يعاني الآلاف من مرضى السيلياك بالجزائر، من نقص كبير في الأغذية التي تتطلبها حميتهم الغذائية الخالية من مادة الغلوتين، حقيقة تتقاطع مع عدد معتبر من الشركات المنتجة لها ببلادنا، مقابل سوء توزيع و منتجين يتحدثون عن التهريب و التخزين، مما يعرض مرضى الجنوب و المناطق النائية، إلى مشاكل صحية قد تفتك بحياتهم.  مرض السيلياك، الداء البطني، الحساسية للغلوتين، مسميات متعددة لمرض مناعي، يصيب الأمعاء الدقيقة عند تناول المصاب به لمادة الغلوتين، فيدخل الشخص في معاناة طويلة مع أمراض و أعراض مختلفة، تدخله في متاهة تشخيص يراوغ المريض و الطبيب على حد سواء، قبل تحديد المشكلة، من أجل ضبط وصفة علاجية يجمع أهل الاختصاص أنها تنحصر في حمية غذائية خالية من الغلوتين مدى الحياة. آمال، أكرم، صباح و غيرهم كثر، يعانون منذ سنوات طويلة من أعراض أمراض أخرى، كفقر الدم، هشاشة العظام، نقص النمو، الشقيقة، الأمراض الجلدية و غيرها، ما أجبرهم على إجراء عدد كبير من الفحوصات و زيارة الكثير من العيادات المتخصصة، قبل التمكن من تحديد المرض الحقيقي المتسبب في أعراض و مشاكل صحية ظلت لسنوات طويلة تحاصرهم، فانتهت حياة العديد منهم، لأن الطب عجز في مرحلة ما، عن تشخيص و تفسير مرضهم و هو السيلياك، الذي تتقاطع أعراضه مع أعراض عدة أمراض أخرى.

    إيمان زياري

رئيسة جمعية مرضى السيلياك بقسنطينة صباح عصام
اكـتشاف المرض يتم صدفة و نقص الغذاء يفـاقـم الوضع
أكدت رئيسة جمعية مرضى السيلياك بولاية قسنطينة، السيدة صباح عصام، أن معظم مرضى السيلياك بالجزائر، يعانون طويلا من أعراض المرض الصامت الذي يسجل تزايدا كبيرا، و الإشكالية الكبرى، هي تأخر تشخيصه، بسبب  أعراضه الكثيرة التي تتقاطع مع أعراض أمراض أخرى.
أوضحت رئيسة الجمعية أنه لا يوجد علاج نهائي لمرضى السلياك، و ما عليهم سوى الالتزام بحمية غذائية خالية من الغلوتين، ما يجبرهم على تناول أطعمة خاصة، يشكل اقتناؤها لدى معظم المرضى معضلة فعلية، في ظل غلاء الأسعار، حيث يبلغ سعر 800 غ من دقيق الفرينة الخالية من الغلوتين مثلا 450 إلى 500 دينار، و لا توجد بالسوق سوى كميات محدودة منها، في الولايات الكبرى، في حين يعاني المرضى بالمناطق و النائية و في الجنوب الجزائري، مثل النعامة، البيض، إيليزي، و حتى الأغواط، من ندرة حادة تؤثر سلبا على نظامهم الغذائي، و تهدد حياتهم. السيدة عصام ذكرت بأن الجزائر ظلت لسنوات طويلة تعتمد في توفير المنتجات الخالية على الغلوتين على الاستيراد من الخارج، قبل ظهور، في السنوات الأخيرة، عدد كبير من الشركات الخاصة التي تنتج هذه الأغذية، إلا أنها  لم تحقق الاكتفاء الذاتي من هذه المواد، و لا يزال مرضى السيلياك بالعديد من مناطق الوطن، محرومين منها. انتقدت المتحدثة سوء توزيع الأغذية الخالية من الغلوتين و تمركزه في المدن الكبرى، مشيرة إلى  أن المرضى القاطنين ببعض بلديات قسنطينة، كبني حميدان و عين عبيد، يتنقلون إلى وسط المدينة أو مقرات الدوائر لاقتناء طعامهم، محذرة من خطر عدم توفير الغذاء المناسب لهم و تأثير ذلك سلبا على صحة المريض، فقد يعرضه للموت. السيدة عصام تحدثت أيضا عن ارتفاع أسعار الأغذية الخالية من الغلوتين، ما يدفع بالكثير من المرضى إلى اقتناء احتياجاتهم من محلات العطارين، بدلا من اقتناء منتجات معلبة معروضة بالمحلات، محذرة من مخاطر هذه الممارسات، فقد يختلط دقيق الذرة بباقي المنتجات التي تحوي على مادة الغلوتين. كما تحدثت عن مشروع فتح مصنع «آغروديف» المتخصص في صناعة المنتجات الغذائية الخالية من الغلوتين، على مستوى ولاية قالمة، الذي يتمنى المرضى أن يقلص من حجم الأزمة الغذائية التي يعانون منها.

