يبعث روح الفن في كل فضاء تلامسه ريشته، ويعيد الحياة لمساحات مهملة تغرق في الأوساخ، برسومات من وحي الطبيعة والتراث تحمل بين طياتها رسائل ثقافية توعوية تحث على نظافة المحيطة وتعكس خصوصية المنطقة، يحث على إشراك فئة الأطفال لتنمية الحس الجمالي لديهم ومحاربة السلوكات المعادية للفن، هو ابن ولاية الجلفة الفنان نصر الدين حانطي، الذي تحدث للنصر عن تخصصه في فن الشارع، وبعثه لعديد المبادرات الفنية لتهذيب الذوق الفني.
استطاع الشاب نصر الدين حانطي، أن يحتل مكانة في قلوب آلاف متابعيه عبر الفضاء الافتراضي، ويضمن التفاف الكثير حول مبادراته الفنية التي ساهمت في تغيير وجه مدينته، حيث حول صفحاته إلى مساحة لمشاركة ما يقوم به مع المتابعين، الذين يشكلون داعما رئيسا لما يقوم به، على حد تعبيره.علاقة الفنان نصر الدين، صاحب 28 ربيعا، بالريشة والألوان، بدأت تتوطد في سن الثالثة عشر، حيث كان يجيد الرسم، وكانت والدته رحمها الله أول من اكتشفت موهبته وميولاته الفنية، فرافقته بالتشجيع والدعم، كما قوبل بالتحفيز من قبل أستاذه في مادة الرسم في الطور المتوسط، الذي مد له يد المساعدة من خلال توفير ما يحتاجه من أدوات خاصة بالرسم فضلا عن إدماجه في نادي فني، أين فجر موهبته، حيث كان يبدع في رسم البورتريهات.
حبه للرسم جعله وبمجرد قطع تأشيرة الانتقال للجامعة سنة 2017، يختار ميدان الفنون بكلية الفنون والثقافة بجامعة زيان عاشور بالجلفة، وتخصص خلال مساره الجامعي في النقد التشكيلي، غير أن تعطشه لنهل المزيد في هذا المجال وتوسيع رقعة نشاطه الفني دفعه للتسجيل بمعهد الفنون الجميلة بولايته، أين تخصص في الألوان الزيتية، قائلا بأن دراساته الأكاديمية مكنته من تطوير موهبته وساهمت في تدليل الصعوبات التي واجهته عند رسم جداريات في مساحات كبرى، وعلى واجهات البنايات، التي تستدعي تقنيات وقواعد للتمكن من التحكم في الأحجام وتقديم عمل فني خال من الأخطاء.
نشر الوعي بنظافة البيئة جزء من مبادرات فن الشارع
تخصص الشاب نصر الدين بعد إنهاء من تكوينه الأكاديمي، في فن الشارع، وهو تخصص يجده مناسبا لميولاته ويشبع رغبته الفنية كما يحمل رسائل مجتمعية توعوية تحارب بعض السلوكات والظواهر السلبية، فانطلق من محيطه الضيق من خلال رسم جداريات على جدران البنايات وقواعد محولات الكوابل، التي يغرق محيطها في الأوساخ وتشوه جدرانها عبارات حائطية تخل أحيانا بالآداب العامة، ليكسوها برسومات لمناظر طبيعية مستلهمة من الخصوصية الجغرافية للمنطقة، كما يضفي عليها أحيانا لمسة مختلفة تخول لكل من يراها أنه بمدينة ساحلية، هذا بعد تنظيفها.
إشراك الأطفال في رسم الجداريات يشعرهم بالمسؤولية
نشاط نصر الدين الفني سرعان ما ازدهر، بعد تمكنه من بعث مبادرات فنية تطوعية، وانضمام عدد من الشباب مع إشراك الأطفال، الذين يعتبرهم حلقة مهمة في تحقيق مبتغاه من ممارسة فن الشارع، القائم على محاربة كل أشكال العداء للفن، والذي تجلى سابقا في الاعتداء على جداريات وغيرها، ويجد في مشاركتهم فرصة لتحسيسهم بروح المسؤولية اتجاه ما يقومون به والوعي بالقيمة الفنية للجدارية، كما ينمي لديهم ثقافة الاهتمام بالمحيط والحرص على نظافته، من خلال حملة تنظيف المكان التي تسبق كل مبادرة.
