"لا بيرلا ميغرا"،"كيدز لندن"،"ميلانو"،"ويلي بوي"،"بويز داي"... ليست عبارات أو مصطلحات أجنبية للتعلم، أو أسماء تشاهدها بشوارع ميلانو أو لندن، إنما عبارات باتت تزين واجهات المحلات التجارية بمختلف الشوارع الجزائرية، تستوقف الكثيرين ممن أيقنوا أن عصر الكتابة باللغة الفرنسية قد ولى، لتحل محله عبارات إشهارية و تسميات أكثر حداثة في نظر معتمديها، تعبر بعضها عن حقيقة ما يعرضه المحل للبيع، فيما لا تعدو أن تكون بالنسبة للعديد من المحلات مجرد إشهارا مزيفا لا يسعى لغير الإيقاع بالزبائن.
هكذا بات اليوم المشهد التجاري بالجزائر، فتطور المواد المعتمدة في تزيين المحلات و وضع ديكورات عصرية أكثر أناقة و جاذبية  ، صاحبتها موجة جديدة بتنا نشاهدها اليوم على واجهات المحلات، فالكتابة الإشهارية القديمة التي لطالما ارتبطت بالمستعمر، أين كانت اللغة الفرنسية طاغية في تسمية المحل أو الترويج للسلع المعروضة ، قد تراجعت بشكل ملحوظ، خاصة بالنسبة للمحلات و المراكز التجارية الجديدة.
الإيطالية و الإنجليزية تزيحان الفرنسية و تلغيان العربية
قصدنا بعد المحلات التجارية بمنطقة الرويبة، للوقوف على الظاهرة عن كثب، فوجدنا تسميات و علامات تجارية و آراء مختلفة لأصحابها، فهذا صاحب محل لبيع الحلويات يحمل اسم "لابيرلا ميغرا" باللغة الإيطالية، يقول بأن تكونه في إيطاليا و تخصصه في مجال صناعة الحلويات الإيطالية، دفعه لاختيار هذا الاسم، فيما يقول صاحب محل لبيع المثلجات طبع على واجهته عبارة "غولد ستون"، أنه اختارها تقليدا لسلسة محلات مشهورة في انجلترا، علما بأن الجودة ،حسب قوله، تتقارب ،خاصة و أنه يعتمد في إنتاجه على مواد مستوردة من الدولة الأصلية و يقدم مثلجات بجودة عالية ،حسبه.
إن كانت الحقيقة تطبع على واجهات هذه المحلات، فجولتنا قد كشفت عن الكثير من الزيف و الخيال، حيث يعكس الرواج الكبير لاستعمال   أشهر الماركات العالمية على الواجهات، و خصها لتمييز المحلات، درجة الخداع الذي يمارسه بعض التجار، حسب آراء بعض المواطنين الذين قالوا بأنهم يعتمدونها للإيقاع بالزبائن و إيهامهم أن القطع أصلية، غير أن بعضهم دافع عن نفسه، إذ يقول عصام، صاحب محل لبيع الألبسة النسائية معروف بـ"دولسي غابانا"، أنه لا يخدع الزبائن، و أن التسمية تعبر عن جودة المنتوج لا غير، و هو ما يؤكده للزبونات اللائي يقصدنه ،دون أن يسبب ذلك لهن إزعاجا.
"باطا" و"ديستريش"... في الذاكرة
يقول عمي مسعود، شيخ التقيناه و نحن نحاول البحث عن بقايا الصناعات الجزائرية التي طالما تميزت بجودتها و أسعارها، قال لنا "يا حسرتاه  على الصناعة و التجارة الجزائرية، كيف كانت و كيف أصبحت"، بأسف كبير حدثننا الشيخ عن ذكرياته مع تسميات المحلات قديما، و التي أكد لنا أنها كانت كلها حقيقية، حيث لا يسمع بطباعة لافتة إلا إذا كانت تعبر فعلا عن محتوى المحل، مشيرا في ذلك إلى محلات باطا للأحذية و الألبسة الجلدية، و كذا "ديستريش" في نفس التخصص ،بالإضافة إلى بيع المحافظ.
يقول الشيخ بأنها عبارات يفتقدها الكثير من الجزائريين، و لم يعد لها اليوم وجود ما عدا في ذاكرتنا ، فيما يتأسف لعدم معرفة الجيل الجديدة لحقيقة التجارة و الصناعة الجزائرية التي أعرب عن أمله الكبير في عودتها إلى الطليعة، فيما قال عبد القادر أنه لا يزال يقصد المحلات القديمة التي تحافظ على تسمياتها   باللغة العربية التي يعود بعضها إلى أزيد من 40 سنة، خاصة تلك المتخصصة في بيع الألبسة الرجالية، و يضيف أنه لا يحبذ التسميات و الإشهار باللغة الأجنبية التي جعلتنا نبدو ،حسبه، و كأننا نتجول في بلاد غير بلادنا على حد تعبيره.
الدراما التركية تنعكس على المحلات الجزائرية
و مع العبارات الإيطالية و الإسبانية و الإنجليزية، لا يمكننا إغفال واقع تجذر الثقافة التركية في المجتمع الجزائري في شتى الجوانب، فلم يكف أنها سيطرت على عقول الملايين بالقصص اليومية الخيالية التي تتسابق عليها شاشات التلفزيون، حيث قام بعض التجار باستثمار الوضع لتحصيل أرباح أكبر، ما تعكسه واجهات المحلات التي أطلقت عليها تسميات تركية، ك"البيك" مثلا، "تركيا" باللغة التركية، و غيرها من التسميات التي باتت تروج للثقافة التركية أكثر من منتوجاتها التي تسجل رواجا منقطع النظير ببلادنا.
و يقول صاحب محل "مقهى الباشا"، أنه استغل تعلق الجزائريين بالأتراك لتغيير اسم محله الذي يحاول أن يقدم فيه بعض المنتوجات التركية، أو القهوة على الطريقة التركية و الشيشة، و هو ما أكد أنه أتى ثماره، و رفع من عدد الزبائن على عكس الديكور و التسمية القديمة.
حتى عبارة "مغلق" أو "مفتوح"، نراها قد استبدلت، إذ أضحى وجودها باللغتين العربية و الفرنسية نادرا، و حلت محلها عبارتي "أوبن" و "كلوزد"، لتكتمل عملية التحديث و التغيير التي طالت حتى لغة بعض التجار، حسب ما سجلناه في جولتنا.
و إلى أن تتحرر أفكارنا و نجد ضالتنا في لغتنا الأم، تبقى الحداثة و اللغات الأجنبية الحاكم في تسيير تجارة تحتاج لقوانين ضبط أكثر صرامة.
إيمان زياري

الرجوع إلى الأعلى