تحول مشروع حفظ الذاكرة المسرحية، من خلال جمع وأرشفة الوثائق والمحفوظات المتعلّقة بالنشاط المسرحي، إلى محور ورشات ونقاشات جهوية مفتوحة بين الفاعلين والمؤسسات المسرحية، للتأسيس لعمل مشترك يؤدي لجمع إرث المسرح الوطني، كأرشيف مادي ورقمي لحمايته وإتاحته للباحثين والمهتمين. يدخل هذا المسعى ضمن برنامج أطلقته وزارة الثقافة والفنون، بهدف جمع وأرشفة الوثائق والمحفوظات المتعلقة بالنشاط المسرحي، كانت الانطلاقة من قسنطينة تم عنابة في انتظار تنظيم أيام دراسية أخرى، يأتي ذلك بالتزامن مع التأسيس لإنشاء المتحف الوطني للمسرح بالقصبة بالجزائر العاصمة.
إعداد : حسين دريدح
ترتكز هذه اللقاءات على رصد حالة المسرح قبل وبعد الاستقلال، و دراسة التنظيم المسرحي في الفترة الاستعمارية، وتحليل التراث المسرحي خلال الحقبة الاستعمارية، وكذا ظهور الحركة المسرحية المحلية من خلال الفرق والشخصيات، وترتكز البحوث الجارية، على جمع الأرشيف من سنة 1962 إلى غاية 1974 وهي الفترة التي تقل أو تنعدم فيها الوثائق سواء صورا، ملصقات، نصوصا، ديكورا وبدلات.
مسرح عنابة .. حاضنة للمبدعين الجزائريين
برزت عنابة كأحد أهم المراكز الثقافية والمسرحية في الجزائر، حيث تم بناء أول مسرح بالمدينة عام 1848، تبعه المسرح البلدي بعد عدة سنوات، مما ساهم في إعطاء زخم جديد للفنون المسرحية.
ويشير الملف الذي أعده مسرح عنابة بمناسبة جمع ذاكرة المسرح الجزائري، إلى أن الفضاءات الأولى كانت مخصصة أساسا للمستعمرين الفرنسيين، فقد بدأ الجزائريون بالتفاعل معها ومع الفن الجديد آنذاك تدريجيا، وفي 1926، أسس «جنيدي» جمعية المسرح والموسيقى المزهر البوني، وهي إحدى أولى المبادرات التي أسّست لنشر المسرح الجزائري المحلي، وقد كانت العروض في البداية تقام في فناء إحدى المنازل، قبل أن تحصل الجمعية على إذن للعرض داخل المسرح البلدي، الذي قصف خلال الحرب العالمية الثانية عام 1942، قبل أن يُعاد بناؤه سنة 1951 ليصبح المسرح الذي نعرفه اليوم. بعد الاستقلال، استأنف المسرح في عنابة نشاطه تحت اسم المسرح البلدي الذي أصبح ملكا للدولة وفقا للمرسوم الصادر في جانفي 1963، ومع القرار الخاص باللامركزية في إدارة المسارح المقرر 70/39 الصادر في 12 جوان 1970، اكتسب المسرح بعدا إداريا جديدا، وتمتع لاحقا بالاستقلالية الإدارية بموجب المرسوم 73/71 الصادر في 16 أفريل1973 . خلال السنوات الأولى بعد الاستقلال، يشير المصدر، كان الريبرتوار المسرحي يعتمد بشكل كبير على أعمال «الفودفيل» والمسرح الشعبي من بين الإنتاجات البارزة، تلك التي كتبها حسن دردور، حيث أخرج عدة مسرحيات، منها شيكاكين الجبال، باش آغا بوس بوس، و كلها أنتجت سنة 1962.و كان مسرح عنابة يحافظ على علاقات وثيقة مع المسرح الوطني الجزائري، مما ساهم في تبادل الإنتاجات المسرحية وتعزيز التعاون الفني، أبرز المسرحيات التي قدمت خلال هذه الفترة «حسنة أو حسن» تأليف محمد بن قطاف سنة 1975. وفي سنة 2000 تمت تسميته باسم المسرح الجهوي عز الدين مجوبي، تخليدا للفنان الذي اغتالته أيدي الغدر في 13 فيفري 1995 بالجزائر العاصمة.
