توجت قرية ساحل بدائرة بوزقان، الكائنة على بعد 75 كلم شرق عاصمة الولاية تيزي وزو، بالجائزة الأولى و قيمتها 900 مليون سنتيم، في الطبعة السابعة لمسابقة رابح عيسات لأنظف قرية التي استحدثها المجلس الشعبي لتيزي وزو، بفضل تكافل جهود سكانها الذين نجحوا في تحويلها إلى قطعة من الجنة و متحف مفتوح على الطبيعة يتدفق نقاء و بهاء.
القرية تقع في سهل أسفل بلدية بوزقان، على بعد نحو 5 كلم، و منه أخذت اسمها «ساحل»،  و توجد على جانبيها جداول صغيرة تجف في فصل الصيف و تتدفق المياه منها في فصل الشتاء، كما يعبر منها وادي سيباو الذي يتدفق من السفوح الجبلية لبلدية آث زيكي، و تتربع «ساحل» على مساحة 50 هكتارا و يقدر عدد سكانها بحوالي 3 آلاف نسمة، و يرتفع هذا العدد خلال موسم الاصطياف ليصل إلى نحو 6 آلاف نسمة، بعد عودة المغتربين إليها.
و يتم تسييرها وفق نظام داخلي يحترمه الكبير والصغير، يتضمن العديد من البنود منها المتعلقة بنظافة المحيط و السلوك الحسن والانضباط ، و تسهر لجنة القرية على احترام هذا القانون وتطبيقه على الجميع، مع فرض عقوبات مالية على المخالفين.
النصر قطعت الطريق الوطني رقم 12 الذي يربط ولاية تيزي وزو بولاية بجاية، لتصل إلى مدينة عزازقة على مسافة 40 كلم بعد حوالي ساعة، ثم واصلنا  طريقنا نحو دائرة بوزقان، عبر منعرجات تشق طبيعة خلابة.
طرقات نظيفة و مزينة بالأزهار
بعد حوالي ساعتين و نصف من السير، أوّل ما شد انتباهنا وإعجابنا بالقرية ، هو نظافة أزقتها التي كانت كلّها مهيئة بالبلاط و الأحجار، و خالية تماما من الأوساخ والقمامة  ، و على حافتي الطريق وُضعت العديد من السلال لرمي الأكياس والقارورات البلاستيكية و الورق والحديد، كما عُلقت أصص الأزهار بجانبيها و على جدران المنازل، فانبعثت منها روائح زكية.
وجدنا السكان مجتمعين في «ثاجماعث» (مجلس القرية) كبيرا وصغيرا وهم يحتفلون بالفوز الكبير الذي حققوه ، حيث تمكنوا بعد جهد متواصل و تضامن الجميع و انضباطهم من نيل لقب «أنظف قرية» في ولاية تيزي وزو، من بين 57 قرية شاركت في المسابقة.
لاحظنا  هناك التوافد الكبير للزوار الذين قدموا من  عدة ولايات،   للاستمتاع بجمال المنطقة التي تحوّلت إلى متحف مفتوح على الطبيعة.
 العودة لطريقة الأجداد لتسيير النفايات
التقينا بالسيد رشيد عودلي، رئيس لجنة القرية وهو أيضا رئيس بلدية بوزقان، فأكّد لنا بأن سكان القرية لم يفكروا في المشاركة في مسابقة رابح عيسات، إلاّ بعد أن شجعهم على ذلك زوار القرية منذ السنة الماضية، مضيفا أنّ حملات التنظيف التي كانوا يقومون بها دوريا، عادة يومية و تقليد متوارث بين الأجيال من أجل الحفاظ على جمال القرية و صحة قاطنيها،  و لم تكن هدفا لخوض غمار المنافسة.
و أشار المتحدث إلى أن أبناء القرية جسّدوا مشروع تسيير النفايات بإمكانياتهم الخاصة لحماية البيئة، و قرّروا العودة إلى طريقة الأجداد لأنها الأنسب للتخلص من النفايات القابلة للتحلل، مثل قشور الخضر و الفواكه، حفاظا على الصحة العمومية، حيث كانوا يقومون بردمها لتتحول إلى سماد، بينما يتم بيع النفايات القابلة للرسكلة والاستفادة من مداخيلها.
