ليس لدينا مدارس متخصصة في الكوريغرافيا و الكثيرون يدعون الاحترافية
اعتبرت المصممة الكوريغرافية نوارة إيدامي التي تابعت دراساتها العليا بموسكو، و صاحبة العديد من الأعمال الاستعراضية كان  آخرها «يوبا الثاني»، بأن انعدام المدارس المتخصصة في فنون الكوريغرافيا، حال دون بروز المحترفين، رغم المواهب الكثيرة و الطاقات التي تزخر بها الجزائر في مجال فنون الرقص المستمدة من التراث الثري، الذي لم ينل حسبها حظه و مكانته لا على المستوى الفني و لا الأكاديمي.
حاورتها مريم بحشاشي
نوارة إيدامي مؤسسة بالي الأمل، تحدثت للنصر عن تزايد اهتمام الجزائريين بفنون الرقص وتضاعف الطلب على الرقص الكلاسيكي لدرجة عجز المدارس الخاصة عن استيعاب و تلبية كل الطلبات لاسيما من قبل الفتيات اللائي تتخلّين عن حلمهن في احتراف الرقص بمجرّد بلوغ سن الـ13، مشيرة إلى اختيار الشباب الموهوبين تعلّم الرقص في الشارع، بدل الالتحاق بالمدارس و المعاهد المتخصصة لرفضهم الخضوع لرقص البالي الذي يرونه من اختصاص الفتيات. كما شددت على ضرورة تسجيل التراث الفلكلوري في بيئته، حتى لا يكون مآله الضياع و الاندثار كالكثير من الفنون التراثية الأصيلة الأخرى.
-النصر: تابعنا الكثير من الأعمال الكوريغرافية في المدة الأخيرة، فهل يعكس ذلك تزايد اهتمام الجزائريين بفنون الرقص؟
-نوارة إيدامي: نعم ليس عند الجمهور فحسب بل حتى في أوساط العائلات و يمكننا الوقوف على ذلك من خلال دروس الرقص في القاعات الخاصة، التي باتت تعجز عن تلبية كل الطلبات، بسبب العدد الهائل للراغبين في تعلّم الرقص وذلك في مختلف المستويات بدءا من الدروس الأساسية إلى المراحل المتقدمة.
- تقصدين الرقص الكلاسيكي البالي؟
- طبعا، فعدد التواقين لهذا الفن يزداد من سنة إلى أخرى و هذا مشجع و لابد من استغلاله في تكوين محترفين، لأن الرقص الكلاسيكي يبقى هو الأساس و عماد  هذا الفن بكل أنواعه، و في رأيي زاد الاهتمام بفنون الرقص منذ 2003، حيث تضاعف الطلب على الراقصين خاصة من قبل المسرح الذي بات اليوم يعتمد على الكوريغرافيا بنسبة 50بالمائة و حتى السينما و التلفزيون، الجزائريون موهوبون، لكن ينقصهم التكوين..

