الهاجس الهوياتي يضع الترجمة بين جمالية النص ورسالة الأداء الركحي
شكلت مسألة توطين المصطلح الأجنبي أو الترجمة للمسرح العربي، تباينا في الآراء بين المتدخلين في الملتقى حول الترجمة و المسرح و الهوية، لأن هذه الأخيرة التي غالبا ما تحمل خصوصيات تتنوع لدى المجتمعات العربية، خاصة و أن المسرح موجه لجمهور متلقي يختلف من منطقة لأخرى، له ثقافات متنوعة ومتعددة، قد نجدها حتى في البلد الواحد، لهذا يجب الحرص، إما على توطين المصطلح الأجنبي، أو اختيار المفردات المناسبة أثناء عملية الترجمة، لتفادي نشر شعور الاغتراب عند المتلقي.
بن ودان خيرة
ناقش مؤخرا أساتذة و باحثون من الجزائر و من بعض الدول العربية خلال الملتقى الدولي حول الترجمة و المسرح والهوية و الذي احتضنه كراسك وهران، مسألة توحيد المصطلحات المترجمة لصالح النصوص المسرحية بين جميع الدول العربية، و تناولوا قضية تأثير توطين المصطلح الأجنبي على النص المسرحي والأداء الركحي، بالنظر للسياقات المجتمعية المتنوعة و الثقافات، و كذا قدرات المتلقي العربي لتقبل هذا التوطين  و مدى التعامل مع المصطلح المترجم.
و حاول الجميع خلال النقاش، المرافعة لكل الأفكار التي من شأنها الحفاظ على البعد الهوياتي نصا و فوق الركح، لأن المسرح موجه للجمهور العريض، و أجمع المتدخلون على أن الحديث عن لغة المسرح لا يقتصر على اللغة المنطوقة التي هي جزء فقط، و لكن أيضا على الإضاءة و الديكور و السينوغرافيا و المؤثرات الصوتية والملابس، و كل ما يوجد فوق الركح. كما أوضح أحد المتدخلين، أنه منذ حوالي نصف قرن و العرب يدعون لضرورة توحيد المصطلح في جميع المجالات، و ليس فقط في المسرح، لكن تم إنشاء مجمعات لغوية في بعض الدول، و لم تصل إلى غاية اليوم لتحقي

* الدكتور هيثم الناهي المدير العام للمنظمة العربية للترجمة
المسرح ليس أدوارا فوق الخشبة فقط بل لغة مشاعر
قال الدكتور هيثم الناهي، المدير العام للمنظمة العربية للترجمة ببيروت، أن الوطن العربي هو متلقي للكثير من الأمور التي تأخر فيها في كل المجالات التي ينتجها الآخر، و بالنسبة للمصطلح المسرحي يجب أن يتم تفسيره و العودة لزمان و مكان ظهوره، و ما شابه من ظروف حينها، حتى يمكن البحث له عن مصطلح يترجم المشاعر و الأفكار و الانتماء و الربط وغيرها، وليس فقط خشبة يقف عليها بعض الأفراد يؤدون حركات معينة.
عند الحديث عن المسرح لا نقتصر فقط على الممثلين  الذين يؤدون أدوارا فوق الركح، بل نتحدث عن مشاعر وكل ممثل يؤدي دوره في خضمها، حتى تصل رسالته للمتلقي، كما أكد الدكتور الناهي،  مبرزا أنه من أجل الإلمام بكل هذه الجوانب أثناء كتابة السيناريو، يتطلب الأمر العمل على اللغة .
و من هنا دعا المتحدث إلى ضرورة تطوير اللغة العربية وجعلها مواكبة للتحولات الحاصلة في العالم، لكن، وفق الدكتور هيثم، فإن الخلل يوجد في الحكومات العربية التي لا تدعم الثقافة و الفن و المسرح، وهي مجالات شهدت عبر العصور أن أصحابها لا يتوفرون على المال الكافي لتطويرها و ترقيتها، بل هم دائما في رحلات بحث عن من يدعم نشر أفكارهم و إنجازاتهم.

