عرف شهر رمضان هذه السنة عودة لمظاهر سلبية ترتبط بأنماط الاستهلاك والاقتناء المفرط للمواد الغذائية، وهي سلوكيات تتكرر حاليا مع بداية التحضيرات للعيد خصوصا على مستوى فضاءات التسوق الكبرى التي تسجل توافدا كبيرا وطوابير وتدافعا في بعض الأحيان، ما يسيء للمناسبات بشكل غير مباشرة و يقدم صورة غير مستحبة عن مستوى ثقافة المواطن، رغم وفرة السلع و تطور النمط التجاري في بلادنا بظهور خدمات وتطبيقات تعنى بالسوق الإلكترونية والبيع عن بعد وإمكانية التوصيل.

إيناس كبير

وأول ما لفت انتباهنا خلال جولة بين بعض المتاجر الكبرى في قسنطينة، هو عودة الطوابير التي طبعت بداية رمضان، وقد لاحظنا بأن غالبية الزبائن تستعمل السلال الحديدية كبيرة الحجم بدلا من الصغيرة، والسبب حسب بائعة بفضاء تجاري بعلي منجلي هو أن الزبائن يطلبون كميات مضاعفة من كل منتج تقريبا، فبدل علبة من الزبدة يشتري البعض خمس إلى سبع علب وكذلك الأمر بالنسبة للزيت و السكر والعسل و غير ذلك.
ومن بين المظاهر السلبية الأخرى التي وقفنا عليها، التدافع والازدحام خصوصا في الأقسام التي تخص المواد الغذائية مع أن المنتجات متوفرة بكميات تكفي الجميع حسب مسير سوق تجارية معروفة بقسنطينة.
 أما أحاديث الزبائن فدارت بالعموم حول «التسوق المبكر للعيد خوفا من نفاد السلع، وتفاديا للاكتظاظ الذي يطبع أيام الذروة»
وقالت زبونة، بأنها لم تتمكن من شراء كل ما أرادته بسبب طابور الدفع الذي صار نقطة سلبية في كل فضاءات التسوق، مشيرة إلى أنها تفضلها على المحلات والدكاكين في الأحياء، لأن كل السلع تكون متوفرة في مكان واحد كما أن هذه الأسواق الحديثة عادة ما تقترح تخفيضات مغرية مع اقتراب المناسبات.
* المنسق الوطني لمنظمة حماية المستهلك فادي تميم
المشكل يتعلق بثقافة الاستهلاك ولا علاقة له بالندرة

