انضبــــاط و احترافيــــة و تكويـــن متميز لإطــــارات الأمـــن الوطنــــي
تُعدّ مدرسة الشرطة "عمار جفال" بحي سيدي مبروك بمدينة قسنطينة، من أبرز المدارس المتخصصة في تكوين عناصر الأمن الوطني من مختلف الرتب، و قد تخرجت منها على مرّ السنوات الثماني عشرة الماضية، العديد من الدفعات التي تعمل اليوم في الميدان عبر كامل التراب الوطني، فيما تشهد الكلية تطورا كبيرا على جميع الأصعدة و باتت تنتهج طرقا متطورة في التكوين و التدريب، تتميز بصرامة و انضباط كبيرين، بهدف تخريج إطارات شرطة محترفين و جاهزين للقيام بمهامهم على أكمل وجه.

روبورتاج: عبد الرزاق.م

تقع مدرسة الشرطة عمار جفال بحي سيدي مبروك السفلي على مقربة من شارع الرائد بن بعطوش و شارعي اسماعيل عضوي و بيوض محمد، و تتوسط مجموعة من المؤسسات التربوية، على مساحة إجمالية تقدر بـ 2.80 هكتار، و قد أنشئت نظرا للاحتياجات المتزايدة للدولة في مجال الحفاظ على الأمن و النظام العام، بقرار من المدير العام للأمن الوطني الأسبق بتاريخ 14 أكتوبر 1997، فيما دُشنت رسميا بتاريخ 22 جويلية 1998، لتتكفل بالتكوين الأساسي و المستمر و المتخصص لأعوان الشرطة، كما يمكنها تكوين الرتباء بمختلف الرتب العاملة بسلك الأمن الوطني.
تدريب على الفنون القتالية و تكوين في الإعلام الآلي و القانون
زرنا المدرسة في إطار يوم مفتوح أجري قبل أيام حول التكوين في صفوف الأمن الوطني بمدارس الشرطة، من تنظيم مصالح أمن ولاية قسنطينة، و على مدار عدة ساعات طفنا رفقة إطارات الشرطة العاملين على مستوى المدرسة بمختلف أقسامها، و حضرنا مجموعة من الحصص التكوينية و كذا التدريبات التي يخضع لها الطلبة خلال يوم كامل داخل المدرسة، و كلها برامج مضبوطة من قبل المديرية العامة للأمن الوطني، كما شاهدنا النظام المتبع سواء خلال الدراسة أو التدريب، أو حتى خارج الأوقات الرسمية، أين يخضع الأفراد المتربصون إلى صرامة و انضباط قد لا يختلف كثيرا عما هو متبع في الثكنات العسكرية.
بمجرد وصولنا إلى المدرسة حوالي الساعة الثامنة صباحا، وجدنا ساحتها الصغيرة قد غطاها اللون الأزرق، فجميع من يرتدي البدلة الرسمية للشرطة كان متواجدا بالمكان من طلبة و إطارات بمختلف رتبهم، فلا يمكن أن يبدأ يوم جديد دون رفع الألوان الوطنية و الاستماع إلى النشيد الوطني، حسب ما أكده مرافقونا.. بعد الانتهاء من هذا النشاط الذي يتكرر يوميا في نفس الزمان و المكان، غادر الجميع نحو مواقعهم، الإطارات نحو أماكن عملهم، و الطلبة في صفوف مُتراصّة باتجاه صفوفهم الدراسية أو التدريبية.
بدأنا جولتنا من حصة الرياضة البدنية و الدفاع الذاتي، و هي حصة يشرف عليها أساتذة مؤهلون لديهم خبرة تدريبية طويلة، كما يخضعون لرسكلة دورية، و حسب ما اطلعنا عليه فإن هذا الصف الذي يمتد على ساعة و نصف من الزمن، إجباري و يومي على عكس معظم المواد الأخرى، و يتم المزج خلاله بين الرفع من القدرات البدنية و تحسين درجة التحمل لدى الطلبة، و بين تعلم الفنون القتالية المختلفة و التي تستخدم في الدفاع عن النفس و توقيف المشتبه فيهم أو المجرمين، و خلال هذه الحصة يستفيد الطلبة من دروس تطبيقية في عدة رياضات قتالية مثل "الجيدو" و "الكاراتي".
و حتى يكون ضباط المستقبل مُلمّين بعالم التكنولوجيا و على دراية بكل ما يحدث من تطورات في العالم، فهم يخضعون لتكوين مثالي في الإعلام الآلي، حيث يتم تعليمهم مختلف البرامج الأساسية، و الهدف من ذلك تمكينهم من أساليب محاربة الجريمة المعلوماتية، و قد حضرنا جانبا من حصة للإعلام الآلي، حيث تشرف عليها أستاذة متخصصة، و يتم التحول مباشرة من الدرس النظري إلى التطبيق على جهاز الكمبيوتر، ليقوم كل طالب بإجراء التطبيق المطلوب منه على جهازه.
الإلمام بالقوانين أمر أساسي لدى الشرطي، لذلك يتم دراسة القانون بحذافيره، و هو ما شاهدناه في حصة القانون الجنائي، حيث أن المادة تُعدّ ضرورية لصقل معلومات و معارف المتربصين، الذين سيكونون ضباطا قضائيين في المستقبل و سيحملون صفة الضبطية القضائية، و لذلك هم مجبرون على معرفة القوانين الجنائية العامة و الخاصة و كيفية التطبيق على أرض الواقع، حيث أن التكوين يكون حتى من خلال إجراء تمثيليات لجرائم مفترضة، حتى يتم الوصول بالطالب إلى مستوى قريب من الواقع.

