رياح التقليد و محاولات السرقة تعصف بالزربية الميزابية
تعتبر الزربية الميزابية الجزائرية، من بين القطع التراثية ذات الخصوصية الثقافية الهامة، لكنها تواجه اليوم تحديات حقيقية، حيث تعصف بها رياح التقليد و تهددها محاولات سرقتها و نسبها إلى ثقافات أخرى بدول الجوار، بهدف الطعن في تاريخها، فهناك من يدعون بأنها موروث يهودي، و يطلقون عليها تسميات مختلفة لا تمت لأصلها بأية صلة، حسبما أكده حرفيون من غرداية، يعرضون نماذج منها هذه الأيام بقسنطينة، في إطار احتفالات يناير.
« قندورة موزابيت».. مذكرات النساء على قطع نسيج
يقول الحرفي سلمان عبد العزيز، ابن وادي ميزاب، بأن الزربية الميزابية تنقسم إلى نوعين، الأولى هي زربية «بن يزقن»، وهي قطعة أمازيغية مشتركة معروفة في مناطق الشاوية و القبائل و ميزاب على وجه العموم، لكن بالمقابل يقتصر النوع الثاني المعروف باسم « قندورة موزابيت» ، نسبة إلى ثوب نساء المنطقة، على مدينة غرداية ، و هو منتج ذو طابع محلي خالص.
و تكمن أوجه الاختلاف بين الزربيتين في الرموز المستخدمة في عملية النسيج، ف»زربية قندورة موزابيت»، حسبما أوضحه الحرفي، تتعدى كونها مجرد قطعة ديكور، بل هي جزء من الثقافة الميزابية تتجسد فيها الكثير من خصوصيات هذا المجتمع، فهذه الزربية التي يعد نسجها حكرا على النساء، تروي قصصهن من خلال أشكالها و ألوانها، وهي تشبه رسالة من صوف تهديها الأم لابنتها المقبلة على الزواج كتقليد شائع، لذلك فأشكالها و رموزها هي عبارة عن ترجمة لمشاعر عديدة، علما أن ألوان هذه الرزبية الخاصة بالعروس، لا تحيد عن الأصفر و الأحمر و الأسود.
وحسب محدثنا، فإن كل نساء غرداية يملكن منسجا خاصا في منازلهن، و نسج الزرابي بالنسبة إليهن، ليس مجرد حرفة هدفها الكسب المادي، بل تعد الزرابي بمثابة صفحات لمذكرات خاصة، تروين عبر خيوطها قصص حياتهن، لذلك نجد الرموز الأكثر تداولا في هذه القطعة تمثل « مشط الشعر، حزام العروس، القصعة أو وعاء أو مثرد الطعام، بالإضافة إلى رموز أخرى تشير لخزانة العروس و لبيتها و تفاصيل عديدة تخص حياة المرأة في منزلها» ، وخلافا لذلك، فإن زربية بن يزغن، تعتبر موروثا يشترك فيه كل أمازيغ الجزائر، لذلك فأشكالها تختلف و تتنوع و تغلب عليها عادة الرموز الأمازيغية و حروف التيفيناغ، وبعض الأشكال الهندسية.
أما في ما يخص ألوان الزربية الأمازيغية التقليدية و مواد نسجها، فيوضح بعض الحرفيين المشاركين في المعرض الذي يحتضنه قصر الثقافة محمد العيد آل خليفة بقسنطينة على مدار الأسبوع الجاري، بأنها تتنوع ، و تنوعها يحدد أسعارها، فالأعلى جودة هي تلك المنسوجة بخيوط الصوف و القطن الأبيض و تنطلق أسعارها حسب حجمها من مليوني سنتيم إلى 6 ملايين وحتى 8 ملايين سنتيم.
أما الأقل جودة فهي الزرابي المنسوجة فقط من القطن الصناعي الأبيض و تكلفتها تتراوح بين مليون إلى 3أو 4 ملايين سنتيم، علما بأن فترة نسجها تتطلب حوالي شهر و نصف إلى شهرين، و أكبرها حجما لا يتعدى طولها 4 أمتار، أما طول أصغرها فحوالي 60 سنتيمترا، و بالنسبة لطريقة تلوين صوفها، فلم تعد تقليدية خالصة، فرغم أنها لا تزال تتم في المنازل، إلا أنها تتم بالاعتماد على الألوان الصناعية الكيميائية و ليس الألوان الطبيعة.
المعارض الحرفية جدار
صد أمام محاولات السرقة و التحريف
يواجه هذا الإرث الثقافي اليوم، الكثير من محاولات السرقة والتزييف، كما أكده الحرفي سلمان عبد العزيز، فبعض الحرفيين في بلدان الجوار، على غرار تونس، يقومون بتقليد الزربية الميزابية و الأمازيغية عموما، و ينسبونها إليهم، وهو ما تم اكتشافه عن طريق سياح أجانب، أكدوا وجود ذات المنتج في أسواق تونس لكن بجودة أقل، الأمر الذي استدعى تدخل بعض الحرفيين الجزائريين و تحديدا المزابيين، حيث تنقلوا إلى تونس، كما أوضح، و ناقشوا شرط عدم نسب هذا الموروث لغير أهله مع الحرفيين التوانسة.
