لهذه الأسباب تعطل مشروع رقمنة الأرشيف بالجزائر
ينتقد الكثير  من   المختصين في التوثيق  و حفظ الملفات  مشروع رقمنة الأرشيف الوطني الجزائري  الذي انطلق سنة  2005، لكنه  لا يزال متعثرا، إذ  لم يتجاوز العمل عليه عتبة 5 بالمائة، على مستوى المركز الوطني للأرشيف في الجزائر العاصمة، بالرغم من مرور11 سنة على بدايته، و هو تأخر يرجعه المختصون إلى  ضعف الأطر القانونية المنظمة للعملية و غياب إرادة سياسية حقيقية لحفظ الأرشيفين الورقي و الإلكتروني و نقلهما للأجيال القادمة، ناهيك عن ما يسمونه  بتعمد إقصاء أهل الاختصاص من صياغة المشروع وهو تحديدا ما جعله محلا للانتقادات حسبهم. و يرى مهتمون بهذا المجال، بأن الحديث عن رقمنة الأرشيف الوطني الورقي أصبح من الماضي، في ظل تنامي حجم الأرشيف الرقمي الذي تغفله الجزائر كلية ما سيؤدي إلى ظهور فجوة تاريخية كبيرة في ذاكرة المجتمع، ففي الوقت الذي نجحت فيه غالبية دول العالم في حفظ أرشيفها الإلكتروني و في شتى المجالات  و أنشأت منصات رقمية لتخزين ما أنتجته من  قيم فكرية و أدبية و علمية وسياسية، منذ بداية الثورة التكنولوجية بأحداثها المتسارعة و السعي لحفظه و نقله إلى الأجيال على أبعد مدى، لا تزال الجزائر تتخبط في كيفية رقمنة ملفاتها و وثائقها الورقية  مع وجود صراعات قوية بين المختصين الذين يطالبون بإشراكهم في صياغة المشروع مع الاهتمام أكثر بنقطة كيفية استغلاله، وما إذا كان من الممكن فتح باب الولوج إليه أمام عامة الناس، خصوصا في ظل تنامي دعوات الانتقال بسرعة إلى الأرشيف الرقمي، وهي دعوات موجهة بالأساس للجهات الرسمية التي تتعامل مع كل  أنواع الأرشيف بخصوصية كبيرة و تسعى إلى تقييد إمكانية الوصول إليه.
إعداد: هيبة عزيون

*  أستاذ علم المكتبات و التوثيق نبيل عبوش
 نجاح المشروع مرهون بإعادة النظر في استراتيجية الرقمنة
اعتبر الدكتور نبيل عبوش، مختص في علم المكتبات و التوثيق و أستاذ بقسم التقنيات الأرشيفية و مدير مخبر البحث في تكنولوجيا المعلومات بجامعة عبد الحميد مهري قسنطينة2، بأن تقييم مشروع رقمنة الأرشيف الوطني  مستحيل حاليا لأنه بالأساس متعثر منذ بدايته .
ويؤكد الباحث، أن العملية لم تتخط مرحلة التجريب رغم انطلاقها سنة 2005 إلى 2006، باستثناء بعض النماذج القليلة الناجحة التي تعد على رؤوس الأصابع ببعض المؤسسات، على غرار المركز الوطني للأرشيف الذي كان أول حاضنة للمشروع، مع ذلك فإن هذه المادة البحثية لا تزال لغاية الساعة غير متاحة  للعامة لأن التعامل معها مقتصر على شق الحفظ فقط،كما أن العمل على توثيقها رقميا يسير بخطى متثاقلة، وهو وضع وصفه المتحدث، بالخاطئ مرجعا أسبابه إلى الخلط في تحديد الأهداف الأولية للعملية ككل، فحسبه لا يجب أن  تتوقف الرقمنة عند الأرشفة فقط، بل يتعين أن تشمل الإتاحة كذلك، ليسهل على الناس الولوج إلى المعطيات خصوصا الدارسين و الباحثين و غيرهم، على غرار ما هو معمول به في كل دول العالم و هنا يتوجب علينا كما قال، إعادة النظر في إستراتيجية الرقمنة و المقصد منها.
و يرى رئيس مخبر البحث في تكنولوجيا المعلومات، أن هناك الكثير من المسائل  التي ينبغي إثارتها و مناقشتها بخصوص فكرة رقمنة الأرشيف الوطني الجزائري  لتوضيح الرؤية العامة و إزالة الكثير من العراقيل المطروحة في مقدمتها المشاكل القانونية و تحديد فئات الوثائق و المعلومات المعنية بالعملية، و في هذا الإطار أكد المتحدث، بأن الجزائر متأخرة كثيرا رغم توفر المرسوم الوزاري المحدد لأطر تعميم التصديق الرقمي منذ سنة 2012 و بالتالي وجود إطار قانوني منظم لنشاط رقمنة الحكومة و الوصول إلى صفر ورقة على المكاتب، غير أنه لم يدخل حيز التنفيذ لحد الآن، و هذا في حد ذاته يعيق بشكل واضح عملية التوثيق الرقمي التي تخطتها الكثير من دول العالم بسنوات طويلة و انتقلت بعدها إلى حفظ الأرشيف الرقمي  في وقت لا تزال الجزائر مهددة بفقدان ذاكرتها الورقية و جزءا مما سبق توثيقه الكترونيا.

