طلبة الشيخ الغزالي يحيون الذكرى المئوية لميلاده
أحيا طلبة الشيخ محمد الغزالي الذين درسهم خلال فترة تواجده بجامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية بقسنطينة منذ منتصف إلى نهاية الثمانينيات الذكرى المئوية الأولى لميلاده، وسط حضور كبير لطلبة الجامعة الحاليين؛ الذين تعرفوا على فكر الشيخ من خلال المحاضرات التي قدمت أمامهم من قبل من تتلمذ على يديه؛ واستمعوا لبعض الشهادات الحية عن فترة إقامته بالجزائر وإسهامه في تكوين أجيال من الطلبة هم الآن أساتذة وإطارات عليا في مختلف مؤسسات الدولة بالجزائر، وخارجها.
ويعد الغزالي أكثر علماء الدين المعاصرين الأجانب خدمة للجزائر؛ حيث استدعاه الرئيس الأسبق الشاذلي بن جديد، ولم يكتف بالتدريس بل كان له حضور عمومي كبير؛ سواء بتنقلاته عبر أرجاء الوطن أو من خلال حديث الإثنين الذي استقطب إليه شرائح واسعة من المجتمع الجزائري بأسلوبه المشوق الجذاب؛ أو بمقالاته وكتبه العلمية التي طبعت ونشرت بكثرة بالجزائر، وقد شهد بحبه للجزائر وشعبها وعلمائها، كما كان رمز الوسطية والاعتدال والعقلانية، وقد ظل بعد تكريمه بوسام الاستحقاق الوطني ومغادرته الجزائر وفيا لها يزورها أحيانا ويستقبل زوراه الجزائريين بالقاهرة، وغداة اندلاع الأزمة الوطنية تحسر كثيرا لما آلت إليه الأوضاع لكنه نأى بنفسه عن الخوض فيها، مما أبقاه كبيرا في أعين الجزائريين حكومة وشعبا وقتها، على خلاف بعض معاصريه ممن حشر أنفه فيها قبل أن يندم ويتراجع؛ ولئن كان هذا الاحتفاء رمزا للوفاء من قبل طلابه فإن الغزالي يستحق أن يخلد اسمه في معلم جامعي كبير أو مؤسسة دينية كبيرة؛ لأن خدمته للجزائر لا تقدر بثمن، ولئن كان مصريا بالفعل فهو جزائري بالقوة، فلم يحبه القسنطينيون فحسب؛ الذين رأوا فيها امتدادا علميا وإصلاحيا لابن باديس؛ بل أحبه كل الجزائريين شرقا وغربا. ع/خ

الغزالي فتح تخصص مقارنة الأديان بالأمير هو الأول  من نوعه في العالم الإسلامي

أ.د. فاتح حليمي ، جامعة الأمير بقسنطينة


من الظلم أن نصف الشيخ الغزالي بأنه عالم في أي تخصص علمي بحد ذاته، لأنه انشغل وكتب في شتى المجالات، فقد انشغل بالدعوة إلى الله وكتب عنها وعن همومها، كان من الأوائل الذين كتبوا في الفقه السياسي والدستوري في الإسلام، وكتب أيضا عن الإسلام والأوضاع الاقتصادية، وللأسف لم تنل كتاباته العناية الكافية، وكتب عن الاستبداد الفكري والسياسي وحاربه بضراوة، كما كتب في مقارنة الأديان، وانتقد الأديان الأخرى وخاصة الكتابية وكذلك أهل الإلحاد والشيوعية بموضوعية وعلمية، ولكي نفهم خوضه في هذا المجال، علينا أن نتذكر  أنه نشأ في مصر، حيث يتواجد الأقباط المسيحيون والأقلية اليهودية التي تتواجد بمصر وبفلسطين بداعي الاحتلال. أنه دارس متمكن وملم بالتراث الإسلامي، ما يعني اطلاعه على ما كتب في علم الردود عبر التاريخ الإسلامي إنه خريج الأزهر، وقد درس علم الجدل وتاريخ الأديان والملل والنحل، وفي هذا المجال تأثر كثيرا بالشيخ أبو زهرة ودراز وكليهما كتب في هذا المجال، وعندما حضر إلى الجزائر أعاد طباعة كتاب شيخه أبو زهرة (محاضرات في النصرانية ) وقدم له، لأهميته العلمية.
كما تهيأت له جملة من العوامل الأخرى التي ساعدت على تشكيل شخصية الشيخ الفذة والمتميزة وعملت على نجاحه، ومنها تأثره بالمدرسة العقلية: حيث تأثر برموزها المدرسة العقلية، منهم جمال الدين الأفغاني، ومحمد عبده، وبشيخه محمد شلتوت، وبالمنظومة الفكرية للحضارة الغربية: احتكاكا بمن سافر ورجع منها، أو دراسته لمصادر الفكر والفلسفة الغربية، حيث قد قبل بآليات وأدوات الحضارة الغربية، والمناهج الحديثة في الحكم وإدارة الدول، كما كانت له مآخذ كثيرة عليها.
وعندما حضر إلى الجزائر في سنته الأولى تحدث عن الأهمية العلمية لعلم مقارنة الأديان، وبارك فتح هذا التخصص بشكل مستقل لأول مرة في العالم العربي وبأول جامعة إسلامية بشمال إفريقيا، وظل يرعى هذا التخصص طيلة فترة تواجده بالجزائر . من خلال مؤلفاته العديدة، و يتجلى ذلك من خلال حديثه ونقده لليهودية والمسيحية والإلحاد، وفيما يخص الديانتين فإنه كان يتبع المنهج العلمي ويتصف بالموضوعية، حيث كان يعود إلى مصادرهم الأصلية، وكثيرا ما كان يورد فقرات من التوراة أو الإنجيل ثم يعلق عليها بعيدا عن لغة السباب أو الشتم أو التجريح، وقد عرض نماذج لنقده لكتب الديانتين السابقتين منها: عرضه لقصة آدم بنصها الوارد فيهما وقارنها بنص ورودها في القرآن الكريم؛ حيث بين مثالبهم وتحريفاتهم؛ عندما وصفوا الله تعالى بصفات يتنزه عنها الإله وغير ذلك من النماذج.

