نشَّطت نواد أدبية الحركة الثقافية في ولايات عبر الوطن وجمعت فئات من أجيال مختلفة، بعد أن ظن المتابع للحدث الأدبي في وقت ما أن الفجوة العمرية فرقتهم، ليتشاركوا مرة أخرى في حب الكلمة والإبداع في جلسات تصنع فكرا، تُقَوِّم لغة، وتعيد للكتاب مكانته الحقيقية وسط المجتمع.
إيناس كبير
استطاعت هذه النوادي لفت الانتباه واستمالة الشباب وإعادتهم إلى حضن الكتب والجلسات الأدبية من خلال أنشطة يشارك فيها، أدباء، شعراء، نُقَّاد، فنانين، ومثقفين.
وقد حضرت النصر عدة مناقشات لـ"منتدى الكتاب" الذي ينشط كل أسبوع بالمكتبة الوطنية للمطالعة العمومية، مصطفى نطور، بقسنطينة، حيث لمسنا اهتماما واسعا من طرف مثقفي المدينة، وشبابها باللقاءات الثقافية، فقد كانوا يحضرون للاستماع إلى المناقشات التي تدور حول كتاب معين و صاحبه، ولقاء كُتابهم المفضلين، وأحيانا للمشاركة بأعمال أدبية في جلسات بيع بالتوقيع والاقتراب من جمهورهم، وخلال جلوسنا في بهو المكتبة بعد الجلسة الأدبية لاحظنا أن النقاش يستمر هناك حول رأي نسي صاحبه طرحه أو فكرة تكونت لديه من فيض أسئلة المناقشة.
الأمر نفسه بالنسبة لمنتدى "أوراق العناب" المتواجد بولاية عنابة، الذي حظيت نشاطاته بتغطية واسعة ولفت نظر مهتمين بالشأن الأدبي من داخل الولاية وخارجها خصوصا وأنه يستغل مواقع التواصل الاجتماعي ليبرز على الساحة الأدبية، فضلا عن استضافته لأدباء شباب ومثقفين من مختلف الولايات يحضرون إلى المدينة للتعريف بأعمالهم، أو لطرح مواضيع تتناول قضايا أدبية وفكرية.
واعتبرت كل من مديرة المكتبة الوطنية للمطالعة العمومية، مصطفى نطور، وافية درواز، ورئيس منتدى أوراق العناب، كريم كعرار، أن النوادي الأدبية أعطت روحا للنشاط الثقافي في الجزائر خصوصا وأنها عادت بنفس جديد مناسب لمختلف الأجيال ويجمع الماضي بالحاضر، والثقافة بالتاريخ والسياحة.
وافية درواز، مديرة المكتبة الوطنية للمطالعة العمومية
"منتدى الكتاب" أخرج نخبا إلى العلن
قالت مديرة المكتبة الوطنية للمطالعة العمومية، وافية درواز، للنصر إن فكرة الملتقيات الأدبية والفنية والفكرية تجسدت منذ افتتاح المكتبات، حيث حولتها إلى متنفس وأعطتها بعدا آخر، تضيف أنهم أرادوا من خلالها الترويج لهذا الكيان الذي يحمل ذاكرة المدن ويعبر عن وجهها الثقافي والعلمي، فضلا عن أنها كنز معرفي لكل الوطن وإشارة لمدى تقدم الدول وتحضرها، لذلك ركزوا على تجهيزها بما يليق بكل المفكرين والمبدعين، ليشعروا بالراحة عند عرض أعمالهم أو الحضور للاستفادة من مختلف المعلومات حتى بالنسبة للأطفال والشباب.
وفي سياق متصل قالت المتحدثة، إن منتدى الكتاب له أوفياء من باحثين، أكاديميين يحضرون بشكل مستمر، وجمهور مثقف يعرف قيمة قراءة الكتب، قادر على تحليل المواضيع، يتعلمون من بعضهم، ويشاركون كل ما من شأنه تطوير الفكر وإشباع الرغبات الفنية والثقافية.
كما كانت هذه اللقاءات بمختلف مسمياتها من "بيت الكلمة" إلى الاتفاق على "منتدى الكتاب"، وفقا لها، بمثابة تقليد يُعرف بأدباء مدينة قسنطينة، ومبدعيها، وفنانيها، وتثمينا لمجهوداتهم الفكرية خصوصا الذين لم يعاصرهم الجيل الجديد فيستحضرونهم من خلال كلماتهم وأراء خلفوها في كتبهم أو باستضافة ذويهم، رابطين الماضي بالحاضر والمستقبل، وهو أمر ترى أنه مهم جدا لأنه يخلد لمن أسسوا لثقافة وفكر الوطن.
تحدثت درواز عن اللقاءات النقدية أيضا وهي قراءات في كتب ومناقشة آراء أصحابها، وقالت إن هذا الفعل يكاد ينعدم بالرغم من أنه أخرج نخبا إلى العلن وأنشأ حركة أدبية يتنافس أصحابها على تقديم كل ما هو مميز وإبداعي مسجلين تواجدهم الثقافي والفني، وصفته بأنه مكسب للمكتبة، قائلة "أنا جد متفائلة لأننا استطعنا جمع كل الأطياف الفكرية والثقافية في لقاء واحد يتبادلون الآراء بمستوى راق جدا يخاطب العقل وينتج معرفة جديدة أساسها تقبل الآخر".
