تكتسي حفلات النجاح في الآونة الأخيرة حلة جديدة، تطبعها مظاهر البذخ و الترف، و الفخامة في كل شيء، لتوضع قيمة الشهادة المعنوية جانبا، و تراهن على مزايدات مالية تتنافس فيها بعض العائلات في سباق “بريستيج” حفلات نجاح أبنائها التي اختارت منصات التواصل الإجتماعي مسرحا لها، وسط نداء المختصين بغرس القيم، عوضا عن التركيز على الماديات.
بالرغم من الظرف الصحي الاستثنائي الذي تمر به الجزائر، على غرار باقي بلدان العالم، وبالرغم من منع التجمعات من طرف السلطات العليا، تفاديا لنشر عدوى فيروس كورونا، إلا أن الكثير من المواطنين ضربوا كل ذلك عرض الحائط، خاصة في الأيام الأخيرة، ففور الإعلان عن نتائج شهادتي التعليم المتوسط و البكالوريا، فتح المجال للتنافس على من يقيم الحفلة الأجمل و الأضخم.
فيلات بمسابح و ملايين ترمى في المزابل
كان الكثيرون في السنوات الأخيرة يركزون على إقامة ولائم و ذبح الذبائح، و توجيه دعوات لأعداد كبيرة من الأقارب و الأحباب، لكن فرحة “الباك” و “البيام” هذا العام استثنائية، ما جعل عائلات الناجحين تقرر إقامة حفلات استثنائية تليق بالحدث، بعيدا عن القيم المعنوية، خاصة بالنسبة لشهادة الباكالوريا التي تعد الأثمن في مسار أي تلميذ.
و قد ظهر نوع جديد من الحفلات يتم التركيز فيه على الديكورات الفخمة و الحلويات العصرية، فضلا عن طريقة التقديم و الخروج من محيط البيت، لإقامة حفلات “في المستوى”، كما يرى الناجحون و ذويهم، حيث يتم كراء فيلات، خاصة تلك التي تحتوي على مسابح، و اختيار ديكور فخم و ألوان مميزة لتزيينها، كما لاحظنا في الصور الكثيرة التي يتم تداولها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لحفلات شهدت جدلا واسعا بين مؤيد يدعو للاقتداء بها، و معارض يرى فيها نوعا من الإسراف و التبذير في فترة حرجة، كما قالت السيدة ليلى التي اعتبرتها مبالغة لا جدوى منها، و من المفروض توجيه المبالغ المالية التي صرفت من أجلها، لمساعدة الأسر المعوزة خاصة، و أننا في فترة الالتحاق بالمدارس.
أما أصحاب هذه الحفلات، فقد اعتبروها طريقة مميزة في التعبير عن الفرحة بنجاح أبنائهم، فالسيدة سليمة قالت للنصر، أن حفلة نجاح ابنتها في شهادة “البيام” و كلفتها 20 مليون سنتيم فقط، في تحضير الحلويات و الديكور، مؤكدة أن فرحة النجاح كبيرة ، و مادام المال متوفرا، فلا يعتبر خسارة أو تبذير، التعبير عن فرحها بابنتها الوحيدة.
و قالت أم أخرى أنها لو كانت تملك المال الكافي، لأقامت حفلا يتحدث عنه الجميع بمناسبة نجاح ابنها، علما أن الكثير من الأسر المحدودة الدخل و حتى الفقيرة، قد تكلف نفسها فوق طاقتها، من أجل مسايرة موضة هذا النوع من الحفلات.
مواقع التواصل الاجتماعي تشعل المنافسة
تعد مواقع التواصل الاجتماعي من بين الوسائل التي تساهم في الإشهار لما بات يعرف بالموضة، التي تنتشر بشكل سريع بين الأسر و أبنائها، نتيجة نشر صور يتم تبادلها بين رواد هذه المواقع، و التي تحولت إلى مقاييس يحاول الجميع تقليدها في حفلاتهم، خاصة نوعية المأكولات المقدمة،، الديكور، و حتى ملابس الناجحات بشكل خاص، فقد أصبحت الفتيات تلجأن لكراء أو شراء فساتين باهظة الثمن، من أجل حفلات نجاحهن التي تحرصن على تخليدها بالصور و الفيديوهات لتحفيز زميلاتهن على مجاراتهن، بإقامة حفلات مشابهة أو تفوقها فخامة.