* الدكتور رمضان العوري أستاذ بجامعة باجة في تونس
الهاجس الهوياتي يبرز بشدة في الترجمة للمسرح
أما الدكتور رمضان العوري من جامعة باجة بتونس، فأكد أنه يجب التعمق في دراسة المصطلح قبل ترجمته، إذ تكمن فيه  سياقات حضارية وعقائدية و ثقافية، وعليه يجب التعمق في دراسة المصطلح قبل ترجمته، حتى لا يتفق الأكاديميون على مصطلح يستهجنه المتلقي و يرفضه، وعليه يجب أن تكون عملية الترجمة دقيقة و تراعي هذا الجانب، أما المدافعين عن توطين المفردات و المصطلحات الأجنبية، فيبررون ذلك بتعود المتلقي عليها في أصلها، مما يضمن سهولة استيعابها من كثرة تداولها.
و في المسرح هناك أمور تتعلق بالمصطلح من جانب الكتابة الدرامية للنص وجانب الكتابة الركحية وهذا ما يسمى باللغة المسرحية، و مما يقف عنده النقاد هو المصطلحات الدخيلة التي أصبحت أساسية في اللغة المسرحية، مثل «أكسيسوار»، «سينوغرافيا»، «ديكور» وغيرها»، وهذه ألفاظ يمكن إيجاد معانيها في اللغة العربية وخلق منها مصطلح يحقق إجماع المسرحيين العرب، بهذا تنتعش لغتنا وتواصل الحياة وتواكب التحولات والمستجدات.
وهذا ،حسب الدكتور العوري،  لن يؤثر على المسرح ، بل يسمح بوجود إمكانية الوصف الدقيق للعرض، و انتقد محدثنا من يقولون أن اللغة العربية بها قصور، معتبرا أن استعمال اللغة عن خطأ هو الذي يحدث فيها القصور، لأن العربية لغة غنية بالبدائل اللغوية، لكن ما لم يتم التعمق فيه من طرف الدارسين العرب عند الترجمة، هو الهاجس الإيديولوجي والهوياتي للفظ الأصلي.

* مراد سنوسي مدير المسرح الجهوي بوهران
لن يتطور المسرح دون علم و لغته قد تكون غير منطوقة
أكد مراد سنوسي، مدير المسرح الجهوي عبد القادر علولة، أن مشكل ترجمة المصطلحات لا يطرح بالنسبة له، فهو يكتب النصوص المسرحية باللغة العامية، التي هي بدورها تخضع لقواعد و يجب العمل عليها، حتى يتم فهمها عبر كل التراب الجزائري، مضيفا أن هذه اللغة العامية الجزائرية هي في حد ذاتها قريبة جدا من اللغة العربية الفصحى، لكن مع مرور الوقت تتسرب إليها مفردات أجنبية جديدة، يتم تداولها وبالتالي يكون العمل الترجمي أساسيا لدعم اللغة بمصطلحات جديدة أو أقلمة تلك المفردة مع ما هو متداول، لأن اللغة التي توصل الأفكار للمتلقي بسهولة هي اللغة الأم ، مع إضفاء عليها بعض الجماليات المصطلحية وجعلها مواكبة لتغيرات حتى تؤدي المقصود.
كل هذا، حسب السيد مراد سنوسي، لا يأتي تلقائيا،  بل يجب على الكاتب أن يبذل جهدا معبرا عن قناعته، بأن المسرح لن يتطور دون علم و معرفة، و ذكر المتحدث مثالا عن تعامله مع نص «ماليفو» الذي نقل بعض محتواه من الفرنسية إلى اللغة العامية الجزائرية مباشرة، وكذلك الأمر بالنسبة لرواية ياسمينة خضرة «الإعتداء» التي تم استخراج منها محتوى سيناريو مسرحية «الصدمة»، مشيرا إلى أنه أثناء الترجمة كان ينتقي الكلمات بعناية، حتى يكون لها وقع أقوى على المتلقي، لأن الكتابة تكون وفق الجمهور المقصود بها، مشيرا في هذا السياق أنه بالنسبة للمسرح، فإن لغته ليست فقط المنطوقة، بل هي الإضاءة و السينوغرافيا والملابس والحركات وغيرها، ففي بعض الأحيان فوق الخشبة لا نحتاج للكلام، وبالتالي فترجمة المصطلحات تطرح أدبيا وأكاديميا أكثر.

* الدكتور عبد الرحمان الزاوي أستاذ بمعهد الترجمة بجامعة وهران
الترجمة للمسرح هي انزياح لغوي من فن نحو آخر
من جهته أوضح الدكتور عبد الرحمان الزاوي ، وهو أستاذ في جامعة وهران، أن إشكالية ترجمة المصطلح عويصة جدا عند اللغويين العرب، رغم الاشتغال عليها منذ سنوات، لكن لم يتم التوصل لحد الآن لتوحيد و إجماع على ترجمة العديد من المصطلحات.
في الملتقى، مثلما أفاد محدثنا، تم طرح إشكالية النص الأكاديمي المؤسس بأفكاره ومرجعياته ومصطلحاته و كل ما يحمله من مسكوت عنه، وكيفية ترجمته و نقله للركح المسرحي، مع الحفاظ على الهوية، مشيرا إلى أنه في الجزائر يوجد بعض البوادر مع المقتبسين والكتاب للانتقال اللغوي و المصطلحي بين الفنون و خلق انزياح لغوي من مجال فني نحو آخر.
و المطلوب حاليا هو أن تخرج مراكز البحث من قوقعتها وتنفتح على الآخر، وعلى المؤسسات التربوية والأكاديمية وإعادة النظر في المناهج والبرامج، مركزا على ضرورة قبول اللفظ الأجنبي إذا استوطن في اللغة العربية ، مثلما هو معمول به في لغات كثيرة عبر العالم نجد عدة ألفاظ عربية مستوطنة فيها ويتم التعامل بها دون إشكال.

 

الرجوع إلى الأعلى