و عز الدين مجوبي، من أبرز الممثلين والمخرجين المسرحيين الجزائريين، ولد في مدينة عزابة بولاية سكيكدة سنة 1945، ابن محام، تعود أصوله إلى حمام قرقور، بولاية سطيف.
ارتباط الموسيقى بالمسرح
ارتبطت الموسيقى بالمسرح بشكل وثيق كما كان الحال في الجزائر قسنطينة، وعنابة، حيث تولى علاوة بوخروفة قيادة القسم الموسيقي، فيما افتتح موليير سلسلة العروض، مما عزز علاقة الجمعية بالتيارات الوطنية، وأدى إلى وضعها تحت مراقبة الشرطة الفرنسية . وبالموازاة، حسب ما جاء في البحوث التي تؤسس لذاكرة المسرح، كانت هناك فرق موسيقية تقدم عروضا تجمع بين الغناء والمسرح الهزلي، مما جذب الجمهور المحلي،حيث تمكنت فرقة المزهر البوني بعنابة من فرض نفسها، بفضل المسرحيات التي كتبها الشاعر مكي جنيدي، لكن مع اندلاع ثورة التحرير في 1954، توقفت الأنشطة المسرحية الجزائرية تدريجيا.
أسماء لامعة مرت على مسرح عنابة
ساهم مسرح عنابة، في بروز أسماء كبيرة، سطع نجمها بعد تحولها للمشاركة في الأعمال السينمائية والتلفزيونية، على رأسها المرحوم جمال حمودة بدأ مسيرته كمنشط لفرقة هواة، تدرج في مختلف المهن المسرحية، حيث أخرج العديد من الأعمال.
سليمان بن عيسى أيضا، الذي أخرج وألف عدة مسرحيات بمسرح عنابة، أشهرها «يوم الجمعة خرجوا لريام»، المحقور التي عرضت 300 مرة. محمد العيد قابوش الذي ترك بصمة بمسرح عنابة بعد قدومه من مسرح وهران، وقد شجعه عبد القادر علولة، ليُخرج عدة أعمال مسرحية ، منها التواصل - 1982، ضحكة مسجونة - 1983، لسعات البسامات، أسس تعاونية مسرحية تهتم بالتكوين والتدريب، حيث أنتج مسرحية العودة عام 2009. تولى لاحقا إدارة المسرح الجهوي بقالمة.
فتيحة سلطان من مواليد 1953 كانت الوجه النسوي الأبرز بمسرح عنابة قادمة من قسنطينة، قالت خلال اللقاء الأخير المنعقد بالمسرح الجهوي» منذ طفولتي أظهرت شغفا مبكرًا بالمسرح، حيث شاركت في إعداد مسرحية للأطفال سنة 1975، انضممت إلى المسرح الجهوي لعنابة وقسنطينة تحت إدارة سيد أحمد أقومي، حيث لعبت دورا في مسرحية «خطبة سيدنا» .
كما ترك كمال كربوز بصمته ولعب أدوارا رئيسية في العديد من الأعمال المسرحية. بعد بداياته كممثل هاو انضم إلى عدة فرق مسرحية بارزة منها فرقة المسرح الشعبي حسان الحساني، فرقة العمل الثقافي للعمال لكاتب ياسين بالمسرح الجهوي لوهران، تم استقر بالمسرح الجهوي لعنابة. أسماء أخرى بدأت مسيرتها بمسرح عنابة، على غرار جمال مرير، تلقى تكوينه كممثل بالمدرسة الوطنية للفنون الدرامية والركحية، ليصبح لاحقا مديرا للمسرح الجهوي لعنابة بين 1979 و 1993. أيضا عمار محسن، ولد عام 1949، درس بالمعهد الوطني للفنون الدرامية، حيث طور مهاراته في التمثيل الإخراج، والإنتاج التلفزيوني.
