طاولات لبيع الحلويات والخضر والشاربات، رجال وشيوخ وأطفال يتجولون و يجتمعون في الأزقة، وعائلات تخرج للتبضع تحضيرا للعيد، هي أجواء يعيشها قاطنو الأحياء الشعبية بمدينة قسنطينة، حيث لم تتأثر هذه المناطق بوباء كورونا والإجراءات الصحية والأمنية المعمول بها من أجل محاربته، في مظاهر تعكس نقصا كبيرا في الوعي لدى شريحة واسعة من السكان.

*  روبورتاج: حاتم بن كحول / تصوير: شريف قليب

وعلى عكس الأحياء حديثة النشأة والواقعة في المدن الجديدة، والتي تأثرت بإجراءات الحجر الصحي، كان الوضع مختلفا تماما بشوارع بعض الأحياء الشعبية في قسنطينة، حيث وجدنا أن سكانها يعيشون حياة عادية وكأنهم يتواجدون في زمن آخر غير زمن الكورونا. جولتنا بدأت من حي الأمير عبد القادر «الفوبور» الذي دخلناه عبر الطريق العلوي المؤدي مباشرة إلى المستشفى الجامعي، وقد كانت الساعة تشير إلى الخامسة و15 دقيقة عند اقترابنا من وسط الحي على بعد أمتار من مسجد «الإيمان»، وهنا صادفنا ازدحاما مروريا تشكل بسبب السوق الفوضوي.
وما هي إلا أمتار حتى لمحنا شمسيات من الحجم الكبير مختلفة الألوان، يستخدمها الباعة الفوضويون للاحتماء وسلعهم من أشعة الشمس أو الأمطار، حيث دخلنا السوق الذي كان يعج بالباعة الذين احتلوا حواف الطريق، فيما كان سائقو السيارات يركنون مركباتهم من أجل اقتناء مختلف المواد، وهو ما خلف غضبا كبيرا لدى السائقين الذين هم في عجلة من أمرهم.
إقبال كبير على الزلابية وباعة يتزودون من ورشات سرية
وقد وجدنا مئات المواطنين يتسوقون من الطاولات، فيما كان الإقبال أكثر على باعة البيتزا التي تشكل طابور صغير لأجلها، كما تباع الحلويات بأنواعها حيث كان الطلب أيضا على الزلابية وقلب اللوز والمرطبات، ليتم تعويضها بكميات أخرى بسرعة كلما تنفد.
قررنا البقاء بعيدا لمراقبة وجهة أحد الباعة، والذين كان يتوجه إلى طابق تحت أرضي، وبعد أقل من 30 ثانية يظهر مجددا وهو يحمل مربعات حديدية بها مرطبات «تارتولات»، ليضعها مجددا على الطاولة، كما يقوم بقية زملائه بجلب كميات قلب اللوز من ورشات سرية تقع أسفل أحد المسالك، وبيعت أنواع أخرى على غرار «المقرقشات» و»الصامصة».
كما لاحظنا أن العديد من أطفال هذا الحي، يبيعون هم أيضا مختلف المواد، حيث يوفرون بعض السوائل على غرار الشاربات المصنوعة في البيوت وكذا اللبن، ولم تكن طاولاتهم مكتظة بالزبائن، خاصة وأن عدد باعة هذه السوائل كبير جدا وفي حيز جغرافي ضيق، وهنا لمحنا أيضا أطفالا آخرين بالشوارع الداخلية وهم يمارسون كرة القدم، فيما اكتفت الفتيات الصغيرات بالجلوس أمام مدخل السكنات ومراقبة حركة المارة.
لا أثر للكمامات!
وعند مواصلة طريقنا بهذا الحي الشعبي، شاهدنا أن بعض الكهول والشيوخ يتخذون من بعض الزوايا مكانا لهم من أجل تبادل أطراف الحديث، فيما كانت طاولات الخضر والفواكه منتشرة بقوة على حافتي الطريق، ومن خلال سيرنا بين المتسوقين، لمسنا تهاونا كبيرا من طرفهم حيث لم نصادف أي شخص يضع كمامة، كما لم يلتزم الباعة لا بوضع الكمامات ولا القفازات، و وقفنا أيضا على عدم مبالاة مواطنين اصطحبوا معهم أبناءهم، كما شاركوهم في الوقوف بطوابير غير منظمة لم تُحترم خلالها مسافة الأمان.
