كان الشيخ ابن باديس رحمه الله تعالى مهتما كثيرا بمدارسة السيرة النبوية، واستلهام العبر والدروس منها، واغتنام فرصة احتفال المسلمين عامة والجزائريين خاصة بالمولد النبوي الشريف ليذكّر الأمّةَ الجزائرية بجوانب القدوة في سنته باعتبارها النموذج البشري الأمثل والأكمل لإصلاح الفرد الجزائري المسلم، ومن ثم إصلاح أوضاع المجتمع الجزائري.
إعداد: د .عبد الرحمان خلفة
والشيخ رحمه الله تعالى لا يرى مانعا من الاحتفال بالمولد النبوي الشريف بإظهار الفرح والسرور، وبمدارسة السيرة النبوية عن طريق الحلقات العلمية وإلقاء الخطب والدروس في المساجد وكتابة المقالات في المجلات والجرائد بما يذكّر الأمة بما نسيته من جوانب التأسي بأخلاقه وشمائله صلى الله عليه وسلم. ولم يكن الشيخ في ذلك مبتدعا أو شاذا عن الكثير من علماء الأمة، فقد سبقه إلى جواز الاحتفال بالمولد علماء كبار من سلف الأمة وخلفها مشهود لهم بالعلم والتقوى، منهم ابن حجر الهيتمي السعدي الأنصاري الشافعي، وأبو شامة شيخ الإمام النووي ، وابن الجوزي، وجلال الدين السيوطي، وله رسالة سماها «حسن المقصد في عمل المولد»، وابن الحاج، والحافظ العراقي، وابن حجر العسقلاني الشافعي، والعلامة المحدث المالكي أبو الخطاب عمر بن حسن الكلبي، والإمام القسطلاني شارح البخاري، وابن عابدين، والشيخ حسنين محمد مخلوف شيخ الأزهر، وابن عاشر المالكي، وابن مرزوق، والشيخ محمد الطاهر بن عاشور والشيخ محمد البشير الإبراهيمي، والشيخ محمد متولي الشعراوي والشيخ سعيد حوى، والشيخ يوسف القرضاوي والشيخ محمد سعيد رمضان البوطي والشيخ علي جمعة والدكتور وهبة الزحيلي وغيرهم.
والاحتفال في نظر الشيخ ابن باديس المقصود به اغتنام المناسبة لمدارسة السيرة النبوية واستخلاص العبر والدروس وربط الناس بنبيهم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مستندا في ذلك إلى عموم قوله تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا)[الأحزاب:21]، وقد كان النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نفسه يحتفل بيوم مولده بالتقرب إلى الله تعالى بعبادة نفل الصيام، فعَنْ أَبِي قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ صَوْمِ الِاثْنَيْنِ فَقَالَ: (فِيهِ وُلِدْتُ وَفِيهِ أُنْزِلَ عَلَيَّ) رواه مسلم.
ومناسبة الاحتفال بالمولد باعتبارها عادة حسنة هي للتذكير والعبرة، ولإظهار الشكر والفرح بهذه النعمة التي أنعم الله تعالى بها على الإنسانية جمعاء، قال تعالى: (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ)[آل عمران:164]؛ وقد يكون من باب تجديد العهد على دوام التأسي بسنته، لأن النفس جبلت على الفتور والغفلة، قال الشيخ ابن باديس رحمه الله: (فلنجعل يوم ولادته من كل عام نعزم فيه على تجديدنا تجديدا روحيا وعقليا وأخلاقيا وعمليا وتاريخيا، تجديدا إسلاميا محمديا في جميع ذلك. لنولد في عامنا الجديد ولادة جديدة وهكذا نجدد ونتجدد في كل ذكرى مولد. علينا أن نتفقد عقائدنا وأخلاقنا وأعمالنا ونعزم فيما اندثر منها على التجديد، ولنعين بعضها ولنجعله على الخصوص محل العناية الكبرى بالتجديد منا حتى نحاسب أنفسنا عليه في الذكرى الآتية. أما كاتب السطور (يقصد نفسه) فقد عزم على تجديد ما فني من قلوب المسلمين من عقيدة «أنهم بالإسلام هم أفضل الأمم» ليدعوهم بذلك للتمسك بأخلاق الإسلام وآداب الإسلام وعدل الإسلام وإحسان الإسلام. إذ في ذلك سعادتهم وسعادة البشرية كلها معهم) الشهاب.

