يحلم الفنان القسنطيني صاحب رائعة «راني نحبك يا سارة»، بتجسيد حلم عمره، و الذي سيكون مفاجأة بالنسبة لفناني طابع المالوف و الأندلسي، كون هذا المشروع و إن لم يكن في المجال الغنائي، إلا أنه يبقى ذا صلة بالمجال الثقافي...

حاوره: حميد بن مرابط
المغني القسنطيني صاحب الصوت المميز عبد الحكيم بوعزيز، كشف في هذا الحوار الذي خص به النصر، بأنه يحلم بإنجاز مشروع غير مسبوق، و المتمثل في «حديقة القراءة»، قبل إعادة بعث مشروعه القديم، و المتمثل في إنشاء مدرسة موسيقية، تهتم بتعليم النشء الصاعد العزف على مختلف الآلات الموسيقية، ليس في الطابع الأندلسي و المالوف فقط، بل في مختلف الطبوع، مؤكدا بأنه لا يبالي بانتقادات المحافظين، بعد أن قرر احتراف الفن بأتم معنى الكلمة، بعد الظروف الصعبة التي مر بها، و التي- كما قال- لم يساعده في حلها لا الغناء و لا أهل الغناء و لا حتى أقرب المقربين...
بوعزيز و بشعار ميكيافيلي بحت، جعل من الفن حرفة و ليس هواية، بعدما كان أستاذا لمادة الموسيقى، حيث استثمر في مجال بعيد  عن الفن، ولكن له علاقة بالثقافة و الترفيه، حيث أنجز مسبحا خاصا، بالإضافة إلى قاعة سينما (الأبعاد الثلاث)، في انتظار تجسيد المشروعين  سالفي الذكر...
كما كشف  الفنان  عن عشقه الجنوني لفريق القلب مولودية قسنطينة، بدليل أن آخر ما غناه هو أغنية «من بكري الموك تعجبني»...
* الفنان عبد الحكيم بوعزيز مختف عن الساحة الفنية، هل هي رسالة إلى عشاق و متتبعيك  مفادها اعتزالك الفن؟.
عبد الحكيم بوعزيز فنان، و الفنان مادام أنه على قيد الحياة لا يمكن الحديث عن اعتزاله، فالفن عشق و هواية، و لكن الاختلاف في طريقة التعامل فقط...
أنا قررت قبل أكثر من 20 سنة أن أكون فنانا محترفا بأتم معنى الكلمة، بعيدا عن فلسفة المحافظين.. فالفن بالنسبة لي عمل و مصدر رزق أولادي و عائلتي، و بالتالي كل عمل أقوم به يكون وفق عقد موقع بيني و بين الطرف الذي يطلب خدماتي، و عليه لا أنتظر صدقة من أي جهة كانت، و لا أقبل بأي «كاشي».
و حتى أضمن حياة كريمة لأطفالي و عائلتي، لم أبق  مكتوف الأيدي، حيث استثمرت في مجال له علاقة بالثقافة و الترفيه (مسبح و قاعة سينما)، في انتظار مشاريع أخرى إن شاء الله.
* هل لنا أن نتعرف على هذه المشاريع المستقبلية. و هل لها علاقة بالغناء و الفن بصفة عامة؟.
     في الحقيقة لدي مشروعان، أحدهما عزيز على قلبي و أتمنى تحقيقه في القريب العاجل، و المتمثل في «حديقة القراء»، حديقة لا يدخلها إلا من يحمل كتابا في يده، و أتمنى من السلطات المحلية و الثقافية لمدينة قسنطينة تمكيني من قطعة أرض لتجسيد هذا المشروع الثقافي، مع التأكيد أنه مشرع ليس ذا طابع تجاري.
أما المشروع الثاني، فهو في حقيقة الأمر مشروع جديد- قديم، ويتمثل في إنشاء مدرسة للموسيقى، لتعليم العزف على مختلف الآلات الموسيقية و في مختلف الطبوع و ليس المالوف أو الأندلسي فقط.
 ما شد انتباهنا و انتباه محبي فن المالوف و الفنان عبد الحكيم بوعزيز بالذات، هو غيابك عن الساحة الفنية و عن الإنتاج بصفة خاصة. فما السبب وراء ذلك يا ترى؟
الثورة الإلكترونية التي شهدها العالم، كوسائل التواصل الاجتماعي بمختلف أنواعها، و اليوتوب على وجه الخصوص، كانت السبب الرئيس وراء غيابنا و تغييبنا عن الساحة، فمن غير المنطقي أن ننتج قرصا مضغوطا يكلف الفنان و المنتج، و قبل أن ينزل إلى السوق، يسمعه العالم بأسره و بالمجان، ما تسبب في كساد المنتوج الفني، و أنا شخصيا غير مستعد لأعمل بالمجان، أو أن أحمل شعار الفن من أجل الفن.. أنا احترفت الفن بعدما وقفت بنفسي على الآثار الوخيمة التي تسببت فيها الثورة التكنولوجية، حيث أصبح ينظر إلينا في الأعراس و السهرات الفنية كمتخلفين «فنيّا» طبعا، و استنتجت بأن الحل الوحيد هو مزج الفن بالذكاء الفني.
* هذا الوضع يجرنا للحديث عن واقع الفن و الفنان سواء في طابع المالوف أو الأندلسي أو الشعبي؟.
واقع الفن و الفنان حاليا كارثي و مؤسف، و حتى لا أدخل في التفاصيل التي قد تسيء إلى البعض و تجرح كرامة البعض الآخر، أكتفي بهذه النصيحة لكل فنان محترف،   حيث أنصحه باختيار مهنة أخرى لأن الفن لم يعد يضمن القوت للفنان و عائلته... شخصيا   و بعد 40 سنة في الميدان الفني، أرى بأن الفن الأندلسي و المالوف يمر بأصعب مرحلة له، فالجيل الحالي يعيش تحت ضغط كبير سببه واقع اجتماعي صعب و مضطرب، و هو ما دفع بشباب اليوم إلى اختيار أو بالأحرى تفضيل الموسيقى الريتمية الصاخبة، و التي تشجعهم على الرقص و بالمرة إخراج المكبوتات..
هذه الحقيقة وقفت عليها شخصيا قبل أكثر من 20 سنة، حيث دعيت لإقامة عرس بمدينة وهران، يومها أحضر صاحب العرس «دي جي» من فرنسا، وكانت هذه سابقة في الجزائر و أعراس الجزائريين، حيث سجلنا رد فعل قوي و تفاعلا غريبا مع «الدي جي»، من خلال الاستمتاع بالأغاني العصرية و الرقص على إيقاعها، و لما عدنا للغناء أحسست و كأننا عاجزين على الغناء، حينها قلت لأعضاء فرقتي «انتهى عهدنا، الفن الأندلسي في خطر أمام زحف الموسيقى الصاخبة، التي تعتمد على علبة الإيقاع، نفس السيناريو تكرر معي في عرس بمدينة برج بوعريريج، ثم بعده بالجزائر العاصمة، لأقرر بعدها شراء «علبة إيقاع»، و التي أصبحت ضمن الجوق، و أصدقك القول أنني أصبحت أكثر نجومية و تضاعف عدد متتبعي و عشاق عبد الحكيم بوعزيز، و كانت أول تجربة مع أغنية «راني نحبك يا سارة»، حيث كان لدي إحساس قبل تسجيلها بأنها ستسكر الدنيا كما يقال، و فعلا حققت نجاحا باهرا، و كانت وراء نجاحي من جميع الجوانب، فنيا و ماديا و شهرة...


