فضاء يعلّم الصغار البرمجة والاختراع ويصنع رواد المستقبل

تدعّمت ورشات قصر الثقافة مالك حداد بقسنطينة، بفضاء تكنولوجي لتعليم البرمجة وتجسيد مشاريع ابتكارية، سُمي «نادي الهندسة والتكنولوجيا والابتكار للشباب»، يستقطب فئتي الأطفال والشباب لتنمية الفكر الابتكاري و المقاولاتي لديهم، من خلال برنامج تكويني مدروس مقسم بين ورشات للتكنولوجيا وأخرى للمقاولاتية، تنمي فكر الطفل وتغذي ذكاءه، فضلا عن تلقينه طرق عرض مبتكره و تسويقه وفق أساليب إقناع مدروسة، تساعده مستقبلا في ولوج ميدان ريادة الأعمال.

روبورتاج أسماء بوقرن

تُدّرس في نادي الهندسة والتكنولوجيا والابتكار، المخصص بنسبة كبيرة للأطفال الذين بين عمر 07 و 16 سنة، مقاييس في مختلف مجالات التكنولوجيات الحديثة، وهي الربوتيك والذكاء الاصطناعي، وعلوم الحاسوب، وبرمجة تطبيقات الهاتف، ولغة برمجة بايثون والتصميم والطباعة ثلاثية الأبعاد، وهي مجالات تكمل بعضها البعض وتوفر مناخا ابتكاريا للمنخرطين فيها، وتحولهم حسب مسؤول النادي عبد الغاني بوناح، من مستهلكين للتكنولوجيا إلى منتجين لها، إذ تطور تفكيرهم و تعزز روح المبادرة لديهم لتقديم حلول وابتكارات مفيدة، حيث يبدأ التلقين من تعلم كيفية تركيب سيارة كهربائية بسيطة إلى برمجتها لتصبح سيارة ذكية، كما يتعلم الصغار كذلك أساسيات تصميم البنايات الذكية، ليكتسبوا خلفيات متعددة، خصوصا وأن النادي يوفر كل الوسائل والتجهيزات الخاصة بتجسيد أي فكرة مبتكرة، إلى جانب الوسائل الضرورية لتصوير المشروع بعد إتمامه وعرضه أمام الجمهور.
ورشات للتكنولوجيا وأخرى للمقاولاتية
يخصص النادي ورشات للتكنولوجيا، تقدم حصصا حول البرمجة وأخرى مخصصة للروبوتيك والطباعة ثلاثية الأبعاد ولغة البرمجة بايثون، فضلا عن برمجة تطبيقات الهاتف والإعلام الآلي، و ورشة لتعليم الخوارزميات وحل المكعب السحري، وهو مجال مهم جدا حسب بوناح، لأنه يسمح بتنمية الحساب الذهني و حل المشكلات، كما تتاح أمام الصغار ورشات أخرى للمقاولاتية تغرس الفكر المقاولاتي في الأذهان وتشرح أصوله، ويضم النادي كذلك ورشة حول التعرف على كيفية تحديد فكرة مشروع؟، وكيفية تصمم نموذج الأعمال؟، وكيفية إنشاء مؤسسات ثقافية واقتصادية، ناهيك عن تخصيص ورشة للتصميم الإبداعي، وتلقين آليات إعداد الملف الخاص بأجهزة الدعم وتمويل المؤسسات، والحصول على براءة اختراع والملكية الفكرية.  
وحسب رئيس النادي والمدرب في المقاولاتية والمؤسسات الناشئة المختص في الإعلام الآلي، عبد الغاني بوناح، فإن التسجيلات على مستوى النادي لا تزال مستمرة، وهي فرصة للأطفال الذين لم يتمكنوا من الالتحاق بالفرعين المتواجدين على مستوى حي سيدي مبروك والمدينة الجديدة علي منجلي، للاستفادة من التكوين الشامل وخاصة من الجانب التطبيقي، الذي يمكن الطفل من تجسيد اختراعه، كاشفا أن عدد المنخرطين حاليا بلغ 50 تلميذا، قطعوا أشواطا مهمة في التكوين وبلغوا مرحلة تصميم برامج الألعاب وتعلم تقنيات تصوير المبتكر، وهذا من أبرز أهداف تأسيس النادي العلمي، الذي يرمي أيضا لضمان قاعدة تكوينية للأطفال لتعزيز رصيدهم العلمي، وتعلم كيفية توليد الأفكار وطرق توظيف التكنولوجيا، لكون الشهادة الجامعية لم تعد في نظره، كافية وحدها لفرض الكفاءة في ميدان الشغل، وإنما يجب تدعيمها بمهارات إضافية لمسايرة ركب  التكنولوجيا.  
تعلّم مهارات المستقبل تمهيدا لولوج عالم الشغل