عند مسجد عبد الله بن عباس والذي يقع أيضا وسط سوق فوضوي، تكررت المشاهد ذاتها، من خلال انتشار الطاولات الفوضوية والتي كان يحيط بها عشرات الزبائن الذين تهافتوا على مختلف المواد، فيما كان الباعة يعملون كالنحل من خلال التوجه إلى الورشات السرية لجلب كميات إضافية من الحلويات، وبيعها في وقت قياسي نظير الإقبال الكبير على تلك المواد من طرف المواطنين.
وعلمنا من أحد الباعة أن جل الزبائن لا يقطنون بحيهم وإنما يأتون خصيصا لاقتناء بعض المنتجات، فيما يستثمر البعض الآخر في مرورهم على المكان من أجل شراء بعض المواد.
ألعاب العيد تُباع أيضا!
سرنا لأمتار أخرى وتأكدنا من أن سكان هذا الحي يعيشون حياة جد عادية سواء الخاصة بشهر رمضان أو بالاستعداد لعيد الفطر، حيث تفاجأنا برؤية شباب يحملون صينية حديدية في شكل مستطيل بها حلوى تقليدية «مقرود» وهم في طريقهم إلى وضعها بإحدى المخابز من أجل طهيها، كما شاهدنا طاولات بيع المسدسات البلاستيكية والألعاب والبالونات وكأن عيد الفطر بعد 24 ساعة أو أقل.
بعد مرورنا من مسجد عبد الله بن عباس، أصبحت حركة المرور سلسة، وما هي إلا ثوان حتى وصلنا إلى مفترق الطريق المؤدي إلى الجسر العملاق وبقية المسالك على غرار أحياء الزيادية وجبل الوحش يسارا و الإخوة عباس والدقسي عبد السلام يمينا، حيث سلكنا اليمين من أجل الوقوف على مدة تجاوب سكان حي الإخوة عباس «وادي الحد» مع إجراءات الحجر الصحي.
محور دوران الإخوة عباس يتحول إلى «ملعب»
كلما اقتربنا من الإخوة عباس إلا وتعطلت أكثر حركة المرور، وصولا إلى محور الدوران المؤدي إلى الحي، والذي كان يعج بالمواطنين وكأنه ملعب تملؤه الجماهير، حيث اتخذ شباب وسط المحور للجلوس والاستلقاء على العشب الطبيعي، في شكل مجموعات، فيما فضل شيوخ وكبار السن الاتكاء على سور صغير، دون أن يحترموا مسافة التباعد الاجتماعي، كما لم يرتدوا كمامات، فيما كانت الحركة تدل على أن هذا الحي يعيش حياة أكثر من عادية.
توغلنا داخل وادي الحد، وتفاجأنا لما وجدناه حيث كان يعج بالمواطنين، فيما انتشرت طاولات الباعة الفوضويين الذين يعرضون مختلف المواد الغذائية على غرار الحلويات والمكسرات والشاي واللبن وأكياس الشاربات، كما انتشرت طاولات بيع البيتزا، وهي مظاهر سبق وأن شاهدناها في حي «الفوبور» ولكن الجديد في «وادي الحد» هو طاولات بيع الملابس التي كانت تعرف إقبالا كبيرا من طرف مواطنين لم يتركوا مسافة الأمان في ما بينهم وهمّهم الوحيد  كان اقتناء لباس جديد ليوم العيد.
واصلنا التوغل داخل «وادي الحد» لنشهد على شجار عنيف نشب بين شخصين من نفس الحي، وكانت الجموع الغفيرة تتابع أدق جزئيات الشجار وأجسادهم متلاصقة دون اهتمام بإمكانية انتشار الوباء بينهم، خاصة وأنهم لم يضعوا الكمامات، ليتحول العراك من هؤلاء الشخصين، إلى مجموعة من الشباب مع أحد السائقين الذي كان يقوم بتصوير فيديو للحادثة، حيث تم تجريده من الهاتف فيما واصل مواطنون مراقبة ما يحدث.
