تنتشر بشكل ملفت ظاهرة الرمي العشوائي للأقنعة الواقية و القفازات في الشوارع و الفضاءات العمومية، منذ ظهور فيروس كورونا ببلادنا، ما نتج عنه نوع جديد من النفايات، يصنفه البعض في خانة النفايات الطبية،  مع احتمال نقلها للعدوى، ما دفع الكثيرين إلى دق ناقوس الخطر و إطلاق حملات تحسيسية، في المقابل لم  تكيف بعض مؤسسات  النظافة التي تحدثت إليها النصر، استراتيجية عملها مع الأزمة، و ظلت تتعامل مع الواقيات الطبية كنفايات منزلية، إلا أن مركز الردم التقني بالولاية، انتهج طريقة جديدة للتخلص منها بشكل آمن، لا يضر، كما قال مسؤوله، بالمواطن أو البيئة.
  في حين حذر مختص في علم الأوبئة في حديثه للنصر، من رميها العشوائي، مشيرا إلى أن وضعها داخل كيس بلاستيكي و غلقه بإحكام، و رميه مع النفايات المنزلية، كاف لقطع سلسلة العدوى، فيما أكد خبير في البيئة، بأن تأثير هذه المواد خطير على المحيط ، ما يستدعي حرقها في درجة حرارة 1200 درجة مئوية، حسبه.
من وسيلة واقية إلى ناقلة للعدوى
أدى  طول عمر الجائحة إلى ظهور سلوكات سيئة، سببها العقل البشري الذي لا يزال يكن العداء لمحيطه، و غياب سياسة رشيدة عند مؤسسات النظافة التي لم تكيف منهجها مع الظرف الراهن، بالرغم من مرور 7 أشهر على انتشار الفيروس ببلادنا، و ظلت تتعامل مع النفايات الجديدة على أنها نفايات منزلية، ما جعل الظاهرة تطفو على السطح في الفترة الأخيرة ، كما وقفنا عليه خلال جولتنا الاستطلاعية بشوارع وسط مدينة قسنطينة، و بأحياء عبر عدة بلديات بالولاية، حيث أصبحت مظاهر الرمي العشوائي للكمامات على الأرصفة و الشوارع و الحدائق تشوه الفضاء العام، خاصة بعد رفع الحجر و عودة الحياة لطبيعتها، ما يبرز  جهل الكثيرين بمدى خطورتها على الصحة و البيئة، بالرغم من التحذيرات التي أطلقها خبراء عالميون في البيئة، من التخلص العشوائي من الكمامات و القفازات التي قالوا بأنها تتحول إلى فضاء لتكاثر الميكروبات، و تلحق الضرر بالمحيط .
  «لا لرمي الكمامات في الشوارع» هاشتاغ للتوعية
أثارت الظاهرة غضب نشطاء و كذا جمعيات كانت سباقة لنشر حملات توعية للتحسيس من خطورة رميها، من بينها جمعية السلام بولاية برج بوعريريج التي أطلقت حملة على مواقع التواصل تحت هاشتاغ «لا لرمي الكمامات و الواقيات الطبية على الأرض»، و تفاعل معها الكثيرون في العالم الافتراضي، غير أننا  لم نلمس نتيجة التفاعل في الميدان، الذي لا تزال تشوهه الكمامات المرمية و المعلقة بأغصان الأشجار، و أكدت رئيسة الجمعية سناء كونطة للنصر، بأن الظاهرة متفشية في مختلف ربوع الوطن، ما دفعها لإطلاق حملة تحسيسية توعوية للحد منها، مشيرة إلى أنها وقفت على صور مؤسفة لكمامات مرمية على الأرض و أمام مقاعد الحدائق و الفضاءات العمومية، كما نشرت فيديو بصفحة الجمعية لإبراز خطورة هذه الأقنعة الواقية، خاصة على الأطفال و عمال النظافة، و حقق الفيديو تفاعلا افتراضيا ، غائبا في الواقع.