ويسعى مسؤول النادي لبلوغ هدف آخر تم تسطيره كما قال، على خلفية نتائج دراسات عالمية، كشفت بأن 65 بالمائة من التلاميذ الحاليين، سيوظفون مستقبلا في  مهن لا نعرفها الآن و ستنتجها تطورات التكنولوجيا و احتياجات البشر في مراحل قادمة، في الوقت الذي ستختفي مهن أخرى، كمهنة السائق التي قد تزول بعد تعميم استخدام السيارة ذاتية القيادة، ولذلك فمن الضروري جدا مسايرة التطور التكنولوجي في الطورين المتوسط والثانوي، لتلبية احتياجات سوق الشغل مستقبلا.      
و لا يتوقف تعليم الطفل في النادي كما أضاف، على بلوغ مرحلة الابتكار وإنما يتجاوز ذلك إلى ريادة الأعمال، وذلك بتكوينه جيدا في مجال عرض أفكاره ومبتكراته وآليات دراسة السوق والمشروع وكيفية تسطير الفوائد التكنولوجية للمشروع، ناهيك عن تعليمه تقنيات عرض الاختراعات التي يقدمها، بواسطة جهاز العرض في قاعة خاصة بالعروض بحضور أولياء وأساتذة وزملاء، حيث يقوم الطفل بعرض مبتكره بمفرده، ثم تجرى لاحقا مسابقة بين الأطفال لاختيار الفائزين، موضحا بأن النادي يوفر مراجع للأطفال خلال مدة التكوين، منها دليل لابتكار سيارة ذكية.
وأشار رئيس النادي، في حديث للنصر، إلى أن تعليم مهارات المستقبل ضرورة لتمهيد الطريق نحو عالم الشغل، عبر اكتساب مهارات تقنية ومهارات الإبداع والتواصل،وبخاصة تعلم كيفية عرض المشروع وتقنيات تصويره، لأن المستقبل المهني يعتمد على ما يعرف بالهوية البصرية ومدى نجاعة تقنيات عرض الفكرة وإيصالها للجمهور المستهدف وتسويقها، باعتماد أساليب إقناع مدروسة.
مسابقة لأحسن برنامج آلي للعبة
يعتمد التكوين في النادي حسب بوناح، على تنظيم مسابقات دورية كشكل من أشكال التحفيز والتشجيع على الابداع، حيث يجري التحضير حاليا لمسابقة ستقام نهاية الشهر الجاري حول البرمجة تتعلق بأحسن فكرة برنامج لعبة أو برنامج قصة تفاعلية، مع احترام جملة من الشروط عند تصميم برنامج اللعبة، تتمثل في البيئة التي تبدو من خلال المحتوى و مراعاة البعد الأخلاقي والمجتمعي والثقافي، مردفا بأن للنادي هدفا تربويا كذلك، فهو كونه لا يقتصر على تعليم التقنيات الآلية فحسب، وإنما يركز أيضا على تهذيب السلوك وأخلاقيات ومهارات التواصل الاجتماعي، مع التشجيع على العمل الجماعي، لخلق بيئة مساعدة على الابتكار، مشيرا إلى أن ناديه يسمح بانضمام طلبة جامعيين وأولياء.
لعبة الدودة والمتاهة من مبتكرات الناشئة
وقد نجح أطفال كما أخبرنا، في ترجمة المعارف المكتسبة في مبتكرات وبرامج آلية، منهم طفلة طورت برنامج للعبة الدودة الشهيرة، وفق الشروط التي سطرها الأستاذ المكون، و استطاعت التقيد بأربع شخصيات رئيسية هي شخصية الدودة والشيء الذي ستأكله فضلا عن الشخصية التي تعلن الفوز، والشخصية التي تعلن الفشل، ومن شروط اللعبة عدم لمس الجدران و التهام التفاحة ليزيد وزن الدودة.
 وصممت التلميذة مجسما رقميا لأفعى تتحرك داخل لعبة المتاهة، كما نجح التلميذ رستم صاحب 8 سنوات في وضع برنامج لعبة أخرى، وقال بوناح، بأن تأطير المنخرطين يتم حضوريا أو عبر الفضاء الافتراضي، من خلال صفحة النادي على فيسبوك، عبر فيديوهات مباشرة ينشطها الأستاذ المكون لاستدراك الحصص المقدمة في الورشات الميدانية وتمكين الطفل من تذكر المعارف وترسيخها مع توظيفها بسهولة لإنجاح مبتكره،  ناهيك عن اعتماد اللغة الإنجليزية في التكوين لتمكين  المنخرطين من استخدامها والتدرب على مفرداتها.

