يتبع

 

أستاذ التاريخ الدكتور علاوة عمارة في محاضرة بقسنطينة


توزيع بيان أول نوفمبر كان محدودا و لم يتم عرضه شعبيا حتى سبتمبر 1955
أكد الدكتور علاوة عمارة في محاضرة قدمها  بجامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية بقسنطينة، بمناسبة ذكرى اندلاع ثورة  نوفمبر المجيدة، أن توزيع بيان أول نوفمبر كان محدودا  و مس الأشخاص المترددين في الالتحاق بالثورة،  و  لم يعرض شعبيا إلا بعد 11 شهرا ، مضيفا في ذات السياق بأن عدد المشاركين في اندلاع الثورة المجيدة كان قليلا جدا، كما تطرق لبعض الشخصيات التي شاركت في تفجيرها، بعيدا عن الأضواء مثل شيهاني بشير.
الأستاذ علاوة عمارة باحث في التاريخ بجامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية أكد في مداخلة بعنوان « تحضيرات الثورة لشن هجمات أول نوفمبر في الشمال القسنطيني من خلال وثائق الأرشيف» ، أن توزيع بيان أول نوفمبر  كان محدودا،  إذ أرسل بالتحديد إلى بعض الأشخاص المترددين في الالتحاق بالثورة في محاولة لإقناعهم ، و لم  يتم عرضه شعبيا إلا في يوم 18 سبتمبر 1955 ، و ذلك بمنطقة الجرف بالتجمع الكبير الذي ترأسه الشهيد البشير شيهاني و شرح فيه للشعب مضمون البيان .
المتحدث قال بأن عدد المشاركين في اندلاع الثورة التحريرية كان قليلا جدا ، فمثلا في منطقة الأوراس لم يتجاوز عدد المجاهدين 200 ، بينهم 27 من منطقة الخروب التي كان تابعة إقليميا لها آنذاك ، و تمت فيه العملية بقيادة الشهيد حجاج بشير .
أما الشمال القسنطيني عند منطقة السمندو، فعرفت مشاركة 20 مجاهدا و 25 آخرين  بالحروش، و 23  مجاهدا بالميلية و 3 مجاهدين بعنابة و حوالي 30 مجاهدا بسوق أهراس، أما بقسنطينة فقد كان النوفمبري الوحيد ، حسبه، هو عبد السلام بخوش، المدعو «سي الساسي» الذي التحق يوم 29 جوان 1954 بالجبل ، و تحديدا بالحروش ولاية سكيكدة، لأنه كان أحد القياديين في هذه المنطقة عند اندلاع الثورة.
 و أكد الدكتور عمارة بأن هذا هو العدد الحقيقي الذي اندلعت به الثورة ، مشيرا إلى أن الهجمات الناجحة كانت بمنطقة السمندو،  بالإضافة إلى هجوم على منجم كاف بوالحمام، قرب سيدي معروف بالميلية، في حين لم تنفذ  أي عمليات بمناطق أخرى.
الأستاذ المتدخل الذي حاول تقديم قراءة تاريخية لأحداث أول نوفمبر، تطرق إلى التيارات التي كانت مع الثورة و المترددة في الانسياق معها، مركزا حديثه على التيار الثوري بالتطرق للاجتماع الذي تحدد فيه عملية الانتقال للنضال الثوري، و هو اجتماع سويسرا، الذي اعتبره الأهم في العملية و الغائب في  الدراسات،  و يعرف أيضا باجتماع الثمانية ، 5 من الداخل و هم محمد بوضياف، رابح بيطاط، العربي بن مهيدي، ديدوش مراد و مصطفى بن بولعيد ، و 3 من الخارج هم أحمد بن بلة و خيضر و حسين آيت أحمد.


