الثلاثاء 13 ماي 2025 الموافق لـ 15 ذو القعدة 1446
Accueil Top Pub

أصدره الناقد والأكاديمي علاوة كوسة: تجربــــة الخيّـــر شـــــوار القصصيّـــــة في كتــــاب


صدر منذ أيّام للكاتب والناقد علاوة كوسة، كتابه الجديد الموسوم «فَنُّ القِصَّة عند الخيّر شوّار»، وفيه آثر المُؤلف -حسبَ ما ورد في مقدمته للكِتاب- «البحثَ في القصّة القصيرة، وذلك من خلال الإبحار والسّفر في كتابات أحد أهمّ الكُتّاب الجزائريّين المُعاصرين، وهو (الخيّر شوّار)، الّذي أثرى المكتبةَ الوطنيّة والعربّية بأعمال سردية كثيرة، تنوّعت بين الرّواية والقصّة القصيرة».

واقتصرت الدراسة التي ضمها الكِتاب الصادر عن «منشورات هيبورجيوس للنشر والتوزيع» على باكورة أعمال شوّار القصصيّة «زمن المكاء»، وأراد المؤلف من خلالها أن يتتبّع فنّ القصّة عند هذا الأديب، حيثُ تمحوّرت دراسته حول «جماليّات القصّة القصيرة» في هذه المجموعة، وهو يهدف من وراء هذا الموضوع إلى مقاربة جماليّة للقصة الجزائريّة القصيرة لدى الكُتّاب من جهة، وتحسّس جماليّات هذا الفنّ القصصيّ من خلال جملة من الإجراءات والطروحات التي يفرضها مثل هذه النوع من الدّراسات؛ مُنطلقًا من إشكاليّات عديدة أهمّها: إلى أيّ مدى من الجماليّة والفنّية قد بلغت القصّة الجزائريّة القصيرة ممثَّلة في إحدى المدوّنات والنماذج (زمن المكاء)؟ وهل اِستوفى القاصّ «الخيّر شوّار» جماليّاتِ القصّة القصيرة فعلاً في «زمن المكاء»؟ وإلى أيّ مدى يمكن الحديث عن تميّزه كقاصّ من خلال تحكّمه في فنّيات هذا الجنس الأدبي؟
كما أورد المؤلف التساؤل –عكسيًا– عن مدى مسايرة القصّة «الشّوارية» للتّغيّرات والتّحوّلات الحثيثة التي يشهدها المجتمع الجزائريّ، على اِعتبار أنّ القاصّ لا يستطيع إلّا أن يُعبّر عن واقعه المعيش، ومجتمعه الّذي هو جزء منه، وفردٌ فيه، مهما اِمتطى خياله، لأنّ للموضوعاتي اِرتباطًا بالفنّيّ إلى أبعد الحدود، وكثيرًا من الأحداث تُحدّد أشكالهَا وقوالبَها.
وللإجابة عن هذه الأسئلة والعديد غيرها، ومُختلفِ الإشكاليّات التي جعلَ منها -صاحب الكِتاب- مُنطلقًا للبحث والتوغل في أعماق قصص «الخيّر شوّار» من خلال مجموعته «زمن المكاء»، اِتّجهَ في دراسته هذه إلى التوقّف عند أبرز جماليّات النّصّ القصصيّ الجزائري المُعاصر مُمثَّلاً في هذه العيّنة، مُتوقّفًا عند أبرز العناصر الجماليّة التي تُشكّل النّص القصصي عند «شّوار»، ثمّ التّعريف بها، وكذا تناولها موضوعًا، لغةً، فضاءً، زمكانًا، وشخصيات.
وتشكلت دراسة الدكتور كوسة في مجملها على مقدّمة وخمسة فصول، وقد قسّمَ الفصل الأوّل إلى ثلاثة مباحث؛ تناول المبحثُ الأوّل مفهومَ الجماليّة وتجلياتها، وكذا تمثّلاتها في محيطات الإنسان الفكريّة والوجدانية، ذاكرًا تصوّرات مُختلف الأجناس تجاهها، إنْ عربًا أو غربًا، مسلمين أو مسيحيين، قُدامى أو محدثين.