عن مواقفه من القضية الجزائرية، معترفا بأن هذا الأخير، لم يكن قريبا من وجدانه مثل باقي الأدباء و الشخصيات التي استقطبت اهتمامه و خطفت أضواء كاميراته.بخصوص واقع الثقافة ببلادنا، رّد بأن الثقافة لا تقاس بعدد الهياكل الثقافية من مسارح و قاعات عرض، و إنما بحس و مبادرات المواطنين، معلّقا بأن الجزائر كانت تتمتع بتقاليد راقية ضيعتها، أما عن الإنتاج السينمائي، فيرى بأن أفضل طريقة لتجاوز كل الانحرافات، تفرض تنظيم مسابقة للمخرجين، و إسناد الأعمال إلى لجنة قراءة مستقلة لتقييم السيناريوهات و انتقاء الأفضل.
حاورته: مريم بحشاشي
. النصر: تواجدك بجنوب فرنسا و التقاطك لصور أمام ضريح ألبير كامو، يجعلنا نشم رائحة مشروع وثائقي جديد و تقفي أثر أديب آخر بعد الطاهر وطار؟
- محمد الزاوي: بالفعل كنت في زيارة خاصة بقرية «لورمران» ، وقد اغتنمت فرصة وجودي بتلك المنطقة الجميلة لالتقاط الكثير من الصور، ركزت فيها على تنوّع التضاريس والقرى و كنت قد صورت قبر الكاتب ألبير كامو، لإثارة النقاش والجدل حول موضوع هذا الكاتب والقضية الوطنية الجزائرية.
. هي إذن فكرة عمل جديد مثلما توقعنا؟
 - صحيح، حاولت الاتصال بابنة كامو في بيته بالقرية التي قضى فيها الأديب أيامه الأخيرة، بهدف معرفة أمور و تفاصيل أكثر عن مواقف والدها، بخصوص القضية الوطنية الجزائرية، لأن هناك من يرى بأن كتابات ألبير كامو تخفي نزعة كولونيالية و لا مكان للجزائر بين مؤلفاته، و هناك من يقول العكس، مستندين إلى مرحلة شبابه، حينما كان يعمل في جريدة يسارية و لمسوا من خلال مقالاته تعاطفه مع الأهالي.
أنا في الواقع وجدت بأن كامو، يليق لعمل وثائقي جيّد، لما أثاره و لا زال يثيره هذا الأديب من جدل و نقاش أدبي و ثقافي إلى يومنا هذا، لكن ليست بيدي كل الأدوات لإنجاز ذلك، ثم أن هذا العمل يتطلب أموالا كثيرة، للتمكن من التنقل و البحث في الأرشيف، لكنني أعمل لحد الآن بميزانية «صفر»، فأنا أشتغل بمفردي ، تصويرا وتركيبا وإخراجا، فلا يوجد لا معي أي تقني أو متخصص آخر. أنجز أعمالي بأكملها و بجميع مراحلها وحدي.
«ألبير كامو» لم يكن قريبا من وجداني
. ما الذي يتحكم في اختياراتك و طريقة انتقائك لمحاور أعمالك الوثائقية؟
- صراحة، شعرت بأن موضوع ألبير كامو لم يكن قريبا من وجداني، فأنا لم أعرفه شخصيا، و لم أعش فترة الاحتلال، لأن معايشة الشخص هي التي تدفعني لإنجاز ذلك العمل أو ذاك، ففيلم الراحل الطاهر وطار «آخر الكلام» مثلا، أنجزته قبل رحيل الأديب الذي كان قريبا مني، يغني لي، ويحدثني، لأنه عاش أياما ببيتي، و هو ما منحني الرغبة في تخليد تلك الصور في عمل مصوّر، و نفس الشعور تقريبا أحسسته قبل إنجاز فيلمي "عائد إلى مونلوك"، لقد عشت الحدث، لحظة عودة السجين إلى زنزانته، لأنني كنت أعرف جيدا مصطفى بودينة المحكوم عليه بالإعدام.
