يتميز فصل الصيف، بتنوع المحاصيل من خضر و فواكه يكثر إنتاجها بمدينة واد سوف، التي تحولت في السنوات الأخيرة إلى قطب فلاحي، وحققت جودة محاصيلها شهرة وطنية، حتى أن هناك جزائريين يقطعون كيلومترات طويلة لأجل فاكهة ما أو مشروب طبيعي معين، وهي رحلة لا يعد الهدف منها تجاريا فحسب، بل يعتبرها البعض تجربة تذوق و استمتاع وسياحة.

رغم ارتفاع أسعار، بعض المنتجات مثل بواكير التمر أو " المنقر" الذي يتراوح الكيلوغرام الواحد منه بين 300 إلى 480دج، إلا أن جودة هذه الفاكهة وشهرتها، تسبقها دائما خصوصا مع بداية موسم الجني، الذي يعرف إقبالا متزايدا للمواطنين و التجار على مدينة واد سوف، لأجل تذوق الفاكهة و شحن ما تيسر منها نحو الأسواق عبر الوطن، حيث تعرف بلديات واد العلندة و مهونسة و النخلة، التي تشتهر بهذا المنتوج حركية كبيرة في هذه الفترة من السنة.


ولا يقتصر الأمر على  التمر و بواكير التمر فحسب، فحتى بعض مشتقات النخيل مثل العصائر الطبيعية، تعرف شهرة كبيرة و تستقطب مواطنين من كل الولايات، لأجل تجربة متعة تذوقها، وقد قابلنا  في بعض الأسواق زوارا من تقرت و تبسة و خنشلة، علمنا منهم، بأنهم يتواجدون في الوادي لأجل التجارة و السياحة و تذوق مشروب  عصير النخل الشهير المعروف بـ " اللاقمي"، وهو عصير طبيعي قوي سريع التلف، يكون استهلاكه مرهونا بساعات محددة و يصل اللتر منه إلى 150دج.  
البطيخ الأبيض نجم الموسم الفلاحي بامتياز
  تعد أيضا، فاكهة البطيخ " العربي"، أو البطيخ الأبيض من بين أكثر الفواكه الصيفية استهلاكا، خصوصا في مدينة واد سوف والمدن القريبة، ولعل ذلك هو ما يجعل فلاحي المنطقة يحرصون على زراعته سنويا كمحصول جانبي، على حواف أحواض المحاصيل الزراعية الأساسية و بين أشجار النخيل.
ويؤكد فلاحون تواصلنا معهم، بأن البطيخ العربي، يعتبر من أكثر الفواكه الموسمية طلبا، وزراعته بجانب أحوض النخيل عادة فلاحية محمودة، خصوصا و أن هذه الفاكهة،  توفر لهم دخلا إضافيا، سواء تعلق الأمر بالمحصول الأخضر الذي يباع مع بداية فصل الصيف أو المحصول الناضج الذي يميز نهاية المسوم.
و قد حققت هذه الفاكهة الشهرة لبعض البلديات بالوادي، على غرار بلدية قمار، التي يقصدها الكثيرون قادمين من كل ربوع الولاية وحتى من خارجها، حيث يقول عمي عمار، فلاح من المنطقة الواقعة على بعد 20 كيلومترا، شمال الولاية، بأنه يزرع فاكهة البطيخ الأبيض منذ أزيد من 25 سنة، وقد سبقه إلى ذلك والده، وأوضح لنا، بأنه يقوم بتهيئة ما تبقى من مساحات شاغرة في حقله لأجل زراعة بذور هذه الفاكهة كمحصول جانبي يكثر عليه الطلب أيام الصيف، لأن البطيخ الأبيض، من أهم الفواكه التي يستهلكها السوفيون، لما له من خصائص غذائية مهمة، ناهيك عن توفره على كمية مناسبة من الماء المفيد لترطيب الجسم، دون الحديث عن طعمه اللذيذ خصوصا إذا ما كان باردا و مقطعا و جاهزا.
الرائحة تسبق الذوق
 و أضاف المتحدث، بأنه يتنقل كل صباح إلى مزرعته، لجني ما نضج من الفاكهة، حيث يميزها عن طريق رائحتها الزكية، أو من خلال التشققات التي تظهر على الحبة ذات الشكل البيضوي، و التي قد يصل وزنها أحيانا إلى ما يعادل ثمانية كيلوغرامات، حيث يقوم بعد جمعها بنقلها إلى سوق قمار، أو قد يبيعها على حافة الطريق الوطني رقم 48 أو بالقرب من الطرقات الفرعية.
أما الحاج معراج، وهو فلاح من بلدية تغزوت، فقال، بأن البطيخ بنوعيه الأحمر و العربي، هو نجم موائد الكثير من الجزائريين خلال موسم الحر، ولذلك فإنه يتوفر بكثرة في الأسواق طلية الصائفة     وهو من أكثر المحاصيل نجاحا، بدليل أنه كفلاح كان قد تخلى عن خدمة الأرض في السنوات الأخيرة، لكنه حافظ دائما على أحواض البطيخ لأنها أكثر ما يحقق له دخلا جيدا، مؤكدا، بأن زبائن هذه الفاكهة كثر و يقصدون البلدية التي تعرف بجودة منتوجها من كل المدن القريبة.
