تحوّلت "الشكوى" إلى نقطة التقاء بين "المثقّفين" و"العامّة" على شبكاتِ التواصل الاجتماعيّ، الكلُّ يشتكي من منغّص ما،  ويمتدّ هذا "الما" من انتشارِ القاذورات في الفضاءات العامّة إلى تراجعِ مظاهر التمدّن وضعف المقروئيّة وفيضانات الأودية!
يشتكي المشتكون من المجتمع، من الدولة، من وضعيّة التعليم والطّرقات، من الإنتاجِ الوطنيِّ، من غلاءِ الخضر ورداءة الكُتب، من ضحالةِ الخطاب السيّاسي وعدم تجدّد الوجوه، من انصرافِ الصّحافةِ إلى البحثِ عن الخُبز، من ترتيبِ الجامعات وضعف الخدمات في المستشفيات، من غلاءِ الفاكهةِ وتعالي المثقّف، من خطاب الكراهيّة وتقلّص المساحات الخضراء، من وضعِ الفلاحة
و محور دفاع المنتخب منذ اعتزال عنتر ومجيد، من القبورِ غير الملائمة لاستراحة الموتى ورشق قطارات كوراديا بالحجارة، من برامج القنوات التلفزيونية وندرة الأدويّة، من أسعار الفنادق وصراخ عاملات النظافة وتعاملهن العدواني مع الأبواب والنوافذ، من أمواج البحر التي لا تحسنُ التعامل مع قليلي الحيلة، من الآبار والسّدود للسبب ذاته، من الخيانات وسوء التقدير والطّالع و غيرها...
من فضائل "العلاج الجماعي" أنه يُعيد المشتكي "الذي به داءٌ" إلى ذاته فيتقبّلها بعد أن يكتشف أنه ليس وحيداً فيما هو فيه  وأنّ الجماعةَ تعاني من فجواتٍ يدفعها "المعالجُ" إلى كشفها على طاولة الكلام، فتسقط الجدران الدفاعيّة التي تستر الألم وينكشف الداء، لكنّ المشكلة في الديناميات التي تجري على شبكات التواصل الاجتماعي أن القائل قد يعتدُّ ويتعنّت ولا يقيس أثر مقولته ولا رجع صداها في غيابِ إشاراتٍ مشجّعة من معالجٍ، فتظهر الأعراضُ دون أن يتمّ علاج الداء.
قد تكون "الشكوى" مفيدة، أي وسيلة تنبيهٍ إلى خلل، لكنّها قد تكون دليلاً على تعقّد المشكلة ورفض العلاج، حين يكتفي المردّد بترديدها وعدم الاستماع إلى غيره!
وقد تتحوّل "الشكوى" إلى عملٍ يغني القائمين به عن العمل أو القيّام بالواجب أو تصحيح خللٍ أو تدارك فشلٍ، وهي بذلك مقدمة لاختراع الأعداء وإلقاء المسؤوليّة عليهم.
ملاحظـــة
نحتاج إلى الحريّة الكاملة في العيش كي نكفّ عن ممارسة الحريّة كمرض.

    • صعلكة

        أصبح "خطاب الحق" عنوان ضعفٍ في عالم اليوم الذي باتت تتحكّم في مفاصله قوى ولوبيات لا تبالي بالقوانين ولا بالمبادئ التي راكمتها الإنسانيّة في خروجها الفاشل من الصّراعات الدموية. بل إن "التصعلك" تحوّل إلى ما يشبه العرف في العلاقات الدولية،...

    • ضرورة التفكير في المجتمع

        سليم بوفنداسة انتفض المجتمع المدني في ولاية خنشلة ضدّ "الراقي الزائر"، الذي أثار الجدل على مواقع التواصل، ودعا السلطات لفتح تحقيق حول قيّامه بنشاط غير مرخص، في مبادرة حضاريّة تكشف عن وعي الجمعيّات وتحمّلها مسؤوليّة التصدي لآفات ظلّت لفترة...

    • المخفيّ

      حين مات محمد ديب لم تجد وسائل الإعلام الوطنيّة، مادة سمعية بصريّة عن الكاتب تقدّمها للجمهور، كان ذلك سنة 2003، أي قبل ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، وكان محمد ديب أكبر كاتبٍ جزائري، عاش عمرًا مديدًا يكفي لاستدراجه إلى توثيق يخدم...

    • اختراق

      شهدت الفترة التي تلت اندلاع الحرب المدمرة على غزة، تسخير ذباب إلكتروني لتسفيه الخطابات المؤيدة للفلسطينيين، ويمكن أن نقرأ ما يندى له الجبين في تعليقات عربيّة على الجهود الدبلوماسيّة لوقف المذبحة، أو على التضامن مع الضحايا، حيث...

    • خِفّـــة

      يبحثُ المتحدّثُ عن العبارة التي ستبقى  في أثير الله الأزرق بعد أن يفنى الكلام، عبارةٌ واحدةٌ تكفي كي يبقى، لذلك صارت استراتيجيات التّواصل تُبنى على عبارات يوصى بإلقائها وسط موجة الكلام، في حملات الانتخابات وفي الخُطبِ والتدخلات في وسائل...

    • وصفُ السّعادة!

      تجري الحياة في فضاءات أخرى وليس على المُستطيل الأخضر، رغم المُتعة التي توفرها كرة القدم، باعتبارها مسرح فرجةٍ في عصرنا، يلتقي فيه الشغف الكونيّ. صحيحٌ أنّ هذه اللّعبة، تجاوزت حدود الرياضة بعد ظهور "المستثمرين" والتجّار من باعة...

    • القيمة والشّعار

      يخترقُ المنتوج الثقافيّ الحدود واللّغات، بجودته أولًا وأخيرًا، وقد يفوق تأثيره التوقّعات، لذلك استغلّت بعض الأمم المُتصارعة على المسرح الكونيّ الفنون لتمرير رسائل تستهدف وجدان البشر و تستدعيه في لعبة استدراج و تماهٍ، عبر صوغ...

    • كبارُ "الباعة"!

      سخر كمال داود من الصّفة التي يطلقها العرب والمسلمون على ضحايا العدوان الهمجي على غزّة، ووجد الوقت والمتعة للتّنكيل اللّغوي بمنكّل بهم في الواقع، لكنّ اللّغة ستخونه، قطعًا، في وصف القتلة، لأنّ حريّته تتوقّف عند جثث الضحايا،...

    • مقبرةُ جماعيّة للإنسانيّة

      في هذه الأرض المزدحمة، حيث يتعايش الأحياءُ والموتى، تُحفر القبور على عجلٍ في الأسواق السّابقة والأرصفة السابقة، لا أزهار هنا في وداع النّازلين إلى ترابهم من حياة، هي مجرّد استراحة بين ميتات مُختلفة. قد يُسرف القتلى في النوم حيث...

    • في وصف الشّر

      تدفعُ المقتلةُ الجاريّة هذه الأيّام ومحاولات تأويلها وتغطيّتها نحو التفكير في "الشّر"، ليس كمصطلح خاضت فيه الفلسفات، ولكن كعنوانٍ بديعٍ لعصرنا الذي صدّقنا أنّه يشهد ذروة تطوّر الإنسانيّة، في العلوم والمعارف وفي النظم السيّاسيّة...

    << < 1 2 3 4 5 > >> (5)
الرجوع إلى الأعلى