أخصائي أمراض الجهاز الهضمي الدكتور أمير محمد هوام
عدد المرضى في تزايد و الغذاء دون غلوتين دواؤهم الوحيد
أكد أخصائي أمراض الجهاز الهضمي و التنظير الباطني الدكتور أمير محمد هوام، أن الجزائر تسجل ارتفاعا كبيرا في عدد المصابين بمرض السيلياك، و يعاني الكثير من المرضى من نقص كبير في المنتجات الخالية من الغلوتين التي تبقى العلاج الوحيد للمرض.
و أوضح الطبيب أن كل مصاب بمرض السيلياك، يتناول طعاما يحتوي على الغلوتين، فهو يتناول سما قاتلا، يضع  به حدا لحياته ببطء، مؤكدا أن أزمة هذا النوع من الغذاء بالجزائر، بسبب الندرة و ارتفاع الأسعار و التي تدفع ، حسبه، الكثير من المرضى إلى التنقل بين الولايات لأجل توفيرها، يؤدي إلى مضاعفات عديدة، أخطرها مرض السرطان، مضيفا أنه و في ظل هذه الأزمة، فإن الكثير من المرضى يعتمدون على ما تجود به الجمعيات الخيرية التي توفر أغذية تبقى غير كافية، خاصة إذا كان حال أكثر من فرد بالعائلة الواحدة يعاني من المرض. الدكتور هوام، أكد بأن أعداد حاملي المرض بالجزائر، في تزايد كبير، و أرجع ذلك إلى عوامل كثيرة، ربما أهمها تشخيص مرض السيلياك في وقت مبكر، بعد أن كان يتم في وقت متأخر، أو لا يتم إلا بعد فوات الأوان، أي وفاة المريض. و يتم التشخيص المبكر حاليا لعديد الحالات، نظرا لتوفر الفحوصات المتخصصة بنسبة أكثر من السابق، أو نتيجة لتفشي المرض في المجتمع، بالرغم من أن أسباب المرض غير قطعية، و قد ترتبط بعامل الوراثة، و أمراض المناعة الذاتية، و يصيب السيلياك الأطفال بنسبة كبيرة. و كشف المختص أن دراسة حديثة أجريت على مستوى الجزائر العاصمة، أثبتت نتائجها أن 0.5 بالمئة من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 6 و 15 سنة، مصابون به، معتبرا هذه النسبة كبيرة، بالرغم من أن الدراسة لم تشمل جميع الأطفال، بل مست 4000 طفل فقط. و حذر الدكتور هوام من أن الكثير من حاملي المرض، لا يعلمون بأنهم مصابون، في حين يعانون من مشاكل صحية كثيرة، لا تستجيب للعلاج، مشددا أن دواء مرض السيلياك، عبارة عن حمية تبدأ عند اكتشاف المرض، خاصة عند الأطفال،  عندما يسجل تأخرا في النمو، إسهال دائم و انتفاخ، و هناك مخاوف من أمراض أخطر، كهشاشة العظام، نقص الفيتامينات، و كل ما يتعلق بالامتصاص، و أكبر هاجس هو مرض السرطان.
المختص شدد أيضا على ضرورة عدم توقف مريض السيلياك عن اتباع الحمية، التي قال أنها التزام بالنسبة للمرضى، و حتى بالنسبة للجهات الصحية، داعيا إلى تدعيم الغذاء الخاص بهم و تطوير صناعته محليا.

