سائقون لا يحترمون القانون وراجلون يجهلونه
يطرح الارتفاع المخيف لحوادث المرور أسئلة مشروعة حول الثقافة المرورية عند المواطن ومدى فهمه للقوانين التنظيمية واحترامها، خصوصا وأن الأرصفة و الممرات كثيرا ما تتحول إلى مواقف للركن و مساحات للاستغلال التجاري الفوضوي، فيما يفضل راجلون مزاحمة السيارات على الطرقات بدلا مع استخدام الممرات أو المعابر المعلقة.

لينة دلول / هدى .ط

الإنسان المسبب الأول لحوادث المرور
و تشير إحصائيات حديثة نشرتها المدرية العامة للأمن الوطني، عن الحوادث الجسمانية المسجلة في المناطق الحضرية، من الرابع جانفي الماضي إلى غاية 17 من نفس الشهر، بأنه تم خلال الفترة المذكورة إحصاء 539 حادثا خلفت 640 جريجا و 23 قتيلا، و يعد العنصر البشري المسبب الأول لـ 269 حادثا بنسبة 96 بالمائة، فيما سجلت أربع حوادث سببها المركبات و سبع حوادث بسبب الطريق والمحيط.   والواضح من خلال معطيات الجدول، بأن الإنسان يعتبر المسبب الأبرز للحوادث، بفعل التهاون وعدم احترام قانون المرور، وهو ما لمسناه خلال جولة ميدانية بقسنطينة.
معابر و ممرات آمنة لكن دون استغلال
عدد كبير من المواطنين الذين راقبناهم خلال استطلاعنا، لا يستخدمون ممرات الراجلين، و يفضلون العبور بعيدا عنها بعدة أمتار، و يزداد الأمر سوء عندما يكون هناك اختناق في حركة المرور أين تعم الفوضى ويصعب السير على السائقين والراجلين، كما هو الحال عند مفترق الطرق بمدخل زواغي سليمان، فالسائقون هناك لا يحترمون في أغلبهم ممر الراجلين ولا يخففون السرعة عند الوصول إليه، بل ولا يتوانون في القيام ببعض مناورات التجاوز الخطيرة.
 من جانبهم قليلون جدا هم المارة الذين يستخدمون الممر العلوي المتواجد على بعد خطوات من محطة الحافلات بذات المنطقة، إذ يعمدون إلى قطع الطريق أسفله أو بمحاذاته مخاطرين بحياتهم فيما يشبه عملية انتحارية يصعب فهم أسبابها، وقد سألنا بعضهم عن الأمر فقالوا بأن في ذلك اختصارا للمسافة وكسبا للوقت.
لاحظنا كذلك، خلال جولتنا، بأن عدد ممرات الراجلين المخططة قليل جدا بالقرب من المدارس خصوصا في التجمعات العمرانية والأحياء، ناهيك عن غياب شبه تام لإشارات ولافتات التوجيه والتحذير،  وقد وقفنا على نوع من الفوضى في عملية عبور التلاميذ للطرقات، على مستوى الحي سالف الذكر وأحياء أخرى بوسط المدينة وبالصوف إلى جانب تكرار المشهد بالمدينة الجديدة علي منجلي و كذا في بلديات مثل الخروب وعين سمارة.
نفس السلوك تكرر فيما يتعلق بعدم استخدام المعابر الحديدية والإسمنتية الخاصة بالراجلين، و التي تهدف إلى التقليل من الحوادث بالنقاط الرئيسية كثيفة الحركة خصوصا بالقرب من محطات نقل المسافرين، فخلال ساعة إلا ربع من مراقبة الممر العلوي المحاذي لمحطة جنان الزيتون والرابط بين الحي و محطة نقل المسافرين بالمنطقة الصناعية بالما، لاحظنا بأن 90 بالمائة من الراجلين يقطعون الطريق بفوضوية ويتجنبون الممر رغم أنه لا يبعد عنهم سوى بأقل من مترين، حتى أن بينهم من يقطعون الطريق مباشرة بعد نزولهم من الحافلة دون الانتباه أساسا إلى وجود الممر، علما أن أكثر من استخدمه كن شابات أو سيدات يرافقن أطفالا، تقربنا من بعض المواطنين الذين نزلوا لتوهم من حافلة عاملة على خط بوالصوف ـ جامعة الإخوة منتوري، وسألناهم عن سبب إغفالهم للمعبر و تجنب استخدامه، فتحججت سيدة بأنها تعاني من ألم في ركبتها ولا تحتمل صعود السلالم، وقال شاب بأنه يقطع الطريق في لمح البصر بينما يضيع أربع دقائق إلى خمسة، في حال استخدم الممر المعلق، وقالت شابتان، بأنهما تضطران إلى القيام بجولة مشي إضافية في حال استخدمتا «الجسر» لأن مدخله و مخرجه بعيدان عن نقطة توقف الحافلة بما يزيد عن خمسة أمتار تقريبا، وقد تضيعان الحافلة التالية، في حال لم تسارعا إلى قطع الطريق و مرتا فوق المعبر الحديدي.
