الأحد 27 جويلية 2025 الموافق لـ 1 صفر 1447
Accueil Top Pub

وفاة الموسيقار و الفنان اللبناني زياد الرحباني: رحيل آخر عباقرة الرحابنة


رحل أمس، الفنان والموسيقار اللبناني زياد الرحباني، عن عمر ناهز69 سنة، الراحل هو نجل أيقونة الغناء العربي السيدة فيروز، وقد واجه مشاكل صحية أدخلته مستشفى بيروت لأسابيع، قبل أن يكتب آخر نوتة في سيمفونية حياة آخر عباقرة الرحابنة، وأحد أقطاب الفن العربي الحديث.

عرف زياد الرحباني، بكونه واحدا من بين أبرز أعمدة النقد الملتزم، وعبقري مسرح وموسيقى، وكاتبا وملحنا من طينة نادرة، وقد نعاه فنانون كثر على مواقع التواصل الاجتماعي.
رغم أنه لم يفصل يوما بين مواقفه السياسية وفنه، و كان ناقدا ساخرا للسياسة ورجالها وللطائفية والفساد، ومدافعا عن الطبقات الهشة لدرجة رفض التصالح مع السلطة، لكنه كسب احتراما كبيرا كفنان وكرجل فنعاه الرئيس اللبناني جوزيف عون، على منصة إكس، مغردا " زياد الرحباني لم يكن مجرد فنان، بل كان حالة فكرية وثقافية متكاملة، وأكثر.. كان ضميرا حيا، وصوتا متمردا على الظلم، ومرآة صادقة".
أما وزير الثقافة ببلده غسان سلامة فقال: "كنا نخاف هذا اليوم لأننا كنا نعلم تفاقم حالته الصحية وتضاؤل رغبته في المعالجة. وتحولت الخطط لمداواته في لبنان أو في الخارج إلى مجرد أفكار بالية، لأن زياد لم يعد يجد القدرة على تصور العلاج والعمليات التي يقتضيها. رحم الله رحبانيا مبدعا سنبكيه بينما نردد أغنيات له لن تموت".
عراب التجديد في المشهد الموسيقي العربي
زياد الرحباني هو ابن رحم فني، ولد ببيروت لعاصي الرحباني و السيدة فيروز عام 1956، وقد كان كما عرف عنه شابا متفجرا بالإبداع حمل جينات الفن في تكوينه وغذته الأسئلة فتمرد عن مدرسة الرحابنة التقليدية ليرسي دعائم نمط موسيقي و مسرحي وغنائي خاص، فكان مرآة ناقدة للسياسة وعاكسة لتحولات المجتمع اللبناني وتناقضاته.
كانت انطلاقته الأولى من الركح، أين قدم أولى أعماله المسرحية " سهرية" وهو في سن 17، وككل أعماله التي تلت كان النقد اللاذع والسخرية سمة طاغية على فنه.
ينعكس إبداعه أيضا في ألبوماته الموسيقية الخاصة و أبرزها "أنا مش كافر"، "إلى عاصي"، و"مونودوز". أين مزج بين الجاز والموسيقى الشرقية، حيث يعتبر من أبرز المجددين في الموسيقى العربية إن لم يكن عراب التجديد.
موسيقيا، نحت زياد جانبا مهما من ملامح موسيقى والدته فيروز، التي قابلته ذات يوم من سنة 1991 في شوارع بيروت بعد قطيعة طويلة بينهما، فقالت وهي تنظر إليه " كيف أنك ، كنت مفكرتك مجوز برات البلاد"، حين عاد الوصال بينهما التقط الرحباني كلماتها و أعاد ترتيبها ليكتب واحدة من روائع فيروز الخالدة " كيفك أنت ملا أنت".
و"عطريق البوسطة"، التي أهداها إليها ضمن عمل مسرحي كتب لها ولحن لها أيضا أعمال ناجحة مثل " صباح ومسا"، و" عودك رنان"، وخلد صوتها إلى الأبد في قلوب العشاق و المعذبين بروائع " سألوني الناس"، و" أنا عندي حنين"، " سلملي عليه"، " حبيتك تنسيت النوم".
كانت موسيقاه مختلفة أخف من الطرب وأقدر على أقرب إلى الهمس مزيج غريب بين الفرح والحزن، بل كانت احتفالا بالحياة، فالخصوصية التي تتمتع بها ألحانه، والإبداع الطاغي الذي ميز كل ما يؤلفه على غرار الأخوين رحباني حول فيروز إلى علامة أو " براند" يمثل كلاسيكيات الفن اللبناني.
كان آخر عرض كبير له سنة 2018، حين افتتح زياد الرحباني مهرجانات بيت الدين الدولية، في استعراض موسيقي لأعمال له وللأخوين الرحباني تخللتها لقطات تمثيلية وتعليقات ساخرة. وقدم على مدى نحو ساعتين نحو 26 مقطوعة موسيقية وأغنية مع فرقة كبيرة.

