«المينة».. المنجم الأحمر  الذي ينام على لغز  الكنز بقسنطينة
 تنام المنطقة المسماة «المينة» نسبة إلى الكلمة المحرفة عن اللُّغة الفرنسية وهي المنجم، التابعة لبلدية مسعود بوجريو، بقسنطينة، على ثروات باطنية لازالت مجهولة منذ عهد الاستعمار، تاريخ آخر التنقيبات عن موادَّ لم يكن يعلم أقرب المنجميين العاملين به نوعها، وتضاربت المعلومات المستقاة من هنا وهناك عن طبيعة المواد والمعادن المستخرجة، فيما يقول البعض أنها تكون المعدن الخام لـ تنغستان أو الـ كوبالت بل وحتَّى الذهب، نظرا لطبيعة المنطقة الكلسية، والتراب الأحمر بشكل غريب، غير أن ضعف الدراسات والتقارير التقنية زاد باطن «المينة» غرابة وأحاله حقيقة إلى لغز..
روبورتاج: فاتح خرفوشي
قرَّرت «النصر» التنقل إلى بلدية مسعود بوجريو، غرب قسنطينة، وتحديدا إلى مشتة احتوت منجما قديما استغله الاستعمار الفرنسي في الصناعة المنجمية والاستخراجية، لمعرفة المزيد عن المنطقة وحقيقة نوم المكان على ثروة باطنية بإمكانها تحويل الحياة البسيطة والبطالة بإحدى مشاتي «عين كرمة» كما تعرف سابقا، إلى ورشة حقيقية للحركية والاستخراج والصناعات التحويلية، على غرار بقية المناجم الموزعة على تراب الجزائر، رغم اعتراف المسؤولين والمتعاقبين على الطاقة والمناجم بغنى باطن الأرض بخيرات وثروات منها النَّادر، عبر العالم، ولم يتمَّ اكتشافه، إلى جانب نقص التقنية وعمليات المسح الجيولوجي لمعرفة الأماكن الغنية بالمعادن والنحاس وحتَّى الفوسفات وغيرها.
قصدنا الموقع رفقة ساكن بالجهة، لمعرفته الدقيقة لمجموعة المغارات ــ على حدِّ تعبيره ــ بـ"المينة"، مرورًا بقرية كاف بني حمزة، وما إن وصلنا إلى المكان المحدد للعمل حتى لاحظنا عددا كبيرا من المغارات الصغيرة والمتوسطة، التي ردمت بفعل العوامل الطبيعية وأخرى أمنية، حيث أكد لنا المرافق قيام فرنسا، حسب ما سمعه عن كبار المنطقة، باستخراج الأحجار من باطن الأرض، وتحويلها إلى مكان آخر، وبدا ظاهرا للعيان اللون المميز للتربة والهضبات الصغيرة المنتشرة بـ"المينة"، المائلة للإحمرار في جهة، والأخضر والأحجار الزرقاء بجهة أخرى، ما يعني حتما غناها بالمعادن، لكن السؤال بقي مطروحا:"أي نوع من المعادن والثروات الباطنية تخزف به المينة ببلدية مسعود بوجريو؟".
حاولنا تحصيل الإجابة عن السؤال بالتوجه إلى مديرية الصناعة والمناجم، والبحث في الأرشيف المحتمل وجوده بها أو الحصول على إجابة مباشرة العاملين، غير أن مسؤولة مصلحة استغلال المحاجر والمناجم اعتذرت لعدم وجود أرقام وإحصائيات تخص الموضوع، زيادة على نقل الأرشيف كل 5 سنوات إلى العاصمة، وبالتالي لا وجود لأية معلومة دقيقة بخصوص المناجم في قسنطينة، وتحديدا منجم المينة ببلدية مسعود بوجريو، ولا حتَّى الأرشيف منذ العهد الاستعماري، وهو ذات الحال بمحاولة الاتصال بمدير الصناعة والمناجم، دون جدوى.
غيَّرنا الوجهة لأخذ شهادات بعض القاطنين بالمينة، حول هذا المنجم اللغز، وما إذا كان أحدهم يملك معلومات عن الأمر، وأكَّد لنا «مسعود» من قرية عين الكبيرة تذكره وجود عربات نقل الأحجار من داخل المنجم ذي المداخل المتعددة بالمينة سنوات الـ70، أين كان يلعب رفقة أصدقائه كرة القدم بالمنطقة، غير أنها اختفت خلال فترة انتعاش تجارة بيع الحديد، ولم يكن يجرؤ سوى القليلون على الاقتراب من المغارات والكهوف المنتشرة، خوفا من الحيوانات البرية والثعابين داخلها، كما كانت عميقة وخطرة، وليس كما هو عليه الحال اليوم، حيث تعرضت للردم بشكل طبيعي أو مفتعل.
خبراء روس مروا من هنا..
حسب أحد سكان مسعود بوجريو، وهو «ب. محمد» إطار بالبلدية، فقد سمع عندما كان صغيرا كلاما بخصوص زيارة وفد من الخبراء الروس لمنجم «المينة»، أعلى مشتة كاف بني حمزة، سنوات الستينات وبداية السبعينات، وهذا للاطلاع على المنجم الكبير الذي استغلته فرنسا لسنوات طويلة، وإمكانية إعادة بعث نشاطه بعدما توقف بشكل مفاجئ وقبل الإعلان عن الاستقلال، وسمع الشارع بعدها أخبارا عن تقديم تقرير يفيد بعدم وجود معادن مهمّة وبكميات كبيرة تستلزم القيام بمشروع استخراجي للثروة الباطنية، وبقيت الخلاصة غامضة وغير دقيقة لقدم أدوات عمل مسح جيولوجي ومنح نتائج مشكوك فيها، وهو المطلوب حاليا من وزارة الطاقة والمناجم لعمل مسح جيولوجي جديد عبر الأقمار الصناعية لمعرفة الأماكن الممكن استغلالها في استخراج المعادن والثروات الباطنية.
شباب يعيشون على حلم خروج ما يخفيه باطن الأرض
التقينا شباب المينة والمشاتي المجاورة على غرار كاف بني حمزة وبوحصان ومسيدة وعين الكبيرة وغيرها، الموزعة عبر إقليم بلدية مسعود  بوجريو، العاملين أساسا في الفلاحة ورعي الأغنام، إلا أن الظروف الصعبة جعلت التوجه إلى المدينة خيارا آخر، لكنه أصعب، بالتحول للشغل في ورشات البناء، حيث أخبرنا الشباب بطموح كبير لالتفات المسؤولين وخاصة المحليين على غرار الوالي عبدالسميع سعيدون، ورئيس المجلس الشعبي البلدي لإنشاء مشاريع كبرى بالجهة، لرفع الغبن والقضاء على البطالة، وليس التركيز على وسط المدينة وما جاورها.
واقترح المعنيون إعادة استشكاف منجم «المينة»، خصوصا وأن أحد المستثمرين يقوم باستخراج التراب الأحمر، وصناعة القرميد والآجرّ به، زيادة على مستثمر آخر عثر على مادَّة الجير في باطن الأرض بعد عملية حفر عميقة على أرضه، إلا أن معوِّقات الاستثمار حالت دون تجسيد مشروعه على أرض الواقع، وتحديدا توصيل الكهرباء، ما جعل شباب المينة يؤكدون على وجود ثروة باطنية ممكنة الاستخراج بالمنطقة، ستعمل على دعم الاقتصاد الوطني خارج قطاع المحروقات، من جهة، وخلق مناصب الشغل بالبلدية من جهة أخرى.
ف.خ

الرجوع إلى الأعلى