خلال تواجدنا في المكان، شهدنا بعض الحوادث الوشيكة التي كاد يتسبب فيها تهاون بعض المارة وجنون السرعة عند بعض السائقين، وأكثر ما سمعناه طيلة ذلك الوقت هو مزمار السيارات وبعض عبارات التحذير أو    اللوم.
من جانبهم تحدث مواطنون في حي بوالصوف، عن مشكلة انعدام الممرات المعلقة، رغم تكرار وقوع الحوادث في بعض المحاور كثيفة الحركة، وقال كهل، بأن سكان الحي يواجهون مخاطر يومية بسبب فوض الطرقات في المنطقة.
الأرصفة للسلع والسيارات.. و الطرقـات للمارة 
شدنا كذلك خلال جولتنا، التهاون الكبير في استخدام الأرصفة فالكثيرون كما لاحظنا، يمشون على الطريق بدلا من الرصيف، حتى أن هناك من يسيرون بقربه مباشرة، والسبب هو  إما اهتراء نسبة كبيرة من الأرصفة أو على الأقل أجزاء منها، أو استخدامها لغير وظيفتها، فالكثير من الأرصفة سواء بوسط المدينة أو على مستوى الأحياء، تحولت إلى أماكن للوقوف والتوقف و ركن السيارات، كما أن بعضها مستغل بطريقة غير قانونية من قبل تجار يعرضون سلعهم خارج المحلات، والأدهى أن من بينهم من يحتلون جزءا من الطريق المحاذي للرصيف، بوضع كرسي أو حاجز ما لمنع المواطنين من الوقوف أو ركن سياراتهم قبالة المحل، وهو تحديدا ما يضطر المارة إلى استخدام الطريق ومزاحمة السيارات.
وقد سألنا بعض المواطنين عن سبب ميلهم لركن سياراتهم على الأرصفة، فقال شاب ثلاثيني، بأن شح الحظائر والمساحات المخصصة للركن في المدينة يضطرهم إلى ذلك، بالمقابل تحدث أحد التجار، عن مشكل ضيق الطرقات والأحياء بوسط المدينة.
مواطنون لا يعرفون قانون المرور
 حاولنا خلال استطلاعنا رصد الثقافة المرورية عند بعض المواطنين، خصوصا بعدما لاحظنا بأن الإشارات واللافتات التوجيهية قليلة في الشوارع، و أن ما يتوفر منها لا يحظى باهتمام الكثيرين، فسألنا البعض عن قانون المرور واتضح، لنا بأن السائقين و الكهول و الشباب هم أكثر من يعرفونه و يدركون معاني إشارات التحذير والتنبيه والتوجيه، بالمقابل ذكرت بعض السيدات من غير السائقات قليلا من الإشارات، و توقفت ثقافتهن عند حدود إشارات الوقوف و تحديد السرعات و علامات التجاوز المحظورة  أما المراهقون والأطفال فلا يعرفون عنه شيئا تقريبا، حتى أنهم تعاملوا مع سؤالنا لهم بنوع من السخرية،و هناك تلاميذ ذكروا بعض الإشارات فيما قال آخرون، بأنهم يعرفون فقط الأضواء الثلاثية وإشارة قف.
و لعل هذا التهاون فيما يخص فهم قانون المرور و من ثم احترامه، هو  ما يفسر أسباب الحوادث التي تقع كثيرا، على مستوى محطات ترامواي قسنطينة، فبالرغم من التحذيرات المستمرة لأعوان الأمن و الحراسة، إلا أننا نلاحظ بشكل يومي تدافع الركاب نحو الحافة بمجرد اقتراب عربة الترامواي من المحطة، غير آبهين بإمكانية تعثرهم و وقوعهم داخل السكة، كما أن هناك من يعبرون إلى الضفة الأخرى أثناء تحرك عربة الترامواي دون خوف، فيما يشيع جدا عبور السيارات المسرعة للسكة في أوقات تتزامن تقريبا مع توقيت مرور القطار الحضري في مشهد غير عقلاني.

