خصص مُحسن بولاية قسنطينة، إقامة مجانية بحي النسيم بلوناما، لمرضى السرطان القادمين من مختلف ولايات الوطن، للعلاج بالولاية، بطاقة استيعاب تفوق 60 سريرا، موزعة على ثلاثة طوابق، كما تتوفر على كل التجهيزات الضرورية، و عيادة طبية خاصة، تضمن المرافقة الصحية الكاملة للمقيمين، و كذا مطعم. كما يضمن صاحب المبادرة، تسديد مصاريف الإطعام و فواتير الغاز و الكهرباء و الماء، غير أن المرفق و بالرغم من جاهزيته ، إلا أن عراقيل إدارية، حالت دون فتح أبوابه للمرضى، كما قال للنصر، فيما أكدت مصادر مطلعة على الملف، بأن إجراءات منح الترخيص جارية، لاختيار الصيغة القانونية الأنسب للمشروع، كما ينتظر الحصول على موافقة الجهات المختصة، لضمان أطباء مناوبين بالإقامة. 

ربورتاج /  أسماء بوقرن

اختار صاحب المبادرة الخيرية اسم «ربيحة» لدار مرضى السرطان، و هو اسم والدته الذي شاء القدر أن ترحل بعد أشهر قليلة من انتقالها رفقة ابنها إلى المنزل الجديد الذي حوله اليوم إلى إقامة خاصة بالمرضى، المتحدث قال بأن سعادته بالانتقال إلى منزل قضى سنوات في انجازه و تأثيثه، كانت كبيرة، حيث كان ينتظر بفارغ الصبر اليوم الذي ينتقل و أسرته الصغيرة ووالدته إليه، لتنعم هذه الأخيرة بإقامة تتوفر على كل شروط العيش الكريم، غير أن سعادته لم تكتمل بعد أن اكتشف إصابة والدته بمرض السرطان، الذي خطفها منه بعد ستة أشهر من العلاج، و هي المدة التي قضتها في المنزل الجديد، دون أن تستمتع، كما قال،  بالعيش فيه، فلم يتقبل ابنها البكر مرارة رحيل من حملته تسعة أشهر، خاصة في الفترة التي تمكن من توفير ظروف حياة أفضل لها، ردا لجميلها، و وجد  في التصدق على روحها، ما يفيها حقها ، غير أنه ظل يشعر بأن ذلك لا يكفي، ما جعله يفكر في مشروع خيري يستفيد منه مرضى السرطان، كصدقة جارية على روحها، لتفوز، كما عبر، بنعيم  الدار الآخرة.
سخّرت منزلي لمرضى السرطان لأن والدتي عانت منه
التقينا بدار ربيحة بالمحسن، فقال للنصر، بأن رحلة علاج والدته، لا تزال عالقة في ذهنه و تؤلمه، كلما تذكر محطة من محطاتها، و يتألم أكثر، كلما تذكر صور معاناة المرضى   القادمين  من   مختلف الولايات، و هم     يتكبدون   مشاق  النقل و التكاليف المتربة عنه و عن العلاج، و يحترقون بالعلاج الكيماوي، الذي يستدعي توفر كل شروط الراحة و الرعاية الطبية أثناء أخذه، غير أن المرضى و خاصة المقيمين خارج قسنطينة، يجدون نفسهم مجبرون على التنقل لأخذ العلاج و المغادرة للعودة في فترة وجيزة، و أحيانا في اليوم الموالي في حال عدم توفر الدواء في الموعد المسطر لهم، حيث وقف على مشاهد تدمي القلوب، لمرضى يدفعون تكلفة سيارة أجرة بأزيد من 5 آلاف دينار أملا في علاج يخفف من وطأة الألم، و يعيدون أدراجهم أحيانا دون أخذ جرعة الكيماوي، و لا حتى سد رمقهم، لعدم توفر إمكانات المادية للبعض منهم.  
وجد المحسن، بأن بإمكانه أن يخفف و لو بالقليل من معاناة هؤلاء، من خلال توفير مرفق خاص للراحة، غير أنه حينها أي بعد سنة من وفاة والدته في 2005، لا يملك سوى بيته الجديد الذي انتقل و أسرته للعيش فيه، فقرر أن يبني مسكنا آخر، و يسخر منزله الأول لمرضى، لكونه محاذي للطريق الوطني رقم 03 لحي النسيم «لوناما»، ليجد المرضى سهولة في الوصول إليه و كذا في استعمال وسائل النقل الجماعي أو الفردي، و التنقل من و إلى المستشفى الجامعي الحكيم بن باديس، حيث بدأ في البحث عن صيغة قانونية لوضع البناية حيز الخدمة، و باشر في القيام بالإجراءات الإدارية، كما قام بالتوازي بعملية إدخال بعض التعديلات على المنزل الذي هو عبارة عن فيلا مكونة أربع طوابق مهيئة بشكل كامل.   
كما قرر صاحب المشروع، الذي رفض ذكر اسمه، توقيف النشاط التجاري بالطابق الأرضي، وحوله لمطبخ و مطعم خاص بالمرضى، مقسم لجزئين، أحدهما للرجال و الثاني للنساء، يتسع لكافة المقيمين بالدار، بالإضافة إلى مخزن يضم أجهزة تبريد و فضاء لتخزين المواد الغذائية، و مراحيض حيث أشار المتحدث إلى أنه اعتمد على مصالح الحماية المدنية قبل إدخال التعديلات على الطابق الأرضي الذي حول لمطعم، مع مراعاة أماكن التهوية و المنافذ الضرورية كمعيارين لضمان شروط سلامة مستعملي المرفق و سهولة التدخل في حال نشوب حرائق، حيث لاحظنا خلال زيارتنا للمكان إنهاء الأشغال، و لا تزال سوى التجهيزات، التي قال صاحب البيت بأنه ينتظر ترخيص الجهات المعنية لوضعها، لتفادي اتساخها.  