مرضى يمـتهنون التسويـق
شكل نقص المنتجات الغذائية الخالية من الغلوتين، حجر عثرة في مسار علاج المرضى، فبسبب معاناتهم في البحث عن طعام مناسب للعيش بصحة، أصبح العديد من المرضى يمتهنون التسويق وطنيا، لأجل توفير المنتجات و إيصالها إلى المرضى مثلهم، في مختلف ولايات الوطن.
حقيقة تؤكدها صفحات خاصة على مواقع التواصل الاجتماعي شدت انتباهنا، في البداية اعتقدنا أنها تروج لشركات متخصصة في التسويق، غير أننا اكتشفنا لاحقا أنها لأشخاص «استثمروا أزمتهم» لإنشاء مشاريع مصغرة ، تقوم على التوفير و التوصيل، كما أكدت للنصر، مسيرة صفحة «دون غلوتين إكسبريس»، موضحة أن معاناتها كمريضة، في الحصول على غذاء خاص بها، دفعها إلى التسويق و توصيل المنتجات إلى المرضى مثلها، و هو النشاط، الذي قالت أنها تمارسه منذ أزيد من 6 أشهر. و أكدت السيدة دينا صالحي، مسيرة صفحة تنشط من عين مليلة، أن النقص موجود في مختلف ولايات الوطن، و إذا توفرت هذه الأغذية في المدن الكبرى، إلا أنها تبقى غير كافية، و يبقى، حسبها، الجنوب الجزائري كأدرار، النعامة، و حتى الشلف و سوق أهراس، من بين أكثر الولايات التي يعاني مرضاها الحرمان من الأغذية الخالية من الغلوتين، مشيرة إلى أن الفرينة المخصصة لتحضير الخبز التقليدي، من بين أكثر المنتجات طلبا من قبل المرضى. من جانبها أكدت مسيرة صفحة «هابينس إن غلوتين فري» أن نقص المواد الغذائية الخالية من الغلوتين التي كانت بحاجة ماسة إليها كمريضة و لفترة طويلة، فتح أمامها آفاقا للعمل، من خلال إنشاء شركة تشرف على تسييرها رفقة زوجها بولاية وهران، تعمل على توفير مختلف المنتجات الغذائية للمرضى و توصيلها إلى طالبيها، و معظمهم من الجنوب الجزائري و الغرب، و يتم تموين الشركة بمنتجات تجلبها من الشرق الجزائري.