وفي المبحث الثّاني تتبّع -المؤلف- ظروفَ نشأة القصةّ الجزائريّة القصيرة، وعواملَ تأخّر هذا الجنس الأدبيّ في الظّهور وكافةَ الصّعاب التي اِعترضته؛ سياسيةً كانت أمْ اجتماعيّة وثقافيّة، وتطرّقَ إلى التطوّر الفنيّ/الموضوعاتي الّذي اِكتنفها خلال مراحل عديدة؛ بدايةً من مرحلة الاِستعمار إلى مرحلة الثّورة، بين قصّة الثّورة وثورة القصّة، فمرحلة ما بعد الاِستقلال حيثُ سارت العواملُ المحيطة نحو اليسر والتحسّن، وذلك ما اِنعكس على المتن القصصيّ الجزائريّ بوضوح، لتليها مرحلة السّبعينات والثّمانينات وما عرفته من ملامح التجريب والاِنعتاق. لتصوّرَ قصّةُ التّسعينات واقعَ الجزائريّ، وتُؤرّخ للمأساة الوطنيّة، مُعانقةً الفنيّة والجماليّة بتفوّق، وذلك ما جسّده «جيلُ أكتوبر» الثائر، ليكون أكتوبر بالفِعل ثورةً أدبية ثالثة، وصولاً إلى قصّة الألفيّة الثّالثة، وأبرزِ معالمها الفنّية وأعلامها. كما أنّ لأحداث أكتوبر 1988 تأثيرًا واضحًا على مسار الحركة الأدبية في الجزائر، وعلى القصة القصيرة بصفة خاصة. حيث يجبُ النظر إلى اِنتفاضة أكتوبر 88 كمرحلة ثالثة في تاريخ الأدب الجزائري.
أمّا المبحث الثّالث فتوقّف -صاحب الكِتاب- من خلاله عند ترجمة للكاتب «الخيّر شوّار»، وسيرته الذّاتية، وعرض في حيزها أهمّ مؤلّفاته وأعماله الأدبيّة، وخصّص بالعرض التّفصيليّ مجموعتَه القصصيّة التي هي محور الدراسة «زمن المكاء».
في حين تناول الفصل الثّاني أهمَّ العتبات النّصّية في المجموعة، لِمَا تكتسيه هذه العتبات من أهميّة بالغة في الدّرس الأدبيّ/النّقديّ المُعاصر. من حيثُ هي نصوص مُوازية ومُرافقة للنّصّ وعلى علاقة معه.
وفي الفصل الثّالث تطرّق –المؤلف- إلى الفضاء «الزمكاني» في قصص «الخيّر شوّار»، حيثُ تحدّث أوّل الأمر عن مفهوم الفضاء، وأنواعه، ليعرّج بعدها على الفضاء المكانيّ ودلالته، كالمدينة، القرية، الكوخ، المقهى..أمّا المبحث الثّاني فقد خصّصه للفضاء الزّمانيّ، مفهومًا وتقنيّات، ومن هذه التّقنيّات -حسب المؤلف دائماً-: الاِسترجاع/الاِسترداد /الاِستذكار، وكذا الاِستباق/الاِستشراف، حيثُ يتبّين أنّ الزّمن معطى جماليٌّ لا يُستهان به.
وفي الفصل الرابع، كانت وقفة عند أهمّ المحرّكات السّردية في قصص «الخيّر شوّار» وهي «الشخصيات»؛ من حيثُ هي عناصر فاعلة في القصّة القصيرة، بكلّ مرجعيّاتها ومحمولاتها واتّجاهاتها.أمّا في الفصل الخامس فقَدْ تحسّس -المُؤلف- خلالَه جماليّاتِ اللّغة والأسلوب في المجموعة؛ كما تطرّق إلى ظاهرتين أسلوبيتين بارزتين في هذه المجموعة القصصيّة وهما ظاهرتا: «التّناص» و»التّكرار» بكلّ أبعادهما الدّلالية والجمالية.
الدكتور كوسة، يُؤكد من خلال دراسته التي ضمها الكتاب، اِنفتاح النص «الشّواري» على أجناس أدبيّة عديدة: كالشِّعر، الحكمة، الأمثال، وعلى مرجعيات مختلفة: دينيّة، ثقافيّة وأدبية. وهذا ما يجعلنا نعتقد بالاِنفتاح الحداثيّ للقصّة القصيرة وتداخل الأجناس الأدبية، والتّجريب في جماليّات الخطاب القصصيّ الجزائريّ المُعاصر. وأنّ التّجارب الجديدة لدى كُتّاب القصّة والخيّر شوّار واحد منهم، قد واكبت التجديد وسايرت الحراك الاِجتماعيّ والسّياسيّ في مجتمعنا الجزائريّ المعاصر.
الدراسة ذهبت إلى اعتبار جمالية المكان في قصص «زمن المكاء» قد أضفت على النصوص القصصيّة نوعًا من الحركية، إذ أنّها كانت مسرحاً لتفاعلات فكرية، نفسية، عاطفية واجتماعية تمثلتها الشخصياتُ القصصية المُختارة.

