احتضنت أول أمس منطقة بني فرقان بالميلية، شرق ولاية جيجل، تظاهرة سياحية ثقافية، للتعريف بالمنطقة و اكتشاف معالمها و خصائصها، فانبهر المشاركون بها و غاصوا
في لوحاتها الطبيعية التي تجمع بين خضرة الغابات و زرقة البحر، وسحرهم  أكثر شاطئ  «أورار»، و المحطات التاريخية التي مرت بها المنطقة، خاصة خلال الثورة التحريرية، فالتقطوا عديد الصور لتخليد التظاهرة و ذكرياتهم في بني فرقان.
قامت جمعية السفير للسياحة، بإشراف مديرية السياحة و الصناعة التقليدية، بالتنسيق مع جمعية الأمل لمنطقة بني فرقان بلدية الميلية، بتنظيم تظاهرة سياحية ثقافية بمنطقة مازر ـ بني فرقان ـ حملت شعار «وجهة سياحية جديدة .. تؤرخ للثورة التحريرية المجيدة»، و ذلك بمناسبة اليوم العالمي للسياحة، المصادف لـ 27 سبتمبر من كل سنة، أي اليوم الإثنين.

أراد القائمون على التظاهرة، منحها طابعا سياحيا و تاريخيا، عبر الحديث عن تاريخ المنطقة و التأريخ لأول تظاهرة سياحية و ثقافية بالمنطقة، استقطبت أكثر من 150 زائرا، من عائلات، شباب و فتيات و أطفال، لاستكشاف المنطقة ذات الطبيعة الخلابة .
اجتمع المشاركون في الرحلة أمام مقر بلدية جيجل، و انطلقوا معا باتجاه أقصى نقطة حدودية بالجهة الشرقية للولاية، من ناحية البحر، و شاركتهم النصر الرحلة التي استغرقت ساعتين تقريبا على متن السيارة، مرورا عبر عدة بلديات و شواطئ بالجهة الشرقية عبر محور الطريق الوطني رقم 43، لتأخذ بعدها منحى آخر عبر الطريق الولائي رقم «132 ب» ، المتجه نحو ولاية سكيكدة.
أثناء الطريق الجبلي يمكنك الاستمتاع بالطبيعة الخضراء التي تسر الناظرين، فالجبال ذات غطاء نباتي كثيف و أشجار باسقة، و عندما وصلنا إلى منطقة مازر، بمنطقة بني فرقان، و جدنا حقلا مليئا بأشجار الزيتون، فقرر المنظمون أن يحتضن الجلسة الافتتاحية، للتظاهرة الثقافية السياحية،  فنزل الزوار الحريصين على تطبيق البروتوكول الصحي من ارتداء الكمامات، و تباعد جسدي.
منطقة بني فرقان قلعة من قلاع الثوار
المنظمون شرعوا في تقديم لمحة عن المنطقة، من الناحية السياحية، مسلطين الضوء على الأماكن و المعالم الموجودة بها، و عرج مجاهدون ممن عايشوا مرحلة الثورة التحريرية، للحديث عن الدور المحوري للمنطقة في الكفاح و تحرير البلاد من المستعمر الفرنسي الغاشم.
أكد المجاهد عبد الله دميغة، بأن منطقة بني فرقان من أبرز المناطق الثورية التي شهدت عدة معارك و مواجهات مع المستعمر الفرنسي، الذي سلط كل أشكال الظلم و الطغيان على الجزائريين، فاحتضنت بني فرقان الثورة و الثوار.
و أضاف أن منطقة أزرار، احتضنت في سنة 1955، الثورة بقوة، حيث انخرط العشرات من أبنائها في صفوف المجاهدين، فالتضاريس الصعبة، كانت عبارة عن معاقل للمجاهدين، و كانت تقع يوميا مواجهات بينهم وبين الجيش الفرنسي.
لقد كان المجاهدون يتحركون من جهة بني فرقان، و يعتمدون على التضاريس و الغطاء النباتي للاختباء، ثم مهاجمة المستعمر، ففي معركة «سوق الأربعاء»، تم قتل 22 عسكريا فرنسيا، ما جعل المستعمر يجمع عددا أكبر من قواته، لإضعاف المجاهدين بالمنطقة، ما أدى إلى استشهاد المئات من المواطنين، و رد عليهم المجاهدون بالمزيد من العمليات المسلحة  .