. نفهم من هذا أننا سنرى شخصية غير ألبير كامو في عملك القادم؟
- نعم، أنا بصدد التحضير لعمل جديد مع عبد الكريم سكار حول الفنان الراحل عثمان بالي الذي عشت معه مدة أسبوع في العاصمة البريطانية، حينما كان ضيفا عند صديقي عبد الكريم سكار، و قد صورت الراحل في لندن وأجريت معه مقابلة مطوّلة.
- هل أنهيتما تجسيد المشروع؟
- سنبدأ العمل الذي سننتجه ونخرجه معا، الشهر القادم بحول الله، ونتمنى أن يكون هذا العمل بمثابة تكريم للفنان الكبير عثمان بالي، وفرصة لتمكين المتفرّج من معرفة مسار هذا الفنان و الثقافة التارقية و علاقة التوارق بالطبيعة.
كانت لدينا تقاليد ثقافية ضيعناها
- كتبت في إحدى تعليقاتك، بأنه رغم عدم وجود قاعة سينما و لا مسرح بالمدينة، التي كنت بها، إلا أن الثقافة كانت حاضرة في الشارع، فهل يعني أنك ممن يؤمنون بأن الثقافة لا تقاس و لا تحدد بعدد الهياكل الثقافية؟
- بطبيعة الحال، لا يمكن تحديد أو حصر الثقافة في الهياكل، سواء مسارح أو  قاعات عرض، حتى ولو كانت ضرورية في حياة المجتمعات، فمن الضروري في رأيي أن يبادر الناس إلى نشر الثقافة و الحس و الفني و الثقافي، فالتاجر مثلا ، يعطي بعدا جماليا لمتجره، و أهمية للجانب السينوغرافي لمحله، باستعماله الأضواء أو الأكسسوارات الأخرى التي تعطي جانبا حيويا وثقافيا للمكان، لأن المتجر يعد جزءا من الديكور العام للمجتمع، مثلما يمكن أن  تحوّل المقاهي إلى فضاءات و مرافق للعروض الموسيقية  وتقديم الكتب وتنظيم الحوارات الفلسفية أو الشعرية، و أتذكر جيّدا  كيف كان الحاج محمد العنقى و آخرون يغنون في المقاهي، فنحن لدينا تقاليد قديمة في هذا الميدان، للأسف ضيعناها ولم يعد للحي وثقافته من معنى،  لأسباب عدة و على رأسها الانترنيت الذي ساهم في تحطيم موروثنا والقضاء على كل هذه النظم الثقافية المقاومة.
- سلطت الضوء  في روبورتاجك  الأخير على موقف أبناء المهاجرين ذوي الأصول العربية و الأمازيغية في فرنسا تجاه القضية الفلسطينية، هلا حدثنا عن ذلك؟
-  موقف أبناء المهاجرين ذوي الأصول المغاربية من القضية الفلسطينية والنزاع الفلسطيني الإسرائيلي، أثار اهتمامي، ففي جويلية 2014 حينما قام الإسرائليون باجتياح غزة وإلقاء القنابل عليها قام الشباب المغاربي وندد في الشوارع وخرج ساخطا، مما فك العزلة نوعا ما على الشعب الفلسطيني، وقد تحدى هؤلاء الشباب قرار منع المظاهرات الذي أقرته حكومة إيمانويل فالس واحتشدوا بالآلاف في الشوارع وفي مدن فرنسية مختلفة. وبذلك برز ما أسمته صحيفة لوموند الفرنسية بـ"جيل غزة"، إذ لم تعرف شوارع باريس مظاهرات لأبناء المهاجرين منذ عام 1983 التي نتذكر فيها أن شبيبة الضواحي كانوا يرتدون الكوفية الفلسطينية حينما دخلوا لمقابلة الرئيس فرونسوا ميتران في قصر الإليزيه. الشباب الذين نزلوا إلى شوارع باريس بعد قصف غزة، لا تتعدى أعمارهم الثلاثين عاما، شباب