عناق وتقبيل في حي بودراع صالح
وبحي بودراع صالح المعروف بسوق الخضر والفواكه، شاهدنا شمسيات كبيرة مختلفة الألوان بمساحة بها مئات المتسوقين، ونظرا للإقبال الكبير على هذا السوق من سكان قسنطينة، تشكل ازدحام مروري بالطريق، أما داخله فقد تجمع عشرات المواطنين قرب الطاولات دون احترام مسافة التباعد الاجتماعي، كما لم يضع لا التجار ولا الزبائن كمامات، باستثناء بعض منهم، وشاهدنا أن بعض الأولياء اصطحبوا معهم أبناءهم إلى هذا المرفق الذي يشكل خطرا عليهم.
توغلنا داخل أزقة الحي الضيقة، و وقفنا على حالة من اللامبالاة لدى العديد من المواطنين، حيث تفاجأنا بالطاولات منتشرة بشكل فوضوي على حافتي الطريق، ولاحظنا أن أصحابها جلهم شباب يقبلون ويعانقون بعضهم البعض عند التقائهم دون مراعاة إمكانية انتقال فيروس «كوفيد 19» من شخص إلى آخر ودون ارتداء كمامات، فيما لمحنا طابورا من المواطنين الذين كانوا بصدد الانتظار أمام أحد السكنات، ليتضح أنهم يقتنون القهوة.
كما وقفنا على أن أصحاب بعض المحلات يقومون بإدخال عدد كبير من الزبائن رغم أن القانون يعاقب على ذلك في إطار محاربة تفشي الوباء، فيما قام عشرات التجار بتغيير نشاطهم في شهر رمضان والتحول إلى بيع البيض والزيتون وبعض المواد الغذائية، وكذلك بيع الحلويات بأنواعها خاصة وأن الإقبال عليها كبير في الأحياء الشعبية.
ومررنا بعدها بأحياء شعبية أخرى على غرار «البراشمة» و»جنان الزيتون»، حيث لم تختلف مظاهر التهاون من المواطنين بهذا الوباء، حتى أن البعض منهم كانوا يظهرون استغرابا عند مشاهدة أحدهم بكمامة، وزيادة على كل ذلك، فإن هذه التجمعات تعرف خروجا جماعيا للسكان بعد الإفطار، حيث يتجمعون داخل الأحياء في أجواء رمضانية، حاملين أكواب الشاي والقهوة بمختلف الأماكن التي تعودوا على الجلوس بها، وسط أصوات لهو الأطفال الذين يخرجون بقوة أيضا بعد آذان المغرب، كما تعرف مختلف الزوايا تجمعات للشباب الذين يمارسون لعب الأوراق و»الدومينو»، فيما يواصل بعض التجار عملهم بشكل عادي على غرار بيع القهوة والشاي والشواء وحتى ببعض الأكشاك التي تقع داخل أماكن مغلقة.
توقيف 402 مخالف للحجر الجزئي خلال يومين
وأوقفت مصالح أمن ولاية قسنطينة يومي الجمعة والسبت، 402 شخص خالفوا إجراءات الحجر الجزئي، من بينهم 15 أخضعوا لاختبار حالة، حيث تم حجز كمية من المخدرات و المؤثرات العقلية، كما تم اعتراض 22 مركبة و 4 دراجات نارية و تحويلها إلى المحشر، إضافة إلى اتخاذ الإجراءات القانونية في حق صاحبي محلين تجاريين.
وأضاف بيان صدر أمس عن خلية الاتصال بمديرية الأمن، أن هذه التدخلات شملت العديد من الأحياء والتجمعات السكنية عبر كامل الولاية بما فيها الدوائر، ومنها مفترق الطرق جوابلية، بومرزوق، لوناما، الكيلومتر الرابع، و شعب الرصاص، و كذا إقليم أمن دائرة الخروب بحي 01 نوفمبر1954، 1013 مسكنا، 1039 مسكنا، 1600 والقطب الحضري ماسينيسا، أما في أمن دائرة علي منجلي فشملت الوحدات الجوارية  1و 5 و6 و7 و8 و9 والمنطقة الصناعية و كذا جامعة قسنطينة.                               ح/ب

الرجوع إلى الأعلى