يؤكد الأطباء أن الكشف المبكر عن سرطان الثدي، يرفع نسبة الشفاء، و يقي المرأة من استئصال الثدي و الاكتفاء باستئصال الورم فقط، كما أن دعم المريضة نفسيا، من قبل زوجها و أبنائها و أسرتها عموما، ضروري، إذ يرفع من معنوياتها و يجعلها أكثر قدرة على تحمل
و مواجهة الداء و الانتصار عليه.
 أوضح الأطباء الذين تحدثت إليهم النصر، أنه بفضل فعالية أكتوبر الشهر الوردي و ما يصاحبها من عمليات تحسيس وتوعية، و أيضا شجاعة بعض المريضات اللائي أصبحن يشاركن في هذه الحملات، نجح الكشف المبكر عن سرطان الثدي في خفض مضاعفات المرض بنسبة 50 بالمائة، و أصبحت بعض المصابات خاصة اللائي يقل عمرهن عن 40 عاما، يخضعن لعمليات استئصال الورم فقط، كما أن التكفل النفسي بالمريضات، أصبح يتم قبل و بعد العملية، على يد أخصائيات نفسانيات، لكن يبقى الدعم الأسري جد مهم..
بمناسبة الشهر الوردي، التقت النصر ببعض المريضات و رصدت تجاربهن مع المرض.
uالسيّدة مخطارية أولادي سر قوتي
قالت السيدة مخطارية، 53 عاما، أم لخمسة أبناء أكبرهم فتاة عمرها 18 سنة، أنها منذ 8 أشهر، عندما كانت ممددة في فراشها، تستعد للنوم، وضعت يدها على صدرها، فشعرت بكتلة صلبة غريبة، و كان ثديها يدر الحليب، و لم يخطر في بالها آنذاك أن الأمر يتعلق بورم سرطاني.
 و بعد تردد قررت أن تخضع للتشخيص، و لم يكن الأمر سهلا، فهي تسكن بإحدى القرى النائية بولاية تيارت، و بعد رحلة مضنية، أكد لها الطبيب أنها فعلا مصابة بورم سرطاني، و يجب أن تخضع لعملية جراحية، فتم تحويلها من تيارت إلى غاية وهران، لمتابعة العلاج.
التقينا مخطارية، و هي تعد الساعات التي تفصلها عن عملية استئصال الثدي، و رغم ذلك حدثتنا عن حالتها، التي قالت أنها أصبحت أسوأ من الناحية النفسية، بعدما تم تشخيص مرضها، مؤكدة أنها كادت تفقد عقلها من هول الصدمة، و توقفت عن الأكل و الشرب، خاصة و أنها أول شخص في عائلتها يصاب بالسرطان.
و أضافت المتحدثة أنها أهملت أسرتها، و كانت تخرج من البيت دون أن تدري إلى أين ستذهب، و تمشي طويلا، دون هدف، بين الأراضي الفلاحية و القاحلة، و كان أبناؤها يبحثون يوميا عنها، ويعيدونها إلى البيت، و من أجلهم استرجعت قواها العقلية والنفسية، و بإرادة و عزم،  قررت متابعة العلاج و أكدت في حديثها للنصر «أولادي هم سر قوتي، ولأجلهم سأتابع العلاج، أما زوجي، فمنذ بداية حياتنا الزوجية لا يهتم بي، و عندما مرضت اكتفى بسؤالي عن وضعي الصحي، دون أن يبادر بشيء آخر».
وأردفت مخطارية، أنها منذ أن وصلت إلى المستشفى، وهي تخضع للمتابعة النفسية التي ساعدتها على استجماع قواها و الاستعداد للعملية الجراحية، و تقبل وضعها الجديد، و لم تعد تنشد سوى الشفاء من مرضها، و العودة إلى أحضان أبنائها.
* السيّدة شريفة
 لم أتأثر كثيرا لأن قريباتي خضعن لاستئصال الثدي قبلي
 أما السيدة شريفة، البالغة من العمر 58 عاما، فوجدناها تتمتع بمعنويات عالية، رغم أنها أجرت عملية استئصال الثدي، وعندما سألناها عن السبب، قالت للنصر» زوجي هو سندي و ما يهمه الآن هو أن أشفى وأعود للبيت»، و هذا هو سر مرحها و حالتها النفسية الجيدة، كما أنها جدة وأولادها و أحفادها يتكفلون بها، ويرفعون معنوياتها.