الشرطة الجوارية للتقرب من المواطن و دقة الرمي أساسية
و من أجل تكفل أمثل بانشغالات المواطنين، يخضع الطلبة لتكوين في مادة الشرطة الجوارية، من قبل أستاذ متمرس في هذا المجال، و يكون التكوين معمقا في الجانبين الميداني و النفسي، حيث حضرنا جانبا من درس كان يتلقاه الطلبة، و ركز فيه الأستاذ على شعار "المواطن هو الأساس و الشرطة ما هي إلا أداة"، و قد أكد الأستاذ في حديثه للنصر، أن هذا التكوين جد أساسي، بالنظر إلى الاحتكاك المباشر و اليومي للشرطي بالمواطنين الذين تختلف فئاتهم و عقلياتهم و طرقهم في التعبير، مما يتطلب وعيا كاملا لدى الشرطي، و قدرة على معالجة كامل أنواع الموقف.
من بين الأمور الضرورية التي لا يمكن الاستغناء عنها في التكوين، هي التحكم التام في استعمال السلاح الناري بمختلف أنواعه، و لذلك تحتوي المدرسة على قاعة للرمي، حيث شاهدنا الطالبات و هن يخضعن لحصة رمي بالذخيرة الحية، هذه الحصة التي تتخللها بعض الخطورة لا يمكن إجراؤها دون توفّر سيارة إسعاف و طاقم طبي جاهز للتدخل في حالة حدوث أي طارئ، حيث أن القاعة المخصصة للرمي و حسب ما تم توضيحه لنا، مجهزة بكامل التقنيات لضمان الأمن و السلامة، و يتم فيها الرمي عن طريق المسدسات الصغيرة أو الأسلحة القبضية، حسب ما أكده الأستاذ المشرف على المادة.
باقي أنواع الأسلحة، كالرشاش و البندقية، يتم التدرب عليها في حقل يقع في مكان مخصص لذلك، بالنظر لقوتها الكبيرة، و بحكم معرفة جميع الطالبات لتقنيات استخدام السلاح، التي تعلّمناها في مراحل سابقة، فإن التدرب يكون حول دقة التصويب نحو أجسام افتراضية مرسومة على الورق تبعد حوالي 10 أمتار عن مكان الوقوف، و يتم الرمي على جولتين، بإطلاق 5 رصاصات في الأولى كمرحلة تجريبية، أما المرحلة الثانية فهي تقييمية و يتم منها تنقيط الطالبات، كل حسب دقة التصويب.
برنامج التكوين الموسع يضم العديد من المواد الأخرى، في الأمن العمومي و الشرطة القضائية و المواد القانونية و شرطة الحدود و الإدارة العامة و الكثير من المواد التكميلية، فيما تخضع للتقسيم بناء على درجة أهميتها، حيث أن لكل مادة حجم ساعي مختلف، فالأمن العمومي مثلا يحظى بأكثر من 28 بالمائة من الحجم الساعي، كما تأخذ الرياضة البدنية و الدفاع الذاتي أكثر من 16 بالمائة و نفس الأمر بالنسبة للأسلحة و الرماية.
7832 كتابا بثلاث لغات لإثراء ثقافة شرطة المستقبل