 وقال عضو لجنة القرية السيد طارق بوديا، أن جميع سكان ساحل لهم الحق في المشاركة في الاجتماع العام الذي يعقد لمناقشة المسائل التي تتعلق بالقرية، إلا أن القرار الأخير يعود للجنة القرية، و في ذات السياق أشار المتحدث إلى أن ساحل تضم سبع  جمعيات تنشط بالتنسيق مع لجنة القرية.المتحدث أوضح بأن لجنة القرية تستشير أساتذة جامعيين و خبراء في بعض المسائل قبل تجسيدها، خاصة المتعلقة بالبيئة.
 و عن طريقة تسيير النفايات، قال المتحدث بأنها راودتهم خلال تنظيم طبعات من عيد التين الشوكي التي تنظمها القرية كل سنة، حيث يتسبب الرمي العشوائي لقشور هذه الفاكهة في تشويه المحيط البيئي، فقرّروا إيجاد حل للمشكل حفاظا على البيئة و نظافة القرية، فتم إنشاء مفرغة واحدة بعدما كانت القرية تتوفر على أكثر من 10 مفارغ، سنة 2015، إلاّ أن هذه الفكرة لم تكن ناجعة.
وبعد نحو سنة، فكّروا في إنجاز موقع لردم النفايات القابلة للتحلل لتتحول إلى سماد مع عزل المواد الأخرى، واستمروا في ذلك إلى غاية أواخر سنة 2017.
و قبل سنتين قرّروا فرز النفايات انطلاقا من المنازل، حيث تقوم النساء بعزل البلاستيك و الزجاج والورق والحديد وغيرها في البيت، قبل نقلها إلى الحاويات المخصصة لذلك التي وُضعت في كل حي بالقرية،وتم إبرام اتفاقية مع إحدى المؤسسات المحلية المختصة في الرسكلة لشرائها، مشيرا إلى أن مداخيلها كانت تخصص لدعم الجمعيات الناشطة في القرية ماديا، كما تستغل لمساعدة الأطفال مرضى السرطان، أما المواد العضوية فيتم ردمها في مراكز ردم النفايات التي أنجزوها بإمكانياتهم الخاصة، لتتحول إلى سماد يُستعمل لتحسين التربة وتغذيتها.
حديقة إيكولوجية لتقريب الأطفال من خدمة الأرض
من بين المشاريع التي جسّدها سكان ساحل داخل القرية، إنشاء حديقة إيكولوجية لتلقين الأطفال طريقة غرس البذور وتقليم الأشجار،  فجميع الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 5 إلى 15 سنة، ملزمون بالمشاركة في هذه الأعمال الفلاحية لتوطيد علاقتهم بالأرض.
السكان قاموا بسواعدهم وإمكانياتهم الخاصة، بإعادة تهيئة جميع أزقة القرية بالإسمنت والحجارة،وتوسعتها، مما يسمح بدخول السيارات إلى القرية وضمان التدخل السريع لمصالح الحماية المدنية في حال وقوع حادث ، و قال رئيس لجنة القرية السيد رشيد عودلي، أنّه تم هدم بعض السكنات التقليدية الآيلة للسقوط، من أجل تجسيد هذا المشروع، كما تم إنجاز ساحة عمومية، و   تهيئة سبعة ينابيع مائية ، وإنجاز متحف القرية و إعادة ترميم البيوت التقليدية لأنها جزء من التراث  ، كما تمّت تهيئة «ثاجماعث»  أو مجلس القرية، ، و تزويد الزوايا بالكراسي.
قال شبيني يوسف وهو عضو في لجنة القرية  أنّ المشاريع المجسّدة في القرية أنجزت بالمساهمات المالية التي تفرض على السكان و أبناء القرية المغتربين ، إضافة إلى الأموال التي تُجمع من كراء عتاد جني الزيتون وغيرها وحتى الغرامات المالية التي تفرض على المخالفين،  تذهب إلى خزينة القرية و توجه لتمويل مشاريع صغيرة و أشغال ذات منفعة عامة ، كما يتم تخصيص جزء من هذه الأموال للمساعدات الاجتماعية .  تمكنت السيدة ويزة شابي، إحدى قاطنات قرية ساحل، من إنجاز متحف في منزل تقليدي متواضع جمعت فيه مختلف الأغراض التقليدية التي أبدعتها أناملها لتجسد تراث المنطقة،  كما تقوم بغرس أنواع عدة من الأزهار والنباتات لتزيين أزقة القرية، وأنجزت حديقة إيكولوجية للأطفال.                       سامية إخليف
 

 

الرجوع إلى الأعلى