تستقطب مرتفعات السرى بقالمة، مع نهاية الصيف و عودة نسيم الخريف، كثيرا من عشاق الطيران الشراعي، على غرار عصام دبابي و عبد الرحيم حاجوجي و أصدقاء لهما، يستهويهم الطيران الشراعي الذي يمارسونه منذ سنوات ليست بالكثيرة، على يد المدرب إبراهيم فركوس، صاحب نادي بلدية الركنية، أشهر عنوان في المدينة لعيش المغامرة و التجوال و استكشاف الطبيعة.
شباب يصنعون الفرجة
منذ بداية جائحة كورونا، لم يتوقف هؤلاء الشباب الهواة عن ممارسة الطيران الحر و الاستمتاع بالمغامرة في السماء المفتوحة بعيدا عن ضغط المدينة و ضيق المنازل المغلقة، حيث اتخذ هؤلاء الشباب أرضا منبسطة تعلو هضبة من نباتات الديس و القندول، كمنصة لهم تحط عليها مضلاتهم الشراعية القادمة من نقطة الانطلاق بمرتفعات الركنية أو بوحمدان، وذلك بعد أن يكونوا قد فردوا أجنحة المتعة واغتنموا لحظاتها وهم يحلقون أحرارا آملين في تكرار التجربة مجددا في حال سمحت لهم الظروف المناخية بذلك، فالطيران يتطلب قواعد ميكانيكية و فيزيائية لا يمكن تخطيها، و إلا تحولت المهمة إلى مغامرة غير محمودة العواقب.
و تعد مرتفعات السرى بقالمة، من أحسن المواقع المناسبة لممارسة هذه الرياضة الممتعة، إلى جانب مواقع أخرى بجبال طاية بوعسلوج و دباغ، وحسب عصام دبابي، رئيس جمعية «غار جماعة» للسياحة و الرياضة الجبلية لبلدية بوحمدان، فإن ممارسة الطيران كل مساء بمرتفعات السرى، متعة و تشويق لا يمكن التخلي عنهما،  خصوصا عندما تساعد الظروف المناخية على الإقلاع و التحكم بالمظلة على ارتفاعات محددة.
تحضيرات تتسم بالتركيزو الدقة
و أضاف عصام، الذي بلغ مراحل متقدمة من التدريب و المهارة بأن الطيران الشراعي يتطلب دقة وتركيزا، لذلك يتوجب عليه في كل مرة أن يطلع أولا على أحوال الطقس قبل التوجه إلى موقع الطيران، و يطلع رفقائه على الوضع ليتأكدوا من أن الأجواء مناسبة للتحليق على علو يقارب أحيانا 874 مترا فوق سطح البحر، مشيرا إلى أن خصوصية هذه المنطقة تكمن في توفر أفق واسع للطيران يمكن بفضلة رؤية سواحل عنابة و سكيكدة،  خصوصا إذا ما كانت الأجواء صافية.
عند الوصول يقوم فريق الطيران بتركيب أجهزة قياس اتجاه الرياح و سرعتها، قبل اتخاذ القرار النهائي، فإما التحليق أو الاستمتاع بالأمسية الجميلة ومن ثم العودة إلى الديار، في انتظار يوم يكون فيه الطقس مناسبا أكثرا ومساعدا على ضمان هبوط آمن.
محدثنا قال، بأنه اكتسب رفقة صديقه عبد الرحيم حاجوجي، خبرة كبيرة في ترويض المظلة، و التحكم في تقنيات الإقلاع و الطيران على ارتفاعات مختلفة، ناهيك عن اختيار الاتجاهات و أماكن الهبوط في حالة الطوارئ، بينما لا يزال باقي أعضاء الفريق يتدربون على مهارة التحكم فيها دون طيران، وذلك كمرحلة أولى حيث يعتمد التدريب حسبه، على فتح المظلة و المشي بها في موقع الطيران مرات عديدة تحت أنظار المدربين و مع التقيد التام بتعليماتهم الصارمة، إذ يمضي هؤلاء المبتدئون، وقتا طويلا في اكتساب المهارات البدنية والتقنية، قبل السماح لهم بالإقلاع و الطيران على علو منخفض و لمسافة قصيرة ثم العودة من جديد إلى القاعدة بأمان، في انتظار المغامرة الكبرى و الطيران بحرية في الأجواء المفتوحة.


أوضح لنا محدثنا، بأن طبيعة الجولات و مدتها تتحدد بحسب سرعة الرياح، فعندما تكون أقل من 23 كلم في الساعة، يختار فريق الطيران لمسافات بعيدة، محلقين كالنسور دون قيد أو خوف لكن مع التحلي بالحذر مهابة أن تنقلب الأجواء فجأة بسبب مطبات هوائية غير متوقعة، قد تؤثر على سرعة وارتفاع و اتجاه المظلة بالمقابل يختارون القيام بجولات قصيرة فوق الموقع دون الابتعاد عنه كثيرا، إذا ما كانت سرعة الرياح تراوح 20 إلى 23 كلم في الساعة، و هو نشاط يعرف» بالسوارينغ»، حيث يمضون عدة ساعات محلقين يستعرضون مهاراتهم فوق الحقول الزراعية و غابات الديس و القندول، صانعين الفرجة أمام كثير من عشاق هذا النوع من الاستعراضات الرياضية، بما في ذلك الشباب والعائلات الذين يقصدون مرتفعات السرى و غار جماعة، للاستمتاع بجمال الطبيعة خصوصا بعدما ساعد تعبيد الطرقات على اكتشاف الكثير من المواقع السياحية الطبيعية الجميلة، التي ظلت غير معروفة للسياح بسبب العزلة وصعوبة التضاريس، ناهيك عن النزوح الذي عرفته هذه المنطقة من قالمة، قبل أن تعود إليها الحياة اليوم بفضل فريق الطيران الشراعي.  
هواية و سياحة
تجدر الإشارة إلى أنه ومنذ بداية الجائحة، تحولت الطبيعة في قالمة إلى ملاذ للهاربين من الحجر الصحي و الباحثين عن الهواء العليل و الفضاء المفتوح، حيث لا خوف من العدوى و لا حاجة للتباعد الاجتماعي، و يعد هواة الطيران الأكثر سعادة عندما يتحررون من العزل الصحي و يحلقون في الأجواء البعيدة بلا حدود.
و لا يكاد يمر يوم واحد من أيام الربيع و الصيف و الخريف دون تدريبات و مغامرات طيران بمرتفعات السرى، التي تعد بمثابة ناد تدريبي مفتوح  للطيران الشراعي الحر، يستغله يوميا و على مدار السنة تقريبا شباب  جمعية غار جماعة للسياحة و الرياضة الجبلية لبلدية بوحمدان  و أعضاء نادي  الطيران ببلدية الركنية، تحت قيادة المدرب إبراهيم فركوس، أحد أشهر المغامرين و عشاق التحليق و التجوال و التسلق و استكشاف الكهوف بالمنطقة.   
تنطلق مغامرة  عصام و وهاب و صالح و أمين  وكذا عبد الرحيم و رابح و حميد بعد زوال كل يوم، وتستمر إلى غاية غروب الشمس و لا يتوقف هؤلاء الرياضيون عن التحليق في السماء المفتوحة، إلى أن تنعدم الرؤية أو تضعف رياح المساء القادمة من سواحل المتوسط، وتصبح غير مناسبة على  رفع المظلة و التحليق بحاملها.
فريد.غ   

الرجوع إلى الأعلى