* الخبير في السلامة المرورية امحمد  كواش
الاختبـار النفسـي للسـائقـين أصبـح ضـرورة
يقول الخبير في السلامة المرورية، الدكتور امحمد كواش بأن احترام قانون المرور، مقياس لتحضر الشعوب، وأن إشكالية الثقافة المرورية في الجزائر، مرتبطة بعوامل كثيرة أبرزها غياب دور الأسرة و المؤسسات  التربوية المطالبة بالاجتهاد أكثر لتشكيل وعي الناشئة فيما يتعلق بآداب الطريق، كما أنها مهمة تشمل أيضا مدارس السياقة، الواجب عليها تهذيب الجانب النفسي للسائقين و ترسيخ ثقافة احترام القانون.  وقال المتحدث، بأن تغيير الذهنيات و السلوكيات مرتبط بالاهتمام بالعامل البشري و تكوين جيل يدرك قيمة الحياة و قدسية القانون، مشددا على ضرورة أن تنخرط رياض الأطفال، في العملية من خلال الانتباه لسلوكياتهم و تعزيز القيم المجتمعية لديهم، بما في ذلك احترام المحيط  و الأفراد بما يساعد على تدعيم جهود الدولة الرامية إلى الحد من إرهاب الطرقات، خصوصا في ظل ضعف مردود الأساليب الردعية، التي تبقى غير كافية بسبب انعدام الثقافة المرورية لدى السائقين و جنوحهم للإفراط في السرعة والتهور على الطرقات، مضيفا، بأن فرض اختبار نفسي للسائقين خلال امتحانات الحصول على رخصة السياقة، بات ضرورة للتأكد من أهلية السائق ومدى استعداده لتطبيق ما تعلمه نظريا طيلة فترة التكوين، كي لا نصطدم لاحقا بسائق متهور أو عدواني. وأرجع المتحدث في الأخير، سبب عدم احترام السائقين والراجلين لبعض القواعد المرورية للتهور و الأنا الفردي و عدم الخوف من الردع.

* تكوك سوخال رئيس جمعية النور  للسلامة المرورية
التــــجاوب مــع حمــــــلات التحسيس محبط
من جهته، قال رئيس جمعية النور للأمن والسلامة المرورية، تكوك سوخال، بأن الفوضى المرورية زادت في السنوات الأخيرة وهو ما تعكسه بوضوح أرقام الحوادث والضحايا مضيفا، بأن التجاوب مع الحملات التحسيسية الدورية للجمعية كثيرا ما يكون محبطا،  خاصة من جهة السائقين الذين يظهرون لامبالاة واضحة.
وحسب المتحدث، فإن غالبية السائقين غير مدركين لأهمية احترام القانون في الحد من الحوادث ولذلك تحتل الجزائر المرتبة الرابعة عالميا من حيث إرهاب الطرقات.
ل. د/ هـ.ط

الرجوع إلى الأعلى