تنديد بخطورة السلوك
و يدعو نشطاء إلى التحلي بالوعي و المسؤولية، و الكف عن السلوكات التي تضر بصحة المواطنين و  خاصة الأطفال، حيث قال ناشط في منشور له على فايسبوك « رمي الكمامات في الشارع بعد الاستعمال، طريقة لنقل العدوى قد يكون ضحيتها طفل أو شخص راشد يجهل خطورتها»، و  أضاف آخر « لطالما كان رمي النفايات العشوائي سيئا، لكن اليوم مع فيروس  كورونا أصبح جريمة عظمى،  نتمنى أن تنتهجوا أسلوبا خاصا للتخلص السليم منها،  ليس بهذه الطريقة نحمي أنفسنا والآخرين، بل بالعكس تساهمون في إلحاق الضرربكم و بمحيطكم» ،  فيما قال آخر"سلوك خطير يحول وسيلة الوقاية إلى ناقل للعدوى"،   و شددوا على الأضرار التي تلحق بالبيئة ، الشريان الأساسي الذي يمدنا بالأوكسجين، حيث استطاعت الطبيعة أن تتخلص من الغازات الحارقة و المواد الكيميائية المضرة و من أطنان القاذورات التي كانت ترمى بشكل يومي،  نتيجة توقف المصانع الملوثة للجو و حركة النقل و غيرها.
عمال نظافة يؤكدون
الظاهرة تفاقمت بعد رفع الحجر
تحدثنا إلى بعض الأعوان المكلفين بتنظيف الأحياء و الشوارع و جمع النفايات، فأكدوا لنا أن الرمي العشوائي للكمامات أصبح مشكلا يؤرقهم، و قال لنا رمزي، و هو عامل تنظيف التقيناه بوسط المدينة، بأن ظاهرة رمي الكمامة تفاقمت بعد رفع الحجر المنزلي، حيث لم يعد ، حسبه، المواطن يلتزم بوضع الكمامة بشكل مستمر منذ خروجه من بيته، و يكتفي بوضعها في الأماكن و الهياكل التي تفرضها، و يتخلص  منها بمجرد خروجه برميها على الأرض، بالرغم من توفر حاويات بنقاط مختلفة، مؤكدا بأنه أصبح يتعامل بحذر أكبر و يتجنب لمسها بيده و يحملها بالمكنسة و المعول،  و أردف آخر مكلف بالجمع على مستوى أحد أحياء بلديات قسنطينة، بأنه يكتفي بجمع أكياس القمامة من الأماكن المخصصة لها و يتجنب حمل المرمية بشكل عشوائي.  
* البروفيسور نور الدين سماعيل مختص في علم الأوبئة
الكمامة المرمية فضاء لتكاثر الميكروبات و الفيروسات
  البروفيسور نور الدين سماعيل، رئيس مصلحة علم الأوبئة و الطب الوقائي بمستشفى مصطفى باشا ، قال للنصر،  بأن السلوك المتفشي المتعلق برمي الواقيات الطبية بشكل عشوائي على الأرض، مرتبط بالآداب العامة و احترام المحيط الذي نعيش فيه، مؤكدا بأن رميها على الأرصفة،  له عواقب لا تنحصر في نقل العدوى و زيادة عدد الإصابات فقط، لأن فيروس كورونا المستجد يموت بعد ساعة من رميها، بل يتحول القناع الواقي إلى فضاء لتجمع الميكروبات و الفيروسات و تكاثرها، و هو ما يصبح يشكل خطورة على صحة الإنسان، و بالأخص الأطفال الذين لا يدركون ما تشكله تلك الكمامة من خطر على صحتهم، حيث يحملونها و يعتبرونها وسيلة للعب و اللهو ، ما قد يؤدي إلى إصابتهم بأمراض، بالإضافة إلى أنها تشكل خطرا على عمال النظافة و أعوان جمع القمامة الذين لا يستعملون في كثير من الأحيان الوسائل الوقائية في العمل، ما يهدد صحتهم .  
و أكد المتحدث، بأن سلسلة التخلص منها بشكل آمن سهلة، و لا تستدعي إجراءات معقدة، لكونها لا تدخل ضمن خانة النفايات الطبية، إذ تبدأ من المواطن بحرصه على وضعها داخل كيس و غلقه بإحكام، ثم رميه في حاويات القمامة إذا كان في الخارج،  أو في سلة قمامة بالبيت، لتجمع في ما بعد مع النفايات المنزلية .
و نفى البروفيسور الشائعة  المتداولة التي تفيد  أن رمي المصاب بكوفيد 19 كمامته في الأرض يصيب غيره بالعدوى ، من خلال تطاير الفيروس في الهواء، مؤكدا بأن الفيروس ينتقل في الهواء عن طريق سعال المصاب،  و تكمن خطورة ذلك في الأماكن المغلقة.