حقبة سيد أحمد أقومي في التأسيس للمسرح الاقليمي المنظم
تعد حقبة سيد أحمد أقومي الأبرز، حسب ما ود في الملف الخاص بمسرح عنابة، حيث أسس لمسرح إقليمي منظم، في بداية السبعينيات، بعد انفصال مسرحي عنابة وقسنطينة عن المسرح الوطني، أصبح لعنابة مسرح مستقل يعرف بـالمسرح الإقليمي لعنابة. تحت إدارة سيد أحمد أقومي، نشأت فرقة مسرحية جديدة، تضم مجموعة من الممثلين الشباب معظمهم قادمون من الجزائر العاصمة، ومن بينهم، زهير بوزرار، عمرتایان، محمد فلاق، عبد الحميد ربيع، صونيا، حميد رماس، مصطفى عياد، الأخضر مختاري. من أبرز ما أخرج سيد أحمد أقومي بمسرح عنابة، «خطبة ديال سيدنا»سنة 1975 انتقد فيها الملك المتجاهل لمعاناة شعبه. سيد أحمد أقومي من مواليد 1940يعتبر من أبرز الممثلين الجزائريين، حيث لمع اسمه في المسرح والسينما والتلفزيون بدأ مشواره الفني في خمسينيات القرن الماضي في ثانوية ابن عكنون، حيث حصل على عدة جوائز، كما عين مديرا للمسرح الإقليمي لعنابة عام 1974، بعد 3 سنوات قبل ان يغادره ليتولى تسيير مسرح تيزي وزو، ومسؤوليات أخرى تقلدها بعد ذلك.
محمد يحياوي مدير المسرح الوطني
إنشاء متحف لحفظ ذاكرة المسرح الوطني بالقصبة
كشف محمد يحياوي مدير المسرح الوطني، خلال اللقاء المنعقد بمسرح عزالدين مجوبي، والذي نشطته الدكتورة فاطمة الزهراء بولدروع، بأنه يجري الاشتغال على تأسيس المتحف الوطني للمسرح الجزائري، على مستوى مدينة القصبة بالجزائري العاصمة، بالتعاون مع المسارح الجهوية، والشخصيات الثقافية والجمعيات المعتمدة بعالم المسرح وكذا الاسرة الإعلامية.
وأشار يحياوي، بأنه يجري العمل مع وزارة الثقافة لإعداد النص القانونية، لهيكلة المؤسسة التي تتكفل بإدارة المتحف العمومي للمسرح الجزائري، حيث سيكون المركز الوطني للأرشيف ضمن هذه الهيئة، و يجري العمل حاليا على إعادة ترميم وتهيئة البناية. واعتبر يحياوي بأن مسرح عنابة له ارتباط وثيق بالمسرح الوطني، نفس الفنانين مروا عليهما
وأكد يحياوي، بأن اللقاءات الجهوية، تمثل محطة أساسية في إرساء قواعد منهجية للبحث والتوثيق لتكون النواة الأولى لعمل موسع و مثمر حول تاريخ المسرح، حيث تم انشاء مركز وطني لجمع وأرشفة الوثائق المسرحية، وفهرستها والمحافظة عليها. وحسب مدير المسرح الوطني، هذا المشروع ضروري للغاية، لأنه يساهم في نقل التراث الثقافي من خلال فهم عميق للأعمال الدرامية السابقة والشخصيات التي شكلت المشهد المسرحي في كل منطقة.
مدير المسرح عزالدين ريزي مهدي
العمل على تنظيم واسترجاع الأرشيف بمسرح عنابة
تحدث مدير مسرح عنابة عزالدين ريزي مهدي، في تصريح للنصر على هامش اللقاء المنعقد حول ذاكرة المسرح، على وجود عمل يجري القيام به لتوثيق و جمع وتنظيم الوثائق الموجودة داخل المسرح وحتى خارجه، منها الأرشيف الشخصي، حيث يجري تجميع وتصنيف هذه الوثائق، حتى لا يختفي جزء مهم من التاريخ الثقافي المحلي.
وذكر الممثل والمخرج المسرحي نبيل رحماني المكلف بجمع أرشيف بمسرح عز الدين مجوبي، بأن المسرح يحتوي على وثائق مهمة، حيث توجد نصوص وملصقات وديكورات، يجري حفظها، إلى جانب المحفوظات السمعية البصرية، بما في ذلك تسجيلات العروض المسرحية.
مضيفا بأن العديد من رواد المسرح رحلوا، وأخذوا معهم أجزاء من الذاكرة كان ينبغي الحفاظ عليها، من بينهم دردور، الذي ترك أعمالا مكتوبة لا تزال مرجعا رئيسيا في تاريخ المسرح المحلي.
