وادي بقراط ، الشاطئ الذي أبهر البايات والرؤساء وكل من وطئته قدماه، الناظر إليه من أعلى جبال الإيدوغ يخيل له وكأنه مسبح تحده جبال تكسوها غابات كثيفة خضراء، رماله الذهبية المائلة إلى البياض، تبدو وكأنها سلم عاجي يرتفع تدريجيا نحو الأشجار لتشكل مزيجا طبيعيا جميلا يشعر الزائر بالراحة والسكينة، هنا زرقة البحر ونقاؤه التي اكتشفها بحارة الباي،  وما زالت تستقطب السياح من مختلف الأمصار إلى اليوم.
يُعد شاطئ جنان الباي المعروف بواد بوقراط بعنابة، الواقع بإقليم بلدية سرايدي،على بعد 15 كلم من وسط مدينة عنابة، الوجهة الأولى والمفضلة للمصطافين و السياح، و زوار بونة في فصل الصيف، لما يتميز به من مقومات طبيعية سياحية ساحرة ومناظر خلابة، تجمع بين زرقة البحر واخضرار الجبل والشجر.
و رغم وعورة المسلك المؤدي إليه عبر منحدر سحيق كثير المنعرجات، إلى أن قاصديه  يستطيعون الوصول إليه من طرق مختلفة، انطلاقا من سيدي عيسى بأعالي عنابة عين عشير، وكذا الطريق الرئيسي المؤدي لسرايدي عبر جبال الإيدوغ.  
هدوء لا تكسره إلا أصوات الأمواج
وتجد العائلات و المصطافون الباحثون عن الراحة والمتعة في شاطئ « واد بقراط»، الخيار الأمثل لما يتوفر عليه من خصوصيات طبيعية  تجمع بين البحر الذي تحيط به غابة مترامية الأطراف، حيث يتميز  بهدوء كبير لا تكسره إلا أصوات الأمواج،  إذ لا  توجد بجانبه أي طريق، فالمكان لن يصله إلا من قصده عمدا، كما يتوفر على حظيرة واسعة لركن المركبات، فضلا عن وجود تغطية أمنية واسعة ، حيث تسخر المجموعة الإقليمية للدرك الوطني كل موسم كتيبة  لتأمين الشاطئ، ناهيك عن الدوريات المتنقلة لفرقة  الوطني  ، فيما يتوفر الشاطئ أيضا على طول امتداده على مظلات شمسية تقليدية مصنوعة يدويا مغطاة بعشب مجفف ينمو على ضفاف الوديان، ويشق الشاطئ واد  صغير يصب في البحر ينخفض مستوى جريان الماء فيه صيفا.
وادي بقراط ليس اسم الشاطئ الأصلي، فاسمه الأول والأصلي هو «جنان الباي»، حيث تعود  هذه التسمية إلى حقبة غابرة من الزمن، إذ تقول الروايات التاريخية المدونة، بحسب رئيس بلدية سرايدي محمد ثابت، أن تاريخ شاطئ جنان الباي ضارب في عمق التاريخ، و أن تسميته تنسب لأحد بايات قسنطينة، الذي كلف بحارة للبحث   عن مكان بحري شاسع للراحة تشرق وتغرب منه الشمس، وبعد فترة من البحث بالساحل الشرقي، تم اكتشاف هذا الشاطئ الجميل والجذاب الذي أعجب به باي قسنطينة، إذ كان يقصده  بحرا لعدم وجود منفذ بري في ذلك الزمن.
وقد تم تشييد قصر صغير للباي يُطل على الشاطئ الموجود وسط حوض جبلي على شكل خليج، حيث ما تزال آثاره شاهدة على تلك الفترة، كما قام الباي بغرس عدة أنواع من الأشجار المثمرة، على شكل بستان كبير، إذ  ما تزال أشجار الزيتون موجودة إلى اليوم وتقدم إنتاجا وفيرا تستغله حاليا العائلات المحلية المقيمة بجبال الإيدوغ.