و تحدث المجاهد، عز الدين بوشباط، عن معركة « بو رميلة» الشهيرة، قائلا  «هناك معارك كثيرة، و معركة بورميلة كانت معركة فاصلة، لأنها وقعت في وقت حساس، فقد كان المستعمر ينتظر انتهاء الحرب في الجزائر.
و أضاف المجاهد أن منطقة الميلية، كانت نقطة حساسة تشهد على شراسة المواجهات ، فقد تم إعداد كمين يوم 30 ماي 1960، في السادسة صباحا، فبعد معارك بالسلاح، استشهد ثلاثة مجاهدين، و أصيب 14 مجاهدا آخر بجروح، فيما تكبد العدو خسائر فادحة، فقد توفي 74 عسكريا فرنسيا من مختلف الرتب، فقد كانوا ينتظرون انتهاء الحرب في الجزائر بعد المفاوضات، فكانت المعركة فاصلة، نظرا لما كان يقوم به المستعمر من تحايل ومؤامرات.
 أما المجاهد عبد الله عبيبس، فقد سرد على الحضور جزءا من وقائع المعركة التي استشهد خلالها دخلي المختار، المدعو «البركة»، و ذلك بمنطقة «شقرا»، بمنطقة الشعبة «ذي العورة»، مشيرا إلى أن تلك الفترة شهدت عدة عمليات عسكرية ضد المستعمر.و أجمع المتدخلون خلال افتتاح التظاهرة بأنه بالرغم ما قدمته المنطقة من تضحيات، إلا أنها عرفت تأخرا كبيرا في الجانب التنموي.
تدهور الطريق الترابي المؤدي إلى شاطئ « أورار»
في المرحلة الثانية من الرحلة، قرر المنظمون التنقل إلى الشواطئ الموجودة بالمنطقة، و تم تقسيم الحضور إلى أفواج، فوج يتنقل سيرا على الأقدام إلى الشاطئ، و فوج يتنقل على متن دراجات، في حين قرر أغلب الزوار التنقل على متن الحافلات نحو شاطئ «أورار» لربح الوقت.

الرحلة تتطلب الكثير من الصبر و التحمل، بسبب الطريق الترابي المؤدي إلى الشاطئ، فقد وجدناه في وضع كارثي، فقد تسببت الأمطار التي تهاطلت مؤخرا، في إتلافه، فمن الصعب التنقل على متن الحافلات.
و أنت تقطع الطريق، بإمكانك الاستمتاع بمشاهد الجبال و الحقول و الفلاحين النشطين، فقد تمكن الجيش من القضاء على الجماعات الإرهابية، و استعادت المنطقة الأمن و الاستقرار.يمارس حاليا أبناؤها تربية الأبقار، و غرس مختلف الخضر و الفواكه، على غرار البطيخ الأحمر «الدلاع»و « الفراولة»، و شيدوا بعض المنازل بجوار الحقول. و في ظل الإقبال الكبير للزوار على الشواطئ غير المحروسة بالمنطقة، خصوصا خلال موسم الاصطياف، لجأ السكان إلى كراء بعض المنازل، و خلال رحلتنا عبر الطريق الترابي، لاحظنا تعليق لافتات «منازل للكراء»، و أخبرنا أحد المرافقين، بأن مواطنين قاموا بجلب الكهرباء من أماكن بعيدة إلى حقولهم، و لجأ آخرون إلى مولدات كهربائية تعمل بالوقود، أو المولدات التي تعمل بالطاقة الشمسية.
وعند وصولك إلى الشاطئ الرملي، ستشاهد روعة إبداع الخالق، في امتزاج الطبيعة و البحر، و تستمتع بجمال الطبيعة العذراء الخضراء و برائحة البحر و موجه.
شاطئ يمزج بين جمال البر و البحر
وجدنا، بالمنطقة عائلات، فضلت استغلال توقيت الدخول المدرسي، لتستمتع لوحدها بجمال المكان، فأخبرنا، رب أسرة بأنه قدم من ولاية قسنطينة، في الصباح الباكر، رفقة أخته و زوجته من أجل قضاء سويعات في الشاطئ الجميل.