يتواصلون للتجمهر بالرسائل القصيرة والإنترنت، وأثار نزولهم إلى الساحات الفرنسية ردود فعل عنيفة من بعض وسائل الإعلام وبعض أفراد الطبقة السياسية الفرنسية ومثقفي النخبة وصحفييها الذين رأوا في شعارات هذا الجيل وحملهم لأعلام أصول آبائهم، نوعا من التمرّد على مفهوم «الاندماج» العزيز على المسؤولين والنخب الفرنسية. وكان هذا مبدأ اهتمامي واهتمام أصدقائي الذين تعاونوا معي في هذا العمل لمحاولة الإجابة عن أسئلة جوهرية مثل: «ما الذي يدفع شبابا فرنسيين إلى تبني القضية الفلسطينية والالتحام معها بهذا الشكل، رغم أنهم ولدوا في فرنسا وكبروا وتتلمذوا على قيمها كأي فرنسي من أصول غير عربية وإسلامية؟ ولماذا اهتموا بالقضايا العربية والثورات التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط وبلدان المغرب؟ وما هو فهمه للثورات العربية؟ ولماذا تبقى فلسطين القضية المحورية عند هؤلاء الشباب؟
- في سياق الحديث عن المهاجرين، أنهيت مؤخرا تركيب فيلم قصير عن مغترب من أصل مغربي، ما قصته؟
- جاءت فكرة الفيلم الذي اخترت له عنوان «آخر يوم أسود و أبيض» صدفة، عندما كنت أتجوّل بساحة لاديفانس بباريس، حيث سمعت أنغاما للراحل فريد الأطرش و أم كلثوم، و لمحت شخصا ذكرني بشخصيات مسرحية «في انتظار غودو» لصامويل بيكيت، لأنه كان كمن ينتظر شيئا لن يصل أبدا في موقف جد مؤثر، جعلني  أحمل كاميرتي و أبدأ في تصويره حتى قبل استئذانه بإمكانية ذلك، و بعد التحدث إليه عرفت أنه يدعى إدريس عالمي و هو من أصل مغربي كان في حالة تأمل أخيرة لبلد عاش فيه أكثر من 35سنة و قرّر أخيرا مغادرته نحو بلده الأصلي و بلدته فاس، فوجدت بأن الموضوع جدير بالتناول خاصة و أنه يصوّر زاوية جديدة و محطة مغايرة في حياة المغتربين و هي محطة العودة للبلد الأصل و الحالة النفسية التي يكون عليها الشخص المعني عشية العودة إلى الديار.
-من خلال علاقاتك و قراءتك الخاصة لواقع السينما ببلادنا، لماذا يشتكي أغلب السينمائيين الجزائريين مشكلة التهميش؟
- بصراحة أنا لا أعرف وضع السينما الجزائرية جيدا لأنني أصلا من قطاع الصحافة وقد غادرت البلاد والعباد في سنة ،1994 لذلك لا أستطيع الحكم  بأن السينمائيين الجزائريين مهمشون. أعتقد أن الكثير من السينمائيين الجزائريين استفادوا من أغلفة مالية لوزارة الثقافة ومؤسساتها، لكن المشكل الكبير في رأيي يبقى في القاعات السينمائية وهياكل استقبال الأعمال المنتجة.
- ما رأيك في موجة تصوير أفلام سينمائية يتم تحويلها بعد فترة قصيرة إلى أعمال تلفزيونية بحجة منحها حظ العرض، فلماذا لا تجسد منذ البداية للتلفزيون؟
- في رأيي أفضل طريقة لتجاوز ذلك و تحقيق أعمال هادفة، بعيدا عن كل الانحرافات، هو تنظيم مسابقة للمخرجين، قبل إعداد سيناريو وتصوير شخصية من الشخصيات وإسناد الأعمال إلى لجنة قراءة مستقلة لتقييم السيناريوهات الموجودة. 

الرجوع إلى الأعلى