قبل إطلاق أي مبادرة، يحرص الفنان نصر الدين على اختيار موضوع الجدارية والرسالة التي يود نقلها للمجتمع، حيث يأخذ نظرة عن طبيعة المكان وسكانه ليختار بعناية فحوى الرسالة والرموز التي تحملها وكيفية التعبير عنها أو تقديمها للجمهور، وغالبا ما يأخذ وقتا في ذلك يصل إلى 20 يوما، ليعلن بعدها على مبادرته، عبر حسابه أو بالحديث لجيرانه وأصدقائه، لتوفير الإمكانيات المادية ثم مباشرة العملية.
مقترحات الجمهور الافتراضي جزء من مواضيع جدارياتي
وعن المواضيع التي يختارها عادة، قال بأنه يروج أحيانا لتراث المنطقة وطبيعة العيش فيها، لتكون رسالة للزائر تعكس خصوصية المدينة وعاداتها وتقاليدها، فيما يختار في أحيان أخرى مناظر طبيعية وأخرى مستوحاة من مناطق ساحلية، كما يضمن رسوماته أيضا بعبارات توعوية للحد من السلوكات التي تشوه المنظر العام للمدن، كالرمي العشوائي للأوساخ وغيرها، كذلك عبارات تحارب اليأس والكسل وتبعث الأمل، وأخرى تعبر عن معاناة فئة معينة من المجتمع، كجدارية تنقل معاناة مرضى السرطان التي قام برسمها في وسط مدينة الجلفة والتي تعبر عن معاناة المصابين بهذا المرض، مشيرا في هذا السياق إلى أنه لا يعتمد فقط على نفسه في ضبط واختيار المواضيع، وإنما يأخذ في أحيان كثيرة بمقترحات متابعيه والمقربين منه، الذين يتفاعلون مع ما يقوم به.
نقل فن الشارع الفنان نصر الدين لعديد الولايات، وجعله يجوب عديد المناطق، بطلب من شباب ساهم بفضل منشوراته الفنية لعديد المبادرات أن يوقظ الحس الفني الجمالي لديهم، حيث يتحملون على عاتقهم تكاليف تغيير الفضاء الذي ينتمون إليه، سواء محيط العمارات وحتى الملاعب الجوارية، حيث يمنحون اشراقة للمكان كما يقترحون رسومات تتعلق بشعار فرقهم الرياضية وعبارات تشجع على التحلي بالروح الرياضية والآداب العامة في هكذا فضاءات.
محدثنا قال ومنذ بداية نشاطه في فن الشارع، منذ نحو سبع سنوات وضع بصمته على جدران 70 مؤسسة تربوية داخل وخارج ولايته، ومن الولايات التي زارها ذكر البليدة والعاصمة والبويرة، مردفا بأن أغلب المؤسسات التي ساهم في تزيينها بولايته بمبادرات شخصية، مشيرا إلى أنه يتلقى طلبات كثيرة من أصحاب المحلات التجارية الذين يفضلون إضفاء لمسة جمالية عليها.
بخصوص تسديد أعباء المبادرات، قال بأنه يتم بفضل مساهمة مشاركين في العملية وتجار المنطقة، وكذا سكانها حيث يوفرون له المواد الأولية، كما تشكل هذه المبادرات مصدر رزق له حيث يستجيب لعدد من الطلبات بمقابل مادي، كما يقوم بإشهار للمحلات عبر صفحته، وعن تكاليف رسم جدارية أوضح بأنها تختلف حسب الحجم والموضوع وتتراوح بين 4 آلاف و40 ألف، يستغرق رسمها يومين كأقصى تقدير.
أسماء ب