اعتبر خبراء ومحللون، أمس، أن انضمام الجزائر لمعاهدة الصداقة والتعاون في جنوب شرق آسيا، بوابة استراتيجية نحو إعادة هندسة موقعها الدولي ، كما يشكل خطوة في مسار توسيع الخيارات الجيوسياسية، و أوضحوا أن هذا الالتحاق، يحمل في طياته أهدافا استراتيجية، تعكس رغبة واضحة في تنويع مسارات التحرك الخارجي وتعظيم الفائدة السياسية والاقتصادية .
وأوضح المحلل السياسي الدكتور أحمد ميزاب في تصريح للنصر، أمس، أن انضمام الجزائر إلى معاهدة الصداقة والتعاون في جنوب شرق آسيا (TAC)، وهي معاهدة أُنشئت سنة 1976 في إطار منظمة «آسيان»، يأتي ضمن سياسة خارجية جزائرية متوجهة نحو الشرق، تستهدف تنويع الشراكات، كسر الطوق الجغرافي التقليدي، وتوسيع دوائر التأثير الدبلوماسي. وأضاف أن انضمام الجزائر إلى معاهدة الصداقة والتعاون في جنوب شرق آسيا، يعكس ثلاثة أبعاد دبلوماسية متكاملة، أولًا، يعكس هذا الانخراط إعادة تموضع دبلوماسي واضح نحو الشرق، فالجزائر تسعى إلى تجاوز محيطها التقليدي المتوسطي والإفريقي، وتفتح لنفسها نافذة على منطقة المحيطين الهندي والهادئ، أحد أهم فضاءات التنافس الجيوسياسي اليوم.
كما اعتبر أن العضوية في المعاهدة، تمنح الجزائر صفة شريك سياسي ضمني، دون التزامات اقتصادية مباشرة، مما يعزز حضورها الدبلوماسي بأقل تكلفة استراتيجية ممكنة، مضيفا أن هذا الانضمام يتحرك في انسجام مع نهج “التموقع جنوبًا” الذي تبنته الجزائر خلال السنوات الأخيرة. وأوضح في هذا السياق، أنه بعد تفعيل الحضور في منتديات الجنوب العالمي، يأتي التحاقها بـمعاهدة الصداقة والتعاون في جنوب شرق آسيا، ليمنح هذا التوجه بعدًا أسيويًا استراتيجيًا، ويجعل الجزائر أحد الفاعلين الجدد في محيط يربط بين الجنوبين الآسيوي والإفريقي. كما يشكّل هذا الانضمام، حسب المتدخل، خطوة في مسار توسيع الخيارات الجيوسياسية، لافتا إلى أن معاهدة الصداقة والتعاون في جنوب شرق آسيا، لا تضم فقط دول جنوب شرق آسيا، بل انضمت إليها لاحقًا قوى كبرى، مثل الصين وروسيا والهند والاتحاد الأوروبي.
رهان على بناء تموقع استراتيجي جديد للجزائر في النظام الدولي
وأضاف أنه بدخولها هذا الفضاء، تصبح الجزائر طرفًا في منظومة دبلوماسية متعددة الأقطاب، ما يسمح لها بتحقيق توازن في علاقاتها الخارجية، وعدم الارتهان للمحاور الغربية أو التقليدية. واعتبر أن التحاق الجزائر بمعاهدة الصداقة والتعاون في جنوب شرق آسيا، يحمل في طياته مجموعة من الأهداف الاستراتيجية المحتملة، تعكس رغبة واضحة في تنويع مسارات التحرك الخارجي وتعظيم الفائدة السياسية والاقتصادية من هذا الانخراط. ويرى، أن أول هذه الأهداف هو تأمين واجهات اقتصادية جديدة، فالجزائر تسعى إلى تجاوز محدودية الشركاء التقليديين، من خلال الانفتاح على اقتصادات آسيوية تمتلك قدرات صناعية وتقنية متقدمة، لافتا إلى أن دول مثل إندونيسيا، ماليزيا، وفيتنام، تشكّل بيئة خصبة للتعاون في مجالات الزراعة، الطاقة المتجددة، التكنولوجيا، والتحول الصناعي، وهي مجالات حيوية لجهود التنويع الاقتصادي في الجزائر. كما أشار أيضا إلى أن هناك رهان واضح على تحسين موقع الجزائر في معادلات الطاقة الدولية، فجنوب شرق آسيا من أكبر المستوردين للطاقة في العالم ومن خلال تعزيز علاقاتها مع هذه الدول، يمكن للجزائر أن تفتح قنوات جديدة لتسويق الغاز والنفط، وربما التفاوض على اتفاقات طويلة الأجل في مجالات الطاقة. كما يمثل هذا الانخراط فرصة لتعزيز الدعم السياسي في المحافل الدولية، موضحا في هذا الصدد، أن التعاون مع دول «آسيان»، التي تنتمي أغلبها إلى الجنوب العالمي، يمكن أن يمنح الجزائر دعمًا إضافيًا في قضاياها المحورية، خاصة ما يتعلق بالصحراء الغربية، فلسطين، وإصلاح نظام الحوكمة العالمية. وأضاف أن الحضور النشط في مجموعة 77+الصين، أو توسيع دائرة التأييد داخل الجمعية العامة للأمم المتحدة، يتطلب شراكات متوازنة في مختلف القارات، وهذا ما يتيحه هذا الانضمام.