* خبير التوثيق و المحفوظات  عبد الكريم بن شاريف
رقمنة الأرشيف لم تتجاوز 5 بالمائة منـــــذ انطــــلاقهــــــــا
يؤكد الخبير في  التوثيق و المحفوظات  عبد الكريم بن شاريف، بأن الجزائر لم تمض بخطوات ثابتة في مشروع رقمنة أرشيفها، و هو ما يعكسه التأخر في إتاحته للاستخدام، إذ لم تتعد  العلمية منذ انطلاقها نسبة  5 بالمائة، و حسب رأيه  يعود السبب في ذلك بالأساس إلى إهمال شق التكلفة و الميزانية التي خصصتها الدولة لأجل إنجاح هذا المسعى، إضافة إلى  غياب إستراتيجية وطنية واضحة المعالم و مبنية على أسس علمية يصوغها مختصون قادرون على ضبط خطة عمل ممنهجة و ناجعة.
و يعتبر بن شاريف بأن ميزانية المشروع تبقى أكثر النقاط إبهاما، لأنها لا تتماشى مع حجم مخطط العمل، ما يعني  حسبه، بأن الفكرة في حد ذاتها لم تؤخذ على محمل الجد من قبل السلطات  منذ البداية، رغم أنها أهم عامل لنجاح أي مشروع خصوصا الرقمنة التي تتطلب مبالغ باهظة من أجل اقتناء العتاد اللازم و توظيف العاملين و تكوين  الإطارات البشرية في مجال تقنيات الأرشفة الرقمية  و غيرها من المتطلبات الأخرى، لذلك يرى بأن المشروع فاشل في عمومه باستثناء بعض  التجارب البسيطة التي عرفتها بعض المؤسسات و التي لا ترقى إلى هو مطلوب.
المحدث، أوضح من ناحية أخرى، بأننا عندما نتحدث عن رقمنة الأرشيف فنحن لا يمكن أن نشمل كل المعلومات و الوثائق، و هي نقطة محورية يجب التركيز عليها كذلك، فحسبه، لا بد أن تكون عملية غربلة حقيقية يقوم بها الأرشيفيون باعتبارهم المخولين لتحديد مسار كل وثيقة و البت في أهميتها كمادة أرشيفية أو مرجع، و إهمال هذا الجانب في اعتقاده، سيزيد من تكاليف المشروع ككل مستشهدا في حديثه، بالتجربة الأمريكية التي ركزت عند إطلاقها منذ سنوات طويلة على تحديد المعطيات بشكل جد دقيق  لضبط ما يكلفه المشروع من أموال على عكس ما يحدث في الجزائر، إذ لا  توجد لحد الساعة أرقام واضحة ودقيقة عن التكلفة، دون تجاهل جانب السرية المبالغ فيها في التعامل مع مختلف الملفات خصوصا ونحن نتعامل مع مشروع هدفه الحفظ و التوثيق بعيدا عن الاستغلال رغم الأهمية البحثية و الفكرية لبعض المصادر.

* الأستاذ محمد أمين مخلفي من جامعة وهران
 ضيعنا جزءا كبيرا من ذاكرتنا الرقمية
أبدى المختص في التوثيق بجامعة وهران 1،  الأستاذ محمد أمين مخلفي، استياءه من موقف  الجزائر حيال أرشيفها الورقي و الالكتروني،  ففي وقت قطعت دول عربية عديدة  أشواطا كبيرة في هذا المجال، عجزت الجزائر عن رقمنة الأرشيف الورقي و أهملت ذاكرتها الرقمية  التي يستحيل عليها استرجاعها بالرغم من أننا نعيش اليوم في زمن التكنولوجيا و سهولة الوصول إلى المعلومة.
و يرى الباحث، بأن الجزائر تسير  بخطى عرجاء نحو تجسيد مشروع رقمنة الأرشيف ، لأن القصد من التراث الرقمي هو ذلك الإنتاج الذي يكون قبل و بعد الرقمنة أي كل النماذج التي تم استنساخها إلكترونيا و التي تتطلب نوعا معينا من المعالجة لحمايتها على المدى الطويل و إيصالها للأجيال، مع الأخذ بعين الاعتبار نقطة تقادم الأجهزة و سرعة الثورة الرقمية التي لا يمكن بآية حال استدراكها  كما تأسف لحال الجزائر في ظل كل هذه التحولات وكيف أنها فشلت في مواكبة سرعة التكنولوجيا، و ضيعت مراحل هامة من تاريخها الذي لم يعالج و  لم يخزن كإرث إنساني يساهم في كتابة هويتنا كدولة و شعب بداعي العجز المالي لكن الواقع يظهر حقيقة غياب الإرادة السياسية لحفظ هذا الموروث من خلال عدم إشراك آهل الاختصاص  في مشاريع رقمنة  الأرشيف و كيفية نقله لجيل الغد رغم ما تحوز عليه الجزائر من موارد بشرية قادرة حقيقة على رسم  معالم مشروع متوازن كما قال، مع إمكانية تدارك التأخير الكبير الحاصل في ذاكرتنا الرقمية و غلق تلك الفجوة التي ستطرح علامة استفهام كبيرة مستقبلا.

الرجوع إلى الأعلى