من جانبه، قال عمي علي، الناشط بالمحيط الفلاحي العمايرة بالبياضة بأنه لم يتخل عن زراعة البطيخ منذ نهاية الثمانينات، لأنه كنز من كنوز أرض واد سوف السخية و الخصبة، حتى أنه يصر على تعليم أبنائه الفلاحة خلال عطلة الصيف، و يدمجهم في نشاط الزراعة والجني، كما يوكل إليهم مهام إزالة الأعشاب الضارة و السقي والجني وحتى البيع.
وحسب فلاحين تحدثنا إليهم، فإن البطيخ العربي ورغم تشابهه في الرائحة مع فاكهة الشمام، إلا أنه مختلف عنها، فالأول يكون دائما أقرب إلى الشكل الدائري، أما الثاني فبيضوي الشكل و قشرته أقل سمكا من الشمام، كما تحدثوا أيضا، عن عمليات تهجين  لبذور النوعين، بغية الحصول على منتج جديد، يأخذ من البطيخ مواصفات الحجم و من الشمام لونه البرتقالي وسمك القشرة الخارجية ويكون أفضل من حيث المذاق.
مستهلكون يتنقلون بين نقاط البيع بحثا عن النوعية
لاحظنا خلال جولتنا، بأن أكثر المناطق التي تشتهر بهذه الفاكهة هي بلديات الإقليم الشمالي من الولاية، على غرار  الرقيبة و  قمار و تغزوت بالإضافة إلى بلديات ورماس و البياضة والرباح.
و يقول عمي أحمد من بلدية النخلة، بأنه يتنقل كل مرة أو مرتين في الأسبوع، إلى السوق المركزي أو بعض البلديات الشمالية بالوادي  بحثا عن أجود أنواع البطيخ الأبيض، وذلك لحبه لهذه الفاكهية الموسمية اللذيذة،  التي تخلو زراعتها من الأدوية الفلاحية و المبيدات الحشرية.
أما الشاب حمزة، فأخبرنا، بأنه يدمن أكل البطيخ و أنها عادة يتشارك فيها مع والده، وأن هذه الفاكهة هي المفضلة لكل أفراد العائلة، ولذلك فإنه يشتري منها كمية كافية بشكل شبه يومي، ولا يتردد في التنقل من وسط المدينة إلى دائرة حاسي خليفة، شرقي الولاية للحصول على أجود الأنواع.
كما يؤكد الكثير من باعة فاكهة البطيخ الأبيض، بأن لديهم  زبائن دائمين  من بعض الولايات المجاورة، يتوقفون يوميا أمام طاولاتهم و شاحناتهم المركونة على مستوى الطريقين الوطنيين رقم 16 أو 48 لاختيار البطيخ المناسب للسهرة، خصوصا وأن سعر هذه الفاكهة مناسب و يتراوح بين 100 إلى 180دج للكيلوغرام، و هي فاكهة غنية بالألياف الغذائية التي تساهم في تحسين أداء الجهاز الهضمي لذلك يمكن تناول كميات كافية منها، دون الخوف من الإمساك، بل على العكس يؤكد أخصائيون في التغذية، بأن البطيخ الأبيض مناسب جدا لتنظيم حركة الأمعاء و تحسين صحة القولون والحماية من خطر انسداده والحماية من سرطان القولون وسرطان المستقيم وسرطان الأمعاء.
و يعد البطيخ الأبيض كذلك، من الأغذية الغنية بالعناصر الغذائية المفيدة، بما فيها البيتا كاروتين الذي يحتاجه الجسم باستمرار، كما أنه مصدر جيد لفيتامين "أ" و ثبت أيضا، بأنه من بين مضادات الأكسدة ومفيد للتقليل من خطر السرطانات، لأن المواد النباتية الموجودة في الكانتلوب، تعمل كمضادات للأورام والحماية من الجذور الحرة.
كما يعمل "البيتا كاروتين"، كمضاد قوي للأكسدة والتحفيز على نمو الخلايا الجديدة والتخلص من الخلايا الميتة وحماية الجلد من السموم والأضرار التي تؤدي إلى ظهور علامات الشيخوخة المبكرة على الجلد.
والبطيخ الأبيض، غني أيضا بالبوتاسيوم، المفيد إرخاء الأوعية الدموية، و تخفيض ضغط الدم، و ذلك لأن ضغط الدم المضطرب يمكن أن يحفز الجسم وفق بعض الدراسات العلمية على إفراز هرمون الإجهاد "الكورتيزول" كما يزيد البوتاسيوم، من تدفق الدم والأوكسجين إلى الدماغ، وذلك يؤدي إلى زيادة الشعور بالاسترخاء بالإضافة إلى الحد من هرمونات التوتر، ما يقلل من القلق ويساعد على النوم.

 منصر البشير

الرجوع إلى الأعلى