ولا تقنصر محاولات المساس بزربية ميزاب على هذا الشق فحسب، بل أشار محدثنا إلى أن هنالك من ينشرون أكاذيب تمس بأصل هذا الموروث، كالقول بأن أصله يهودي و بأن اسم الزربية القديم كان مختلفا، وبأنها كانت تعرف باسم «زربية النيلة و العظم» و غيرها من المغالطات الكثيرة التي تهدف لتشويه التاريخ وسرقته، لذلك فإن المشاركات في المعارض الوطنية للحرف التقليدية لا تهدف، حسب محدثنا، إلى تحقيق الربح التجاري فقط، بل أيضا التعريف بهذه الزربية و التأكيد على هويتها.
من جهة أخرى، فإن مشكل التقليد الصناعي، أيضا بات يطرح كإشكال حقيقي، فالمصنعون نجحوا، على حد تعبيره، في تقليد النموذج الأصلي بعد سرقته، و باتوا يغرقون السوق بزرابي غير يدوية الحياكة، وبتكلفة أقل من تكلفة الزربية التقليدية، ما انعكس سلبا على واقع ممارسة الحرفة و أحال حرفيات و حرفيين كثر على البطالة .
هدى طابي
موروث تقليدي ذو خصوصية ثقافية
- التفاصيل
-
درس في مناهضة الاستعمار: فيلم “ معركة الجزائر” حاضر في اعتصام طلبة جامعة ستانفورد
اختار الطلبة المعتصمون لأجل غزة، بحرم جامعة ستانفورد بأمريكا فيلم معركة الجزائر لشحن طاقة الصمود والتحدي...
طلبة يتحركون لمواجهة محاولات السطو: التراث الفلسطيني يزين بهو قصر الحاج أحمد الباي
اكتسى أمس، بهو متحف الفنون والتعبير الثقافية قصر الحاج أحمد باي بقسنطينة حلة فلسطينية، تنوعت بين...
توجيهات عن بعد لتعزيز ثقافة المتابعة: مختصون يكسرون النظرة التقليدية للعلاج النفسي
استطاع أخصائيون نفسانيون من الجزائر، أن يصنعوا محتوى متخصصا مطلوبا على مواقع التواصل الاجتماعي يحظى بالمتابعة...
2500 سائح من 5 قـارات زاروها في شهرين: قسنطينة تعيش ربيعها السياحي
تستعيد قسنطينة بريقها و تستقطب السياح بشكل مكثف في السنوات الأخيرة، ما يضعها في مقدمة الوجهات الثقافية...
عناية بحيوانات منزلية وتطوّع لعلاج أخرى مشرّدة: الرعاية الصحية للقطط ضرورة لتجنّب الأوبئة
يعرف الاهتمام بالرعاية الصحية للحيوانات تزايدا منذ الجائحة كما يؤكده بياطرة، قالوا إن المربين صاروا...
تنافس بقوة وتفرض إنتاجا مختلفا: هل ستنهــــي منصــات البــث التدفقــي زمن التلفـــاز؟
استثمرت منصات رقمية للبث التدفقي بقوة في عادات التلقي الجديدة التي شكلتها التكنولوجيا الحديثة، وذلك طوال...
موسم جديد ينطلق بقسنطينة: تقطير الورد والزهر يدخل دائرة الأنشطة الاقتصادية
تتعطر مدينة الصخر العتيق هذه الأيام، بنسائم الزهر والورد، الذي يفوح عبقه من بيوت ألف أهلها عادة التقطير، التي ظهرت...
تستقطب زبائن من دول مجاورة ولا تنام قبيل الأعياد: علي منجلي تتحوّل إلى عاصمة للتسوّق بالشرق الجزائري
أصبحت المقاطعة الإدارية علي منجلي في قسنطينة، عاصمة للتسوّق في الشرق الجزائري، بعد نجاحها في جذب...
أغنية "من زينو نهار اليوم" للراحل عبد الكريم دالي : نشيــد الفـــرح الخالــد في عيــد الجزائرييـــن
تشكل أغنية "من زينو نهار اليوم صحة عيدكم" للراحل عبد الكريم دالي، رمزا من رموز الهوية الموسيقية الجزائرية و الموسيقى...
تقليد مكرّس بقرى جبال جيجل: “لوزيعــة” عــادة الأجـداد لاستقبال الشهـر الفضيل
تحافظ العديد من العائلات القاطنة بأعالي جبال جيجل، على عادة "لوزيعة" قبل حلول شهر رمضان الفضيل،...
<< < 1 2 3 4 5 > >> (5)