الغزالي كان يرى  أن الأمّة قصرت كثيرًا في فهم القرآن الكريم

أ.د. يوسف بلمهدي، رئيس رابطة علماء الساحل، المجلس الإسلامي الأعلى بالجزائر


لقد عاش الإمام الغزالي –رحمه الله- للقرآن خادمًا وإليه داعيًا يستنهض همّة الأمّة للرجوع إليه والتمسك به، لأنه كان يعتبره العظمة الأخيرة من السماء إلى الأرض، والكلمة الإلهية الخالدة، والمعجزة الباقية، والمنبع الصافي للإسلام، بل كان يقول رحمه الله: «إن هذا الكتاب يصلح أن يكون كتاب الأنبياء جميعًا، ولو عاش موسى أو عيسى عليهما السلام إلى حين نزوله لما وسعهما إلا الأخذ به».
إن القرآن في نظر الغزالي هو الهزّة التي تحرك بها كل ساكن، ويحيي به كل ميت في عالم المعاني، كيف لا وهو الروح الذي نزل على قلب محمد صلى الله عليه وسلم، فجعل من الأمة الأمية قبلة في العلوم استقطبت عقول الناس، فنهلوا من برامجها وتعلموا من مناهجها، وتولت زمام الحضارة قرونًا طويلة. لقد اعتبر رحمه الله تعالى أن الأمّة قصرت كثيرًا في فهم القرآن الكريم، فدعا علماءها إلى الاجتهاد في تدبره وإحياء فقهه فهمًا وعملاً، بل جعل الأمّة آثمة حين تأخذ منه طرفًا وتضييع أطرافًا أخرى من مبادئه وقوانينه التي تشبه نواميس الكون في فقه الحياة وتغير الأنفس والمجتمعات ]إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنفُسِهِمْ[[الرعد:11] فإلى القرآن يا أمّة القرآن بالتدبر عقلاً والتذوّق قلبًا والعمل والسلوك منهجًا في الحياة.

