باتت وسائطُ التّواصل الاجتماعي توجّه خطابات نُخبٍ تتغذى على الشّائع والرّائج، في قلبٍ للأدوار، حيث أعفى "التوندونس" المُشتغلين في ورشات الأفكار من صيْد المُشكلات وما يترتّب عنه من مشقّة انتخاب الأوليّ فيما يقترحه الواقع، فثمّة من يتولى ذلك، ويتعلّق الأمر بشعبٍ افتراضيّ ، تُقدّم اهتماماته مبوّبةً للمفكّر والكاتب (مثلا) فلا يحتاج سوى إلى وضع توابله، وربّما دفعه "طلب الإعجاب"، الذي هو المحرّك الخفيّ لهذا الفضاء، إلى جموحٍ شعبوي هو مجاراة للعامّة في إلقاء انفعالاتها من دون ضبطٍ أو تقدير، وربما أسرف في الطلب فخرج تمامًا من دوره و ضاع بين الذين يطلب ودّهم، فلا ينتبه على سبيل المثال إلى أنّ استغلال مأساة للظهور، مأساة صامتة تحتاجُ فقط إلى تعريف، خصوصًا حين يتعلّق الأمر بردود فعل تُحاكي الرّائج ولا تُسائله، أو تُزاحم ضحايا في بطولةٍ لم يسعوا إليها أو تسرق "المجد" من موتى ذنبهم أنهم حصّلوا مجدا لم يطلبوه، أو تتبنّى وعظًا يستدعى وجاهةً تعوز صاحبه، كأنْ تبكي على مآلِ مهنةٍ (لتكن الصحافة) وقد أبليت البلاء الحسن في المآل ونلت وطرك.
لا شكّ أنّ المناخ الجديد الذي أشاعته تكنولوجيا الاتصال، يطرحُ مُشكلة التكيّف على المشتغلين في الأفكار والمبدعين، خصوصًا وأنه يضعهم أمام منافسة فئة جديدة من " الفاعلين" الذين لا يحتاجون إلى عُدّة وعتاد في تفاعلهم مع الواقع، وقد يكتفون بالسّخط كمحتوى وكعنوان لرسائل هي تنفيس عن حالات وليست قراءة عارفة. لكنّ ذلك لا يبرّر للمثقف الانخراط في أيّ قطيعٍ تهشّه الخوارزميّات، وذلك لا يعني حرمان المثقف من إبداء الرأي الموقف بقدر ما يتوسّل الرأي المسنود بقراءة واعيّة ورد الفعل القائم على المعرفة التي تُعيد الظواهر إلى أسبابها، كما يطرحُ الحاجة إلى "محتوى" يعبّر عن الذات والعبقريّة، ولا يمكن لهذا المحتوى أن يُبنى بالمواد الأوليّة الرائجة.
سليم بوفنداسة