كانت السيّدات دليلة  و فوزية و عقيلة، يتأثرن كثيرا بمعاناة ضحايا سرطان الثدي، و لم يتوقعن يوما أن يصبن به، حتى أن إحداهن أكدت أنها من فرط التأثر و التعاطف مع هذه الشريحة من المرضى و الخوف من الداء الخبيث، كانت تتجنب متابعة البرامج التلفزيونية والإذاعية المخصصة للتحسيس بالمرض، و تخشى حتى ذكره، لكن القدر شاء أن تعاني السيّدات الثلاث من آلام سرطان الثدي، و يتحمّلن جحيم علاجه الذي أكدن في حديثهن للنصر أنه « حارق»، و غيّر مجرى حياتهن، حيث قررن التسلح بالإرادة و الشجاعة و قوة الإيمان و حب الحياة،  لمكافحة الداء إلى آخر رمق، و الانتصار عليه، ليتمتعن اليوم بحياتهن بشكل طبيعي.

أسماء بوقرن

- السيّدة دليلة بن حركو : هزمـت السرطان بالتحـدي و مرافقـة و دعم زوجـي


عادت السيّدة دليلة بن حركو، 54 عاما، بذاكرتها إلى 2009، كانت حينها في 43 من عمرها، متزوجة منذ نحو 8 سنوات، و كانت، كما قالت للنصر،  تمارس حياتها  اليومية بشكل طبيعي، و لم تكن تترك الملل يعكر صفو حياتها، فقد كانت و لا تزال تعشق الحياة و تستثمر كل لحظة فيها لتحقيق السعادة و الراحة النفسية، كما كانت حريصة على حضور المناسبات العائلية و التنزه و الالتقاء بأفراد عائلتها الكبيرة.
و أضافت المتحدثة أنها في ذات السنة، اكتشفت بالصدفة إصابتها بسرطان الثدي، حيث أنها لم تشعر بألم و لم تجد ورما في صدرها، و كانت تتمتع بصحة جيدة، لكن صديقتها اقترحت عليها، بمناسبة أكتوبر الوردي، إجراء فحص ماموغرافي، و لم تكن من قبل تعر اهتماما للموضوع، و تعتقد أنها لن تصب بالسرطان.
 بعد تردد وافقت على الفحص، و فوجئت بوجود كتلة صغيرة على مستوى ثديها الأيمن، ثم تم توجيهها لأخذ خزعة من هذه الكتلة ليتم تحليلها، و تحديد إذا كان الورم حميدا أو خبيثا، فصدمت بعد ظهور النتيجة التي كانت إيجابية .
و تابعت السيدة بن حركو أنها وجدت نفسها أمام واقع لا مفر منه، فقد تسلل المرض القاتل إلى جسدها، و لم تتمكن من إخفاء حزنها و خوفها الشديد،  لكنها سرعان ما تمالكت نفسها و قررت رفع التحدي، قاطعة عهد على نفسها أن تحارب المرض إلى آخر دقيقة من عمرها، فالموت بالأجل و ما المرض إلا سبب، و استمدت شجاعتها من قوة إيمانها بالقضاء و القدر، و كذا بالدعم و المساندة التي تلقتها من عائلتها، و بالأخص زوجها الذي أدى دورا مهما و أساسيا و كان خير سند لها في رحلة العلاج.
زوج دليلة كان يعمل بشركة سوناطراك بحاسي مسعود، لكنه لم يشأ أن يترك زوجته تتكبد مرارة المرض و تتجرع آلامه بمفردها، فقرر ترك منصب عمله، ليظل إلى جانب زوجته ، حيث كان حريصا على مرافقتها إلى الأطباء و إجراء التحاليل و الفحوص ، لتسريع وتيرة العلاج للقضاء على المرض، و هو ما جعل دليلة أكثر شجاعة و تواجه آلام المرض بكل قوة.
قرر الأطباء بعد ذلك إخضاعها لعملية استئصال ثديها، ثم تابعت حصص العلاج الكيميائي، ثم العلاج بالأشعة، و كانت أصعب فترة مرت بها، و كان ذلك سنة 2011، حيث قضت سنة كاملة بين المستشفى و البيت، و كانت تسعى لإخفاء آلامها ، لتبدو أمام عائلتها و زوجها في أحسن حال، و تحاول أن تمدهم بالقوة.
دليلة قالت في حديثها للنصر إنها قررت ألا تخفي مرضها، كما تفعل شريحة واسعة من المريضات،  و تعايشت معه، كانت تحاول قدر المستطاع، حضور المناسبات العائلية و زيارة الأقارب، لم تكن تترك الملل و الشعور بالوحدة يتسللان إلى حياتها، مضيفة بأن علاج هذا المرض يعتمد على العامل النفسي بنسبة 50 بالمئة، إلى جانب عدم التأثر بتجارب الآخرين، حيث كانت تعتبر نفسها حالة معزولة تختلف عن كل النساء المصابات، و هذا عامل هام أيضا في مجابهة المرض.دليلة صارعت الداء بكل ما أوتيت من شجاعة و دعم زوجها و عائلتها، و في النهاية تمكنت من هزمه و التغلب عليه، و لم تترك له المجال ليسرق المزيد من رغبتها في التمتع بالحياة، هي اليوم تنعم بصحة جيدة و تقوم بمهامها المنزلية و كذا التطوعية و التضامنية.
و ذكرت المتحدثة أنها تقدم اليوم يد العون للمرضى، من خلال دار واحة لرعاية مرضى السرطان، التي وجهتها إليها صديقة التقتها بالصدفة في حافلة لنقل المسافرين،  فلم تتردد في الانخراط بها منذ سنة 2012.
و توجه دليلة اليوم رسالة أمل، عبر منبر النصر، إلى المصابات بسرطان الثدي، مفادها أنهن يجب أن يخضن حربا ضروسا ضد المرض، و يتسلحن بالشجاعة و القوة و الصبر ليهزمنه.