 وأضاف رئيس النادي، بأن تعلم البرمجة ضرورة لا غنى عنها في هذا العصر، لأن مهاراتها تلعب دورا حيويا في فهم واستخدام التكنولوجيا بفعالية، خاصة بالنسبة لأطفالنا  كما تعد قاعدة أساسية لهم حيث تمكنهم من فهم العالم الرقمي وتمهد الطريق أمامهم لممارسة الوظائف المستقبلية  التي تعتمد على الرقمنة.
حصص تعليمية عن بعد
و يعد التعليم عن بعد كما قال، من الاستراتيجيات المعتمدة، حيث تقدم عبر صفحة النادي على فيسبوك «yeti club”، دورات تعليمية حول كيفية استخدام الأردوينو، الذي هو عبارة عن منصة برمجية ومعدات إلكترونية مفتوحة المصدر، تُستخدم لإنشاء وبرمجة أجهزة إلكترونية قابلة للتخصيص، يُمكن استخدامها لتطوير مشاريع متنوعة مثل الروبوتات، وأجهزة الاستشعار، وأنظمة التحكم في المنزل الذكي، والأعمال الفنية التفاعلية، وذلك لتطبيقها في مشاريع المبتكرين، إلى جانب ذلك تشمل الدورات تلقين لغات البرمجة المستخدمة في تطوير تطبيقات الويب والذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي، كلغة «java” متعددة المنصات، التي تعمل على معظم الأنظمة، وتستخدم في تطوير تطبيقات الأندرويد وتطبيقات الشركات، كما تتيح إدارة الذاكرة والأمان بشكل جيد.
ودعا المتحدث في الختام، إلى ضرورة تعليم أبنائنا الروبوتيك والذكاء الاصطناعي للاستعداد للمستقبل كي يكون لديهم المزيد من الفهم حول كيفية عمل التكنولوجيا التي يعتمدون عليها يوميا، مما يساعدهم على اتخاذ قرارات مستنيرة وتفهم التأثيرات المحتملة للتكنولوجيا على المجتمع والبيئة، وتساعدهم في الحصول على فرص العمل في مجالات متعددة مثل تطوير البرمجيات والهندسة والبحث والتطوير.

الرجوع إلى الأعلى