و أكد بأن هذه المعلومة نجدها مكررة في محضر استنطاق ممرض قيادة أوراس النمامشة، سالم بوبكر من مدينة خنشلة، و الذي ألقي عليه القبض في معركة الجرف، و قد كان ملازما للبشير شيهاني، كما يتضمن المحضر معلومات مفصلة تلقاها مباشرة من مصطفى بن بولعيد و البشير شيهاني بخصوص الاجتماع ، مشيرا في ذات السياق إلى  أن اجتماع لجنة 22 ، كان إما في بداية شهر جوان أو في شهر ماي،  عكس الرواية الحالية التي جاء فيها بأن الاجتماع كان يوم 23 جوان 1954، و في محضر هذا الأخير،  سجل بأن أول من التحق بالثورة بمدينة قسنطينة هو عبد السلام بخوش، المدعو سي الساسي
الأستاذ المتدخل و بعد عديد الأبحاث التي قام بها، وجد محضر استجواب مصطفى بن بولعيد الذي ألقي عليه القبض في بن قردان على الحدود التونسية الليبية يوم 10 فيفري 1955 ، معتبرا ما كتبه العقيد الطاهر زغيد في مذكراته خاطئا ، حيث جاء فيها بأن عملية القبض عليه كانت بانتزاع معلومات تحت التعذيب عند إلقاء القبض ، مبررا ذلك بالقول بأن هذا الأخير ألقي عليه القبض في طرفان بالهرية  يوم 8 ديسمبر 1955 ، رفقة أغلب أعضاء مجموعته ، في حين أن مصطفى بن بولعيد توجه إلى ليبيا للقاء أحمد بن بلة ، باعتباره القائد الأول على الثورة في تلك الفترة ، و قد ألقي عليه القبض في 10 فيفري  ، مشيرا إلى أن هناك رسالة ضمن الوثائق التي ضبطت في معركة الجرف و تعود إلى البشير شيهاني ، كما أن هناك رسالة بعثها مصطفى بن بولعيد لهذا الأخير  قبل عبوره الحدود باتجاه تونس ، و تتضمن ، حسبه، معلومات مهمة جدا حول من كان يرافقه ،  و قد تلقاها بشير شيهاني في المقر الجديد للقيادة بعين القلعة، جنوب غرب مدينة خنشلة .
كما قدم عينة عن الشخصيات التي شاركت في تفجير الثورة و تنظيمها، بعيدا عن الأضواء التي سلطت على بعضها  دون الأخرى، في بناء الذاكرة الوطنية، حيث تحدث عن البشير شيهاني الذي عين على رأس دائرة باتنة في حركة انتصار الحريات الديمقراطية، باسمه المستعار سي محمود، و معروف أنه درس في المدرسة الفرنسية، و كذا معهد الشيخ عبد الحميد بن باديس ، و كان،  حسبه، يتمتع بقدرات عالية جدا ، و يتميز بروح الخطابة.
 و أضاف المتدخل بأن مصطفى بن بولعيد لا يتخذ قرارات إلا بعد استشارته، كما تؤكد التقارير ،  فكان صاحب القرار الفعلي في نشر الثورة، حيث قام بهيكلة الثورة في أوراس النمامشة،  و وضع مواثيقها التي كان يحررها بنفسه باللغتين ، و كان الانتشار الفعلي للثورة في عهده ، فبعد سماعه باعتقال مصطفى بن بولعيد و ذلك بعد 5 أيام ، قام بنقل  مقر الأوراس في عين القلعة ، جنوب غرب خنشلة، لنشر الثورة خارج هذا المجال.
و بفضله انتشرت الثورة في ناحية تبسة و على الحدود التونسية ، و الحضنة و واد سوف، فعمله كان كبيرا جدا و الوثائق التي أصدرتها القوات الاستعمارية في منطقة الجرف، تثبت أن البشير شيهاني كان من القادة الكبار و انخرط في تشكيل جيش التحرير المغاربي ، كما كانت لديه مراسلات مع الرئيس المصري جمال عبد الناصر.           
  أسماء بوقرن