قال المنسق الوطني للمنظمة الجزائرية لحماية وإرشاد المستهلك ومحيطه، فادي تميم، إن الثقافة الاستهلاكية في المجتمع تعرف اختلالات تظهرفي المناسبات كرمضان والعيد، وتابع بأن شهر الصيام مثلا، يفترض أن يعرف تراجعا في الاستهلاك نظرا لكونه موعدا  للصوم والعبادة.
وذكر تميم، بأن المبالغة في شراء المواد الاستهلاكية يرتبط بضعف الثقافة لدى المستهلك خصوصا وأن مشكل الندرة غير مطروح حاليا، بعدما عملت السلطات على تغطية السوق وضمان استقرار السلع هذا الموسم، غير أن الأمر متعلق بالعموم بعقلية التسوق في فترة واحدة وخلق فترات ذروة تخلف صورا سلبية.
أما بالنسبة للتحضير المبالغ فيه للمناسبات، فقد ربط المنسق الوطني للمنظمة الجزائرية لحماية وإرشاد المستهلك ومحيطه، ذلك بفقدان المستهلك الثقة في السوق نوعا ما، وأرجع ذلك إلى الأزمات المتكررة التي يفتعلها المضاربون أحيانا، وعقب محدثنا بأن السلطات تعمل على ضبط سلوكيات التجار من خلال التواصل المؤسساتي الذي استرجع ثقة المستهلك تدريجيا، مع ضمان الوفرة و ملاءمة الأسعار ، وعليه يتوجب على المستهلك التحلي بثقافة مناسبة تنعكس إيجابا على ميزانيته عن طريف ترشيد الإنفاق.
تغير محسوس في عادات الاستهلاك
وتطرق محدثنا لبعض الممارسات التجارية التي أثرت أيضا على أنماط الاستهلاك وحولت المناسبات كرمضان والعيد إلى موسم تجاري بامتياز، حيث تكثر العروض والتخفيضات التي تحاول المتاجر من خلالها التسويق لأكبر نسبة ممكنة من المبيعات، و وصف تميم المستهلك بأنه جدار الدفاع الأول عن نفسه والحامي لمصالحه المادية والمعنوية، ناصحا إياه بأن يكون حذرا ويقظا، خصوصا عندما يتعلق الأمر بعروض هدفها التخلص من المواد قاربت مدة صلاحيتها على الانتهاء.
وعلق المنسق الوطني للمنظمة الجزائرية لحماية وإرشاد المستهلك ومحيطه، عن هذا الأمر قائلا «يظن المستهلك بأنه بهذه الطريقة يوفر نقودا، دون أن يعلم أن أغلب السلع سوف ترمى عند انتهاء مدة صلاحيتها، وبالتالي تكون الخسارة مقتطعة من ميزانية عائلته».
كما نبه المتحدث، إلى ضرورة عدم الانقياد خلف السلع المعروضة على قارعة الطريق، أو فوق الطاولات خصوصا المواد أو المشروبات التي تكون بحاجة للحفظ داخل أجهزة التبريد، وأشار إلى أنها يمكن أن تكون سببا في الإصابة بتسمم غذائي، ناهيك عن الخسارة المالية.
وكشف، بأن المنظمة الجزائرية لحماية المستهلك، سجلت هذه السنة تغيرا في عادات الاستهلاك السلبية، كما لمست بداية تشكل ثقافة وعي استهلاكي عكس السنوات السابقة، أين كان إشكال الإنفاق الزائد، والهدر الغذائي مطروحا، بينما انحصر هذه السنة في الأيام الأخيرة التي تسبق المناسبات.
* المهندسة في الصناعات الغذائية ومراقبة الجودة زينب بونابي
فرط الاستهلاك سببه التقليد ووفرة الاختيارات
من جهتها، قالت المهندسة في الصناعات الغذائية ومراقبة الجودة، زينب بونابي، بأن هناك من يتعامل مع الاستهلاك الغذائي خلال المناسبات وتحديد رمضان والعيد بمبدأ «كل شيء ضروري»، بسبب الوفرة في المنتجات التي جعلت اختيارات المستهلك غير محدودة، فضلا عن التقليد في شراء المواد الغذائية، واصفة الأمر بأنه تحول إلى استهلاك غير واعٍ.
وصنفت بونابي، المستهلكين إلى نوعين الأول «قدرته الشرائية ضعيفة» فيضطر للبحث عن منتجات بخسة الثمن للتوفير، فتتأثر صحته ويتحول لدفع أموال مضاعفة على الأدوية والعلاج، أما الصنف الثاني فيتمتع بقدرة شرائية غير محدودة فتغيب الثقافة الاستهلاكية السليمة لديه، ويصبح غير واع وبالتالي يعرض صحته للضرر، وفي هذا السياق قالت محدثتنا، إنه يجب أن ندرك أنه ليس كل ما يباع صالحا للاستهلاك، وليس «كلما اشتهينا اشترينا «.
وترى المهندسة في الصناعات الغذائية ومراقبة الجودة، بأن الوعي الاستهلاكي غائب لدى فئة من المجتمع، كما أنها لا تتقبل فكرة تغيير العادات السيئة، وذكرت عدم السؤال عن المكونات أو مصدر المنتوج، فالمستهلك لا يفكر حتى في قراءة غلاف المنتج، ما جعل بعض المنتجات المضرة تتحول إلى عادة يومية وضرورية.
و تقول المتحدثة « يكمن الخطر في تعويد الأطفال على هذه العادات الاستهلاكية»، كما انتقدت بعض الممارسات التجارية الخاطئة التي تنتشر خلال هذه الفترة كبيع منتجات فاسدة، وإنتاج مواد في ظروف كارثية فضلا عن استخدام مواد بخسة الثمن في تكوينها.
الوعي الاستهلاكي حماية ذاتية
وتقول بونابي، بأنها كأخصائية تحاول دائما تغيير هذه العادات السلبية، من خلال التطرق إليها ومعالجتها عبر حسابها على «آنستغرام»، وترسيخ عادات استهلاكية جديدة مثل التعرف على مكونات المنتجات الغذائية قبل اقتنائها، وكشف بعض طرق الغش كمحو هوية بعض المنتجات وتسميتها بغير أسمائها الحقيقية وذكرت «الفانيلين» الاصطناعي الذي أصبح بديلا عن «الفانيليا» و»الفيجيكاو» بديلا عن الشوكولا.
كما حذرت من اقتناء منتجات تكون عبارة عن خليط من مواد كيميائية مضرة بالصحة، داعية الأخصائيين في ميدان التغذية إلى تسليط الضوء على هذه المواضيع وخلق وعي استهلاكي، فضلا عن تعليم الأطفال منذ الصغر الثقافة الاستهلاكية السليمة، وتعليمهم اتخاذ قرارات سليمة عند اقتناء المنتجات، بالإضافة إلى تعليمهم تحمل المسؤولية اتجاه ما يتناولونه من مبدأ أن «الطفل ينمو بشكل جيد عند اختيار غذاء سليم».
* أستاذ الشريعة بجامعة الأميرعبد القادر كمال لدرع
التضامن والمشاركة كبديل مناسب لترشيد الاستهلاك