جناح خاص للمرضى القادمين رفقة ذويهم
و قد خصص الطابق الأول للرجال، و يتوفر على خمس غرف و مصلى و مطبخ مجهز، ليكون تحت تصرف المرضى و ذويهم، ضف إلى فضاء للراحة، يعتلي أحد جدرانه إطار يضم صورتين لوالدي صاحب المشروع رحمهما الله، قال بأنه وضعه مقابل المدخل الرئيسي للطابق ليراه كل من يلج الطابق بغية الدعاء لهما، مع توفير أجهزة تكييف و التدفئة، فيما أخذ الطابق الثاني المخصص للنساء نفس التصميم الداخلي، غير أنه بحلة مغايرة و بلون طلاء مختلف، مراعاة لنوع الجنس، كما خصص صاحب المبادرة تجهيزات عصرية لمطبخه المتسع، للسماح لمرافقي المريضات أو حتى المريضات إذا كان باستطاعتهم، طبخ ما يريدونه، خاصة بالنسبة لأولئك الذين يتبعون نظاما غذائيا خاصا يتماشى و طبيعة علاجهم في تلك الفترة، مع توفير مصلى خاص بهن، ضف إلى توفر الطابق على جناح خاص للمرضى و مرافقيهم، كما خصص الطابق الأخير للأطفال، و  هو مكون من غرفتين و فضاء كبير للعب، قال بأنه يعتزم تجهيزه لوسائل للتسلية، و قد استغرقت مدة سنة و نصف لتهيئته و تجهيزه، بالأسرة و مختلف الضروريات من ثلاجات و أجهزة طهي وغيرها.
و طرح صاحب المبادرة مشكل تأخر الجهات الوصية في منح ترخيص للموافقة على دخول الدار حيز الخدمة، غير أن ذلك استغرق أكثر من سنة، لعدم تسوية الوعاء العقاري للمنزل المبني على أرض بعقد عرفي، مشيرا إلى أنه قام بإيداع ملف تسوية الوعاء العقاري، المقيد بعقد عرفي، و حظي ملفه بالقبول، غير أنه لم يحصل بعد على شهادة المطابقة و عقد الملكية، مشيرا بخصوص ما اذا كان وضع  المنزل وقف، بالقول بأنه أعاره لمجلس سبل الخيرات التابع لمسجد الأمير عبد القادر، و قد جاء في العقد الذي استلمت النصر نسخة منه، أن السيد الذي وضع منزله لخدمة المرضى «صرح بموجب هذا العقد أنه أعار لمدة ثلاث سنوات تبتدئ من الفاتح جانفي 2021، لتنتهي في الثلاثين ديسمبر 2023، إلى نظارة مديرية الشؤون الدينية و الأوقاف ممثلة في مديرها، بصفته المتصرف باسم و لحساب الهيئة المذكورة» و جاء في العقد أيضا أن «هذه الدار تخصص كمرقد لمرضى السرطان و ذويهم مع تحمل المعير، لكل المصاريف من إطعام و تسديد فواتير الكهرباء و الماء و الغاز و غيرها»، و أوضح بخصوص اعارته، بأنه فضل اعارتها قبل وضعها كوقف للوقوف على مدى نجاح العملية، و يعتزم تحويلها لوقف في حال بلوغ الهدف المرجو.
مجهودات حثيثة لاستكمال الإجراءات اللاّزمة لتسليم الدار
في المقابل حاولنا معرفة الأسباب التي تقف وراء تأخر تسليم المرفق، فأكدت مصادر مطلعة، بأن الأمر لا يتعلق بتسوية الوعاء العقاري فحسب، و إنما يعود لأسباب أخرى تتعلق بموافقة مديرية الصحة على تسخير أطباء للتناوب على عيادة المرفق، لضمان رعاية صحية مستمرة للمرضى، مؤكدين بأنهم يبذلون قصارى جهدهم لاختيار الصيغة القانونية الأنسب للمشروع، لا يعرض لا صاحب المشروع و لا المريض و لا حتى الجهات الوصية لمساءلات قانونية و ما قد ينجر عنها من عقوبات، خاصة و أنه تابع لجهات مسؤولة، مثمنين المبادرة التي قام بها المحسن.                                   أ ب

الرجوع إلى الأعلى