تمرد على ميراث الرحابنة و شكل شخصية فيروز الموسيقية
رغم أنه ولد لعائلة فنية كبيرة ويعد وريثا لأعمالها ومدرستها، إلا أن زياد الرحباني كان الابن الذي لفظ ملعقة الذهب من فهمه، فقد تمرد على موسيقى الأخوين الرحباني، و اختار أن يبني إرثه الخاص من خلال أعمال تجديدية حداثية ستحمل بصمته إلى الأبد.
في نعيه للراحل، قال الناقد اللبناني جمال فياض، إن زياد الرحباني هو الفنان الوحيد في العالم العربي الذي ولد لأبوين فنانين، ورسم لنفسه شخصية فنية مستقلة تماما، محققا اسما ومكانة فنية كبيرة تخصه وحده، وليس فقط لارتباطه باسم والديه، وهذا يعد استثنائيا، مشيرا إلى أن زياد لم يقلّد أحدًا، رغم أنه تأثر بكل المدارس من سيد درويش إلى والده عاصي الرحباني وعمه منصور، لكنه صنع مدرسة خاصة به".
كما اعتبر فياض " أن زياد من خلال تعاوناته الفنية مع والدته الفنانة الكبيرة فيروز، قدم مرحلة ثالثة من مسيرتها لا تشبه ما قدمته مع الأخوين الرحباني، بل أوجد لها شخصية موسيقية جديدة تماما".
معلقا أيضا :" زياد خرج من عباءة الرحابنة وسخر منها أحيانا، كما في مسرحية شي فاشل، لأنه كان يعتبر أن موضوع القرية والحياة الريفية لم يعد مناسبًا للعصر، وهو صاحب فكر حزبي وعقائدي، ومنظّم، وفنان مثقف بمعنى الكلمة. قد نختلف على كل شيء في لبنان، لكننا لا نختلف على حب فيروز، وإعجابنا بعبقرية زياد الرحباني… الله يرحمه، آخر العباقرة المحترمين، بالمعنى الحرفي للكلمة".
صاحب نشيد " الحب اليساري"
اسم زياد الرحباني لم يرتبط فقط بوالدته فيروز، فقد قدم في السنوات الماضية أغان شكلت علامة فارقة في الساحة الموسيقية اللبنانية والعربية، فأحبه الشباب حين غنى " بلا ولاشى"، ووصفت الأغنية بأنها نشيد الحب اليساري، كما غنى " عايشة وحدا بلاك" و واجه التقاليد العربية بعمله المثير " أنا مش كافر".
رغم التغيرات الكثيرة التي عرفتها المجتمعات العربية، وتراجع الذائقة الفنية بشكل كبير، إلا أن زياد ظل صامدا بصوته كذلك، وكوالدته حفرت ألحانه عميقا في قولب الشباب الذين يعتبرونه فنانا ثائرا عن الأعراف و التقاليد و الحكومات، رجل الكلمة و اللحن، والناقد الفني الوحيد الذي يمكنه أن يقول في الإعلام ما يعجز عن قوله الآخرون.
مسرحه الساخر، قلده كذلك وسام الاحترام خصوصا وأنه سخر إبداعه للحديث عن واقع شعبه، فانتقد الطائفية، و الفساد، والنعرات القبلية، كما واجه المجتمع اللبناني و العربي بتناقضاته في أعمال مثل "نزل السرور"، ومسرحية "بالنسبة لبكرا شو"، " شي فاشل"، و"بخصوص الكرامة والشعب العنيد"، كما تعد مسرحية " فيلم أمريكي" التي قدمها سنة 1980 واحدة من أنجح أعماله على الإطلاق.

قصته مع السينما الجزائرية
شارك زياد في تقديم برامج إذاعية عدة، تزامنت مع أحداث كبيرة عصفت بلبنان، أبرزها الحرب الأهلية بين سنوات 1975 و1990، وعبّر خلالها عن مواقفه السياسية من الأحداث المتسارعة، مثل برنامج " بعدنا طيبين... قول الله"، و"نص الألف خمسمية"، و"العقل زينة"، و"الإعلان رقم 1، 2، 3، 4" الذي أعقب اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري. وتخللت أحاديثه تعليقات ساخرة، وعبارات بارزة، اقتبسها كثيرون فيما بعد لوصف المشهد السياسي في العديد من البلدان العربية.
شارك زياد في أدوار سينمائية صغيرة، مثل دوره في الفيلم اللبناني "طيّارة من ورق"، والفيلم الجزائري "نهلة" نهاية السبعينات، وفي كلا الفيلمين، كان هو المؤلف للموسيقى التصويرية، وهو جانب آخر من جوانب إبداعه الفني.
كتب زياد كذلك سلسلة من المقالات الصحفية، أبزرها العمود الذي واظب على كتباته لصحيفة الأخبار بين أعوام 2006 و2018.
هدى / ط

آخر الأخبار

Articles Side Pub
Articles Bottom Pub
جريدة النصر الإلكترونية

تأسست جريدة "النصر" في 27 نوفمبر 1908م ، وأممت في 18 سبتمبر 1963م. 
عربت جزئيا في 5 يوليو 1971م (صفحتان)، ثم تعربت كليًا في 1 يناير 1972م. كانت النصر تمتلك مطبعة منذ 1928م حتى 1990م. أصبحت جريدة يومية توزع وتطبع في جميع أنحاء الوطن، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

عن النصر  اتصل بنا 

 

اتصل بنا

المنطقة الصناعية "بالما" 24 فيفري 1956
قسنطينة - الجزائر
قسم التحرير
قسم الإشهار
(+213) (0) 31 60 70 78 (+213) (0) 31 60 70 82
(+213) (0) 31 60 70 77 (+213) (0) 6 60 37 60 00
annasr.journal@gmail.com pub@annasronline.com