ما يلاحظ أن الانضباط و النظام المحكم عاملان أساسيان داخل المدرسة، و هو ما يظهر جليا على الطلبة و الطالبات، حتى في أدق التفاصيل في اللباس و الهندام و طريقة المشي، و حتى في طريقة وضع القبعة على الطاولة أثناء الدراسة، فقبل موعد تناول وجبة الغذاء المحدد عند منتصف النهار تماما، يتجمع الجميع في ساحة العلم، و يتوجهون في خط مستقيم واحد إلى قاعة الإطعام، أما المراقد فتخضع لنظام دقيق أيضا، حيث أن جميع الأضواء تطفأ عند العاشرة مساء، كما تمنع أدوات الطبخ و التلفاز منعا باتا.
و حتى يكون الضباط على درجة عالية من الثقافة و الوعي، تضع المدرسة تحت تصرفهم مكتبة كبيرة و متنوعة، تضم 7832 كتابا باللغة العربية و 1483 باللغة الفرنسية و حوالي 100 كتاب بالانجليزية، إضافة إلى مكتبة افتراضية ترتبط مباشرة بشبكة المديرية العامة للأمن الوطني، مما يوفر مجالا واسعا للاختيار، من خلال إمكانية القراءة حول الآداب و الفنون و علم الاجتماع و علم النفس و الدين و التكنولوجيا و غيرها.
و للطلبة إمكانية الترفيه عن النفس في أوقات الفراغ، من خلال توفّر ناد يحتوي على ألعاب كالبليردو، كما يمكنهم اقتناء القهوة أو الشاي و العصائر و المشروبات المختلفة، أو أشياء أخرى ضرورية كمواد النظافة و التجميل في حالة الحاجة إليها، و من أجل السهر على صحة الطلبة، تتوفر المدرسة على عيادة تعمل على مدار 24 ساعة، فيها طبيب عام و شبه طبي، لإسعاف أي طالب يعاني من المرض و تقديم العلاج اللازم، فيما يتم نقله إلى المستشفى عبر سيارة إسعاف خاصة بالمدرسة، إذا اقتضى الأمر.
و حاليا يتم تكوين دفعتين من الملازمين الأوائل للشرطة، حيث أن الدفعة الأولى في نهاية التكوين ضمن مرحلة التحضير للتخرج، أما الثانية في البداية، حيث توجد في مرحلة التكوين التطبيقي الأول خارج المدرسة، و تضم كل دفعة 250 طالبا، فالدفعة التي تستعد للتخرج هم من أعوان و مفتشي الشرطة الذين نالوا شهادة الليسانس أثناء عملهم، ما يمنحهم الحق في الخضوع إلى هذا التربص الذي يمتد على 24 شهرا من أجل التخرج برتبة ملازمين أوائل، و يكون التكوين على أربعة مراحل بالتناوب، المرحلة الأولى نظرية و الثانية تطبيقية و المرحلة الثالثة نظرية ثم الفترة الأخيرة تطبيقية، و تتراوح أعمار الطلبة بين 27 و 40 سنة، أما تخصصاتهم التعليمية فهي في القانون و الاقتصاد و علم النفس و الاجتماع و في الإعلام و الاتصال أيضا. و قد حضرنا جزء من تحضيرات التخرج بالنسبة لدفعة الملازمين الأوائل و عددهم 250 طالبا، حيث تستمر التحضيرات لأربعة أسابيع كاملة قبل حفل التخرج، و يشرف عليها قائد التأطير و التدريب على مستوى المدرسة، حيث يتدرب الطلبة على العروض المختلفة التي يتم تقديمها خلال حفل التخرج الذي يستمر لعدة دقائق، غير أنه يتطلب أياما طويلة من التحضير، حيث أن الخطأ فيه غير مقبول و يتطلب تركيزا و انضباطا كبيرين. 

ع.م

الرجوع إلى الأعلى