- السيّدة فوزية خدة: الكتابـــة كانـت رفيقتـــي في رحلـة العـلاج


السيّدة فوزية خدة،  55عاما، أم لأربعة أبناء، أكبرهم في 24 من عمره، حربها مع المرض لا تقل ضراوة عن حرب السيدة دليلة معه، لكنها تسلحت أيضا بالإرادة و الإيمان بقضاء الله و قدره، فصارعته و تمكنت من الانتصار عليه،  و تحدثت للنصر عن  تجربتها مع العلاج الكيميائي و العلاج بالأشعة، و خضوعها لعمليتين جراحيتين، مؤكدة أن رحلتها العلاجية صعبة جدا.
السرطان كان هاجسا بالنسبة للسيدة خدة، قبل أن تصاب به، فكانت تتجنب ذكره و متابعة البرامج المخصصة له ، و لم تكن تتوقع أنها ستصاب به، كما لم تفكر في الذهاب طوعا لإجراء فحوصات خلال أكتوبر الوردي.
و في سنة 2016، اكتشفت عندما كانت تستحم، كتلة أسفل إبطها بمحاذاة ثديها، فخرجت قبل أن تنتهي من الاستحمام، و توجهت إلى عيادة طبية خاصة،  للمعاينة و الفحص الماموغرافي، فتأكدت بعد سلسلة من الفحوصات الأخرى من إصابتها بسرطان الثدي، كانت الصدمة كبيرة بالنسبة إليها، و لم تتقبل في البداية مرضها و واجهته بالصراخ و البكاء ثم الكتمان، و لم تبح بسرها سوى لزوجها.
و قررت السيدة فوزية أن تواجه الداء و تعيش من أجل زوجها  و أولادها الذين قررت ألا تخبرهم بمعاناتها، و باشرت العلاج الكيميائي الذي كان بمثابة جرعات حارقة تنخر جسدها، فالألم لا يمكن وصفه بكلمات.
و بعد ثلاث حصص، قرر الأطباء إخضاعها لعملية استئصال جزء من ثديها المصاب، كان ذلك خلال شهر ديسمبر 2016، و اكتشف أبناؤها إصابتها، و تأثروا كثيرا ، فانعكس ذلك على دراستهم، و تراجعت معدلاتهم الفصلية.
و أضافت المتحدثة أن ما حدث لأبنائها أثر كثيرا على حالتها النفسية، مضيفة بأنها كانت تواجه معاناة أبنائها و معاناة العلاج الكيميائي و العلاج بالأشعة الذي واصلته بعد العملية، فقرر زوجها الاستفادة من التقاعد النسبي للتكفل بها و بأبنائها، مشيرة إلى أن فضل شريك حياتها عليها كبير جدا ، خلافا لبعض النساء اللائي تخلى عنهن أزواجهن في بداية رحلة العلاج، مؤكدة بأنها لن تنسى ما فعله من أجلها و ستظل ممتنة له طوال حياتها، و تابعت أن الاختيار الجيد لشريك الحياة تظهر نتائجه في أحلك الظروف التي قد تعيشها الزوجة.
محدثتنا خضعت لعملية استئصال كلي للثدي سنة 2018 ، نتيجة حدوث التهاب داخلي، فانطوت على نفسها ، و ابتعدت عن الناس حتى لا ترى نظرات الشفقة في عيونهم و لا تسمع كلمة «مسكينة» ، و وجدت في الكتابة، كما أكدت للنصر، ما يأخذها بعيدا عن هذا العالم و ينسيها الألم، فكتبت مذكراتها خلال فترة العلاج  و كلها أمل في غد أفضل ، مشيرة إلى أن ما أصابها بمثابة درس قاس، حسبها، علمها أن تكون واعية و ملمة بكثير من الأمور، و بالأخص المتعلقة بالجانب الصحي.
و أضافت أنها تتابع اليوم كل الدراسات و الأبحاث و البرامج حول السرطان، داعية في ختام حديثها، إلى تطوير القطاع الصحي، خاصة في مجال تشخيص الأمراض، مشيرة إلى أن أختها الكبرى خضعت لعملية استئصال ثديها، و  بعد إجراء تحاليل اتضح أنها لم تصب بتاتا بالسرطان.