يقول الدكتور في الشريعة الإسلامية بجامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية بقسنطينة، كمال لدرع، إن فرط الاستهلاك من العادات الخاطئة التي لا تمت بصلة إلى تعاليم الإسلام، وأرجع ذلك إلى قلة الوعي بفلسفة العبادة المرتبطة بالمناسبات الدينية، وعدم إدراك المغزى منها وغياب الفهم السليم لهذا النوع من الطاعات.
مضيفا بأن البعض جعل منها مناسبات للأكل وللشرب خاصة على مستوى شبكات التواصل الاجتماعي بينما هناك عائلات كثيرة لا تجد ما تطعم به أولادها، ولا تجد ما تشتري به الدواء، وما تسد به مصاريف العلاج.
كما أوضح محدثنا، بأن الإسلام أباح التمتع بالطيبات من مأكل ومشرب وملبس ومركب ومسكن، لكن في المقابل نهى الشرع عن الإسراف والتبذير وهي سلوكيات خاطئة يقع فيها الكثير من الناس، وتقع فيها أغلب الأسر، مع أن المنطق و الشرع يفرضان معا على الإنسان التحلي بروح المسؤولية فيما يتعلق بالإنفاق، ولذلك فإن البديل في هذه المناسبات يمكن أن يرتبط أكثر بالتكافل و التضامن و المشاركة مع الفقراء والمحتاجين والأسر المعوزة، كما تحدث عن أهمية ترشيد الاستهلاك الأسري، وتوجيه المال نحو الادخار والاستثمار، والإسهام في المشاريع الخيرية.
وأشار المتحدث إلى الدور المهم الذي ينبغي للمسجد القيام به لأجل التغيير والإصلاح، وتوعية الناس وهدايتهم، مضيفا بأن الخطاب المسجدي يجب أن يواكب العصر في الطرح، مع حسن اختيار المواضيع ذات الصلة بحياة الناس، وأن يكون خطابا عمليا واقعيا، مسايرا لتطورات الحياة، وأن يعالج قضايا الناس ومشاكلهم، وأن يتجه أيضا إلى الإصلاح الأخلاقي، وأن يزرع الأمل في النفوس، ويوثق الصلات بين الأفراد، ويرشدهم لما فيه الخير والصلاح.

الرجوع إلى الأعلى