المسرحي زياني شريف عياد
بداية جمع أرشيف المسرح الوطني ثم الانتقال للمسارح الجهوية
أوضح زياني شريف عياد، خلال اللقاء، بأن ورشات التوثيق والذاكرة تم الشروع فيها سنة 2017، بمشاركة أحمد شنيقي، ملياني، وبورحلة، وقال « فتح لنا مدير المسرح الوطني المجال للاشتغال، لأن الذاكرة كانت تضيع، ما يستوجب محاولة جمعها، من أجل صنع هوية للمسرح الجزائري، والتأريخ للأعمال المسرحية» .
وأشار إلى أن الإنتاج المسرحي كان يقتصر على المسرح الوطني من سنة 1962 الى غاية 1972 والمسارح الأخرى كانت تقوم بدور العرض، معتبرا أن أحسن الأعمال التي أنتجت كانت في إطار مخرج وفرقة، قائلا « الأعمال الكبيرة أنتجت في عهد رويشد عن طريق فرقته، وعلولة أيضا اشتغل كثيرا بالفرقة».
وتم الشروع في التنقيب عن أرشيف المسرح الوطني في مرحلة أولى ثم الانتقال إلى أربعة مسارح جهوية انطلاقا من قسنطينة، ثم عنابة، في انتظار وهران وبلعباس، كخطوة أولى لتكوين منصة لجمع كل الاعمال الخاصة بالمسرح الجزائري، بالتركيز على العناصر الأساسية مثل النصوص، الأزياء، الديكورات، الصور، من أجل بناء قاعدة بيانات مرجعية حول النشاط المسرحي قبل وبعد الاستقلال.
الدكتور والباحث أحمد شنيقي
توثيق النشاط المسرحي تأخر وجزء من الذاكرة ضاع
تحدث الدكتور والباحث أحمد شنيقي، عن معايشته لضياع جزء مهم من ذاكرة المسرح، معتبرا أن توثيق النشاط المسرحي و البحث عن المصادر والوثائق تأخر كثيرا، و كان ينبغي إطلاق هذه المبادرة منذ السنوات الأولى للاستقلال، فالمهمة اليوم أصبحت أكثر تعقيدا بالنسبة لفترة ما قبل الاستقلال خاصة، نظرا لوفاة العديد من الفنانين والمسرحيين وضياع جزء كبير من الأرشيف المسرحي.
و تبقى المشكلة الأساسية، حسب الأستاذ شنيقي، في ندرة المصادر الموثوقة وتشتتها، حيث أن المعلومات المتاحة غالبا ما تكون ناقصة وغير دقيقة، مما يؤدي إلى سوء الفهم والخلط التاريخي، وبالتالي تشويه الإدراك الصحيح للتراث المسرحي في المنطقة.
وقال شنيقي « بداية التأسيس لإنشاء مركز للتوثيق المسرحي كانت سنة 1963 مع مصطفى كاتب ومحمد بودية، كانت لهما نظرة بعيدة حول المسرح»، وأضاف: تم التخلي على هذا المشروع ولم يتم إعطاء قيمة للأرشيف والتوثيق، حتى في قانون 1970 نسينا هذه المسألة لمدة طويلة جدا، الأمر الذي جعل الهياكل الثقافية لا تعطي قيمة للأرشفة والتوثيق، حتى النصوص الدرامية في بعض الأحيان غائبة، في عنابة لا يوجد أرشيف سواء قبل أو بعد الاستعمار إلى غاية 1980، بل أنه لم يكن هناك قبول لفكرة التوثيق والأرشفة.
