دخل قرار ترحيل سكان القرية الفلاحية الاشتراكية، حدوش صالح بقالمة مرحلة التنفيذ الفعلي بإجراء القرعة الخاصة بالشقق السكنية الجديدة التي ستنتقل إليها ما لا يقل عن 40 عائلة بالمدينة الجديدة عبد الحميد مهري بمنطقة جبل العنصل و أحياء سكينة أخرى بمدينة وادي الزناتي، ثاني كبرى مدن ولاية قالمة.
و قد جرت القرعة يوم الخميس بدار الشباب بمدينة وادي الزناتي وسط فرحة لا توصف بين السكان الذين ظلوا يعانون داخل منازل مهددة بالانهيار بنيت قبل 40 عاما في إطار مشروع وطني لإعمار المناطق الريفية و تطوير قطاع الزراعة و تحسين معيشة السكان الذين يعملون بواحدة من أجود الأراضي الزراعية المنتجة للقمح بشرق البلاد.
و قد خضعت القرية لخبرات تقنية أثبتت كلها بأنه لا مجال لترميمها و من الضروري ترحيل سكانها إلى شقق جديدة آمنة تحفظ كرامتهم و تنسيهم تلك المعاناة الطويلة بقرية متصدعة يدخلها سكانها حفاة كل شتاء، عندما توحل شوارعها، و تغمرها الفيضانات القادمة من الحقول الزراعية التي تطوقها من كل الجهات.
عند البوابة الشرقية لمدينة وادي الزناتي بنيت قرية فلاحية صغيرة منتصف الثمانينات و تشكل فيها مجتمع زراعي سعيد بمحاذاة الطريق الوطني 20 عصب الحركة الاقتصادية و التجارية بأقصى الشرق الجزائري، و مع تمدد وادي الزناتي و توسعها المدروس و الفوضوي في كل الاتجاهات، صارت القرية الفلاحية، التي يسميها سكانها قرية دادسي، حيا سكنيا من الأحياء القديمة التي تطوق المدينة من كل الجهات.
عندما دخلنا القرية البائسة قبل 9 سنوات، لم نكن نتوقع حينها بأننا سنجد بشرا ينامون بين جدران متصدعة توشك على السقوط، و أسقف مغطاة بالبلاستيك، و مرضى مقعدون داخل غرف بلا نوافذ، و أطفال محاصرون بين أزقة ضيقة غمرتها فيضانات شتاء 2016 و حولتها إلى كتل من الأوحال المنحدرة من الحقول الزراعية المجاورة.
كل مساكن القرية تصدعت وبدأت الأساسات تتحرك و الأعمدة تنحني، تحت تأثير كتل الطين التي تتراكم و تطمر القرية باستمرار، و قال السكان يومها بأنهم تعرضوا لفيضانات جارفة مرات عديدة، و زارتهم سلطات بلدية وادي الزناتي، و مسؤولون من الولاية و وعدوهم ببناء خندق كبير و نظام حماية من الفيضانات حول القرية، لكن الوعد ظل ينتظر التجسيد على ارض الواقع حتى حان موعد الرحيل بلا رجعة.
و قد ظل مطلب الترحيل مطروحا منذ أن ساءت أحوال القرية الفلاحية، لكن أزمة السكن الخانقة التي يعرفها الحوض السكاني الكبير بمنطقة وادي الزناتي، حالت دون تحقيق هذا الحلم، إلى غاية السنوات الأخيرة، عندما استفادت وادي الزناتي من مشروع سكني هام للقضاء على البناءات الهشة بالأحياء العتيقة، و بالقرى الفلاحية التي طوت سنوات النمو و الازدهار، و هي تتجه اليوم نحو الهدم، بعد عمليات الترحيل التي يتوقع أن تشمل المزيد من سكان القرى، التي أتت عليها عوامل الطبيعة و الزمن و حولت الكثير منها إلى أطلال.
فريد.غ