كما لاحظنا الإقبال الكبير للشباب، الذين فضلوا التخييم لبضعة أيام بالمنطقة، خصوصا و أنه أصبح شبه خال من العائلات، و ذكر أحد المرافقين، بأن الشاطئ يشهد إقبالا كبيرا للعائلات و الشباب الذي يفضل التخييم،  بدل الذهاب و الإياب يوميا ،  فطبيعة المنطقة و التضاريس تساعد كثيرا على التخييم، خاصة و أن الشاطئ قريب من المنابع المائية التي قام أبناء المنطقة بتهيئتها لفائدة زوار المنطقة، و حتى الصخور ، تساعد المخيمين على الاختباء في حال هبوب الرياح.و الجميل بالشاطئ، وجود خليج صغير، به مغارة، فوجدنا هناك 50 شابا ، أخبرونا بأن جلهم قدموا من ولايات مجاورة، لقضاء عطلة نهاية الأسبوع، معربين عن أسفهم لغياب المرافق و صعوبة الطريق المؤدية إلى المنطقة.
عائلات و شباب أقبلوا على التخييم بالمنطقة
كان المشاركون في الرحلة، يلتقطون الصور لتخليد ذكرياتهم هناك، و أعرب لنا بعضهم، عن إعجابهم بالمنطقة الجميلة للغاية، خصوصا شاطئها، مؤكدين بأنها تعتبر منطقة جذب سياحي بامتياز في حال استغلالها بشكل جيد.
و من بين المشاهد المؤسفة بالشاطئ الجميل، كثرة النفايات المرمية، التي تم حرقها في عدة نقاط، فشوهت جمال الشاطئ، و تأسف الحضور لتلك المشاهد، و بررها أخرون، بغياب عمليات التنظيف و صعوبة وصول شاحنات رفع القمامة إلى المنطقة، مؤكدين بأنه من الضروري إنجاز مشاريع طرقات، باتجاه الشاطئ المنسي و فتحه أمام الزوار بشكل رسمي، أما مشكل النفايات فسيتم التغلب عليه بعد ذلك.
و أوضح من جهته، فواز بعيلي، رئيس جمعية الأمل بني فرقان، بأن التظاهرة التاريخية السياحية تهدف إلى التعريف بالمنطقة، و تم تنظيمها من أجل توجيه عيون السلطات نحو منطقة بني فرقان، و فتح شواطئها الخلابة، مؤكدا، بأن أهم هاجس في الوقت الحالي، يتمثل في تهيئة و فتح الطرقات، باتجاه شواطئها الثلاثة، من الجهة الغربية، انطلاقا من منطقة بني بلعيد، أو من الجهة الجنوبية الشرقية من بلدية الميلية، مشيرا إلى أن شبكة الطرقات المطلوب فتحها، مهمة لإعادة بعث النشاط السياحي بالمنطقة، فشواطئها صارت مقصدا لمئات الزوار خلال موسم الاصطياف.
فتح الطرقات سيبعث الروح  و الحياة في المنطقة
أكد رئيس جمعية السفير للسياحة،من جهته،  بأن التظاهرة أقيمت من أجل اكتشاف المنطقة السياحية العذراء بمقوماتها الطبيعية الهائلة التي لم تنل نصيبها من الترويج ، سواء على الصعيد المحلي أو الوطني، والعمل على ترقيتها لتكون وجهة مثالية للسياحة الجبلية والشاطئية بالولاية، من شأنها أن تساهم في إنعاش التنمية المحلية.
من جهة أخرى حرص المنظمون خلال التظاهرة على نفض الغبار عن تاريخ هذه المنطقة التي شهدت أكبر المعارك التي قادها المجاهدون الأشاوس خلال الثورة التحريرية على مستوى الجهة الشرقية، وقدم أبناؤها  تضحيات جسام لتعلو راية هذا الوطن عاليا.
أما ممثل مديرية السياحية عصام روابي، فقال بأن التظاهرة تهدف إلى تسليط الضوء على مناطق الجذب السياحي، و العمل على استكشافها، و تم التركيز هذه المرة على بني فرقان.
في حين أفاد رئيس البلدية بالنيابة، بأنه تم تصنيف المنطقة بين مناطق الظل، و عملت البلدية على تجسيد برامج تنموية، و تنتظر تخصيص أغلفة مالية و مشاريع قطاعية، لإعادة بعث النشاط السياحي بها.
كـ. طويل

الرجوع إلى الأعلى