* لكن كل هذا لم يمنع الفنان بوعزيز من مواصلة تذوق المالوف و مواصلة تنشيط الأعراس و السهرات، و حتى السماع لمشايخ المالوف؟
     أقول و أعيد بأن قرار الاحتراف في مجال الفن قرار نهائي و لا رجعة فيه، و أن رأي و انتقادات و احتجاجات المحافظين لا تهمني، فبعد اعتزالي الفن لمدة 6 سنوات، عشت ظروفا لم أجد وقتها أي دعم أو مساعدة من أي كان، حتى من أقرب المقربين منّي، و عليه كانت العودة بعد تفكير مليّ و برمجة و تنفيذ، و هو ما دفعني  أن أجعل من الفن حرفة، بعدما أصبح الفن الأندلسي في مفترق الطرق، و لم يعد هناك سوى خيار واحد، إما التأقلم مع الوضع الراهن و ركوب موجة الموسيقى العصرية، و إما الانتقال طواعية إلى المتحف.
خارج الاحتراف و العمل، أستمع إلى شيوخ المالوف يوميا، و سأظل من عشاق الحاج محمد الطاهر الفرقاني رحمه الله إلى الأبد.. يمكنني أن أستمع إلى أغانيه 24 ساعة على 24 ساعة و لا أكل و لا أمل، و احترامي له لا حدود له، بدليل أن أحد المنتجين «التونسي»، طلب مني تسجيل أغنية صالح باي، فرفضت و قلت له هل سمعت الشيخ محمد الطاهر الفرقاني يغنيها؟.. يا أخي عاش من عرف قدره، و عيب عليّ أن أغني رائعة صالح باي بعد الحاج.
* نفهم من هذا بأن آخر إنتاج للفنان بوعزيز يعود إلى فترة طويلة؟
     حقيقة آخر إنتاج يعود إلى سنة 2012، و المتمثل في ألبوم «سيدي راشد»، أما آخر أغنية فقد تم تسجيلها مؤخرا، و هذا تزامنا و تحقيق فريقي العزيز مولودية قسنطينة للصعود، و هي الأغنية التي اخترت لها عنوان «من بكري الموك تعجبني».
* بماذا يريد الفنان عبد الحكيم بوعزيز أن نختم هذا الحوار الشيق؟
 في ظل أجواء الفرحة التي يعيش على وقعها فريق القلب مولودية قسنطينة، بمناسبة تحقيقه الصعود إلى حظيرة القسم الوطني الثاني، أتقدم بتهاني الحارة لكل أسرة الموك بدون استثناء، و تحية خاصة للرئيس عبد الحق دميغة، لأنني أحب المغامرين، فرغم معاناته مع الفريق و محيط الفريق، إلا أنه عاد و رفع التحدي، و حقق الصعود بعد معاناة الفريق العريق في بطولة الهواة لمدة سبع سنوات، وللمساهمة في أجواء الفرحة، أعد بحفل رمزي هنا بمسبح بوعزيز، في انتظار الفرحة الكبرى بعد تحقيق الصعود إلى القسم الأول المحترف الموسم القادم.

الرجوع إلى الأعلى