 أوضحت المتحدثة أنها اكتشفت مرضها مبكرا، بفضل حصص تحسيسية تابعتها في التلفزيون الجزائري، حيث قامت بالفحص الذاتي لمدة أسبوع، و في كل مرة كانت تكتشف كتلة غريبة، ما جعلها تسرع لإجراء الفحص الطبي، رغم أنها لم تشعر بالألم.

عندئذ تأكدت أنها مصابة بسرطان الثدي، و يجب أن تخضع  لعملية استئصال، قالت أنها لم تصدم كثيرا، فتطور الطب قلص من نسبة الوفيات، فأصبح، حسبها، استئصال الثدي، مثل أي عملية جراحية أخرى، خاصة وأن بعض قريباتها سبق و أن خضعن لنفس العملية و تماثلن للشفاء، و بعد سنوات من العملية يواصلن حياتهن بشكل عادي.
و أضافت السيدة شريفة أن ما يشغلها حاليا، هو الالتزام بنظام غذائي خالي من البروتينات، لأنها تحب الأجبان كثيرا، لكنها يجب أن تلتزم بأوامر الأطباء، حتى لا ينتشر المرض في باقي جسمها، كما قالت.
* السيّدة وافـية
أنامصممة على الشفاء لأعود لممارسة الرياضة
التقينا بالسيدة وافية، 43 سنة، و كانت تتمتع أيضا بمعنويات مرتفعة، بعد خضوعها لذات العملية، لكنها أعربت عن أسفها لشيء واحد، وهو حرمانها مطولا من ممارسة الرياضة.
و أوضحت في حديثها للنصر، أنها كانت موظفة، لكنها توقفت عن العمل، من أجل رعاية أبنائها،  لكنها لم تتوقف عن ممارسة هوايتها المفضلة و هي الرياضة، قبل أن تكتشف مرضها.
و أضافت أنها لم تشعر بألم ولم تكتشف ورما في ثديها، بل رأت ذات يوم قطرة دم في ملابسها الداخلية، و لم تعرها أي اهتمام، لكن الأمر تكرر عدة مرات، فاضطرت للكشف الطبي، فأكد لها الأطباء  وجود ورم في قنوات الثدي، و كانت العملية الجراحية هي الحل.
أكدت المتحدثة أن الصدمة كانت قوية دفعتها للاستنجاد مباشرة بمواقع الانترنت لفهم وضعها الصحي، وما يجب عليها القيام به، قبل وبعد الجراحة، خاصة الأكل و نمط الحياة اليومية، خاصة وأن قريبتها توفيت بالمرض عن عمر ناهز 38 سنة، لأنها لم تهتم بنفسها كما يجب و لم تتبع نصائح الأطباء، و اكتفت بالتداوي بالأعشاب، حتى فارقت الحياة، هذا ما جعل وافية تحرص على المتابعة الطبية، خاصة بعد استئصال الثدي، مشيرة إلى أن دعم زوجها النفسي لها، يشجعها كثيرا على تجاوز هذه المرحلة و العودة تدريجيا إلى الحياة الطبيعية و لممارسة الرياضة، و لو بشكل مختلف عن السابق.
وأضافت السيدة وافية « تأثرت جدا لحالة مريضة استأصلت ثديها، فطلقها زوجها وهي في غرفة العمليات، و ترك لها 7 أطفال لتعيلهم وحدها، و عندما رأيت وقوف زوجي بجانبي و مساندته لي حمدت الله كثيرا و ارتفعت معنوياتي  و قررت مواصلة حياتي بشكل عادي».

* التقنية في مصلحة العلاج الإشعاعي حورية
أخضع لنفس العلاج الذي كنت أقدمه لمريضاتي
التقينا السيدة حورية، 43 عاما، و هي تعمل بمصلحة العلاج الإشعاعي، منذ حوالي 17 سنة،  كتقنية مختصة في الكي و استخدام المسرعات الخطية، وقالت لنا أنها كانت تتألم كلما أخضعت مريضة للعلاج، وطالما ذرفت الدموع من أجلهن، لكنها تخضع اليوم للعلاج الإشعاعي بعد أن اكتشفت إصابتها بالسرطان و تم استئصال ثديها.
أكدت لنا أن ألمها كبير، امتد حتى إلى زميلاتها بالمصلحة، فأصبحن يتناوبن على مرافقتها خلال جلسات العلاج، للرفع من معنوياتها، وتذكيرها بالحالات التي خضعت لذات العلاج و شفيت.