- لكن الواقع يؤكد انعدام فرق متخصصة في الرقص الكلاسيكي خاصة عند الذكور، فبماذا تفسرين ذلك؟
- صحيح، ما يحدث عندنا مرتبط بالعادات والذهنيات، فالفتيات الممارسات لهذا الفن الراقي يتخلّين عنه بمجرّد بلوغ سن ال12 و 13سنة، رغم الموهبة العالية التي تتمتع بها الكثيرات، فهن غالبا ما يخترن تخصصات فنية أخرى كالموسيقى أو يبتعدن كليا عن المجال الفني، لغياب التحفيز و لا شيء يشجع على المواصلة و ذلك على جميع المستويات سواء الأسرة أو الجهات الفنية و الثقافية.
-عكس الفتيات نجد الذكور أكثر انجذابا للرقص العصري أو الحالي، خاصة نوع «بريك دانس»، لكن أكثرهم يفضلون المدرسة العصامية، الشارع؟
- نعم أكثر الشباب يتعلمون الرقص في الشارع و لا يخضعون للتأطير، لأنهم يرفضون الخضوع للتكوين الذي يقوم على أساسيات الرقص الكلاسيكي قبل التدرج و التطوّر و الانتقال إلى مستويات و أصناف أخرى، و عليه فهم يخوضون تجارب في الرقص العصري، لكنهم مهما تعلّموا لن يجيدوا الرقص بالمستوى الذي يصل إليه من مروا على مراحل التعليم الأساسية و المعمول بها عالميا.
- نفهم من هذا أنه لا يوجد ممارسو بالي ذكور؟
- حقيقة يكاد ينعدم الذكور في هذا المجال عند فئة الأطفال، لكن هناك شباب و بشكل خاص المحترفين الذين ينتمون للبالي الوطني الذين يتزايد عددهم، و الذين يخضعون مرغمين لدروس و حصص في الرقص الكلاسيكي باعتباره أساسيا في مشوارهم الاحترافي.
-كيف تقيمين فن الكوريغرافيا و مصممي الكوريغرافيا في بلادنا؟
- بداية لابد من الإشارة إلى انعدام مدارس متخصصة في فنون الكوريغرافيا و كل ما يوجد لدينا، مجرّد أقسام ضمن مدارس متنوعة التخصصات، كمدارس أو معاهد الفنون، لذا فأنا أستغرب ادعاء البعض احترافهم الكوريغرافيا بمجرّد تجسيدهم لبعض الحركات، لكن لا يمكن إنكار جهود بعض المبدعين، خاصة الذين تابعوا دراساتهم في الخارج و إن كان الكثيرون اختاروا الهجرة لتحقيق أحلامهم و الفوز بفرص أكبر لتجسيد مشاريعهم و طموحاتهم.
- لماذا عجزنا عن تشكيل فرقة محترفة قادرة على تجسيد أعمال استعراضية ضخمة و نضطر للاستعانة بالفرق الأجنبية لأجل ذلك في المناسبات المهمة، رغم أن ثمة الكثير من الأسماء الجزائرية التي برزت في هذا المجال بالخارج؟
- لأننا نعتمد سياسة عروض المناسبات و مثلما قلت في السابق، ليس لدينا مدرسة متخصصة تقدم تكوينا متواصلا أو لها رؤى فنية على المدى الطويل، فنحن لم نتخلّص من ثقافة العمل لأجل المناسبات، و لا نولي اهتماما حقيقيا بالفنون الاستعراضية، و أنا مثلا أردت تجسيد عمل استعراضي جديد، لكنني لم أتمكن، بسبب الصعوبات الإدارية و المادية.

- هل أثر تكوينك في روسيا على ميولك الفنية خاصة التراثية؟
-بالعكس ساعدني على التفتح أكثر، سيّما و أن تكويني في الجزائر على يد أساتذة أجانب، قبل انتقالي إلى روسيا أين قضيت 7سنوات خضت فيها عديد التجارب و استفدت كثيرا من التكوين بمختلف المعاهد المتخصصة، و هو ما ساعدني بل حفزني أكثر على الاهتمام بالفنون الفولكلورية المحلية، لأن الجزائر أشبه بقارة غنية جدا بالتراث الفني الأصيل، غير أن الأمر يختلف في روسيا أين يوجد بكل حي مسرح و عروض على مدار السنة للتعريف بتراثهم مع التفتح على كل ما هو عصري و حديث و هو ما أحاول العمل عليه و الحرص على تجسيده في حياتي المهنية، لأنني معجبة بكل الألوان التراثية من شاوي و قبائلي و قسنطيني و عاصمي و صحراوي..وعلينا تسجيل تراثنا في بيئته الحقيقية و الأصلية للحفاظ عليه، قبل اندثاره، و كذا منحه المكانة التي يستحقها و التعريف به في الخارج و الافتخار به، فالشعوب بتراثها و ثقافتها و علينا المساهمة كمثقفين و فنانين و باحثين في الحفاظ عليه، بكل الوسائل، و الأهم في اعتقادي الآن، هو تسجيله، ثم إخضاعه للدراسات الانثروبولوجية و الوصفية و الموسيقية.
- ماذا عن تجربتك مع بالي الأمل؟
-بعد قرار حل البالي بمؤسسة الفنون و الثقافة التي عملت معها إلى غاية 2005قررت تشكيل بالي خاص بي و الذي أطلقت عليه اسم بالي الأمل و نعمل كثيرا مع الأوركسترا السيمفونية و أريد الإشارة بالمناسبة إلى الجهود الكبيرة للمبدعة سمر بن داود التي شاركت في كل عروضي.
- ماذا بعد يوبا الثاني؟
- لدي مشروع مع شقيقتي، و لا زلنا بصدد البحث عن جهة ممولة له، لذا لا يمكن الحديث عنه قبل وضع الترتيبات الإدارية الأولى، و ما يمكنني قوله أنه عمل مختلف عما تعوّدت على تقديمه، في أعمالي السابقة التي ركزت فيها كثيرا على الجانب التاريخي و قضايا المرأة و جميلات و حرائر الجزائر.                

م/ب

الرجوع إلى الأعلى