من سوق للورد و الزهر إلى البيتزا و الألبسة الصينية
حافظت رحبة الصوف عبر مختلف المراحل على طابعها كسوق محورية في قلب  قسنطينة، رغم ما عرفته من تحولات تعكس التغيرات الاجتماعية لنسيجها، فانتقلت التجارة بهذا الفضاء   من الصوف إلى الخيوط الصناعية والزهر والورد والفواكه الطازجة إلى القطايف  وصولا إلى البيتزا التقليدية والمنتجات الصينية.
ويذكر شيوخ و قدامى سكان قسنطينة، أن المكان كان سوقا للصوف الطبيعي ثم تم تحويل الصوف إلى مخازن شارع رحماني صالح ، المعروف بحي " باردو"، قبل سقوط المدينة في يد الاستعمار الفرنسي. هذا الأخير أدخل على المكان تغييرات عميقة و ذلك  ابتداء من 1855 إلى أن  اتخذ المكان شكله الحالي و تحول إلى سوق شعبية، وسطها محلات للخضر و الفواكه ، ومحيطها تحفه محلات لمختلف الحلويات التقليدية ، من زلابية إلى النوقة والجوزية ، إضافة إلى وجود مقاهي  "الجزوة " التقليدية، حسب الحاج الزواوي، الذي عاش بين أحضان المدينة العتيقة ، ودرس في مدارسها الحرة ثم درّس في مساجدها.
السوق عادت إلى نشاطها و هو بيع الصوف، لكن ذات الخيوط الاصطناعية في بداية السبعينات عندما ظهرت ماكينات النسيج الآلية، فازدهرت لعشرية كاملة، أين تحولت إلى الوجهة رقم واحد في عرض هذا المنتج يأتيها الزبائن  من مختلف بلديات الولاية ، ولكن هذه التجارة ما فتئ أن أفل نجمها بدورها في ظل  تطور المنتجات الصناعية ، لكن مع محافظة محلات وسط السوق المغطى على تجارة الخضر والفواكه، فكان مرادفا لسوق العصر.
في منتصف الثمانينيات اتخذت رحبة الصوف شكلها الحالي ، في بيع البيتزا  المطهوة  في الأفران التقليدية التي تقع في الأزقة المتصلة بها، بالإضافة إلى ذلك يعد المكان سوقا مسائية لخبز " الشريك " الذي يرتبط بقهوة العصر لدى القسنطينيين و تسويق بعض المنتجات الفلاحية الموسمية ، على غرار "القناوية" و الورد و الزهر للتقطير  و كذا التوت والتين وهي محاصيل يجلبها التجار من البساتين المحيطة بالمدينة، على غرار حامة بوزيان و الغراب والمنيا ، ويقصدونها باعتبار المكان سوقا لبواكر خيرات الحقول و البساتين.
الدكتور حسين طاوطاو، مدير ملحقة المعهد الوطني في بحوث عصور ما قبل التاريخ ، الانسان القديم والتاريخ بعين مليلة ، و الذي يعد مرجعا في تاريخ قسنطينة القديمة، زودنا بصورة عن المسجد الكبير لرحبة الصوف، تعود إلى فترة ما قبل الاحتلال الفرنسي الذي أدخل ،كما أكد، تغييرات جذرية على المكان ، فاتخذ شكله الحالي.
 حسين طاوطاو شرح بأن ما يميز ذلك المسجد  منارته التي تعد الأطول في المدينة، مذكرا بأن  خمسة مساجد كبيرة كانت توجد آنذاك بالمدينة و تقام فيها الصلوات الجامعة و الجمعة ، و بقية دور العبادة هي زوايا ومصلّيات ، ومدارس تحفيظ القرآن ، منها مسجد سوق الغزل و آخر كان يوجد مكان مقر البلدية الحالي ، المسجد الكبير بطريق الجديدة ، ومسجد رحبة الصوف الذي أزالته فرنسا و شيّدت على عقاره المستشفى المدني الذي تم افتتاحه سنة  1855، و أشار إلى أن المصادر المتوفرة  لا تذكر تفاصيل و مواصفات مسجد رحبة الصوف.
و في مخطوط للعالم المؤرخ صاحب كتاب "قسنطينة أم الحواضر في الماضي والحاضر" محمد المهدي بن شغيب، قال بأن جامع رحبة الصوف أسسه رجب باي  و يدعى  أيضا "رجم " و قد تولى حكم قسنطينة من عام 1077 إلى 1084 هجري الموافق ل1666 – 1673 ميلادي ، و موقعه كان شرق رحبة الصوف.
وفي أيام الاحتلال الأولى حولته السلطات الفرنسية إلى مستشفى ، ثم منح إلى الراهبات المسيحيات ، وكان المسلمون يطالبون برده إليهم. وفي أعقاب الحرب العالمية الثانية تم تحويله إلى مدرسة ابتدائية، و تم تحويل المبنى حاليا إلى متوسطة  تقع يمين مدخل سيدي الجليس ، انطلاقا من رحبة الصوف وتحمل اسم متوسطة محمد الزاهي.                                    
 ص.رضوان

الرجوع إلى الأعلى