الثلاثاء 13 ماي 2025 الموافق لـ 15 ذو القعدة 1446
Accueil Top Pub

الاِستشراف ضرورة في الأدب


إنّ الاِستشراف هو التطلع إلى الشؤون المُستقبلية للمجتمع الإنساني، من خلال توقع ما سيؤول إليه النّاس في مجتمع من المُجتمعات المشكّلة للمنظومة الإنسانية. عن طريق التركيز على وعي المجتمع وإدراك أفراده لواقعهم وتطلّعهم لمستقبلهم، وقد كان من شأن الأدب الاِهتمام باِستشراف مُستقبل المجتمعات، بِمَا هو وسيلة لرصد تحوّلات الإنسان أثناء رحلة وعيه بنفسه، وقد كانت الرواية أكثر فنون الكتابة مقدرةً على الإحاطة بحاضر المجتمع واستشراف مستقبله، لما لها من علاقة وثيقة بالمجتمع ناتجة عن علاقة كاتبها به، وقد رصدت الرواية العربية التحوّلات الحاصلة على مستوى البُنى الفكرية والسوسيوثقافية، وقدّمت من خلال بعض النماذج تصوّرًا لمستقبل المجتمع العربي، لا من باب اليقين وإنّما من باب الاِستقراء والاِستشراف.

محمّد الأمين بن ربيع

في تجارب روائية عربية كثيرة قدّم الروائيون رؤية اِستشرافية لمستقبل المجتمع العربي، وبالأخص تلك القضايا التي لازالت تشغل الرأي العام العربي، بما هي قضايا مصيرية، كما هي الحال في رواية إميل حبيبي «الوقائع الغريبة في اختفاء سعيد أبي النحس المتشائل» التي قدّم من خلالها صورة للصراع العربي الإسرائيلي، المميّز في هذه الرّواية أنّ الروائي ابتكر ملفوظا يصور حال العرب الذين يعيشون داخل حدود الكيان الإسرائيلي، وهو «التشاؤل»، المنحوت من لفظي التفاؤل والتشاؤم. فإن حدث أمر سيء للمتشائل فإنه يحمد الله على عدم حصول أمر أسوأ منه، وبذلك يكون الروائي الفلسطيني قد اِنعتق من أسر الواقع، مقدّما نظرة في المستقبل، عن طريق تصوير ذلك العربي الّذي لم يعد يعرف أيّ موقف يتخذه إزاء الصراع العربي الإسرائيلي، ويحاول أن يهوّن من الأحداث التي تقع على اعتبار أنها أهون من أخرى كان يمكن أن تقع.
ومن النماذج الروائية الجزائرية التي حملت في بنيتها السردية استشرافا لمستقبل المنطقة العربية رواية رشيد بوجدرة «ألف وعام من الحنين»، التي صوّرت بشكل سريالي مجتمع المنامة الغارق في الدستوبيا، والذي يتعرض أهله للغزو بعد أن نزلت في بلدتهم فرقة سينمائية أمريكية، تمكن بوجدرة في هذه الرواية من تقديم نظرة نافذة إلى عمق المستقبل، حين جعل الغزو الثقافي مطية للغزو العسكري، وشخّص المشاكل العالقة في المجتمع العربي والتي ستحدّ من فرص تقدمه وتطوّره، مركّزا على ربط الماضي بالحاضر، وتأثيره فيه، مشيرا بنظرة استشرافية إلى المستقبل المتوقَّع من وراء ذلك الحاضر السوداوي الذي تحكمه قوى امبريالية من خلف دمية الحاكم بندر شاه، الذي لم يكن حاكما بقدر ما كان مهرجا يثير سخرية الأهالي واشمئزازهم من عجزه على تسيير تلك البلدة الغارقة في غياهب النسيان، لأن أهلها يرفضون أن يتحرروا من ربقة جهلهم وسلطان كسلهم، ولذا يسمي الروائي بلدتهم بالمنامة، المشتق لفظها من النوم، هذا النوم الذي طال أكثر من اللازم حسب الروائي، فجعل قوى خارجية تتحكم في الشأن الداخلي للبلدة وتعيث فيها نهبا لثرواتها واستغلالا لأهاليها.
للرواية الاستشرافية القدرة على رؤية المستقبل، لذا حاولت أقلام الروائيين أن ترسم واقعا أفضل مستبشرة بالقادم، وتقيم مجتمعات قوامها المثل والقيم العليا، حتى وإن كان واقعهم مثقلا بالألم والانتكاسات، فقد يكون ذلك سببا لثورة تخلخل الموجود وتمنح أملا بانبعاث غد أفضل، يعتقد الروائيون والأدباء أنه ممكن الحدوث إن نحن أردنا ذلك، وساهم كل واحد بطريقته لمنح هذا الأمل القوة لينتشر، حتى وإن كان بواسطة نص روائي يفكك الوضع، ويضع القارئ وجها لوجه أمام مشاكله، حتى يتوقف عن تجنبها ويحاول حلها برؤية يتداخل فيها الذاتي بالموضوعي، مثلما يمتزج فيها العاطفي بالعقلي، ويلقي الماضي بظلاله على الحاضر، ويمدّه بتجاربه اعتمادا إلى وقائع سابقة، لتكون الأساس الذي يُبنى عليه الحاضر وهو يستشرف من نافذته أفاق المستقبل.

آخر الأخبار

Articles Side Pub
Articles Bottom Pub
جريدة النصر الإلكترونية

تأسست جريدة "النصر" في 27 نوفمبر 1908م ، وأممت في 18 سبتمبر 1963م. 
عربت جزئيا في 5 يوليو 1971م (صفحتان)، ثم تعربت كليًا في 1 يناير 1972م. كانت النصر تمتلك مطبعة منذ 1928م حتى 1990م. أصبحت جريدة يومية توزع وتطبع في جميع أنحاء الوطن، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

عن النصر  اتصل بنا 

 

اتصل بنا

المنطقة الصناعية "بالما" 24 فيفري 1956
قسنطينة - الجزائر
قسم التحرير
قسم الإشهار
(+213) (0) 31 60 70 78 (+213) (0) 31 60 70 82
(+213) (0) 31 60 70 77 (+213) (0) 6 60 37 60 00
annasr.journal@gmail.com pub@annasronline.com