وقد أسس الأتراك، بإنشاء هذا البستان انطلاقة لفلاحة فعلية بجبال سرايدي، كما توجد مقبرة غير بعيدة عن قصر الباي، ما يدل على وجود للإنسان بالمنطقة في القرن الماضي، فضلا عن بئر غير مستغل غمرته الأتربة.
وظل شاطئ جنان الباي يحافظ على طبيعته الخلابة لعقود، حيث  لا يمكن الوصول إليه إلا عن طريق البحر، إلى غاية فترة الاحتلال الفرنسي للجزائر، أين قام الفرنسيون بشق طريق جبلي ترابي من أعلى الجبل نحو غابة الشاطئ، إلى جانب شق طرق ثانوية، لكن الفرنسيين لم يقوموا بإنجاز أي شيء بالمكان.  
  التسمية المحلية للشاطئ بـ « واد بوقراط» أرجعها رئيس البلدية  ، إلى نشاط تربية الأبقار البرية بالمنطقة من قبل السكان المحليين، حيث أن هذه البقرات تتخذ من الشاطئ في باقي فصول السنة ملجئا لها، إذ أنها تشرب من مياه  الوادي الذي يصب في البحر وتجلس في الرمال مقابل الشاطئ، وهو ما جعل السكان المحليين يطلقون عليه اسم « وادي البقرات» وتحول بعد مر السنين إلى اسم «واد بقراط» لتواجد عدد كبير من الأبقار بالشاطئ، والتي أحصتها البلدية بحوالي 720 بقرة، تختفي غالبيتها في فصل الصيف عند مجيء المصطافين.
المرتبة الأولى في استقطاب المصطافين
عند كل نهاية أسبوع يكتظ جنان الباي عن آخره بالمصطافين، حيث أن الملاحظ لحظيرة ركن السيارةـ يجد أن لوحات  السيارات تحمل أرقام  العديد من ولايات الوطن، كما وقفنا بالمكان على تراجع سطوة أصحاب الشمسيات، وبإمكان العائلات جلب معداتهم، دون أن يزعجهم أي أحد، إذ تتوفر أماكن  على طول الشاطئ، الذي يمتد على مسافة تزيد عن الكيلومتر الواحد.
وما تزال الشمسيات المغطاة بالأعشاب تميز المكان، حيث يقوم أشخاص بكرائها للمصطافين بأسعار تتجاوز 500 دينار، ومن أهم الخصوصيات التي تميز هذا الشاطئ، هو أن أغلب من يقصدونه من الفئات  ميسورة الحال والمغتربين وكذا الأجانب العاملين بالشركات الكبرى، والوافدين من الولايات المجاورة، لأن التنقل إليه يعتمد على امتلاك سيارة جديدة، كما أن مركبات النقل لا تعمل بهذا الخط لصعوبة الوصول إلي المكان.
ويُسجل المصطافون نقطة سلبية وحيدة في الشاطئ، والمتعلقة بصعوبة المسلك سواء في المنحدر عند الذهاب  والعودة عبر المرتفع الصعب، حيث يتطلب السير عبره حذرا شديدا والقيادة ببطء لتجنب وقوع الحوادث التي تكون غالبيتها مميتة، كما يطالب أغلب المصطافين بتسجيل مشروع لتوسعة الطريق، كون جنان الباي الأكثر استقطابا لزوار مدينة بونة خلال موسم الاصطياف.
 ويتطلب الشاطئ رعاية واهتمام أكبر ، حيث سجلنا العديد من النقائص لعل أهمها، انعدام حاويات للقمامة على طول الشاطئ والمداخل والمخارج، باستثناء مواقع مسيجة غير لائقة لرمي القمامة، وهو ما سهل على الأبقار المتجولة الولوج إليها وبعثرة القمامة، إلى جانب انعدام توصيلات لمنابع المياه الموجودة بكثرة في المنطقة، وكذا الازدحام المروري في الفترة المسائية عند مغادرة المصطافين، كما يشتكى المصطافون من ضعف الخدمات بالمطاعم ومحلات بيع المشروبات والأكل الخفيف، إلى جانب ارتفاع الأسعار.   