أما عن طريقة استقبال المدعوين و الاحتفاء بهم، فقد ابتعدت عن التقاليد المعروفة، و تم الاعتماد على أساليب عصرية دخيلة على المجتمع الجزائري، و بعيدا عن السينية التقليدية، أو الطاولة البسيطة، يستعرض أصحاب هذه الحفلات إمكانياتهم المادية على “بوفيهات” فخمة، تعرض حلويات مختلفة عن الحلويات الجزائرية المعروفة، فبدل لعرايش و طمينة اللوز، تقدم “الماكارون” الملون و “الكاب كايك”، “الماغنومز” و غيرها، و يتم استعمال لون واحد في جميع الحلويات المعروضة، خاصة الوردي، الأبيض أو الذهبي، مع الحرص على استعمال مواد تغليف و تزيين عالية الجودة، قد تكلف مبالغ أكثر من المواد التي تصنع بها الحلويات أصلا، غير أنها ترمى في نهاية المطاف في المزابل.
فخ للمدعويين!
لا شك أن الجميع يرغب في حضور حفلات مماثلة من أجل الاستمتاع بالأجواء الخاصة و المميزة، و تناول أشهى و أرقى أنواع الطعام و الحلويات، إلا أن “الضريبة” أضحت غالية جدا، فمن يدعى لحضور هذه الحفلات، يجد نفسه في مأزق كبير، خاصة بالنسبة للعائلات البسيطة أو الفقيرة، حيث يكلفها توفير هدية تليق بالحفلة و أهلها، الكثير من المال.
و بالرغم من أن أصحاب مثل هذه الحفلات قد لا ينتظرون هدايا، إلا أن المدعوين مجبرون على الحضور بأياد مملوءة، غير أن تقديم مبلغ ألف أو ألفي دينار للناجح، أصبح يسبب الحرج للكثيرين، مقابل الترف الذي يجدونه هناك، فأحيانا قد يحصلون هم أنفسهم على هدايا من أصحاب الحفلة، كتذكار للمناسبة قد تفوق قيمته ما يفكرون في منحه لهم كهدية.
و قالت السيدة آمال أن حفلات اليوم أضحت تعتمد على”خذ و هات” كالسوق، مشيرة إلى أن الكثيرين يوجهون الدعوات من أجل استرجاع ما قدموه للمدعوين، فالماديات طغت على المناسبات التي كانت فيها قيمة الهدية معنوية أكثر من مادية، تدخل السرور للناجح و يفرح أهله بحضور قريب أو جار أو صديق و مشاركته فرحتهم أكثر من الهدية التي ينتظرونها منه.