- السيّدة عقيلة:  عانيت كثيرا خلال فترة العلاج الكيميائي  وأخفيت آلامي عن العائلة


عقيلة، أم لولدين و بنت، أصيبت بالمرض الخبيث في 2010 ، قالت عن تجربتها «كنت حينها في 54 من عمري، و لم أفكر قط في احتمال إصابتي بالداء الخبيث، كنت أحب الاطلاع على الدراسات الطبية و أسعى لاكتساب ثقافة صحية واسعة، لكنني كنت أتجنب كل ما يتعلق بالسرطان، و لم أفكر يوما بإجراء فحوص.
و في أحد الأيام، و بعد انتهائي من تنظيف البيت، استلقيت لأخذ قسط من الراحة، فوضعت يدي على صدري، فوجدت كتلة صلبة، فشعرت بأنني تعرضت لشلل بأطرافي و بدماغي، و تجمدت في مكاني».
و أضافت المتحدثة» توجهت مباشرة لإجراء الفحص الماموغرافي، ثم ذهبت إلى عيادات ثلاثة مختصين في أمراض النساء ، و كنت أتمنى  أن ينفي أحدهم إصابتي، لكنهم أجمعوا على العكس، حينها انقلبت حياتي رأسا على عقب و عشت حالة من الرعب .
كنت أتجنب حتى النظر إلى وجهي في المرآة، لكنني كنت حريصة أشد الحرص على العلاج، شرعت في البحث عن أسرار المرض و مراحل علاجه بالتفصيل، و لم يعلم بمرضي سوى زوجي و زوجة أخي ، التي قدمت لي الدعم و المساندة الكاملين و رافقتني طيلة فترة العلاج.
  فضلت إخفاء الأمر عن أولادي، و بالأخص ابنتي التي لم يمض على زواجها سوى 3 أشهر، و كانت حاملا ، لم أشأ أن أفسد فرحتها، و حرصت على استغلال الوقت أحسن استغلال، لأتابع العلاج بوتيرة سريعة، ففي ظرف شهر أجريت العملية، ثم خضعت للعلاج بالأشعة، و كان الفضل لصديقتي التي بذلت جهدها للتعجيل بذلك، بعد أن واجهت مشاكل عديدة».
و تابعت السيدة عقيلة»عانيت كثيرا خلال فترة العلاج الكيميائي و العلاج بالأشعة التي دامت سنة كاملة، غير أنني كنت أخفي آلامي، و أتظاهر أمام أسرتي بأنني بخير، و بفضل الله تماثلت للشفاء، و قررت الانخراط في جمعية واحة و أصبحت كلما أمسح دمعة مريض، أشعر بالفرح، و اكتسبت طاقة إيجابية، فأنا متيقنة بأن الموت بالأجل، و كل الأمراض يمكن أن تقتل، و ليس السرطان فقط إذا حان الأجل.
كما تعلمت من تجربتي الصعبة القدرة على مواجهة كل الصعاب، و تجاوز كل المطبات التي أقابلها في حياتي، و اكتست القوة و الشجاعة، و أدعو كل النساء إلى الفحص المبكر و اكتساب ثقافة صحية .

الرجوع إلى الأعلى