وذكر شنيقي بأنه اقترح في فترة علولة سنة 1990 بالمجلس الوطني للثقافة، إنشاء مركز للتوثيق اعتمادا على مرسوم 1963 وتم إعادة احياء المقترح في لقاء بعنابة سنة 1993، ليتم تجسيد فكرة المشروع خارج الجزائر في بلد مجاور من قبل مدير مسارح شارك في اللقاء، ولفت إلى أن اقتراحات كثيرة قُدمت دون أن تجسد في وقتها.واعتبر الدكتور أحمد شنيقي كلمة الذاكرة غامضة جدا، استعملت كثيرا في السنوات الأخيرة لأسباب أغلبها سياسية، دون توظيفها في أشياء إيجابية، ضمن سياق وجهود استرجاع الذاكرة. وأضاف بأن استرجاع الأرشيف أمر ليس بالسهل قائلا «الوثائق غير موجودة في الغالب على مستوى المسارح وحتى في المراكز السينماتوغرافية، الصور أخرجت بسبب عدم وجود إدارات قوية بالمسارح، من المفترض إبقاء نسخ على مستوها، أغلب الصور موجودة خارج المسارح حتى النصوص». ويضيف شنيقي « يمكن العثور على الأرشيف ما قبل 1962، أنا استطعت إيجاد وثائق عن المسرح الجزائري في فرنسا من خلال الأبحاث التي أجريتها، بعد الاستقلال لا يوجد أرشيف، هل الأموات يمكنهم جلب الوثائق أقول لا، مثلا تذهب لعائلة بشطارزي ربما ترفض منح بعض الأشياء من ذاكرة الفقيد، القليل من الذين مروا على المسرح من منحوا الوثائق التي كانت بحوزتهم إلى مصالح الأرشيف، وهنا أشير إلى المبادرة التي قام بها أخ المسرحي محمد فراح، شقيقه عبد القادر المقيم في لندن، الذي منح ما بحوزته لأرشيف المسرح الوطني».وذكر شنيقي، بأن أغلب المسرحيين الذين مازالوا على قيد الحياة والمصابين بأمراض لم يتم الحصول على الوثائق التي بحوزتهم، حتى الصور والديكورات والأزياء موجودة خارج المسارح لدى أشخاص، أيضا الحصص الاذاعية المتعلقة بالمسرح غير متوفرة، بسبب اعادة استخدام وتفريغ الأشرطة « كاسات» التي حفظت بها. وأضاف شنيقي، بأنه لاحظ في السنوات الأخيرة وجود إرادة، لكن وجود مركز للأرشيف مرتبط باستصدار نص قانوني، وفي هذه النقطة أكد محمد يحياوي مدير المسرح الوطني، بأنه يجري العمل على صياغة نص قانون يُرسم انشاء متحف المسرح بجميع هياكله، وتسجيل الأغلفة المالية المرتبطة بتهيئته وتسيره في قانون المالية 2026، وقد أشاد شنيقي بالإرادة التي أبدها يحياوي، لإنشاء المتحف أو مركز أرشيف المسرح الوطني. كما لمس إرادة قوية لدى وزراء الثقافة لإنشاء هذا المركز، وطلبهم المساعدة في تجسيد ذلك، بعد تجاوز مرحلة جس النبض.
إصدار مرتقب للدكتورة حسينة بوشيخ
فنــانات برتبـــة مناضـلات.. رائدات من المسرح الجزائــري
سيصدر قبل نهاية هذه السنة، عن دارالنهى للنشر والترجمة والتوزيع بعنابة، كتاب تحت عنوان " فنانات برتبة مناضلات .. رائدات من المسرح الجزائري"، وهو عبارة عن «بيوغرافيا « لعدد من الفنانات الجزائريات الرائدات في فن المسرح والسينما خلال فترة الاحتلال الفرنسي وحتى السنوات الأولى للاستقلال، وذلك بالاعتماد على معلومات وشهادات حية ومقابلات أجرتها الكاتبة على هامش دورات المهرجان الثقافي الوطني للإنتاج المسرحي في ولاية عنابة، ومصادر أخرى، منها المسرح الوطني ومسرح عنابة.
ويبرز الكتاب حسب حسينة بوشيخ، رصد مسيرة الفنانات، دورهن النضالي في المجتمع الجزائري والثورة التحريرية من خلال الفنون وبخاصة المسرح إلى جانب العمل الفدائي، مع إبراز عصاميتهن وقدرتهن على التعلم والتأقلم مع عالم الفن رغم الصعوبات المهنية والمادية والقيود الاجتماعية والدينية التي طبعت تلك الحقبة من منتصف القرن العشرين في الجزائر الخاضعة للاستعمار الفرنسي، على غرار كل من عميدة المسرح الجزائري السيدة كلثوم ( عائشة عجوري) أو فنانة فرقة جبهة التحرير الوطني، المغنية والممثلة وافية بلعربي، أو نورية وفريدة صابونجي، فتيحة بربار، عويشات، فضيلة الدزيرية، فطومة أوصليحة.. وغيرهن من الفنانات اللواتي اكتشفهن في الغالب عميد المسرح الجزائري محي الدين بشطارزي، فكنّ بطلات عروض مسرحية مهمة ساهمت في تطوير المسرح الجزائري وتعبيد الطريق أمام عدة ممثلات مسرحيات بعد الاستقلال.