 المجاهدة فاطمة خراب


اضطـررت لـمفارقـــة ابنتــي الرضيعـــة للالتحـاق بالثــورة
تعتبر المجاهدة فاطمة خراب واحدة من أبرز مناضلات الولاية التاريخية الثانية، اللواتي رفعن السلاح في وجه المستعمر الفرنسي، فقد انخرطت في صفوف جيش التحرير الوطني في سن مبكرة مع بداية الثورة التحريرية، مضحية بابنتها الرضيعة التي تركتها آنذاك و عمرها لا يتعدى سنة، و تروي المجاهدة في لقاء قصير أجرته معها النصر، كيف كانت تحارب العدو جنبا إلى جنب مع رفقائها المجاهدين، كما تستذكر صور الشهداء التي لا تزال تذرف الدموع لأجلها إلى اليوم.
التقينا بالمجاهدة فاطمة خراب ذات الخمس و ثمانين عاما، و التي كانت جالسة في انتظار تكريمها من طرف المنظمة الوطنية لأبناء المجاهدين لولاية قسنطينة، حيث راحت تسرد لنا بتأثر شديد تفاصيل التحاقها بالعمل الثوري، و قالت في هذا الخصوص إنها بدأت النضال عندما تم إلقاء القبض على زوجها المجاهد الراحل محيدب مصطفى، من طرف جنود المستعمر، لتضيف «عندما تم القبض على زوجي قررت أن ألتحق بصفوف الثورة بعد حوالي نصف سنة عن بدايتها، فقد عزمت على مواصلة النضال مكانه و هو قابع في السجن”.
عملتُ مع “صوت العرب”
و كنتُ أسلب السلاح
من الفرنسيين
و عملت المجاهدة «فاطيمة» كما كان رفقاؤها يفضلون تسميتها، في قسمة الميلية التابعة للولاية التاريخية الثانية، حيث استعين بها في خدمات الإدارة و في جلب المؤونة و السلاح الذي قالت إنها استعملته في العديد من المرات ضد العدو، و ذلك بعد أخذه من الجنود الفرنسيين عند قتلهم، و هو عمل ذكرت أن الكثير من رفيقاتها المجاهدات كن يقمن به بشجاعة لا مثيل لها.
و قد صعدت المجاهدة التي أنجبت فيما بعد 8 أبناء، إلى الجبل، و اضطرت إلى أن تضحي بفلذة كبدها و تتركها لدى أم زوجها لتضمن لها الرعاية، رغم أن عمر الرضيعة لم يتعد آنذاك 12 شهرا، و لا تبدو المجاهدة اليوم نادمة على ما قامت به من تضحية عظيمة، رغم اعترافها بصعوبة فراق طفلتها و حرمانها من حليبها و حنانها طيلة 7 سنوات قضتها في الجبال.
و خلال فترة نضالها التي امتدت إلى غاية نيل الجزائر للاستقلال سنة 1962، عملت المجاهدة خراب بين جبال و مشاتي الميلية و مشاط و أولاد عواط و بني فرقان و غيرها، و ذلك إلى جانب مسؤولي القسمة، الذين ذكرت منهم مسعود بوعلي و علي من جكون و كذلك العربي بوطغان و البشير بورايدة، بالإضافة إلى العقيد صالح بوبنيدر أو كما كان يسمى “صوت العرب”.
حوصِرتُ برا و بحرا و هكذا أفلتّ من العدو مرتين
و تروي محدثتنا التي كانت تجتهد لتذكّر ما استطاعت من تفاصيل، كيف أوشك الجنود الفرنسيون على القبض عليها لمرتين، حيث كانت أولها في منطقة بني بلعيد أين استطاعت أن تفلت من العدو بالتظاهر أنها و زميلاتها من الشعب، أما المرة الثانية فكانت في منطقة أولاد عواط خلال القيام بإحدى مهامها، حيث تفاجأت بإحاطة العسكر بسكان المنطقة من نساء و رجال و أطفال تم نقلهم عبر القطار إلى محتشدات من الخيام في الميلية، و هناك لم يتم التفطن أيضا إلى أنها مجاهدة، فبعد المبيت لليلة واحدة في المكان، تسللت مع رفيقاتها في الصباح الموالي، إلى الخارج، عبر المشتة المسماة النفادرية، و خرجن إلى قمة الجبل، أين وجدن هناك المجاهدين في انتظارهن.
و بمرارة كبيرة، تحاول السيدة خراب أن تصف لنا مدى حزنها و هي ترى بعينيها رفقاءها المجاهدين و هم يستشهدون برصاص العدو، كما تتذكر كيف كانت تجري وسط الأحراش و الغابات تحت الأمطار و الثلوج و بين الوديان، فيما تصادف أن تعرضت للحصار بين الطائرات في السماء و العسكر على الأرض، لكن ذلك لم يثنها عن النضال و عمرها آنذاك لا يتعدى 30 سنة، فهدفها الوحيد الذي كانت تضعه نصب عينيها، هو التغلب على المستعمر و إخراجه من بلاد استدمرها لعقود، فشرد شعبها و قتل مئات الآلاف منه و نهب ثرواته.
ياسمين بوالجدري