عشرة أصول اجتهادية جديدة قررها الشيخ الغزالي

د. إبراهيم بن مهية، جامعة الأمير عبد القادر بقنسطينة


أضاف الشيخ الغزالي في كتابه دستور الوحدة الثقافية عشرة أصول أخرى عدها إضافات اجتهادية شاملة منه، وهي: (1) النساء شقائق الرجال، وطلب العلم فريضة على الجنسين كليهما، وكذلك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وللنساء - في حدود الآداب الإسلامية - حق المشاركة في بناء المجتمع وحمايته، (2) الأسرة أساس الكيان الخلقي والاجتماعي للأمة، والمحضن الطبيعي للأجيال الناشئة، وعلى الآباء والأمهات واجبات مشتركة لتهيئة الجو الصالح بينهما. والرجل هو رب الأسرة، ومسئوليته محدودة بما شرع الله لأفرادها جميعًا.، (3) للإنسان حقوق مادية وأدبية تناسب تكريم الله له، ومنزلته الرفيعة على ظهر الأرض، وقد شرح الإسلام هذه الحقوق ودعا إلى احترامها، (4) الحكام - ملوكًا كانوا أم رؤساء - أُجراء لدى شعوبهم، يرعون مصالحها الدينية والدنيوية ووجودهم مستمد من هذه الرعاية المفروضة، ومن رضا السواد الأعظم بها، وليس لأحد أن يفرض نفسه على الأمة كرهًا، أو يسوس أمورها استبدادًا.، (5) الشورى أساس الحكم، ولكل شعب أن يختار أسلوب تحقيقها، وأشرف الأساليب ما كان لله، وابتعد عن الرياء والمكاثرة والغش وحب الدنيا.، (6) الملكية الخاصة مصونة بشروطها وحقوقها التي قررها الإسلام، والأمة جسد واحد لا يهمل منها عضو، ولا تزدري فيها طائفة، والأخوة العامة هي القانون الذي ينتظم الجماعة كلها فردًا فردًا، وتخضع له شئونها المادية والأدبي، (7) أسرة الدول الإسلامية مسئولة عن الدعوة الإسلامية، وذود المفتريات عنها، ودفع الأذى عن أتباعها حيث كانوا، وعليها أن تبذل الجهود لإحياء نظام الخلافة في الشكل اللائق بمكانتها الدينية، (8) اختلاف الدين ليس مصدر خصومة واستعداء، وإنما تنشب الحروب إذا وقع عدوان، أو حدثت فتنة، أو ظلمت فئات من الناس، (9) علاقة المسلمين بالأسرة الدولية تحكمها مواثيق الإخاء الإنساني المجرد، والمسلمون دعاة لدينهم بالحجة والإقناع فحسب، ولا يضمرون شرًّا لعباد الله، (10)- يسهم المسلمون مع الأمم الأخرى - على اختلاف دينها ومذاهبها - في كل ما يرقى ماديًّا ومعنويًّا بالجنس البشري، وذلك من منطق الفطرة الإسلامية والقيم التي توارثوها عن كبير الأنبياء، محمد عليه الصلاة والسلام.

هذه هي مصادر ومجالات وخصائص فكر الشيخ الغزالي

أ.د.مسعود فلوسي، جامعة باتنة


نعني بفكر الشيخ الغزالي التراث الفكري الذي خلفه بعد وفاته رحمه الله؛ المتمثل في الكتب والمقالات والدروس والخطب وغيرها؛ هذا الفكر له مصادر كثيرة استقاها الغزالي منها، هي: القرآن الكريم و السنة النبوية والتراث الإسلامي الزاخر والبيئة الثقافية والفكرية والفكر الإنساني بأبعاده ومناهله المختلفة، والتاريخ الإسلامي والعالمي والواقع المعاصر محليا وعالميا؛ أما المجالات التي استولت على اهتماماته فيمكن حصرها في جبهتين: الجبهة الداخلية (التعريف بالإسلام ومصادره وشرح أحكامه وتعاليمه وبناء شخصية الإنسان المسلم المعاصر وتشخيص الأمراض المستشرية في نفوس المسلمين ومجتمعاتهم وتقديم الأدوية الناجعة لها ومحاربة البدع والخرافات والأوهام المعششة في أذهان المسلمين وسلوكاتهم، وترشيد مسار الدعوة الإسلامية وتصحيح أخطاء الدعاة، وتقويم التراث الإسلامي وتنقيته وتصحيح المفاهيم الفكرية الخاطئة ومقاومة الاستبداد السياسي وكشف آثاره المدمرة في حياة المسلمين، والدعوة إلى الوحدة الإسلامية، ومحاربة أسباب الشقاق والفرقة بين المسلمين، والجبهة الخارجية: (رد الشبهات التي تُثار حول الإسلام وأحكامه، مقاومة الغزو الفكري والثقافي، كشف عيوب الحضارة الغربية المعاصرة وضررها على البشرية و مواجهة التيارات والحركات المعادية للإسلام وفضح مخططات أتباعها ضده. أما خصائص فكر الشيخ محمد الغزالي رحمه الله فتتمثل في: (الربانية والأصالة والمعاصرة والمقاصدية، والاستيعاب والشمول والوضوح والعمق، الوسطية والاعتدال، والتجديد والجاذبية والتأثير.

إعداد: د .عبد الرحمان خلفة

الرجوع إلى الأعلى