نادي المظلات الشراعية يُخرج سرايدي إلى العالمية

واستطاع نادي القفز بالمظلات الشراعية الذي يطلق عليه اسمه « سرايدي أدفانتير» تحويل هذا النوع من الرياضة الى عامل أساسي للترويج للسياحة بسرايدي وعنابة ككل، إذ يتم استقطاب هواة القفز من عدة ولايات من الوطن و مختلف دول العالم، حيث بات مقصدا للكثيرين القادمين من دول أوروبية من أجل القفز بالمظلات الشراعية من أعلى جبال الإيدوغ على ارتفاع 1800 متر، الى غاية الهبوط بشاطئ واد بقراط.
وخلال تواجدنا لإجراء الروبورتاج حول وادي بقراط كوجهة سياحية، وقفنا على وجود العديد من المظليين، حيث هبطت 6 مظلات كل واحدة تحمل اثنين إلى الشاطئ، وقد استطاع نادي «سرايدي أدفانتير» كسب اهتمام ومتابعة مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي، وبحسب تصريح مدير فندق المنتزه بسرايدي للنصر،  ينتظر خلال الأيام المقبلة استقبال وفد سياحي متكون من 25 شخصا قادمين من دول أوربية مختلفة، من أجل المشاركة في القفز عبر المظلات من أعلى جبال الايدوغ، فيما ذكر عضو من المجموعة، أن النادي أسسه شباب جامعيون يقيمون بسرايدي واستطاعوا تجسيد الفكرة التي لقيت نجاحا باهرا واستقطابا من مختلف دول العالم، حيث بلغ عدد أعضائه 700 عضوا ناشطا.    
تعثر الاستثمار في الشاطئ لصعوبة التضاريس
وتحدث رئيس بلدية سرايدي، عن وجود مشاكل طبيعية تعيق الاستثمار في الشاطئ، حيث أوعز الأمر إلى صعوبة الوصول عليه عبر الطريق الحالي، المتميز بالانحدار الشديد ووجود منعرجات، ما صعب تجهيزه بالوسائل الضرورية، حيث يفتقد للتوصيل الكافي بالمياه وشبكات الطاقة، باستثناء استغلال منابع طبيعية من قبل أصحاب الأكشاك الموجودة بالشاطئ، كما يفتقر لشبكة الكهرباء، وفي هذا الشأن تم تسجيل مشروع تزويد الشاطئ بألواح الطاقة الشمسية، غير أن العملية، توقفت بسبب حادث المرور الذي وقع العام الماضي، حيث انحرفت الشاحنة التي كانت تنقل المعدات عن مسارها ، ما خلف مقتل شخصين، وإصابة ثالث بجروح.
كورنيش جديد لفك العزلة
وربط رئيس بلدية سرايدي الاستثمار في الشاطئ وتطويره، باستلام مشروع الكورنيش الجديد الممتد من منطقة عين عشير ورأس الحمراء ببلدية عنابة، بشاطئ واد بقراط على مسافة 6 كلم، حيث وصلت أشغال شق الطريق إلى نحو 4 كيلومترات، مع انجاز الأشغال الكبرى المتمثلة في الجسور، حيث ما تزال مؤسسات الإنجاز تواجه إلى اليوم صعوبات التقنية وطبيعية.
وخصص للمشروع غلاف مالي يقدر بأكثر من 300 مليار سنتيم، مع تجهيز هذا الطريق بكامل المرافق، أسندت الأشغال لشركة «ألترو» المختصة في أشغال الطرق، حيث يكتسي هذا الطريق حسب مسؤولي قطاع السياحة أهمية قصوى في الدفع بعجلة القطاع بالولاية، باعتباره طريقا استراتيجيا من شأنه تسهيل الاستثمارات السياحية والاستغلال المناظر الخلابة في انجاز مرافق للنزهة والترفيه.
ل.ق/ح.د

الرجوع إلى الأعلى