في إصدار تاريخي جديد لحسني قيطوني


كتاب « فوضى الاستعمار» يفتح ملف الاستيطان في الجزائر
يقدم الكاتب حسني قيطوني في كتابه الجديد « فوضى الاستعمار، الجزائر في مواجهة الاستعمار الاستيطاني»، دراسة تاريخية حول ما يعرف بقضية الاستيطان، وهي سياسة حاولت فرنسا تطبيقها في الجزائر من خلال إبادة الشعب و الاستيلاء على أراضيه  و فرض نظام ضرائب مرهق خلال مرحلة تاريخية حساسة لم ينصفها المؤرخون بشكل كبير، و يتعلق الأمر بالفترة الممتدة بين 1830 و 1871.
يحفر الكاتب عميقا في التاريخ من خلال عمله، ليحرر بعض الحقائق البشعة التي طمرها النسيان أسفل بنى تحتية، شيدها الاستعمار ليتباهى من خلالها بمنجزاته العمرانية، التي رفعت أساساتها فوق أراض مسروقة، و على حساب جزائريين هجروا قصرا و قتلوا عمدا، حيث يحاول حسني قيطوني ، أن يبرز الوجه الهمجي و الفوضوي للاستعمار الذي يؤرخ له الفرنسيون على أنه نظام حكم بنى وشيد جزائر ما قبل الاستقلال، في حين أن الحقائق التاريخية تثبت أن الهدف من بناء المدن الاستعمارية كان التأسيس للاستيطان، عن طريق استخلاف السكان الأصليين بمعمرين فرنسيين، عملت الحكومة الاستعمارية على دعمهم عن طريق اعتمادات مالية موجهة لبناء الطرقات و المنشآت القاعدية، وهي اعتمادات يتم تأمينها من خلال فرض ضرائب قاسية على الجزائريين، على غرار الزكاة و «العشور» و «الحقور «، عائدات تأجير الأراضي.
الكتاب، حسب مؤلفه، هو عبارة عن دراسة عميقة للفترة بين 1830و 1971، وهي فترة قال بأن المؤرخين الفرنسيين أغفلوها عمدا، لتجنب فضح بشاعة الجرائم التي اقترفها الاستعمار إبان هذه المرحلة، وذلك باعتراف من المؤرخ بن يمين سطورا نفسه، إذ أن الإصدار الوحيد الذي يؤرخ لهذه الحقبة، هو كتاب للفرنسي شارل أندري دوليان بعنوان  «حكاية الجزائر المعاصرة»، وهو عمل صدر سنة 1964.
بالمقابل لا توجد أية دراسات بحثية أو تاريخية أو أكاديمية مفصلة حاولت تناول ما حدث في تلك الفترة من الاستعمار الفرنسي للجزائر بعمق و بتفصيل ودقة، رغم  أنها، حسب حسني قيطوني، حقبة مصيرية، وذلك بدليل ما كشفت عنه الوثائق التاريخية التي اطلع عليها خلال بحثه في كل من أرشيف قسنطينة و أرشيف إيكس أون بروفانس بفرنسا، فالجرائم الاستعمارية المرتكبة آنذاك، حسبه، تعد جرائم شنيعة راح ضحيتها ربع سكان الجزائر.
ويذكر على سبيل المثال فاجعة المحارق الأربعة التي اقترفتها فرنسا في مستغانم و الشلف سنة 1845، على غرار محرقة «الظهرة « « أولاد الرياح»، « الصبيح» و محرقة « الفراشيخ».
ويهدف العمل للإجابة عن سؤال جوهري يتعلق بفهم ماهية الاستعمار و سببه، حيث يخلص البحث المكون من 379 صفحة، و الذي يعد سباقا من حيث الطرح، و دراسة متفردة و جديدة نوعا ما، تطلب إعدادها قرابة خمس سنوات ، إلى التأكيد على أن ما يعرف بالنظام الاستعماري هو في الحقيقة» فوضى استعمارية» و نظام تأسس على الخراب والقتل و التهجير ، سببه الرئيسي هو « الاستيطان»، وبناء فرنسا جديدة فوق أراض أخرى، كما تبينه معطيات تفصيلية تضمنتها أربعة فصول قسمها الكاتب تسلسليا، فكانت البداية بتناول الخطاب الاستعماري بالتحليل، لمحاولة فهم أسباب الغزو، ومن ثم تطرق في الشق الثاني  من العمل إلى حقائق تكشف القمع الاستعماري الذي مورس على السكان الأصليين وانعكاسه لاحقا على رد فعل الجزائريين « عنف الثورة»، ثم انتقل صاحب العمل للحديث عن قضية مصادرة الأراضي، وهنا حاول التطرق إلى مصير المهجرين ممن سلبت منهم أراضيهم، و ختم بالحديث عن نظام الضرائب العربية.
تجدر الإشارة إلى أن الكتاب صدر قبل ستة أشهر في فرنسا، و أعيد طبعه من قبل دار نشر القصبة، حيث سيتم عرضه عبر جناحها في الصالون الدولي للكتاب، على أن ينشط الكاتب حسني قيطوني جلسة بيع بالتوقيع يوم 9 نوفمبر القادم.
 هدى طابي