بوابة استراتيجية نحو إعادة هندسة موقع الجزائر الدولي
ويرى الدكتور أحمد ميزاب، أن الرهان ليس على شكل الانضمام فقط، بل على ما يمكن أن تنتجه الجزائر من مضمون سياسي واقتصادي داخل هذا الفضاء الجديد، معتبرا أن انضمام الجزائر إلى المعاهدة ليس خطوة رمزية، بل بوابة استراتيجية نحو إعادة هندسة موقعها الدولي. من جانبه، أوضح البروفيسور بن شريط عبد الرحمان، في تصريح للنصر، أمس، أن انضمام الجزائر إلى المعاهدة، خطوة استراتيجية وضرورية ويخدم مصالح البلاد ويتناسب مع طموحاتها . وأضاف أن الجزائر تتعامل اليوم، مع مستجدات وتعيد قراءة العلاقات الدولية، باعتبار أن هذه العلاقات تتمثل في الاستقطاب والتكتلات وإعادة تشكيل العلاقات الدولية و تغيير الطبيعة الأولى التي كان تنقسم إلى الشرق والغرب، حيث أصبحت الآن هناك ذهنية أخرى .
وأشار في هذا السياق، إلى أن الجزائر ليست منغلقة على ذاتها ولا تعاني من أي عقدة في التعامل مع الدول التي ترى أنها تتماهى مع مبادئها وتطلعاتها، وهي تريد تدعيم وجودها وإرساء علاقات قوية على جميع الأصعدة، سياسيا واقتصاديا وتكنولوجيا وغيرها مع الدول الأسيوية والتي تجمعها مع الجزائر علاقات احترام متبادل وأصبحت شريكا أساسيا في العديد من المجالات و تملك العديد المشاريع في الجزائر.
واعتبر أستاذ الفلسفة السياسية، أن الجزائر التي لا تريد أن تبقى مقيدة أو محدودة بالمعنى الجغرافي الكلاسيكي التقليدي بحيث تكون لها جغرافيا أخرى ، غير تلك المرتبطة بالامتداد المادي، بل الامتداد السياسي والتكنولوجي، فيما يخص دعم المصالح المتبادلة بين الدول. وأضاف، أن انضمام الجزائر للمعاهدة ، يتيح فرصا كبيرة لتعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري مع دول المعاهدة ، لافتا إلى أن الجزائر دولة محورية و مركزية جغرافيا وكذلك بمبادئها وقيمها وخياراتها ومواقفها المشرفة في الأمم المتحدة كما أشار، إلى أن الجزائر تستهدف التقدم التكنولوجي المحقق لدى دول في آسيا. وأكد البروفيسور بن شريط عبد الرحمان، على أهمية استثمار الجزائر للطاقات الكبيرة التي تتوفر عليها سواء الثروات الطبيعية والمعدنية وغيرها مع الدول التي تحترم الجزائر وتؤمن بالقيم الإنسانية والقيم المبنية على شراكة وفق قاعدة رابح- رابح، مضيفا أن الجزائر وفية لمسارها ومتفتحة وتعطي قيمة مضافة للعلاقات مع الدول لما تملكه من جغرافيا وطاقة بشرية و ما تحمله من قيم إنسانية بالإضافة إلى تاريخها المشرف وقيم التحرر وغيرها، لافتا إلى المرحلة الحالية في المشهد العالمي، تفرض ضرورة المبادرة والانفتاح على التكنولوجيا والتماهي مع العصر .
ونوه بالسياسة الرشيدة التي تنتهجها الجزائر والتي تملك الإمكانيات لتساهم في التطور و المنحى التصاعدي في مجال البحث العلمي والتكنولوجيا وغيرها من المجالات، لافتا إلى أن تنويع الجزائر لعلاقاتها الدبلوماسية، يساهم في الحفاظ على فكر المبادرة بالنسبة لها و هذا يتناسب مع طموح الجزائر الغيورة على حريتها السياسية والاقتصادية والتاريخية وغيرها .
مراد -ح