أضافت حورية أنها أم لثلاثة أطفال، و اكتشفت ذات يوم وجود شيء غريب في ثديها، علمت أنه ورم، لكنها تمنت أن يكون حميدا و ليس خبيثا، أبلغت مباشرة زميلاتها لتستمد منهن القوة، فقد عملن معا على مدار 17 سنة، بنفس المصلحة، و فعلا رافقنها لإجراء الفحوصات اللازمة التي بينت أنها تعاني من سرطان الثدي و يجب أن تخضع فورا لعملية الاستئصال.
  لم يكن القرار سهلا بالنسبة إليها، فقد مرت بذاكرتها الحالات التي كانت تقصد المصلحة من أجل العلاج، لكن دعم و مساندة زميلاتها وأختها الكبرى و زوجها، جعلاها تواجه المرض بشجاعة، و تقتنع بإجراء العملية، الشيء الوحيد الذي لم تستطع القيام به، هو إخبار والدتها بما تعانيه، خوفا عليها من هول الصدمة.
 قالت المتحدثة» أعيش دون ثدي، أرحم من أن أموت و أترك أولادي، ركزت على هذه النقطة و ركز عليها المحيطون بي،  للرفع من معنوياتي».
أجرت حورية العملية و تواصل حاليا العلاج، و حالته النفسية متأرجحة، خاصة بعد أن بدأت تفقد شعرها و شحب لون وجهها، و لازمها الشعور بالوهن، لكن زميلاتها و أسرتها لا تزال ترافقها و تشجعها.

* الآنسة سهام، عاملة بقطاع الصحة
الدعم النفسي مصدر قوتي
بعد حوالي سنة من إجرائها عملية استئصال الثدي، و رغم أن الأطباء أكدوا لها أنها ستشفى، إلا أن ما يشغل بال الآنسة سهام، ذات 32 ربيعا، هو «هل ستتزوج، و هل سيتقبل زوجها المستقبلي حالتها ؟».
سهام، مستخدمة في قطاع الصحة، لم تفكر بنفسها، بقدر ما فكرت في الآخرين، و أخفت مرضها حتى عن أسرتها، كانت متأثرة جدا، خاصة و أنها كانت تلتقي في المستشفى بنساء مصابات بالسرطان، خضعن لاستئصال أثدائهن، و كانت تحس بمعاناتهن  و تشجعهن على تقبل وضعهن، لكنها لم تتقبل وضعها، منذ  أن  أجرت الفحوصات بالأشعة و التحاليل، و تأكدت من مرضها و هي في مقتبل العمر.
قالت سهام أنها كانت تشعر بألم على مستوى الثدي الأيسر و أصبح بعدها مثل التشنج، يعيق تنفسها، لكنها لم توليه أهمية، و كانت تقول «ربما جاء بسبب كذا أو كذا»، إلى أن استجمعت قواها بعد توتر كبير، و زارت الطبيب، فطلب منها فحوصات إضافية لتحديد حجم الورم و تموقعه.
خرجت من العيادة وهي منهارة، فبادرت بطلب عطلة من المؤسسة التي تعمل بها، و لم تخبر المحيطين بها حتى لا تقلقهم. أجرت الفحوصات اللازمة و تأكدت بأن التشنج كان بسبب الورم، و توجهت مباشرة إلى أخصائية نفسانية، بحثا عن المساعدة و الدعم النفسي، لكن بينما كانت تواصل الفحوصات، استعدادا للعلاج، كان الورم قد كبر و انتشر، و اضطر الأطباء لاستئصال الثدي كاملا و ليس الورم فقط.
قالت سهام أنها أجرت العملية دون علم والدتها ولا أسرتها، باستثناء أختها التي رافقتها خلال مدة العلاج و كذا النفسانية التي شجعتها و دعمتها كثيرا و لولاهما، لكانت سهام في وضع آخر، حسبها، لأنها تأخرت في متابعة العلاج.
بعد فترة علمت عائلة سهام بحالتها الصحية، فاتفقت مع النفسانية، لضبط جلسات علاج تساعدها على مواجهة وضعها الجديد، و هي الآن تسير على هذا النهج ببوادر مشجعة، فقد صممت على الشفاء، من أجل أن تعيش حياتها بشكل عادي، و تنسى ما حدث لها، لقد تغيرت نظرتها لنفسها كشابة انتهت علاقتها بالحياة، إلى شابة مقبلة على الحياة تتطلع لبناء مستقبلها و تحقيق أحلامها بعد تماثلها للشفاء من العملية الجراحية، و من المشاكل النفسية التي عاشتها بسبب المرض.
بن ودان خيرة

الرجوع إلى الأعلى