في كتاب بعنوان "جي بي آر آ.. عهدة التاريخية»


عبـد الـمجيد مـرداســي يعيــد كتابــة تاريــخ الحكومــة الجـزائريـــة الـمؤقتــة
صدر مؤخرا للدكتور و المؤرخ عبد المجيد مرداسي، مؤلف جديد باللغة الفرنسية عن منشورات دار « الفضاء الحر» بقسنطينة، المؤلف يحمل عنوان « الحكومة الجزائرية المؤقتة ولاية تاريخية ـ 19سبتمبر 1958/ 3 أوت 1962» و سيكون حاضرا خلال فعاليات الصالون الدولي للكتاب.
العمل يأتي في 144صفحة، و يتناول، حسب الكاتب، ظروف إنشاء الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية، في محاولة لإعادة كتابة تاريخ هذه المرحلة، وفق منطق معرفي، و لتقديم معطيات دقيقة تعرف الجيل الحالي، بقيمة هذا التنظيم و الدور الهام الذي لعبه في مواجهة الاستعمار، و التغلب عليه دبلوماسيا و سياسيا، و حتى ثقافيا و فكريا، تأكيدا على أن المقاومة الوطنية لم تكن عسكرية فقط، حيث قدم نماذج عن العمل الذي قامت به الحكومة منذ تأسيسها، خصوصا ما تعلق بشق الدبلوماسية الدولية.
ويقول مرداسي في مقدمة الكتاب «في 19 سبتمبر 1958 تم الإعلان في وقت واحد عن الحكومة الجزائرية المؤقتة بالقاهرة و تونس»، مضيفا «الإعلان تم من قبل محمد يزيد يوم توليه وزارة الإعلام، والذي مثل جبهة التحرير الوطني في الولايات المتحدة، قبل أن يعين فرحات عباس رئيسا لمجلس إدارة الأفلان، ويصدر بيانه الأول و ،يحدد أهداف المرحلة الجديدة لكفاح الجزائريين من أجل نيل استقلالهم»، كما يستعرض الكاتب من خلال العمل، محطات تكوين و تأسيس الحكومة المؤقتة عبر مجموعة من النقاط، هي «أول مديرية للأفلان»، «مؤتمر الصومام» الأحداث التي رافقت تأسيس الحكومة والعوائق وغيرها، ولخصها في مجموعة من  المحاور الرئيسية، نذكر منها «الحكومة المؤقتة إثبات القوة»، «مؤامرة لعموري»، «أزمة الولايات»، «أزمة جويلية 1959 و اجتماع العقداء»، « أزمة صيف1962 » ،
وعزز الكاتب هذا العمل بمجموعة من الوثائق والصور التي تؤرخ لتلك الفترة المهمة من تاريخ الجزائر، كما دعم عمله بوثائق مكتوبة، منها إعلان الحكومة المؤقتة (الإعلان الرسمي)، و نص إعلان وقف إطلاق النار (عيد النصر) وخطاب يوسف بن خدّة في 3 أوت 1962 وغيرها، ومع ذلك تأسف الباحث لواقع عجز المؤرخين و الباحثين الجزائريين عن الوصول إلى الأرشيف الجزائري بفرنسا، و اضطرارهم للقبول برواية الفرنسيين للتاريخ ، و الالتزام برواية المنتصرين في أزمة 1962، وليس الاحتكام للحقيقة المعرفية.