حيث تحدّت هؤلاء الفنّانات المناضلات، وفقا للكتابة حسينة بوشيخ، واقع مجتمعهن الصّعب بكل العادات والتقاليد التي تكبّله وتجعل من اعتلاء المرأة لخشبة المسرح فيه أمرا صعبا جدا إن لم يكن مستحيلا، فكانت الفنانة «كلثوم» أول امرأة اقتحمت عالم المسرح وأدّت أدوارا نسائيّة متميّزة.
وبعد كلثوم، ظهر جيل من الممثلات اللّواتي عشقن المسرح وكرّسن له حياتهن رغم المنع الأسري والاجتماعي سواء لأسباب دينيّة أو لعوامل ارتبطت بوضعيّة المرأة في بيئتها الاجتماعية، بمنعها من التّعليم والعمل والخروج من المنزل، وذلك منذ منتصف ثلاثينيّات القرن الماضي وحتى بداية الستّينيات، حيث واصل جيل جديد من الفنانات العمل المسرحي مع جيل الرائدات المخضرمات بعد الاستقلال عن الاستعمار الفرنسي.
وتقول بوشيخ « نجد أنّ المكتبة الجزائرية تفتقد لهذا النوع من التّوثيق الذي يضيء على حياتهن ومسيرتهن المهنيّة وما قدّمنه لأجل الخشبة من تضحيّات، سواء في عائلاتهن أو في محيطهن الأسري والاجتماعي والمهني. فقد مارسن أدوارا نضاليّة في المجتمع الجزائري والثورة التّحريرية من خلال المسرح إلى جانب العمل الفدائي، على غرار كل من عميدة المسرح الجزائري السيدة كلثوم (عائشة عجوري) أو فنانة فرقة جبهة التحرير الوطني المغنية والممثلة وافية بلعربي، أو المجاهدات: فريدة صابونجي، نورية، فتيحة بربار، فضيلة الدزيرية، فلّة، إلى جانب فنانات تحدين مجتمعهن لولوج عالم الفن مثل فطومة أوصليحة، جميلة، عويشات.. وغيرهن من الفنانات اللّواتي اكتشفهن في الغالب عميد المسرح الجزائري محي الدين بشطارزي، محمد التوري، مصطفى كاتب، عبد الحليم رايس، مصطفى قصدرلي،...فكنّ بطلات عروض مسرحيّة مهمة، ساهمت في تطوير المسرح الجزائري والسينما وتعبيد الطريق أمام عدة ممثلات مسرحيّات بعد الاستقلال».
كما يعد الكتاب حسب الكاتبة، نتاجا لجهد إعلامي وعلمي من خلال البحث التّاريخي إلى جانب الاستفادة من الشهادات التاريخيّة والتّصريحات الشخصية للفنانات، على مدار ما يقارب العشر سنوات، منذ الطبعة الأولى للمهرجان الثقافي الوطني للإنتاج المسرحي النّسوي التي جرت بمسرح عزالدين مجوبي بعنابة سنة 2012، تحت إشراف الممثلة المسرحية القديرة الراحلة «صونيا « ثم الفنانة « ليندة سلاّم». حيث أثار انتباه الكاتبة المسار الشّاق والمتميّز والغامض والمثير والجميل أيضا، لكثير من فنّانات الرّعيل الأول في المسرح والسينما، وهو غموض لا يتأتّى من بعد الفترة الزمنية التي عاشت فيها أولئك الفنانات عن زمننا فقط ولكنه ينشأ أيضا من قلّة التّوثيق وضعف الاهتمام الإعلامي والأكاديمي بجزء من تاريخ المسرح والسينما في الجزائر، يتعلّق بمسار الفنّانين وعلاقته بتطور الحركة الفنيّة والثقافية في البلاد، التي لا يمكن فصلها عن الحركة السياسية والتحرريّة، قبل الاستقلال عن الاستعمار الفرنسي وبعده.