مدير شركة «لينات» للمنتجات الخالية من الغلوتين  مالك بريكي
المشكل ليس في التسويق بل في الإمكانيات المحدودة و التهريب
قال مدير شركة «لينات» للمنتجات الغذائية الخالية من الغلوتين، السيد مالك بريكي ، أن هناك نقصا في الأطعمة دون غلوتين في السوق الوطنية عموما، و أرجع ذلك إلى عوامل متعددة، تحتاج إلى ضوابط أكبر، حسبه.
و أضاف مسؤول الشركة التي تنتج الأغذية بتقرت و تدير نشاطها من بومرداس، أنها توزع منتجاتها عبر 27 ولاية عبر الوطن، موضحا أن المشكل لا يكمن في التسويق، بقدر ما يتعلق بالإمكانيات المحدودة للشركات المنتجة، خاصة بالنسبة لشركته التي تعتبر صغيرة، مقارنة بحجم السوق الوطنية. و أوضح المتحدث أن صناعة المنتجات الخالية من الغلوتين، تعتمد على مادة أولية مستوردة بمبالغ كبيرة، مما يحتم تسويقها بأسعار مرتفعة في الأسواق، داعيا إلى فتح المجال أمام المصنعين للاستيراد مباشرة أو إنتاج المادة الأولية محليا، من أجل تخفيض تكاليف الإنتاج، و بالتالي انخفاض الأسعار، مشيرا في سياق ذي صلة، إلى أن معظم منتجات شركته يدوية خاصة الكسكسي، مما يتطلب وقتا طويلا لإنتاج الكميات المطلوبة. و يرى المصنع أن للمرضى يد في الندرة المسجلة وطنيا، فالكثير منهم يقتنون كميات كبيرة و يقومون بتخزينها، خوفا من ندرتها لاحقا، و بالتالي تنقص المنتجات و يعاني بقية المرضى نتيجة ذلك، كما تحدث عن التهريب نحو بعض الدول المجاورة، الذي اعتبره من بين العوامل التي ضاعفت أزمة المنتجات الخالية من الغلوتين بالجزائر، كاشفا عن إستراتيجية مستقبلية لتوسيع نشاط الشركة و زيادة الإنتاج، بغية توفير احتياجات المرضى.

الدكتور خالد عبد اللطيف مختص و استشاري في أمراض الجهاز الهضمي و التنظير
المســـــتوى المعيـــــشي و نـــــدرة الغــــذاء يهــــــددان حــــــــياة المــــــرضى
حذر أخصائي و استشاري أمراض الجهاز الهضمي و التنظير، الدكتور خالد عبد اللطيف، من التهاون في التعامل مع مرض السيلياك، مؤكدا أن عدم توفر الغذاء الخالي من الغلوتين، و ارتفاع أسعاره، يهددان حياة آلاف المرضى بالجزائر.
و أكد المختص أن السبب الرئيسي لعدم استجابة المرضى للحمية الغذائية بدون غلوتين، هو نقصها بالأسواق الوطنية في الكثير من المناطق، إلى جانب غلاء الأسعار و المستوى المعيشي المحدود للأسر الجزائرية، مضيفا أنه و على الرغم من نشاط بعض الجمعيات التي تعمل على مساعدة المرضى بتقديم بعض المنتجات لهم، إلا أنها تبقى غير كافية في ظل العدد الهائل للمرضى، حسبه. و أضاف المتحدث أن الأطفال يشكلون الفئة التي تواجه صعوبة أكبر في التعايش مع الوضع، نتيجة عدم نضجهم و عدم القدرة على مراقبة ما يأكلونه طوال اليوم، مشيرا إلى أن عدم اتباع الحمية يؤدي إلى ضعف امتصاص المواد الأساسية و الفيتامينات، ما يسبب الكثير من الأمراض كهشاشة العظام، و أمراض مناعية أخرى، كضعف الإنجاب و أخطرها السرطان. و أوضح المختص أن مرض السيلياك هو أحد أمراض المناعة الذاتية، حيث يتسبب تناول الغلوتين في استجابة الجهاز المناعي عن طريق مهاجمة الأمعاء الدقيقة، مما يؤدي إلى تلف النتوءات التي تبطنها بمرور الوقت، فتظهر أعراضه كالإسهال، الغثيان، فقدان الشهية، الإرهاق، نقص الوزن، مضيفا أن عدد المرضى في تزايد مستمر، نتيجة تطور وسائل التشخيص. و حذر الدكتور خالد من بعض الأخطاء التي تهدد صحة المصابين، كطحن الذرة بعد طحن القمح، مما يؤدي إلى خلط المكونين و بالتالي كسر الحمية، و ينصح بضرورة قراءة مكونات أي غذاء، قبل تناوله، فيما يبقى النظام الغذائي الخالي من الغلوتين العلاج الوحيد ليعيش هؤلاء دون مضاعفات.

الرجوع إلى الأعلى