مرداسي فصل للنصر، محاور عمله الرئيسية، موضحا بأنه تناول بإسهاب كل المراحل التي مرت بها الحكومة المؤقتة، التي قال بأنها لا تعد «ظاهرة دخيلة»، بل هي امتداد لجبهة التحرير الوطني، بداية بالقيادة الأولى التي تكونت آنذاك من الفوج التاريخي بقيادة المسؤولين الستة   بوضياف، كريم بلقاسم، بن مهيدي و بيطاط و بن بولعيد و ديدوش، و من ثم القيادة الثانية المتمثلة في لجنة التنسيق و التنفيذ، المنبثقة عن مؤتمر الصومام 1956، ممثلة في سعد دحلب و بن مهيدي و غيرهما، وصولا إلى المرحلة الثالثة و اقتراح حسين آيت أحمد فكرة تأسيس حكومة مؤقتة على لجنة التنسيق التي تبنت الطرح و باشرت تنظيم أمورها داخليا و إعلان قيام دوائر وزارية، قبل أن تعلن رسميا عن قيام التشكيل الحكومي في 19سبتمبر 1958، و الذي تكون آنذاك من 18 عضوا، 15 وزيرا و 3 أمناء دولة برئاسة فرحات عباس الى غاية 1961 قبل أن يخلفه بن يوسف بن خدة الذي كلف بإدارة المفاوضات من أجل الاستقلال، علما أن الحكومة و غداة تأسيسها حظيت باعتراف 35 دولة .
قيمة الكتاب تكمن كذلك في تطرقه للصعوبات التي واجهت التشكيل الحكومي، خصوصا ما تعلق بالصراعات الداخلية، انطلاقا من محاولة الانقلاب الأولى في شهر نوفمبر، أي بعد شهرين من إعلان تأسيسها، و التي قادها قادة من جيش الحدود العقيدين العموري و نواورة، و اللذان فرضا على الحكومة الاستنجاد بالجيش التونسي للتحكم في الوضع، مرورا بمحاول انقلاب ثانية في ديسمبر من نفس السنة، و التي جاءت بتخطيط من عميروش و قادة الولايات الداخلية لتأسيس سلطة داخلية عسكرية، وصولا إلى الأزمة السياسية الداخلية في جويلية 1959، والتي أجبرت فرحات عباس على طلب تدخل قيادات جيش التحرير، لينبثق عن ذلك مؤتمر المسؤولين العسكريين الذي دام ستة أشهر و عشرة أيام من أوت إلى غاية ديسمبر من نفس السنة، و الذي صدر عنه قرار تجديد المجلس الوطني للثورة الجزائرية، في جانفي 1960، و أنشأت في إطاره مؤسسة جديدة هي « القيادة العامة» بقيادة هواري بومدين، وهي المؤسسة التي شكلت حركة المعارضة السياسية للحكومة و عارضت تصور السلطة لمرحلة ما بعد الاستقلال.
 هدى طابي

 

 

الرجوع إلى الأعلى