الأحد 20 جويلية 2025 الموافق لـ 24 محرم 1447
Accueil Top Pub

كرجل خائف

أمر بفتح النوافذ، على غير العادة، رغم أن الظرف غير مناسب لذلك. أراد أن يتنفّس هواء حقيقيا. خنقه الهواء الرصّاص الرّاكد في أجواء البيت الواسع. خنقه النهار الطويل كمشقة و الليل الأبيض الذي بات يتمنى لو يركض في شوارعه المقفرة ليصغي إلى ارتجاف الكائنات  وهطول الندى.
غالب الأسى الذي اندلع من ترجمة ما هو فيه، وهو المترجمُ العارفُ. لا. لم يصدّق أن الأمور تحدث على هذا النحو. وهو الذي كان يرسم مجاري الأمور ويحدّد مصبّاتها. هو الذي لم يكن يحدث شيء إلا  بإشارته. لم يكن يتوقع أن الهواء يصير ثقيلا هكذا، وأن الناس الذين خرجوا من بين أصابعه سيتحوّلون إلى جلادين، يعذّبونه بالكلمات. ماذا أصاب الناس، ماذا أصابني؟  كأني لم أعد  أنا، كأن اسمي  تعرض لعطب فلم يعد يدل عليّ، كأن وباء النسيان أصاب الناس. حتى الهاتف لم يعد يحمل سوى أصوات اليائسين و الخائفين من تلف أمجادهم، كأنني لم أعد ربا يصون المصائر أو  يخرّبها.
صحيح أني كبرتُ في الصمت وفي الظلام، لكنهم كانوا يعرفون مقاصدي فيعفونني من الكلام، وهكذا نبت شعبٌ على ضفاف صمتي ونمت أحزاب وصحف وملائكة وشياطين وسعاة وتجار وغانيات وشيوخ يرسمون طريق التهلكة وشيوخ يشيرون إلى سواء السبيل. اندلعت بجوار صمتي حروب ونُسجت مكائد، سيقول مغرضون أني أصل البلاء، لكنهم يجهلون بأن وظيفة القيّم على توازن الموجودات تقتضي حمل النار في كف وحمل الماء في شقيقتها.
ما الذي أصاب الهواء كي يصير ثقيلا هكذا؟
أمر بفتح النوافذ و أغمض عينيه ليمتحن الغيب بحلم  يُسكت الحقيقة. لا ليس ليس حلما. الكلمات السيّاط ليست حلما.  الحلم كان يخشاني فيتجنب إفساد ما أنا فيه، حتى الكوابيس كانت تتجمّل حين تزورني وتحذر نفسها مسبقا و تعلن أنها تعني الآخرين فحسب.
خدش الهواء بسبابة التحذير: سأتكلّم، لست كالآخرين. كلامي يصيب. كلامي فصل.
سأوقف هذا الصمت وأكف عن الإيماء بالمقاصد إلى مترجمين تعوزهم الكفاءة. اللعنة. ألم ندرّب مترجمين يحولون النيّة إلى خبر؟
شعر برجفة. رأى يده ترتعش. رأى دخان السيجار يرتعش. اقترب من الليل الواقف خلف النافذة وقال بصمت: لا. لست خائفا.

سليم بوفنداسة

 

المزيد من الأعمدة

لا يصدأ !

تعبّر النّخب "الحقيقيّة" عن عبقريّة أممها وتتحوّل إلى رصيدٍ رمزي ووسيطٍ في الحوار مع الشعوب...

  • 14 جويلية 2025
سحت

يحاولُ حملةُ أقلامٍ يكتبون في الصّحافة الفرنسيّة الزج بالجزائر في محاور مُستهدفة، بل ويجتهدون في...

  • 30 جوان 2025
لُقــــاح

سليم بوفنداسةتحوّل تغليفُ الباطل برداء الحقّ إلى صِناعة مضمونة الرّواج، بسبب فوضى فكريّة ناجمة عن...

  • 24 جوان 2025
حربٌ تُخفي أخرى

  سليم بوفنداسةتُخفي الحربُ الدائرة حربًا مُضمرة، قد تُسمى باسمها خارج الدوائر الرسميّة والأدبيّات السياسيّة...

  • 17 جوان 2025
بروتوكول فانون

يُعيد الخطاب النيوكولونيالي الذي تُنتجه النّخب الغربيّة، هذه الأيام، فرانز فانون إلى واجهة...

  • 09 جوان 2025
لا تلعب معهم!

