الــســاحــة الــفــنــيــة هــيـمـنــت عــلــيــهــا الـرداءة
الفنان  والمطرب السعيد بلال خريج مدرسة ألحان وشباب دفعة 1981 رفقة المطربة مليكة مداح، فنان متنوع الطبوع، من الصحراوي والبدوي الذي تأثر فيه بعبد الحميد عبابسة ورابح درياسة، إلى العصري النظيف والأغنية الوطنية الهادفة، سجل لحد الآن أكثر من 110 أغاني، يقول انه لا يزال وفيا للمطربين الكبار الذين صنعوا مجد الأغنية الجزائرية، ويرفض أن يدخل تجارة الفن، والتطفل كما يفعل شباب اليوم.
حاوره: محمد عدنان
 *- النصر:  بدأ الفنان السعيد بلال الغناء منذ عقود، وعايش مطربين كبار في سماء الأغنية الجزائرية، كيف يقيم  وضع الأغنية الجزائرية في الوقت الحاضر؟
+- السعيد بلال:  اعتقد أن الوسط الفني لم يتعفن منذ الاستقلال كما تعفن في السنوات الأخيرة، لقد صار الفنان الحقيقي لا قيمة ولا وزن له، ولا تاريخ له يذكر، وكأنهم دفنوا جيلا بأكمله في هذا الوطن، لكن هذا الجيل يأبى أن يزول ويندثر، وبقي في الميدان يناضل ويكتب ويسجل الأغاني والكلمات الجميلة المعبرة التي ترفع الأغنية الجزائرية خاصة والعربية عامة،  لقد همشوا أعماله  وصار الجمهور لا يسمع عنها، ولا توزع ولا تشاهد أو تبث في التلفزيون، وكأنه لا يبدل أي مجهود ولا يقوم بأي شيء أمام الموجات المتتالية من الطفيليين الذين غزوا الأغنية الجزائرية، واحتكروا الساحة الفنية والإعلامية برمتها.
الفنان الحقيقي فقد قيمته
*- ومن هو المسؤول عن هذا الوضع؟
+-  اعتقد أن القائمين على المؤسسة الوطنية للتلفزيون لهم نصيب من المسؤولية في هذا الشأن، و التلفزيون مسؤول على تهميش الكثير من الفنانين الحقيقيين الذين يؤدون أغان هادفة ونظيفة، أنا الذي غنيت عن رئيس الجمهورية أكثر من 10 أغاني بشهادة مسؤولين كبار، لكن ولا أغنية واحدة منها مرت عبر التلفزة الوطنية، وهذا مثال فقط، و أنا بكل تواضع أعتبر نفسي من رواد الأغنية الوطنية في العقود الأخيرة، و سأسجل عما قريب أغنية جديدة تحت عنوان « حبك غالي يا جزائر» من كلماتي وألحان عبد القادر شكري.
لكننا بالمقابل نلاحظ اليوم كثيرا أن كل من هب ودب يمر عبر التلفزيون، وتثبت أغاني شباب لا يمتون بصلة للفن، ولا يقدمون أغاني نظيفة وهادفة ذات غاية اجتماعية معينة، ومما  زاد في انتشار وتوسع هذه الظاهرة غياب لجنة مراقبة، لذلك نسمع اليوم كلمات سوقية، و اغاني لا قيمة ولا معنى لها.
*- لكن ماذا عن مسؤولية الفنانين أنفسهم عن هذا الوضع؟
+- نعم للفنانين نصيب من المسؤولية بطبيعة الحال، لأنهم غير متحدين وفشلوا في خلق قوة موحدة تأخذ بانشغالاتهم وتدافع عن حقوقهم ومصالحهم، كما  أن الأنانية المفرطة للبعض منهم ساهمت في تفشي هذا الوضع المتعفن وزيادة حدته.
*- ماذا تقول عن أغنية «الراي» التي تعرف انتشارا واسعا اليوم؟
+- من ناحية الإشهار والدعم أغنية الراي هي المهيمنة  في الوقت الحالي، لكنها ليست بالضرورة تمثل حقيقة الفن الجزائري، واعتقد انها لا تستطيع تربية أجيال  من الجزائريين وأن تكون القدوة لهم.
غياب لجنة مراقبة زاد في إنتشار الأغاني السوقية
*- لكن هناك عرض وطلب اعتقد، وهذا القانون معمول به في كل العالم؟
+- نعم قانون العرض والطلب مفهوم ومعمول بهن لكن دعني أقول أنه لا يوجد عدل في الإشهار وفي الدعوة للحفلات، هناك مغني توجه له الدعوات في كل الحفلات والملتقيات والمناسبات، وأغانيه تمر عدة مرات في الشهر الواحد عبر التلفزيون، في الجهة الأخرى هناك فنانين ومطربين ومغنيين لا  تجد أي اثر لهم، وقد لا تمر أغانيهم سوى مرة واحدة في السنة أو خلال سنوات.