rأخصائية علم النفس الاجتماعي الدكتورة سليماني صبرينة
الماديات طغت على المجتمع بدل غرس القيم
وصفت أخصائية علم النفس الاجتماعي الدكتورة سليماني صبرينة، العصر الحالي بعصر الماديات، و قد انعكس ذلك على كل الممارسات في المجتمع، ما سمح بدخول عادات جديدة قائمة أساسا على كل ما هو مادي، و من بينها حفلات النجاح في مختلف الأطوار التعليمية و حتى حفلات التخرج من الجامعة، حيث باتت تكلف مبالغ مالية طائلة ، بعيدا عن قيمة النجاح في حد ذاته. و أوضحت أنها تحولت إلى ظاهرة يتنافس فيها الكثير من الجزائريين، مرجعة كل ذلك إلى طريقة نشأة و تربية الأفراد، الأمر الذي خلق ما يشبه الاستعراض في هذه الحفلات و من حفلته أفضل من غيره، داعية إلى ضرورة تجاوز كل ذلك من خلال عمل الأولياء على غرس القيم في نفوس أبنائهم و الاحتفال بطرق أخرى يستثمر فيها كل ذلك المال، أو يوجه للصدقات لمساعدة المحتاجين. كما حذرت الدكتورة سليماني من خطر الانصياع وراء ما تروج له مواقع التواصل الاجتماعي، التي قالت أنها تمكنت حتى من رقمنة عاداتنا و تقاليدنا و جردتها من قيمتها الحقيقية. إ.زياري
منصات التواصل «مسارح» للتنافس: بـذخٌ و تــرف يُغيِّران «مـلامــحَ» حفــلات النجــاح
- التفاصيل
-
توجيهات عن بعد لتعزيز ثقافة المتابعة: مختصون يكسرون النظرة التقليدية للعلاج النفسي
استطاع أخصائيون نفسانيون من الجزائر، أن يصنعوا محتوى متخصصا مطلوبا على مواقع التواصل الاجتماعي يحظى بالمتابعة...
2500 سائح من 5 قـارات زاروها في شهرين: قسنطينة تعيش ربيعها السياحي
تستعيد قسنطينة بريقها و تستقطب السياح بشكل مكثف في السنوات الأخيرة، ما يضعها في مقدمة الوجهات الثقافية...
عناية بحيوانات منزلية وتطوّع لعلاج أخرى مشرّدة: الرعاية الصحية للقطط ضرورة لتجنّب الأوبئة
يعرف الاهتمام بالرعاية الصحية للحيوانات تزايدا منذ الجائحة كما يؤكده بياطرة، قالوا إن المربين صاروا...
تنافس بقوة وتفرض إنتاجا مختلفا: هل ستنهــــي منصــات البــث التدفقــي زمن التلفـــاز؟
استثمرت منصات رقمية للبث التدفقي بقوة في عادات التلقي الجديدة التي شكلتها التكنولوجيا الحديثة، وذلك طوال...
موسم جديد ينطلق بقسنطينة: تقطير الورد والزهر يدخل دائرة الأنشطة الاقتصادية
تتعطر مدينة الصخر العتيق هذه الأيام، بنسائم الزهر والورد، الذي يفوح عبقه من بيوت ألف أهلها عادة التقطير، التي ظهرت...
تستقطب زبائن من دول مجاورة ولا تنام قبيل الأعياد: علي منجلي تتحوّل إلى عاصمة للتسوّق بالشرق الجزائري
أصبحت المقاطعة الإدارية علي منجلي في قسنطينة، عاصمة للتسوّق في الشرق الجزائري، بعد نجاحها في جذب...
أغنية "من زينو نهار اليوم" للراحل عبد الكريم دالي : نشيــد الفـــرح الخالــد في عيــد الجزائرييـــن
تشكل أغنية "من زينو نهار اليوم صحة عيدكم" للراحل عبد الكريم دالي، رمزا من رموز الهوية الموسيقية الجزائرية و الموسيقى...
تقليد مكرّس بقرى جبال جيجل: “لوزيعــة” عــادة الأجـداد لاستقبال الشهـر الفضيل
تحافظ العديد من العائلات القاطنة بأعالي جبال جيجل، على عادة "لوزيعة" قبل حلول شهر رمضان الفضيل،...
مختصون يحذّرون من العزلة الاجتماعية: إشراك كبار السن في الأنشطة اليومية مهم لصحتهم النفسية والجسدية
تعاني شريحة من كبار السن عزلة اجتماعية، ونوعا من الوحدة والتهميش، إذ يميل أشخاص إلى التعامل مع...
انتعاش تجــارة الألـوان والنكهات قبيل رمضان: سيّـدات يقتحمن سوق التوابل وتحـذيـرات من الــغش
تعرف تجارة التوابل والأعشاب خلال الأيام الأخيرة انتعاشا كبيرا، وإقبالا قياسيا على مختلف محلات...
<< < 1 2 3 4 5 > >> (5)