تدفعُ "نوايا حسنة" بعض الأكاديميين الجزائريين للمشاركة في برامج سجاليّة في قنوات عربيّة وأجنبيّة...

  • 12 ماي 2025
حقدٌ مُزمن

تُظهر فئة من الكتّاب الفرنسيين حقدًا أسودَ على الجزائر، لخّصه الكاتب جون بول انتوفان بالقول إنّه...

  • 28 أفريل 2025
حرجُُ المُنافح

حاولت فرنسا في حملتها المتواصلة على الجزائر تجنيد كتّاب جزائريين تحت عناوين حريّة الإبداع والدفاع...

  • 21 أفريل 2025
ظُلمات

تعرفُ العلاقات الدوليّة مقدّمات أزمة أشبه ما تكون بحربٍ كونيّة جديدة تعيدُ توزيع الأدوار بين سكّان غابتنا،...

  • 14 أفريل 2025
اسمي حمزة

اسمي حمزة، كان لي رأسٌ. كانت لي عينان و أحلامٌ صغيرة لا أعلنها. ربما أشبه أحمد الذي لم يعثـروا على رأسه،...

  • 07 أفريل 2025
هوس فرنسي

تحوّلت الجزائر، هذه الأيام، إلى «لازمة» على ألسنة السّاسة والنّخب في فرنسا، وإلى موضوع أثيرٍ على...

  • 24 فبراير 2025
«واقعيّة قذرة»

لن تهنأ الإنسانيّة بعائدات التطوّر العلمي الذي يفترض أن يساعد في حلّ المشكلات ويجعل الحياة أيسر...

  • 17 فبراير 2025
العالمُ برواية «ماسك»!

تحوّل الملياردير الأمريكي إيلون ماسك إلى كابوسٍ حقيقيٍّ يُؤرّق ساسةً وصنّاعَ قرارٍ في أوروبا، وفق...

  • 20 جانفي 2025
سوارٌ إلكتروني

ظلّت الثقافة على الدوام من أدوات الهيمنة التي تستخدمها قوى استعمارية، في آلية فكّكها إدوارد سعيد...

  • 13 جانفي 2025
حياة في الثقافة

غادر بوداود عميّر فجأة، بعد أن لمّح إلى غيّابٍ مُؤقّت اتقاء شرّ مُنتحلٍ سرق هويّته، قبل أن ينجح...

  • 23 ديسمبر 2024
أبوابٌ ونوافذٌ

بيّنت الأحداث الأخيرة، التي استخدم فيها طرفٌ أجنبيٌّ، كاتبين جزائريين ضدّ بلدهم الأم، في حرب...

  • 09 ديسمبر 2024
صوتُ الحياة

شاخ الوقتُ حولها لكنّها ظلّت في مقتبل الصّبا تسقي الدهشة وتشيعها، لأنّ المنادي الذي نادى النّاس...

  • 25 نوفمبر 2024
المُنمركون !

يصعبُ توقّع ما ستكون عليه الحياة بعد سنوات قليلة، نتيجة التدخّل المفرط للتكنولوجيا فيها، الذي لا...

  • 18 نوفمبر 2024
لا تلوموا أسامة!

يطرحُ الإقبال "غير المتوقّع" على الكاتب السعودي أسامة المسلم في صالون الجزائر الدولي للكتاب،...

  • 11 نوفمبر 2024
«لأسبابٍ سياسيّة» !

قبل سويعات من الكشف عن الفائز بجائزة الغونكور، أمس، نقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن ناشرٍ قوله، إن...

  • 04 نوفمبر 2024
Articles Side Pub
Articles Bottom Pub
جريدة النصر الإلكترونية

تأسست جريدة "النصر" في 27 نوفمبر 1908م ، وأممت في 18 سبتمبر 1963م. 
عربت جزئيا في 5 يوليو 1971م (صفحتان)، ثم تعربت كليًا في 1 يناير 1972م. كانت النصر تمتلك مطبعة منذ 1928م حتى 1990م. أصبحت جريدة يومية توزع وتطبع في جميع أنحاء الوطن، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

عن النصر  اتصل بنا 

 

اتصل بنا

المنطقة الصناعية "بالما" 24 فيفري 1956
قسنطينة - الجزائر
قسم التحرير
قسم الإشهار
(+213) (0) 31 60 70 78 (+213) (0) 31 60 70 82
(+213) (0) 31 60 70 77 (+213) (0) 6 60 37 60 00
annasr.journal@gmail.com pub@annasronline.com