من الناحية التجارية الأمر قد يكون مفهوما، لكن لا بد أن لا ننسى أن هذا السلوك هو في الحقيقة تكسيرا وتهديما للثقافة الجزائرية عموما، فمن غير المعقول مثلا أن نسمع خلال تظاهرة قسنطينة عاصمة الثقافة العربية مغني راي توجه له الدعوة عدة مرات وفي كل المناسبات التي عرفتها التظاهرة، وننسى او نتناسى عميد  وقامة مثل محمد الظاهر الفرقاني ، هذا غير معقول في رأيي.
دعني اقول هنا أننا أصبحنا أمام معادلة عنوانها « المضمون فارغ والإشهار كبير لا يوصف»، فنحن لم نعد نسمع عبر قنواتنا لا خليفي احمد، ولا رابح درياسة، ولا الطاهر الفرقاني، ولا عمار الزاهي ولا عزيوز رايس والقائمة طويلة، هؤلاء دفنوا وهم أحياء، فمن أين تقدم وتعطى القدوة لهذا الجيل بهذه الطريقة؟.
الراي لا يمكنه أن يربي الأجيال
*- يعني  أنت تتكلم عن اللحن والكلمات؟
+- نعم،  لكن الفن والأغاني عمادهما الإشهار والإعلان، وذلك يساهم بشكل كبير في انتشار وسماع الأغاني، وبالتالي نجاح هذه الأغاني في نهاية الأمر، ودور التلفزيون هنا مركزي وهام جدا.
*- وبطاقة الفنان ما هو دورها ومزاياها والفائدة منها؟
+-  وزعوا علينا بطاقات وجعلونا في نفس المرتبة، وهذا أمر غير طبيعي وغير معقول، فمثلا مطرب يتجاوز رصيده الفني 50 سنة لا يمكن أن نضعه في نفس المرتبة مع فنان لم يبدأ مشواره سوى قبل سنوات قليلة، ثم دفعوا بنا إلى صندوق الضمان الاجتماعي من أجل دفع الاشتراك،  وعليه فالسؤال المطروح هل الفنان الذي تجاوز سن التقاعد بكثير يعمل من أجل شراء كفنه، أم يهتم بمعيشته أم بالتقاعد؟.
دور التلفزيون والإشهار مهم لنجاح أي فنان
أما عن مزايا البطاقة فهي لا تقدم اي مزايا سوى بطاقة الشفاء فقط، ونحن كفنانين لا تهمنا هذه البطاقة بقدر ما تهمنا المادة رقم 11 من القانون الخاص بالفنان التي تتكلم عن منح 10 أو 15 سنة من الاشتراكات لفئة الفنانين حتى يتموا سنوات تقاعدهم، هذه السنوات تتقاسمها وزارتا الثقافة والعمل، لكن لحد الآن لم يظهر عنها أي شيء، ومعه ضاع أمل الفنانين وفرحتهم خاصة في ظل الظروف الصعبة الحالية.
*- وهل يقدم الديوان الوطني لحقوق التأليف والحقوق المجاورة دعما يذكر للفنان؟
+- كنت عضوا في اللجنة الخاصة بمنح بطاقة الانتماء للديوان، لكنني استغربت لأن هذه اللجنة لم تدم طويلا ولم تعمل سوى ثلاثة اشهر سنة 2013، بعدما جاء أمر من المدير العام بتجميد عملها دون تقديم أي سبب أو مبرر، وكذلك الأمر بالنسبة لثلاث لجان أخرى لم تنطلق أصلا في عملها، وبشهادة الجميع فإن عمل لجنتنا كان ناجحا ، وستجرى لاحقا انتخابات لتجديد هذه اللجان وأتمنى أن لا يكون مصير اللجان الجديدة كمصير سابقاتها.
لكن بصورة عامة فإن الديوان الوطني لحقوق التأليف والحقوق المجاورة يجتهد ويسعى لتقديم العون والمساعدة للفنانين قدر إمكانياته.
من غير المنطقي وضع كل الفنانين في نفس الرتبة   في البطاقة الفنية
*- و أنت السعيد بلال ما هو جديدك، وماهي آخر المهرجانات التي شاركت فيها؟
+- أنهيت قبل مدة قصيرة تسجيل شريط جديد يحوي سبع أغاني في نوع العصري منها أغاني « كي اليوم تديري الخاتم»، « يا سيد المير كونك فحل واحكم بالعدل والحق» ،     « شوفي شوفي» وغيرها، وهي أغاني ذات طابع اجتماعي، وسيصدر هذا الشريط هذه الصائفة عن دار التوزيع والتسجيل «فريد».
أخر مهرجان شاركت فيه كان مع البالي الوطني بمدينة قسنطينة في إطار تظاهرة قسنطينة عاصمة الثقافة العربية وهذا في نوفمبر الماضي، وقد كانت مشاركة فعالة بشهادة مديرة البالي وغيرها.

الرجوع إلى الأعلى