وما يمكن ملاحظته من خلال فسحة الفضاء «الزّمكاني» التي قام بمقاربتها المؤلف، لـ»زمن المكاء»، هو أنّ القاصّ «شوّار» قد وعى الأهميّةَ البالغة للزّمن، من حيثُ إنّه ضرورة فنيّة بتقنياته المختلفة. ورغم أنّ شوّار -كما جاء في الكِتاب- قد وظّف تقنية الاِسترجاع/الاِستذكار بنسبة كبيرة، إلّا أنّه بدا من خلال اِستباقاته القليلة مُستشرفًا المستقبل، حالمًا راسمًا صوَر الغد بأمل وترقّب، حيثُ ينظر الآتي مُستذكرًا، ويستذكر الماضي مُستشرفًا. كما كانت الفترة الحاضرة بقوّة هي زمن الطفولة والصّبا بكلّ محمولاتها الوجدانيّة، العاطفيّة والنّفسيّة.
أمّا عن المكان فكان له -حسب ما أورده المؤلف- حضوره المتنوّع في قصص الخيّر شوّار؛ ما بين أماكن مفتوحة ومغلقة، لكنّ الفضاء الحاضر بكثافة -يُضيف- هو «القرية»، حيث تكاد تكون مسرحًا لأحداث كلّ القصص، وبدرجة أقلّ فضاء «المدينة»، ومرافقها. كما أنّ هناك فضاءات خيالية أخرى كانت حاضرة ولم تكن سوى مهربًا/بديلاً/ملاذًا لمن ضاق به واقعه.
الدراسة أشارت في مفصل من مفاصلها إلى بعض المرجعيات التي يتكئ عليها القاص شوّار، ومن بينها المرجعيّة الأسطوريّة. وهذا ما قاله الدكتور كوسة: «لقد أصبح كثير من الكُتّاب يلجؤون إلى التّراث الأسطوريّ ليستمدّوا منه أبطالهم ورموزهم وحكاياتهم، لشحن نصوصهم بدلالات عميقة، وإيحاءات جديدة حيثُ يُستمد هذا النوع خاصةً من التراث الإنساني في مرحلة العجز عن تفسير الظواهر الكونية في مراحل الإنسان البدائية وقد لجأ إليها من أجل التخفيف من حيرته. وقد وظّف الخيّر شوّار شخصيّات أسطوريّة في الكثير من قصصه».
مُشيراً هنا إلى أنّ الكاتب شوّار، كثيرًا ما يُصور لنا بعض الشخصيات الأسطورية المُرتبطة بمخيالنا الشعبي، وبأسلوب عجائبي بحت. وقد أراد من خلال بعض الشخصيات ذات المرجعية الأسطورية أن يُصوّر واقعنا المُعاصر المعيش، بإسقاط زمكاني. وهنا تكمن جماليات توظيف الأسطورة إن رمزًا، أو شخصياتٍ أو أحداثاً.
أيضا الدراسة تُشير إلى المرجعية الثّقافيّة، وهي من بين المرجعيات التي وظفها الكاتب، فقد حاول في مجموعة من القصص أن يُوظف مجموعة من الشّخصيات ذات المرجعية الثّقافيّة، أو التي بدت أنّها تمتُّ للثقافة والعِلم برابطٍ ما، والتفت القاص من خلالها إلى فئة هامّة معوّل عليها في بناء المجتمع، وصناعة أفكاره، وتوجيهه.
في الأخير، تعدّ هذه الدراسة البحثية التي قدمها الدكتور علاوة كوسة محاولة للوقوف على جماليّات الخطاب القصصيّ عند «الخيّر شوّار» من خلال مجموعته القصصية «زمن المكاء»، إذْ حاول التعرّف على الكيفيّات التي تعامل بها القاصُّ مع عناصر التّشكيل القصصيّ المختلفة، بدايةً من العتبات النّصيّة بصفتها نصوصًا مُوازية/مرافقة للنّص الأساس، ولها دلالتها ومقولاتها؛ حيث أوْلاها القاصُّ أهميّةً كبيرة، من خلال توفير الحدّ الكبير من التّعالقات بين شتىّ النّصوص الموازية: بين العناوين الفرعية والعنوان الرئيس، وبين العناوين الثّانوية والعناوين الفرعيّة. كما أنّ هناك محاورات دلاليّة وجماليّة -حسب المؤلف- بدت قائمةً بين مُختلف هذه العتبات، حيثُ العناوينُ ملامحٌ للمتن، والمقدّماتُ سندٌ للعناوين، والخواتمُ والتّذييلاتُ تتّكئ على المقدّمات، كما أنّ تنوّع المضامين قد وازاه تنوّعٌ في هذه النّصوص الموازية -موضوعاتيًا- فمنها الدّينيُّ، الأدبيُّ والذّاتيُّ والاِجتماعيُّ. وهو –كما يقول المؤلف- «ما يجعلنا نعتقد بالفعل أنّ هناك ملامح واضحة للتّجريب في جماليّات الخطاب الموازي لدى الخيّر شوّار». نوّارة لحرش

آخر الأخبار

Articles Side Pub
Articles Bottom Pub
جريدة النصر الإلكترونية

تأسست جريدة "النصر" في 27 نوفمبر 1908م ، وأممت في 18 سبتمبر 1963م. 
عربت جزئيا في 5 يوليو 1971م (صفحتان)، ثم تعربت كليًا في 1 يناير 1972م. كانت النصر تمتلك مطبعة منذ 1928م حتى 1990م. أصبحت جريدة يومية توزع وتطبع في جميع أنحاء الوطن، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

عن النصر  اتصل بنا 

 

اتصل بنا

المنطقة الصناعية "بالما" 24 فيفري 1956
قسنطينة - الجزائر
قسم التحرير
قسم الإشهار
(+213) (0) 31 60 70 78 (+213) (0) 31 60 70 82
(+213) (0) 31 60 70 77 (+213) (0) 6 60 37 60 00
annasr.journal@gmail.com pub@annasronline.com