نواة ثقافية تناسب أجيال هذه الألفية
تضيف أن "منتدى الكتاب" احتوى شبابا مبدعا أيضا ووفر فضاء يعرضون فيه كتبهم ويروجون لها، ويشجعهم على الكتابة والابداع سواء كانوا أشخاصا أو منضمين إلى نواد ثقافية، وأفادت أنهم قدموا أكثر من 80 عملا إبداعيا، فكريا، ثقافيا وتاريخيا، وكان ذلك بحضور أصحابها. وتخطى نشاط المنتدى حدود قسنطينة مستضيفا على طاولته أدباء ومؤلفين من ولايات أخرى، وفي هذا الصدد أضافت أن هدف وزارة الثقافة من استحداث هذه الفضاءات الثقافية هو أن تقوم بدورها في إحياء التراث والانفتاح على الثقافات المحلية، والعالمية أيضا ليكون للجزائر مكانة محترمة بين الدول المثقفة. وتتطلع مديرة المكتبة الوطنية للمطالعة العمومية، وافية درواز، إلى ديمومة هذه المنتديات خصوصا وأنها تشكل نواة ثقافية جديدة تناسب أجيال هذه الألفية وترسخ لثقافة حديثة، ترى أنها ستجدد الفكر والإبداع وتكون نقلة نوعية للثقافة الجزائرية.
كريم كعرار رئيس منتدى أوراق العناب
"أوراق العناب" يؤسس لحركة ثقافية نقدية
قال رئيس نادي "أوراق العناب" كريم كعرار، إن النادي انبثق بالأساس من مبادرة شبابية ثقافية أعضاؤه من تخصصات فنية وأدبية مختلفة شعراء، موسيقيين، مسرحيين اجتمعوا لتأسيس حركة ثقافية محلية.
يضيف أن أنشطته تتنوع سواء من خلال الجلسات الشهرية التي تستضيف كتاب ومبدعين شباب من مختلف الولايات، أو من خلال ما يطلقون عليه "الزمن القوي" le temps fort" الذي يأتي مرة كل ثلاثي، وأوضح كعرار أنه هو عبارة عن احتفالية كبرى تجمع كل الفنانين والمثقفين والجمهور المتعطش للثقافة من مختلف ربوع الوطن، وذكر بعض التظاهرات المنظمة في هذا الإطار، مثل معرض الكتاب المحلي "من عنابة إلى سيلا" في الخريف، أيام عنابة للفن التشكيلي والصورة في الشتاء، طواف عنابة الثقافي في الربيع، مهرجان فنون الشاطئ في الصيف. واستقبل النادي على مدار الموسمين السابقين، وفقا للمتحدث، وجوها ثقافية أدبية أمثال الكاتب عبد الرزاق بوكبة، الصحفي والناشط أحميدة العياشي، الباحث عبد السلام فيلالي، الباحث فصيح مقران، الوزيرة السابقة مريم مرداسي، وكذا أسماء شبابية متوجة بجوائز وطنية ودولية أمثال مريم يوسفي، نشوى خوذيري، وعلي هجرسي وغيرهم، يضيف أنهم برمجوا تكريميات وجوه أدبية وثقافية من ولاية عنابة.
وفي هذا الخصوص عقب رئيس النادي أنهم لاحظوا في السنوات الأخيرة إقصاء شباب من الفضاءات الثقافية بسبب احتكار الساحة من قبل فئات معينة، لهذا فإن الهدف من إعادة بعث أنشطة يساعد في اكتشاف مواهب عديدة ومبدعين سواء قراء أو كتابا. أما عن عقد جلسات لمناقشة ونقد روايات لمؤلفين شباب بحضور أساتذة وأدباء قال، إن هذا الاختيار يدفع إلى تأسيس حركة نقدية ثقافية بالموازاة مع مشروع الحركة الفكرية، حيث يضمن احتكاك الأساتذة النقاد مع الشباب.
وأرجع كعرار الاهتمام الملفت بـ"أوراق العناب" إلى جودة نشاطاته التي حولته إلى متنفس لدى رواده والمهتمين بالشأن الأدبي والثقافي، وعلق في هذا الخصوص "أن النادي بصدد التأسيس لحركة ثقافية زاخرة، أبطالها شباب مبدعين من مختلف التصنيفات الفنية". وعن الحديث حول عودة فعلية للمنتديات الأدبية قال رئيس منتدى أوراق العناب، كريم كعرار، إن الأمر منوط بتفعيل أو توطين آليات تمكن هذه الملتقيات من تشكيل وعي فكري، يضيف أن المرجو من أسرة الأدباء التحلي بروح المسؤولية نحو المجتمع فهم درع الأمم ضد الجهل والتعصب.
إ.ك