* فارس نجار خبير بيئي الحرق هو الوسيلة
الأنجع للتخلص من الواقيات الطبية  
أكد فارس نجار خبير بيئي، يحضر لمناقشة رسالة دكتوراه موسومة بعنوان « تأثير الاحتباس الحراري على الميكروبات»، بأننا لم نصل بعد إلى مرحلة معالجة النفايات بالشكل المطلوب، و لم نساير التطورات الحاصلة في المجال، كما لم نتكيف مع الجائحة في هذا الشق، حيث نلاحظ بأن التعامل مع هذه النفايات شبه الطبية، يتم بشكل غير مدروس، و لامبالاة ، بما قد تسببه من زيادة في الإصابات.  
محدثنا شدد على ضرورة الجمع الانتقائي و انتهاج عملية معالجة نوعية، تبدأ من المواطن بقيامه بتعقيمها بمادة الجافيل و وضعها في كيس بلاستيكي قبل رميها،  ليتم جمعها مع النفايات المنزلية ، و يتم فرزها و حرقها في محرقة نفايات ذات 1200 درجة مئوية، و ذلك حفاظا على البيئة، مؤكدا بأنها بمثابة وحش نائم لا نقدر عواقبه في الظرف الحالي.
* مدير مؤسسة التطهير والنظافة «بروبكو» نبيل بوصبع
قدمنا توصيات لعمال النظافة حول كيفية التعامل مع الكمامات المبعثرة
من جهته أكد مدير مؤسسة التطهير والنظافة «بروبكو» نبيل بوصبع، للنصر، بأنه لم يتم وضع استراتيجية للتخلص من النفايات الجديدة التي فرضتها الجائحة، نظرا لعدم توفر الإمكانات اللازمة، لكن تم وضع توصيات و توفير وسائل واقية لعمال النظافة، لتسهيل عملهم و حمايتهم من خطر الإصابة، و ذلك  بجمع الأقنعة المرمية مع ضرورة تمزيقها و جمعها في أكياس القمامة و غلقها، لكي لا تستعمل مجددا و إبعادها عن الأطفال.  
و أضاف بأنه و لحد الساعة، يتعامل مع الكمامة كنفاية عادية، مضيفا بأن دور المؤسسة يقتصر على جمع القمامة و الكنس و التعقيم، لتحول إلى مراكز التجميع و ردم النفايات، محملا المسؤولية للمواطن، لكونه لم يلتزم بالبروتوكول الصحي، و من بين نقاطه الأساسية ضرورة التخلص من الكمامة بطريقة آمنة.
* لطفي فاس مدير مركز الردم التقني
هكذا تكيفنا مع الجائحة في عملية ردم النفايات
في المقابل أوضح لطفي فاس، مدير مركز الردم التقني بولاية قسنطينة،  بأنه تم وضع إستراتيجية  جديدة للتعامل مع النفايات الجديدة التي فرضتها الجائحة و المتعلقة أساسا بوسائل الوقاية، بتقسيم طريقة عملية المعالجة إلى شطرين، الأول يتعلق بالنفايات الخاصة بكوفيد 19 التي يتم جمعها من مراكز الحجر الصحي، و ذلك على مستوى عدد من فنادق الولاية، و التي يقيم بها أشخاص يشتبه في إصابتهم بالفيروس، حيث يتم ردمها في حفرة بعمق 3 أمتار، و عرض 1.5 بشكل يومي، و يتم وضع الجير قبل تغطيتها بشكل جيد بالتراب.
أما بخصوص الكمامات التي تجمع من النفايات المنزلية، فيتم معالجتها بشكل عادي، مشيرا إلى أنه تم التكيف في عملية الردم التقني مع الجائحة، مع الحرص على سلامة الأعوان بمنع فرزها، و إنما ردمها مباشرة مع النفايات العادية، مؤكدا بأنه يتم التعامل مع مختلف أنواع النفايات بحذر، مع الحرص على وضع الجير، بحيث لا تكون القمامة ظاهرة للعيان.
* مسؤول مصلحة النظافة ببلدية قسنطينة سعدون خنين
الرمي العشوائي للكمامات متواصل
و قال مسؤول مصلحة النظافة ببلدية قسنطينة سعدون خنين، للنصر، « المواطن مستمر في الرمي العشوائي للكمامات و يعاني عمال التنظيف و الجمع كثيرا من هذه المشكلة، لقد  أطلقنا حملة تحسيسية بالتنسيق مع مديرية البيئة و جمعيات الأحياء،  للحد من الرمي العشوائي، لكننا لم نلمس أي تفاعل و ظلت الظاهرة  متفشية».
أ ب 

الرجوع إلى الأعلى