واجب المسلمين تجاه الرسول صلى الله عليه وسلم
أورد القرآن الكريم جملة حقوق للرسول صلى الله عليه وسلم أوجبها على المسلمين تعظيما لمكانته وحرصا على استمرار دينه منها:
(1)الإيمان به صلى الله عليه وسلم: قال الله تعالى: ( فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ )  [التغابن: 8]، وقال تعالى: ( فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ) [الأعراف: 158]؛
(2)محبته صلى الله عليه وسلم:
فقال تعالى: ( قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ) [التوبة: 24] وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين) (البخاري، ومسلم)، وقال صلى الله عليه وسلم: (ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلاّ لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار) [البخار.
3-طاعته صلى الله عليه وسلم وامتثال أمره: قال تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ ) [محمد: 33]. وقال تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ ) [الأنفال: 20]، قال الله تعالى: ( وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا ) [النساء: 69]،
(4) إتباعه: قال تعالى: ( وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ) [الأعراف: 158]، وقال تعالى ( وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى  وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ ۖ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ) [النساء: 115].
(5) توقيره عليه الصلاة والسلام وتعظيم شأنه: قال تعالى: ( إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا ) [الفتح: 8، 9].
 (6) الصلاة والسلام عليه: قال تعالى: ( إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ) [الأحزاب: 56]
ع/خ

فتاوى
حكم من يسب النبي صلى الله عليه وسلم؟؟ و ما هي الأحكام المتعلقة بأهل البيت؟
الجواب:
ـ إن سب النبي صلى الله عليه وسلم سبب من أسباب الردة، ومن فعل ذلك قاصدا، فإنه قد سبب لنفسه الخروج عن الإسلام والعياذ بالله. أما أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم المسلمون فإنهم يحترمون ويعطى لهم قدرهم الذي أكرمهم الله تعالى به بانتسابهم إلى رسول الله صلى الله عليه سلم، ومن أحكامهم أنه لا تصح الصدقة لهم. ومع ذلك ينبغي أن نعلم أن الأساس في الأفضلية في الإسلام ليس في النسب، بل في العمل والتقوى، وقد قال النبي صلى الله علي وسلم: ((من بطأ به عمله لم يسرع به نسبه))، كما قال لبنته فاطمة رضي الله عنها: ((يا فاطمة أنقذي نفسك من النار، فإني لا أغني عنك من الله شيئا)).
 ما هي خصائص السيرة النبوية
الجواب
إن من معاني السيرة النبوية أنها سيرة رجل اصطفاه الله تعالى لتبليغ رسالته، وتبليغ الوحي للناس، واجتمعت فيه من الخصائص والصفات ومكارم الأخلاق ما لم يجتمع في غيره من البشر، ولذلك جعله الله تعالى أسوة للناس أجمعين.

محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر شخصية مؤثرة في تاريخ البشرية
وضع الكاتب الأمريكي مايكل هارت  محمد رسول الله على رأس مائة شخصية مؤثرة في تاريخ البشرية، في كتابه الذي صدر سنة 1878م تحت عنوان: (المائة: ترتيب أكثر الشخصيات تأثيرًا في التاريخ)؛ بحيث قدمه –وهو المسيحي- على عيسى بن مريم، وبرر ذلك بقوله:: «المثال الملفت للنظر هو ترتيبي لمحمد أعلى من المسيح، ذلك لاعتقادي أن محمدًا كان له تأثير شخصي في تشكيل الديانة الإسلامية أكثر من التأثير الذي كان للمسيح في تشكيل الديانة المسيحية. لكن هذا لا يعني أنني أعتقد أن محمدًا، أعظم من المسيح في المرتبة الثانية يليه بوذا، ثم كونفوشيوس، وفي المرتبة العاشرة اينشتاين، يليه تشي قيفارا ثم باستور، وفي المرتبة الرابعة عشر أرسطو ثم لينين، بينما ورد اسم موسى عليه السلام في المرتبة السابعة عشر يليه داروين، في حين ورد اسم فرويد في المرتبة الثانية والثلاثين، وهتلر في المرتبة الخامسة والثلاثين، يليه شكسبير، وورد اسم جون لوك في المرتبة الثامنة والأربعين وعمر بن الخطاب في المرتبة الواحدة والخمسين، وسانت أوغسطين في المرتبة الثالثة والخمسين وستالين في المرتبة الثالثة والستين يليه ديكارت، وروسو في المرتبة الواحدة والسبعين، وفرانسيسي بيكون في المرتبة الثامنة والسبعين يليه فولثير، فجون كينيدي، وفي المرتبة الثامنة والثمانين ميكيافيلي يليه زرادشت، وفي المرتبة الثامنة والتسعين بيكاسو، ورغم أن كتابه نقح عقب سقوط جدار برلين والمعسكر الشيوعي إلا أن محمدا رسول الله حافظ على صدارة القمم المائة في التاريخ.

 

 

 

الرجوع إلى الأعلى